تسعة
الرئيسية » هوايات وحرف » كيف حدث تطور الأغاني من الإنشاد إلى المسرحيات الغنائية؟

كيف حدث تطور الأغاني من الإنشاد إلى المسرحيات الغنائية؟

الأغنية جزء من حياتنا اليومية، بأنواعها وأشكالها المختلفة، كلنا نلاحظ تطور الأغاني عبر الزمن، لكن هل سألت نفسك مرة عن تاريخ تطور الأغاني من الدندنة إلى تنظيم الإنشاد والمسرحيات الغنائية الكاملة ووصولا لشكلها اليوم؟

تطور الأغاني

أول طرق التعبير التي عرفها الإنسان كانت الصوت، لكن تطور الأغاني ورحلتها من إصدار الأصوات والتصفيق ثم الأناشيد والغناء المنظم هي رحلة رافقة تطور الإنسان وتابعته، الموسيقي والآلات الوترية وأشكال من الغناء عرفها قدماء المصريين، بل حتى أن الغناء والإنشاد رافقوا الإنسان في رحلته الحضارية عبر الأجيال ومن مكان لمكان من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا، يقول ابن خلدون عن الغناء: وإذ قد ذكرنا معنى الغناء فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توافر وتجاوز حد الضروري إلى الخارجي إلى الكمالي وتفننوا فيه.

وبالرغم من أن الفن مرتبط بالعمران والحضارة بالفعل، إلا أن عبقرية الإنسانية تجاوزت تلك القواعد فنحن نجد الفن والغناء في الشدة والحرب والمآسي كما نجده في الرخاء والكمال، تاريخ تطور الأغاني ومحطاته وأبرز العلامات الفارقة أمور تقربنا من فهم الإنسانية ككل، وفهم أنفسنا كجزء منها.

ظهور فن الغناء و تطور الأغاني قديما

تطور الأغاني ظهور فن الغناء و تطور الأغاني قديما

بعض الدراسات الأنثروبولوجية تحدثت عن تمتع الإنسان المصري القديم بموهبة مميزة وواضحة في الغناء وتنظيم الشعر، لم تظهر في شعوب الممالك القديمة الأخري، كان قدماء المصريين يطلقون على فن الغناء “حسى”، وهو المصطلح الذي يستخدمه البعض حتى الآن عن الغناء بالحس أو السماعي “الغناء الحسي”، عرف المصريون القدماء الغناء والموسيقي منذ الأسرة 3400 ق.م تقريباً وظهر الغناء والموسيقي كأحد الفنون كجزء لا يتجزأ من ثقافتهم، حيث أعطى المصريون الفضل لاختراع الموسيقي للآله “تحوت” كما شكروا الآله “أوزوريس” على استخدامه الموسيقي والغناء للحياة، وظهرت الآلات الموسيقية في الحضارة المصرية وبدأ تطور الأغاني وألوانها كما نفهم من اللوحات التاريخية فبعد ظهور العازفين بأسمائهم في النقوش بدأ يظهر أسماء المنشدين والمرتلين وكانوا من علية القوم دائما ويحظون بمكانة واضحة لدى الكهنة والحكام في الحضارة المصرية القديمة، كان الاعتماد على الشعر المنظم والإيقاع باستخدام التصفيق ثم تم إدخال الآلات الوترية باختلاف أنواعها وعرف المصري القديم آلات النفخ والطبول مع الوقت، وأصبح الغناء موجود في الاحتفالات العامة بشكل أناشيد دينية أو تمجيد للحاكم في الأغلب منتظمة على إيقاعات محددة وموزعه بشكل منظم بين الجمل الشعرية.

تطور الأغاني في العصر الحديث بالبر الغربي

في البر الغربي من العالم”أوروبا والأمريكيتين، ظهر فن الغناء منظماً وواضحا كأناشيد دينية في الكنائس خاصة وكجزء من الطقوس الدينية المسيحية، وكان يرافق الغناء كافة أنواع الآلات الموسيقية وكان للمنشدين مكانتهم الخاصة والمقدسة كالكهنة والرهبان،في عام 500 ميلاديا ومع انتظام التراتيل الكنسية بدء تطور الأغاني منها إلى حياة الإنسان الأوربي متحولاً لفن مستقل وظهور الغناء الأوبرالي والمسارح الغنائية في القرن السابع عشر منطلقاً بعد الثورة الصناعية من فرنسا وإيطاليا أيضاً، وبدء تطور الأغاني من الإنشاد والتراتيل إلى الغناء الأوبرالي في العالم الغربي كله وارتقاء الموسيقي دفع الكثيرين نحو فن الغناء والتعبير الصوتي، ثم في القرن الثامن عشر تراجعت الأغنية الطويلة مع سرعة الزمن وعدم أمتلاك رفاهية الاستماع للفن الأوبرالي لساعات طويلة وحضور المسرحيات الغنائية وبدأت صناعة الأسطوانات تزدهر باختراع الشريط التسجيلي وأدى هذا إلى تطور الأغاني للأغنية القصيرة التي نعرفها اليوم.

