تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » كيف يمكن كتابة المذكرات الشخصية وما فائدة كتابتها؟

كيف يمكن كتابة المذكرات الشخصية وما فائدة كتابتها؟

المذكرات الشخصية نوع من النصوص الذاتية التي يبوح كاتبها من خلالها بأسراره وأفكاره وتأملاته الخاصة، هنا نتعرف على المزيد من عناصر هذه المذكرات.

كتابة المذكرات الشخصية

المذكرات الشخصية وسيلةٌ للبوح بأسرار الذات بصورة آمنة، وهي فرصة مثالية لمناجاة النفس وتنفيس ما بها من مكبوتات ومشاركة ما ينبغي إخفاؤه عن الآخرين من خلال تحرير بعض النصوص الخاصة على الأوراق. وتُعَد المذكرات الشخصية مرآة للذات؛ حيث ينعكس عليها الوجه الآخر، بل والحقيقي، لمن يسطر تلك المذكرات متحررًا من جميع قيود الخجل والتردد ومُطلِقًا لنفسه العنان مفصحًا بذلك عما بداخله من أفكار وفاتحًا لخزانة أسراره ليتدفق منها شلالات من المشاعر الدفينة محررةً بذلك الشخص من معاناة الكبت والإخفاء. وفي هذا المقال نتناول بالمزيد من التفصيل كيفية كتابة هذا النوع من النصوص ومناقشة العناصر الأساسية الواجبة توافرها من أجل إخراج نصوص ذات قيمة.

الهدف من كتابة المذكرات الشخصية

لا شك أن كتابة المذكرات الشخصية هواية أثيرة لدى الكثيرين، لا سيما لمن يمتلكون ملكة الكتابة والقدرة على التعبير اللغوي عما يختلج في نفوسهم؛ حيث يرون أن هذه المذكرات بمثابة نافذة شرعية تخرج من خلالها أي أفكار لا تليق بالإذاعة والإفصاح العلني عنها. وتتعدد الأهداف وتتنوع الدوافع بشأن هذا النشاط بيد أن ثمة هدفين تتمحور حولهما المزيد من الأهمية بصدد هذه الكتابة الشخصية وهما:

التأريخ الشخصي

ليس من العيب أحيانًا أن ينظر المرءُ إلى شخصه بوصفه محورًا للكون ويظل لفترة من الزمن متمركزًا حول ذاته وناظرًا لها من بعيد لينفصل عنها ويراها كائنًا مستقلاً مستحقًا للتأمل والاعتبار. ومن هذا المنطلق أضحت هذه النصوص الذاتية وسيلة فعالة ومجدية لتأريخ الأحداث الشخصية بالتفصيل حتى يسهل الرجوع إليها لاحقًا من أجل مطالعة ما سُطِرَ في الماضي لتقييم التحديات التي مرَّت بها الذات وقياس مدى تجاوزها وكيفية التعامل معها. إن التأريخ الشخصي أمرٌ مُحَبَّبٌ لدى الكثيرين لا سيما هؤلاء الذين يرصدون أصواتهم الداخلية ويراقبون أفكارهم عن كثب بُغية الكشف عن مكنون ذواتهم والوصول إلى جوهرها. ومن ثَمَّ فإن كتابة اليوميات والخواطر بشكل دوري ومنتظم قد تساعد مع مرور الزمن على الحصول على سجل شخصي يحتوي على الكثير من الأسرار والأحداث المثيرة التي مرَّ بها الشخص؛ ما يعينه على الرجوع إليها ومطالعتها والاستفادة من التجارب السابقة أو تنقيحها ومعالجة ما تم ارتكابه من أخطاء.

نوع من العلاج النفسي

إن الكتابة الذاتية تُعَدُّ نوعًا من العلاج النفسي؛ حيث أنها تساعد على تفريغ الكثير من الأفكار والمشاعر التي يزدحم بها العقل ما يؤدي إلى تكدسها وإعاقة تدفقها وسلاستها فتُطمَس وتُلقَى في اللاشعور مسببة بذلك الكثير من الاضطرابات النفسية؛ لذلك يوصَى دومًا لمن يعاني من فرط التفكير أن يبوح للأوراق بأسراره وأفكاره مهما كانت تافهة أو بدون قيمة من وجهة نظره حتى يتخلص من عبء هذه الأفكار. وقد يحرر الشخص يومياته في صورة فصول بحيث يمثل كل فصل جلسة علاج نفسي من خلال تخصيص كل فصل لمناقشة جانب محدد أو فكرة معينة تشغله وتؤرقه وبذلك يستطيع الاستفادة بفعالية من كتابة هذه المذكرات على المستوى النفسي.

عناصر المذكرات اليومية

إن المذكرات الشخصية حيلة سردية يلجأ إليها الكثيرون، وعلى الرغم من الطبيعة السرية لهذه النصوص، فإن إضفاء بعض الاحترافية قد يزيد من قيمتها الأدبية، ومن أجل هذا الغرض ينبغي أن تتوفر بعض العناصر حتى يخرج النص بصورة لائقة وهي:

اختيار أدوات الكتابة المناسبة

لا شك أن تحري الدقة في اختيار أداة الكتابة المناسبة سوف يساهم في سلاسة وتدفق الأفكار وتحويلها إلى نص متماسك ومترابط. لذلك يوصَى دومًا بمعرفة الوسيلة التي تلائم ميول كل شخص؛ حيث يفضل البعض الاستعانة بالوسيلة التقليدية المُمَثَّلَة في الورقة والقلم حيث تساعد وضعية الإمساك بالقلم وسطر الكلمات على الورق على سهولة تحرير النص وما به من أفكار وأسرار قيمة. وقد يرى البعض الآخر الاستعانة بوسائل أكثر تطورًا مثل الحاسوب الآلي متخذين من النقر على لوحة المفاتيح آلية مريحة للكتابة ما يضمن في النهاية الحصول على نص محرر بأسلوب منمق وخالٍ من الشطب وغيرها من العيوب الشهيرة لخط اليد.

