تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » المجتمع الذكوري : كيف تتعامل المرأة داخله وتحفظ حقوقها ؟

المجتمع الذكوري : كيف تتعامل المرأة داخله وتحفظ حقوقها ؟

المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه ليس مناسبًا للمرأة من العديد من النواحي، في هذه السطور نقدم روشتة للمرأة للتعامل مع المجتمع الذكوري من حولها.

المجتمع الذكوري

المجتمع الذكوري هو تقريبا وبدون مبالغة المجتمعات العربية بامتياز، كما أن المجتمع المصري يمثله بشكل ممتاز أيضا وأكثر حضورا، ولكن ما هو المجتمع الذكوري وماذا نعني به؟ بشكل ظاهري بسيط يظهر لنا مصطلح المجتمع الذكوري بمعنى أنه المجتمع الذي يسيطر فيه الذكر، فهو الذي يتحكم في كل جوانب الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وهو الذي يسن القوانين ويضع المعايير والمبادئ المجتمعية وهو الرب وهو الإله، المجتمع الذكوري هو المجتمع الذي تسيطر فيه ثقافة الذكر وهذا بإيجاز. ولكن ألم يخلق المجتمع من رجال ونساء فيكون من الطبيعي أن تكون الثقافة السائدة مختلطة تجمع بين الذكر والأنثى؟ لماذا يسيطر الرجل بمفرده؟ كيف يتم استبعاد النساء؟ أدوار النساء في المجتمع؟ أدوار النساء في التاريخ الإنساني؟ كيف تكون المرحلة البدائية هي الأكثر عدلا؟ الحركة النسوية ونقد المجتمع الذكوري؟ مدى تقبل المجتمعات للتمرد الأنثوي؟ حرية المرأة في مقابل حرية الرجل؟ الكثير والكثير من التساؤلات يتم طرحها في إطار هذا الموضوع الشائك وسنحاول قدر الإمكان العرض والتحليل لأغلبها.

التعامل مع مشكلة المجتمع الذكوري المحيط بالمرأة

الماضي: كيف كنَ وكيف أصبحن؟

بالرجوع بالتاريخ إلى الوراء في العصور القديمة والعصور البدائية سنكتشف كيف تم تزييف الواقع الآن وعكسه عن المسار الطبيعي. كانت المرأة قديما مبجلة بشكل كبير والجميع يعتبرها مقدسة لأنها تمثل الخصوبة وتملك سر الحياة، فهي التي تنجب الأطفال وتمنح الحياة، حتى أن دورتها الشهرية كان ينظر لها على أنها ظاهرة إلهية مقدسة، ويطلقون عليه الدم المقدس, كانت المرأة مباركة بكل المقاييس، وهذا ببساطة ما تعكسه الطبيعة لأن الأنثى جزء من الطبيعة الأم، والإنسان البدائي كان يستمد معرفته من خلال تأمل الطبيعة وبالتالي كان من البداهة أن يقدس الأنثى واهبة الحياة، وفي بعض المجتمعات الأخرى كانت النساء هي التي تقوم بعمليات الصيد وهي التي تمتلك إدارة الجانب الاقتصادي وبالطبع السلطة وكان الرجل يجلس في المنزل ليربي الأطفال في حين هي تقوم بالطعام والحماية. في الحضارة المصرية القديمة كانت المرأة تحكم وكانت ربة وإلهة، تم تبجيلها واحترامها من الجميع، وكانت مقدسة بكل تفاصيلها، ولكن ماذا حدث؟ انتقال السلطة السياسية والاقتصادية للرجل قلب الموازين وحصر دور المرأة في رعاية المنزل والأطفال ومن ثم كبر الرجل وكبرت شهوته للسلطة والتملك وبدأ في استعبادها وترويضها لأنه يعلم تمام العلم أنها مفتاح الحياة وأقوى منه وإن لم يستعبدها ويقلل من قدراتها ستحكم هي وسيكون هو محكوم عليه وهذا ما رفضه الذكر، ومن هنا نشأ المجتمع الذكوري.

