تسعة
الرئيسية » دين » كيف يعطينا تحرير بلال بن رباح من العبودية دروسًا في عصرنا؟

كيف يعطينا تحرير بلال بن رباح من العبودية دروسًا في عصرنا؟

إن سيرة بلال بن رباح لهي سيرة حرية بأن تدرسها الأجيال الحالية لتعلم العبر وأخذ العظات منها، فهذا الصحابي الجليل تحمل الكثير من الأذى في سبيل ما يؤمن به، ولكنه في نهاية الأمر وصل إلى الحق وأصبح واحدًا من أهم شخصيات التاريخ الإسلامي.

بلال بن رباح

الآن لا نتحدث عن شخصية بلال بن رباح كصحابي فقط، بل شخصية بلال الذي استطاع التحرر من العبودية، فلن نعدد فقط مناقب هذا الصحابي، بل سنرى كيف يمكننا من خلال هذه الشخصية العظيمة التحرر من القيود التي بداخلنا. لا نبالغ عندما نقول أن من بيننا أشخاص يعيشون قصة بلال بن رباح !، فقصة العبد الأسود الحبشي لم تنتهي في عصره، بل لها أعظم تأثير في عصرنا هذا، ويجب أن تكون لها دروسًا تعطينا مثالًا في الحرية والكرامة، فليست مجرد قصة سوف نرويها، فسوف نرى ما مدى ترك هذه القصة أعظم الأثر في نفوسنا. وعندما نناقش الموضوع من جميع جوانبه سوف نجد أنّ صخرة بلال بن رباح ليست مجرد حجر تم وضعه على صدره، فيمكن أن تكون هذه الصخرة لها معانٍ أخرى أعمق من كونها أداة للتعذيب، لذا في هذا المقال سوف نوضح سيرة الصحابي الجليل بلال بن رباح ، ومشواره من العبودية إلى الحرية.

سيرة الصحابي بلال بن رباح

بلال بن رباح سيرة الصحابي بلال بن رباح

هو سيدنا بلال بن رباح الحبشي -رضي الله عنه- وكنيته أبو عبد الله، ومؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأول من أسلم من العبيد، كان عبدًا أسودًا حبشيًا، كان ملك لأمية بن خلف ثم بعد ذلك أعتقه سيدنا أبو بكر -رضي الله عنه-، فأصبح مولى له. عندما بدأ الناس في مكة يعرفون بدين الله، وهناك كان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يبدأ بدعوته سرًا، كان منهم من يعتنق الإسلام، أحرارًا كما كانوا عبيدًا، ومنهم بلال بن رباح ، فلما علم سيده أمية بن خلف ذلك، بدأ بتعذيبه واستخدم معه أشد الوسائل لإرجاعه عن دينه، ولكن بلال لم يستسلم، بل استمر بقول أن الله واحد لا شريك له، فقام هذا الكافر بوضع صخرة كبيرة على صدره، وفي أكثر الأوقات حرارة والشمس في منتصف السماء، فمرّ عليه أبو بكر فعرض على أمية المال فأعتقه. ومن هنا بدأ مشوار بلال من العبودية إلى الحرية، وله أعظم الفضائل، وكان خير صاحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فضائل الصحابي بلال بن رباح

بلال بن رباح من السابقين بالإسلام، بدأ كغيره من الصحابة بنشر الإسلام مع الرسول، كما كان له صوت جميل وعذب، فجعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- مؤذنه، شهد مع الرسول الكثير من الغزوات منها: بدر وأحد والخندق والمشاهد كلها، فأصبح محاربًا شجاعًا. كان الصحابة يقولون: أين نحن من بلال؟ فهو العبد الذي أظهر الصبر والتحمل على الأذى ولم يرجع عن دينه، واستمرت رحلة بلال مع الرسول والصحابة، فذاك بلال بن رباح في غزوة بدر، يري بين المشركين أمية بن خلف، فجرى نحوه كالأسد وانقضّ عليه لقتله، فانتقم منه. هذا الصحابي الجليل الذي رفع الله شأنه، وأعزه، فكل ما زاد قربه من الرسول اشتد تعلق قلب الرسول به حتى بشره بالجنة، فبالصدق والإسلام رفعه الله، وبعد أن كان عبدًا أصبح سيدًا. رُوي عنه أنه ذهب مع أخٍ له لأختين للخِطبة، فقال لأبيهما: أنا بلال.. وهذا أخي فلان، عبدان من الحبشة هدانا الله بعد الضلال، وأعتزُ بديني.. فلم يقدّم نفسه على أنه صاحب كذا ومعه مال بقدر كذا..، مما يدل على عزته بنفسه.

