تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » طلاق » تهيئة الأطفال للانفصال : كيف تهئ أطفالك قبل الانفصال ؟

تهيئة الأطفال للانفصال : كيف تهئ أطفالك قبل الانفصال ؟

أحيانًا قد يكون الانفصال أمرًا لا مفر منه، وفي هذه الحالة عليك القيام ببعض الترتيبات الضرورية، ومنها تهيئة الأطفال للانفصال لكي لا يكون الأمر قاسيًا عليهم.

تهيئة الأطفال للانفصال

تهيئة الأطفال للانفصال قبل وقوعهِ هو أهم ما يجب أن يضعَه الوالدان على عاتقهما قبل الإقدام الفعليّ على الانفصال. فالعديد من الآباء يتخذون قرارَ الانفصال دون النظر إلى ما قد يقع على الأبناءِ من تأثيرٍ ليسَ بالحسَنِ بسبب هذا القرار. عادةً ما يكونُ الانفصالُ نذيرَ شؤمٍ بالنسبة إلى الناسِ، فتتوقفُ حياتُهم عنده، إلا أنه في كثيرٍ من الأحيانِ يكونُ أفضل اختيارٍ أمامَ الزوجين، يمكنُ من خلالِهِ أن ينعُما بحياةٍ جديدةٍ طبيعيّةٍ. وعلى أيةِ حالٍ، وسواء أكانَ وقع الانفصال سيئًا أم حسنًا على الآباء، إلا أنهُ غالبًا ما يكونُ سيئًا على الأبناءِ؛ فهو يجعلُ حياتهم غير طبيعيّة ويجعلُ نفوسَهم أكثر حساسيةً وهشاشةً، لذا؛ فإنهُ يجب على الآباء اتخاذَ أساليب حكيمة وذكية نحوَ تهيئة الأطفال للانفصال حتى يخرجونهم منهُ بأقل خسائر ممكنة.

طريقة تهيئة الأطفال للانفصال

عند قرار الانفصال

رُغم أن هذا القرار صعبٌ على الوالدين أن يخبرا بهِ أطفالهما، وربما يكونُ غيرَ يسيرٍ على الأطفالِ كي يدركوه، إلا أنه إذا ما توصل الوالدان إلى قرارٍ نهائيٍّ وجازمٍ بالانفصال، لا بد وأن يُعلما أطفالهما بهِ بكلِ صراحةٍ وحسم، وأن يكونَ في هذا الإعلام إشارةً إلى عدم إمكانية الرجوع عن القرارِ ثانيةً.

توابع الانفصال ومدى تأثيره على الأطفال

أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين يعيشونُ ببيتٍ مفككٍ، منفصل أحد أركانه عنه، هم أكثر عُرضةً للأمراضِ النفسية من غيرهم. وإذا ما لم يعمل الوالدان على تهيئة الأطفال للانفصال قبل الشروع فيه، سيؤدي ذلك إلى عواقب أسوأ وأبعد بكثير مما قد يخطر لهما على بال. فقد ثبتَ أنّ لجوء الأطفال للانحراف السلوكيّ والأخلاقيّ ورفقة السوء هو أكثر مشاعًا في الأطفال الناشئين وسط أسرة مفككّة منهُ من الأسر المترابط أطرافها. وثبت أيضًا أن أكثر حالات استغلال الأطفال جسديًا وجنسيًا هو بسبب تفكك أسرهم، مما يجعلهم في شعورٍ مستمرٍ بضعفِ الشخصيةِ أمام الناس. وأيضًا، فإن نسبة الأطفال المتأخرين دراسيًا بسبب تفكك واضطراب الأسرة وعدم توفير بيئة صحية مناسبة لهم، هم أعلى بكثيرٍ من المتأخرين دراسيًا لأسبابٍ عُضوية، كما أن هؤلاء الأطفال هم أكثر عرضة للأمراض العضوية التي تنشأ من اضطراب نفسيّ (سايكوماتيك).