النشأة والتطور

منذ سيطرة الرجل علي جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية انتقلت السلطة إليه وبدأ تدهور حال المرأة، وكانت بداية مجتمع من الذكور يحكمه الذكور فقط ونطلق عليه المجتمع الذكوري، والغريب في الأمر أن المرأة حينما كانت هي التي تتملك زمام الأمور السياسية والاقتصادية وتحكم، لم تكن تستعبد الرجل أو تنتقص من قدره بل تعامل الجميع بحب، وهذا خلاف ما حدث تماما عند انتقال السلطة إليه، وربما ليس الأمر بمستغرب إذا نظرنا نظره سيكولوجيه للموضوع واعتبرنا أن استبداد الرجل رجع إلى إدراكه وإيمانه بقوة وجبروت المرأة وكان مخططه الاستبدادي يقوم على تقليص قدراتها حتى يستطيع ترويضها وهي التي كانت تحكمه من قبل فهو كائن مريض، ضعيف، يريد السلطة لا لشيء وإنما ليكون هو السيد والمتسلط والمتحكم في حين هي لم تحب السلطة لذاتها وإنما مفهومها عن السلطة كان في الرعاية والعطف والمساعدة.

الطفولة

كيف يتم ترسيخ الأفكار منذ الصغر؟ كيف تنمو مع كل جيل وتصبح ثقافة عامه متداولة غير قابلة للنقاش أو التعديل؟ كان مخطط المجتمع الذكوري بأن نبدأ من الطفولة حتى يتسنى له زرع الأفكار التي يريدها كما يشاء، ويظهر هذا المخطط في مظاهر عده في تنشئة الأجيال الجديدة، فنجد مثلا: يتم الاحتفاء المبالغ به في حالة كون المولود ذكرا وتقام الليالي والاحتفالات ويغمر الكثيرين بالسعادة والعكس صحيح إن كانت فتاة، وجميعنا يعرف وأد البنات قبل ظهور الإسلام وكيف كانت الفتاة تمثل عارا على شرف الذكر، ومن هنا يتم ترسيخ الفكرة في ذهن الطفل بأنه مميز عن أخته، وأنه هو شيء وهي شيء آخر، ويتم تكليفه بحمايتها والسيطرة عليها لأنها كائن جامح وضعيف ومتهور وجالب للعار، أما هو بكونه ذكر فهو المسؤول عن شرف العائلة، فيكبر الطفل وتترسخ لديه هذه الثقافة وتكبر الفتاة وتترسخ لديها نفس الثقافة وهي أنها ضعيفة لا تملك القوة على فعل شيء لنفسها وهي في حاجة لحماية ذكر كي تعيش، ويختلف هذا الذكر باختلاف المرحلة التي تحياها فهو الأب، الأخ، الزوج والابن، فينشأ الولد أنه ذكر فهو مميز ومحارب وفاتح للقارات وراعي العائلة والمسؤول الاقتصادي، يتم التمييز بشكل بين من خلال التربية في الأسرة ، الولد يأكل ما يريد ويحصل على الحجم الأكبر أما الفتاة فتأكل ما يتبقى منه، فتنمو لديهم ثقافة السيد والأمة.

الأديان والمجتمع الذكوري

هل هناك علاقة بين الأديان والمجتمع الذكوري؟ ربما السؤال غريب بعض الشيء خصوصا وأننا ذكرنا سابقا بأنها ثقافة من إنتاج الشعوب، ولكن بنظرة أخرى ماذا عن الأديان؟ ظهرت في نفس الثقافة لتتفاعل مع نفس المجتمع الذكوري. ولكن هل أنصفت الأديان المرأة؟ الإجابة لا، وهذا ما تؤكده الدراسات النسوية المعاصرة وربما السبب لا يرجع إلى الدين كدين وإنما يرجع في الأساس إلى الفكر الديني لدى رجال الدين، فتؤكد النسويات أن الأديان لم تنصف المرأة بل جاءت لتؤكد وتدعم معتقدات المجتمع الذكوري وتضيف له وذلك حتى يتم قبولها طبعا، ونجد الكثير من مظاهر إهانة المرأة بشكل كبير في اليهودية والمسيحية والإسلام وإن كان أخفهم حدة، فالإسلام منح لها حقوقا في زمن لم يكن لها حقوق على الإطلاق، بل في زمن كان يتم التساؤل فيه إن كانت المرأة كائن حي أم لا، ولكن لم تحصل المرأة على حقوقها كاملة في دين من الأديان والمظاهر الدالة على ذلك متعددة.