بلال بن رباح بعد وفاة الرسول

بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أصبح أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خليفة للمسلمين، فتوقّف بلال بن رباح عن الأذان، وكان يشق عليه أن يؤذن من بعده، لأنه أخذ عهد على نفسه أنه لا يؤذن إلا لرسول الله، وكان يصعب على أبي بكر أن يرى بلالًا متواجدًا ولا يسمع صوته العذب، وكان بلال إذا أراد أن يؤذن وجاءت “أشهد أن محمدًا رسول الله” سال دمعه. مضى بلال بن رباح بعد وفاة الرسول في جهاده في سبيل الله، فسافر -رضي الله عنه- إلى الشام كي يبق مرابطًا في الجهاد، لأنه لم يحتمل البقاء في المدينة والرسول لم يعد فيها، وبعد فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للقدس زار الشام، فطلب منه المسلمون أن يجعل بلالًا يؤذن لهم لو حتى صلاة واحدة، فلبى بلال دعوة عمر وصعد على المنبر وأذّن للصلاة، فكان موقفًا مؤثرًا حيث بكى كل من كان حاضرًا الصلاة، وكل من أدرك رسول الله لأن بلال يذكرهم به. عند وفاته-رضي الله عنه وأرضاه- وفي لحظاته الأخيرة، بكت زوجته وهي تقول له أنه سوف يلقى حبيبه ورسوله..، توفي وفاضت روحه الحرة إلى السماء لتلق ما وعدها الرسول به.

صخرة بلال بن رباح

في السطور السابقة، قد يقرأها البعض على أنها معلومات عامة عن صحابي له السبق، لكن ما نسعى ورائه عن كيف تتغير حياة بأكملها عند فهم المغزى الحقيقي من قصة بلال بن رباح ؟ هناك سؤال آخر نطرحه وهو: هل واجهتَ أشياء جعَلَتكَ تشعر بعدم الحرية؟، هنا تعطينا صخرة بلال الإجابة، استطاع هذا العبد الأسود التخلص من العبودية، فبدأ ذلك عندما اعتنق الإسلام، ووجد فيه أنه لا فرق بين حر وعبد، وبين أبيض وأسود، وأصبح سيدًا وصاحبًا، لم يكنٌ يؤمن أنه خُلِق ليظلَ عبدًا خادمًا، كان يؤمن في داخله أن التغيير قادم، وأنّه سيصبح أعظم شأنًا، ونحن نعلم أنه من أمَة زوّجها سيدُها لعبدٍ آخر لإنجاب من يخدمونه بعد ذلك وهكذا يتوالى النسل..، فيتّخذه سيده كما يرغب لنفسه، ما هذا الامتهان!، هل سيظل اسمه “بلال بن حمامة”؟، تركه والده صغيرًا مغادرًا بعيدًا..، لكنه مع ذلك لم يستسلم، بل بدأ يفكر ويفكر كيف سيتخلّص من حياة العبيد.

قوّم نفسَك لتصبح حرة

بلال بن رباح قوّم نفسَك لتصبح حرة

أحيانًا تواجهنا أزمات كثيرة ويجب علينا تخطيها، لتترك أثرًا سيّئًا في داخلنا بعد ذلك، فتصبح كالعائق الشديد أمام طريق الحياة، فمن منّا ليس عنده نقطة ضعف معينة!، وهذا النوع من الضعف قد يجعلكَ عبدًا لرغباتكَ، أو تقودُكَ نفسُكَ نحو لذّاتها وشهواتها بعيدًا عن جوهرٍ يحكمها، فكل واحدٍ منا بداخله صخرة، لكن بالمعنى المعنوي، إذا نجح في إزاحتها عن نفسه أصبح حرًا ليس عبدًا لرغباته التي لا تنتهي. وأنواع القيود كثيرة، كالكبرياء والغرور، أو الغضب الشديد الغير مبرر في كثير من الوقت، أو كآفة الكذب..، هذه كلها عيوب لكن قيود، إن استسلمتَ صِرتَ عبدًا لها، وإن حاولتَ التخلص منها بالكاد ستنال حريتك، كما فعل بلال بن رباح بقوته وإيمانه بالله الذي لم يتراجع عنه في عز تعذيبه وإيذائه، وأنتَ مع صعوبات الحياة حاول أن تواجه كل القيود التي بداخلك، كما أنّك في شدة البلاء تصبر وتحتسب، ولا تعتقد أنّ الواقع يفرض نفسه عليك، بل اسعَ في تغييره إلى الأفضل لتصبحَ مثل بلال حرًّا.

ليس عليكَ سوى عدم ترك نفسك للشهوات والآثام، ولا تعتقد أن المبادئ والقيم تقيّد صاحبها، بل على العكس تمامًا لأن بلال عندما أراد الحرية بحث عن دين الله، ومشى على خطى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، لم ينقصه ذلك شيئًا أو أسلبه حريته، واعلم أنّ اللذّات جمالها مؤقت يزول بعد ذلك، لكن طاعة الله أدومَ وأبقى. وبذلك قد علمتنا قصة بلال دروسًا نقرأها ومن ثمّ قد تغيّر شيء من نفس قارئها، فلنسارع بالتخلص من أكثر شيء يعيق مسيرتنا، لنشعر بعد ذلك بجمال الحياة.

الكاتب: آلاء لؤي

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

2 × واحد =