رد فعل الأطفال

الشعور بالذنب

الأطفال أكثر الخلوقاتِ رقةً وهشاشةً على الإطلاقِ، لذلك فإن مراعاة نفسيّاتهم وما ينزلُ عليها ممن حولهم هو أسمى شيءٍ يمكنُ أن يفعله الآباء لتربيتهم تربيةً سويةً سليمة. قد لا يستشعر الوالدان هذا الأمر، ولكن أول ما قد يرومُ بعقلِ الأطفالِ عند اتخاذ والديهم قرارَ الانفصال، هو أن يكونوا هم سببه. ولذلكَ يلزمُ على الوالدين تهيئة الأطفال للانفصال تهيئةً نفسيةً واجتماعيةً ومن جميع جوانب حياتهم، قبل حتى الابتداءِ في إجراءات الانفصال. فإذا ما أدرك الأطفال أن أحد والديهم لن يعيشَ معهم بعد الآن، خالجهم الشعور على الفورِ بأنهم قد فعلوا شيئًا أدى إلى رحيله، وبعدها سيحاولوا البحث عنه، ولأنهم لم يفعلوا شيئًا في الحقيقةِ، فلن يصلوا إلى السببِ، ولذلك قد يلجؤوا إلى التمرّدِ أو العِند أو العنف حتى وإن كان طبعهم قبل هذه اللحظات مخالفًا لذلك.

وقد يدفعهم هذا السبب أيضًا إلى أخذ لم شمل الأسرة ثانيةً على عاتقهم، فلأنهم يعتقدون أنهم هم السبب وراء تفككها، لذلك قد يرون أنهم يجب أن يجمعوها ثانيةً. وهم بذلكَ يعيشون حياةً ويحملون همومًا وأحمالًا أكبر من مدارِ حياتهم وأعباء سنهم الصغيرة. ولكي يبدأ الآباء في تهيئة الأطفال للانفصال فإنهم لا بدَ وأن يستوعبوا احتياج الأطفال إلى أن يشعروا باحتواءٍ وأمان ودفءٍ كما كان قبل قرار والديهم، ويجبُ أن يؤكّدَ لهُم والداهم على أنهما يحبانهم كثيرًا كما كانوا من قبل، وأن قرارَ الانفصالِ لم يكن بسببهم بأيّ شكل من الأشكال، وأن هذا القرار هو الأصلح لههم جميعًا.

الافتقار إلى أمنٍ نفسيّ

ولأنّ وجود الوالدين معًا إلى جانب الأطفال هو مصدر الأمن النفسيّ والبدنيّ لهم، فبمجرد فقدِ أحدهما يغدون في صراعٍ وقلقٍ دائمٍ من أنّهم لن يجدوا من يكفِيهم سلامتهُم ويساندهُم في لحظاتِ اضطرابهم وقلقهم. وقد يشعر الأطفال أنّهُم لن يستطيعوا فعل كل ما اعتادوا فعله مع أحد والديهم الذي رحل عنهم، فيهملون دراستهم ومواهبهم وقدراتهم، حتى تذبل وتتلاشى.

الميل إلى العنف

وبدون تهيئة الأطفال للانفصال قبل إيقاعه الفعليّ، قد يجد الوالدان منهم ردود فعلٍ عنيفةٍ تجاههما أو تجاه الآخرين. فالأطفال حينها قد يشعرون بالحنقِ عليهما لأنهُ قد تخلى عنهم أحدهما ولم يبديَ الآخر تصرفًا في المقابل. وقد يكونُ ذلك هو رد فعل نفسيّ لحمل نفسهم على الشعور بالقوةِ بعدما فقدوا أحد جوانب قوتهم بانفصال والديهم، فيكون العنف هو الوسيلة لإثبات واهٍ لأنفسهم وللآخرين بعدم ضعفهم بعد تخلي أحد والديهم عنهم. ويزيدُ احتمال ميلهم إلى العنف إذا ما تزوجَ الوالدان بآخرَين، وكانت معاملة زوج الأم أو زوجة الأب لهم سيئة وعنيفة، فإن لم يصبح طبعهم عنيفًا إذًا فهم عرضةً لضعف الشخصية.