تطور الأغاني في الحضارة العربية القديمة

نستطيع أن نرصد تاريخ الغناء والموسيقي بشكل واضح في منتصف القرن الأول وتحديداً في الأندلس والعصر الأموي فالعباسي، تطور الأغاني يرجع فضله أولا إلى المعلم المعروف إسحاق الموصلي، والذي أتخد على عاتقه مسؤولية الغناء والموسيقي ودرب ونظم العديد من الحفلات الملكية والمهرجانات العامة، ويرجع تطور الأغاني وامتزاج الألحان الشرقية بالغربية إلى عمال الفرس والروم الذين أتخذهم معاوية ابن سفيان ومن بعده عبد الله بن الزبير لبناء الدور والأعمال اليدوية في المدينة وقد أعتاد هؤلاء العمال مليء الأرض بأصوات غنائهم وأناشيدهم وألحانهم الخاصة والتي التقطتها أذن الفنانين في الشرق وعملوا على تطعيمها باللون الشرقي وتطويرها، مع الوقت ظهر أحد تلاميذ الموصلي وكان يُسمى “زرياب” والذي برع في فن الغناء لدرجة غيرة أستاذه منه ونفيه من البلاد، عمل “زرياب” على تطور الأغاني طيلة حياته وبرع في تنظيم الأشعار والألحان مع أداء صوتي محولاً الإنشاد والغناء الإيقاعي البسيط إلى أعمال فنية متكاملة ويوجد له تمثال في إيطاليا تكريماً لذكراه حتى اليوم.

الموسيقي العربية والارتقاء بالأغنية وتخليدها

تطور الأغاني الموسيقي العربية والارتقاء بالأغنية وتخليدها

كانت نهايات القرن الثامن عشر والاختراعات الثمينة في عالم الأجهزة الصوتية آثره الواضح على العالم كله في تطور الأغاني وظهرت جلياً في مصر والموسيقي العربية الخالدة حتى اليوم، شهدت الفترة من 1892 وحتى 1990 قرن من التفوق في فن الغناء والموسيقي وتطور الأغاني بشكل لفت نظر العالم كله إلى مصر والمنطقة العربية، وبدأت الثورة الغنائية لما ظهر عام 1905 الأسطوانة التي تعمل على الفونوغراف إلى مصر، فلولا ظهور هذا الاختراع لضاع التراث الغنائي كله وما وجد الدافع المطربون للإجادة ولضاع صوتهم مع الزمن كما انتهى فن عظماء مثل الفنانين الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب ومحمد عثمان وعبده الحامولي وزوجته ألمظ الذين وافتهم المنية قبل أن يخترع تسجيل الأسطوانات فلم يصلنا منهم إلا ذكرهم وفقدنا فنهم، كانت أعمالهم الفنية تتمثل في نوعين “الدور” و”الموشح” قبل أن تتطور إلى ما يسمى الطقطوقة،وبدء المصريون يعملون على تطور الأغاني بعيداً عن اللمسة العثمانية وركزوا مجهوداتهم على فن “الدور” وأبرز علامات التطور وضعها العظيم سيد درويش بلمسته المميزة في الموسيقي وبصمته الطريفة في الكلمات، ثم ظهرت الطقطوقة في نهاية العقد الأول من العشرينيات على يد الملحن محمد علي علبة واستطاعت أن تسيطر على كل ألوان الغناء في الحفلات العامة والتسجيلات لأنها بسيطة وصغيرة لها جملة لحنية واحدة وإيقاع واحد فمال إليها المستمعون ووافقت أذواقهم العصرية بلا ملل.

فن الغناء وتطور الأغاني كما يظهر موجود على ظهر البسيطة منذ وُضع الإنسان على سطحها، رافقه في رحلته في القدم وعرفه وعلمه وطوره واهتم به في حضاراته، كانت البداية دائما عفوية من الإنشاد والتراتيل الدينية سواء في معابد كهنة أوزوريس وامتدادا حتى صلوات الكنائس وباحات الجوامع، ثم تطرب الأذان وتتعلق الأرواح في فن الغناء والموسيقي بفطرتها فتنتقل الأغاني إلى الأعمال الفنية من المسرح الغنائي والأوبرا إلى الشوارع والحارات وأضيق البيوت، تطور الأغاني مع الزمن أمر مربوط بالحضارات والإنسان ويقول ابن خلدون “أن أول ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه، صناعة الموسيقى” ويظهر صدق مقولته فيما نراه من تدهور للأغاني وفن الموسيقي بكل ألوانه في الزمن الحالي، ليست الحروب أو الكوارث السبب على العكس فتلك دائما ما تكون دوافع إنسانية لتطور الأغاني إنما تدني الذوق العام وتثبيط الهمم والدوافع نظراً للصراعات الداخلية أو التشتت الذهني في ماراثون الحياة، وعدم أهتمام الحكومات بالفنون والثقافة هو ما يؤدي لعرقلة مسيرة تطور الأغاني كجزء لا يجزأ من عرقلة مسيرة تطور الإنسان نفسه.

الكاتب: شيماء سامي

ابراهيم جعفر

محرر موقع تسعة : مبرمج، وكاتب، ومترجم. أعمل في هذه المجالات احترفيًا بشكل مستقل، ولي كتابات كهاوٍ في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت، بعضها مازال موجودًا، وبعضها طواه النسيان. قاري نهم وعاشق للسينما، محب للتقنية والبرمجيات، ومستخدم مخضرم لنظام لينكس.

أضف تعليق

18 + تسعة عشر =