الروتين اليومي

من أجل الانتظام في كتابة المذكرات الشخصية لا بد من وضع نظام صارم قائم على الروتين اليومي بحيث يصبح الجلوس أمام الورقة والقلم أو الحاسوب الآلي بصورة يومية جزءًا لا يتجزأ من نمط الحياة اليومي. إن الأفعال الروتينية مع الوقت تكتسب خصائص العادة ومن ثَمَّ يصبح فعلها سهلاً للغاية ويُمَارَس بالسليقة. وبالتالي يوصَى دومًا بتحديد موعد ثابت وفترة زمنية معينة لكتابة المذكرات الشخصية وتحريرها بالطريقة المفضلة. ولا عجب أن يُفَضِّلَ الكثيرون كتابة نصوصهم الخاصة في المساء أو قبيل النوم حتى يمكنهم سرد ما مرَّ في يومهم من أحداث أو مشاهد تستحق التأمل والتعقيب عليها، وبعد ذلك يأوي إلى الفراش وقد أفضى ما في جعبته من خلال الكتابة وينعم بأحلامه السعيدة وهو هادئ البال، وقد يرى البعض أن الكتابة في الصباح الباكر أمر مفيد حتى يكون العقل متيقظ والحواس نشطة وبالتالي ثمة قدرة على تذكر تفاصيل اليوم السابق واستخراج ما به من أحداث تستحق السرد. وفي النهاية نؤكد على ضرورة الاستمرارية والديمومة وعدم الانقطاع عن الكتابة.

كيف أكتب مذكراتي اليومية؟

قد يرى البعض أن كتابة المذكرات الشخصية أمر عسير ويتطلب قدرات احترافية من أجل إخراج نص راقٍ، بيد أن تحرير مثل هذه النصوص لا تحتاج كل هذا الخوف والرهبة، بل كل ما هو مطلوب المزيد من الإرادة والتصميم والتعامل مع الأمر ببعض الجدية، ويزيد من هذه العوامل بالطبع وجود الدوافع الجادة التي تبعث الحماس في النفس. وفي النقاط التالية نتناول بعض النصائح التي توضح كيفية تحرير المذكرات الشخصية بطريقة سلسلة وتضمن في الوقت ذاته إنتاج نصٍ ذي قيمة:

تحديد طريقة السرد

هناك العديد من الطرق والتقنيات المستخدمة في سرد الأحداث الذاتية، وعلى الرغم من تعددها، فإن لكل منها هدف وأسلوب معين، ومن هذه الطرق:

اليوميات

هو أسلوب شهير يُستهَل بتاريخ اليوم الحالي وتحديد توقيت بدء الكتابة وذِكْر المكان، وفي هذا القالب السردي يستحضر الكاتب كل التفاصيل الدقيقة التي مرت بيومه مهما بدت غير مهمة؛ لأن الكاتب في هذه الحالة يرغب في الاحتفاظ بسويعات اليوم الذي ولَّى ويريد أن يستدعيه لاحقًا. وعادةً ما يلجأ لهذا النوع من السرد من يعيشون حياة غير تقليدية وحافلة بالمغامرات اليومية المثيرة.

السرد التاريخي

في هذا النوع يبدأ الكاتب في سرد أحداث حياته بشكل إجمالي ومتسلسل حيث عادةً ما يبدأ الروي من مرحلة الطفولة وما بها من أحلام وبراءة ومرورًا بفترة المراهقة والشباب وما بها من تمرد ونشاط زائد، ثم البدء في سرد الأحداث المهمة التي تمثل محطات أساسية في مسيرة حياته الاجتماعية والمهنية. وعادةً ما يلجأ القادة وغيرهم من الذين عاشوا حياة طويلة ومليئة بالتقلبات إلى هذه الطريقة في الكتابة التي تسلط الضوء على مجمل الأحداث بطريقة وثائقية شيقة.

المشاهد المتقطعة

قد يلجأ البعض إلى كتابة مذكراتهم في صورة مشاهد متقطعة تحمل مغزى ما ثم يستطرد في استخراج الفوائد والعبر منها. وهي طريقة تستوحي طبيعتها من التقنية السينمائية التي تستحضر تفاصيل المشهد الحسية وما به من حوار ووصف دقيق، وهو أسلوب نادرٌ قد لا يراه الكثيرون مفضلاً بالنسبة إليهم.

وهكذا نرى أن المذكرات الشخصية وسيلة رائعة للتحدث مع الذات بطريقة آمنة، وعلى الرغم من أن بعض المشاهير قد جاهروا بمذكراتهم وما تحويه من قيمة تاريخية، فإن ذلك لا يعني أن ذلك حكرٌ على هذه الفئة فقط، بل يوصَى دومًا بأن يصنع كل منها خزانة أسراره الخاصة به والتمتع ما بها من فوائد ومتعة ذُكِرَت في هذا المقال.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

خمسة × واحد =