تهيئة الأطفال للانفصال اجتماعيًا وماديًا

قبل الشروع في إجراءات الطلاق، يجب التأكد من أن حياة الأطفال ستسير بشكلٍ شبهِ طبيعيّ، من حيث الماديات والاجتماعيات وغيرهم. فلا يصح أن يقع الطلاق أولًا ثم يُنظرُ في أمورِ الأطفال المادية والاجتماعية بعدها. فالانفصال المتحضّر الراقي يؤثرُ بشكل ٍكبير على الأطفال مثلما تؤثر عليهم المعاملة بالحسنى بين الوالدين أثناء بقائهما معًا. ولذلك، لا بد من الاتفاق بشكل جازمٍ على أمور الماديات والاجتماعيات المتعلقة بالأطفال، كتحديد نفقة معينة تصل شهريًا إليهم من جانب الأبِ، وتحديدِ المناسبات الاجتماعية التي لا بد من أن يحضرها الوالدان معًا دون أن يتخلّف أحدهما.

ومن هنا يأتي أهم شيء يجب اتخاذه عند محاولة تهيئة الأطفال للانفصال ، وهو ضرورة احترام الوالدين لبعضهما لا سيّما أمام الأطفال، فلا يقلل أحدهما من شأنِ الآخر عمومًا، وأمام أطفالهم على الأخص. ولا يسمح أحد الوالدين للأطفال استخدام شيءٍ كان الآخر قد منعهُ عنه لأيِّ سبب قبل مناقشته في الأمر لمجرد العند، فالعند ليس في صالح الأطفال أبدًا. يجبُ أيضًا ألا يبدي أحدهما انزعاجه من زيارةِ الأطفال للطرفِ الآخر والسؤال عن أحواله، بل على العكس تمامًا، فلا بد من حثهم على برِّه.

ومن المهم أيضًا في تهيئة الأطفال للانفصال أن لا يبالغ الوالدان في الرعاية والاهتمام وبذل الأموال مع أطفالهم بأسلوبٍ تنافسيّ بينهما ليرَيا إلى أيِّهما سيميلُ الأطفال؛ فإن هذا السلوك يربي داخل الأطفال الأنانية والطمع والدلال وعدم تحمل المسؤولية. فمن الحكمة أن يهتما بأطفالهما جيدًا ولكن دون إفراطٍ، وذلكَ سيعزز أكثر داخل الأطفال الشعور بأنهُ لم يتغيّر شيءٌ كبيرٌ في حياتهم، فأبوهم وأمهم يهتمون بهم بنفس القدرِ الذي كان سابقًا.

ومن جانبٍ آخر، فإن تهيئة الأطفال للانفصال في حالةِ انحراف سلوك أحد الوالدين قد يكونُ سهلًا نسبيًّا. ففي مثل هذه الحالة يتجلى أمام الأطفال المشاكل والاضطرابات التي كانت تقع بالمنزل بسبب هذا الطرف، فسيستوعبُون أسرعَ أنّ الانفصال هو الوسيلة للخلاص من هذه الاضطرابات.

وفي النهاية.. قد يكونُ وقعُ الطلاق على الزوجين كبير جدًا، وقد يؤثرُ على تسييرِ حياتيهما بشكل عاديٍّ بعدها. لكنّ الجزء الأكبر من الأثر السيّئ بسبب هذا الانفصال هو من نصيب الأطفال؛ لذلك يجب على الوالدين أن يبذلا قصارى جهديهما للأخذِ بأيدي أطفالهما في مثل هذه الظروف، فالإنسانُ نتاجُ البيئة والنفسية التي تُربي فيهما.

سارة أحمد

كاتبة مصرية، مهتمة مجالات اللغات والترجمة الفورية. لدي موهبة الكتابة النثرية وكتابة الشعر منذ حوالي 7 سنوات أو يزيد، أو ينقص. وبدأت في الآونة الأخيرة فقط بالنشر.

أضف تعليق

ثمانية عشر − 2 =