مظاهر اضطهاد المرأة

المرأة في المجتمع الذكوري مضطهدة، مهمشة ومعتدى عليها، مظاهر اضطهادها متعددة ومتنوعة وتختلف باختلاف المجتمع وثقافته، ولكن كمثال سوف أتكلم هنا عن المجتمع المصري الذي أحيا فيه وأتفاعل مع أحداثه حتى أستطيع أن أعرض للموضوع بشكل موضوعي:

الحجاب

يتم لصق موضوع حجاب المرأة بالدين، وفي الواقع ما هو إلا تمسك من المجتمع الذكوري الذي يرفع شعار الأخلاق والفضيلة ولا يطبقهما، والمنطق إن كان الموضوع متعلق بالدين فكان لابد من أن تكون هناك حرية في ارتدائه من عدمه، فعلاقة الفرد بربه لا يتدخل فيها المجتمع، ولكن الموضوع ليس له علاقة بالدين أكثر منه إصرار مجتمعي لتحجيم هذا الكائن المدعو المرأة، والدليل على ذلك هو إجبار الكثيرات على ارتدائه ليس عن رغبة منهن وإنما لأن المجتمع يريد ذلك، فثقافة المجتمع تسيء لغير المحجبة بأن أخلاقها ليست جيدة وأنها تسلك سلوك منحرف وتقوم بفعل الفواحش والمنكرات لأنها تستعرض بشعرها الفاتن الجذاب الذي يثير الغرائز والشهوات.

التحرش

نحن أكثر المجتمعات تدينا، والأغلبية محجبة هكذا يريدون، ولكن نسجل أعلى نسبة تحرش! نرى هنا تناقض فج، واقعي ومحزن، مجتمع متدين، محافظ ويتم التحرش بفتياته ليل نهار ويتطور الأمر في الغالب ويصل إلى الاغتصاب، أما عن حوادث التحرش والاغتصاب والاعتداء على الفتيات فلا تعد ولا تحصى، فيمكنك فقط البحث على شبكة الإنترنت لترى كمية الحوادث والمحاضر والبلاغات وتتأكد أنها في ازدياد، وكل هذا شيء، وموضوع ارتباط التحرش بالمناسبات والاحتفالات كالأعياد شيء آخر تماما، فيخرجون من صلاة العيد ليعاكسوا الفتيات ويتحرشون بهن! ثم بعد ذلك يقوم المجتمع الذكوري بإلقاء اللوم عليها لأن ملابسها فاتنه أو تضع مساحيق التجميل!

ختان الإناث

رغم تجريمه طبيا، ورغم سن القوانين إلا أنها غير مفعلة إلا في حالات بسيطة وهذا ما يقره الواقع المعيش، لماذا؟ لأن المجتمع يريد ذلك فما كان منه إلا أن لصق الموضوع بالدين في البداية حتى يتم قبوله مجتمعيا كعادته، وحينما أصبح الموضوع مذبذب وتكاثرت عليه الانتقادات غير وجهته إلى الأخلاق والفضيلة، وسيظل يتفنن المجتمع الذكوري لتبريره. ولكن ماذا يريد المجتمع من الختان؟ ما هو الختان؟ طبيا يعني المصطلح تشويه في الجهاز التناسلي للمرأة، وطبيا ثبتت أضراره الجمة وآثاره السلبية على المستويين الصحي والنفسي، ولكن لماذا يصر المجتمع على ذلك؟ لمَ يتعنت حتى في استمتاعها الجنسي؟ لأنها كائن خلق ليتم الاستمتاع به لا ليستمتع هو، وليس هذا فحسب وإنما أيضا لأن القدرة الجنسية للمرأة كبيرة جدا، فكيف يتم تبرير موضوع الزواج بأربعة إن كان الأمر كذلك؟ وفي هذه الأيام تم فتح الموضوع من جديد وأكد أكثر من طبيب ذكورة بأن هناك ضعف جنسي لدى الرجال يصل إلى 90% والدليل على ذلك ازدياد استيراد المنشطات الجنسية وفي نفس الوقت يتم التشديد على موضوع الختان كضرورة!

العمل

بالنسبة لفرص العمل في المجتمع الذكوري فليس بها تمييز كبير وإن كان يتم اللجوء للمرأة في بعض الأعمال على اعتبار أنها مصدر جذب وموضوع اهتمام. ولكن مشكلة المرأة في العمل تتلخص في نظرة المجتمع لها باعتبارها المسؤول الأول عن أعمال المنزل وتربية الأطفال. ففي حين أنها تعمل مثل زوجها إلا أن أي تقصير في المهام المنزلية أو رعاية الأطفال يتم توجيهه لها وحدها، على اعتبار أن عملها مجرد رفاهية تريدها هي من أجل المساواة ولكن في الواقع هي جزء اقتصادي مساهم بالضرورة من أجل الحياة. ونظرة أخرى ربط عمل المرأة بتدني الأجور وصعوبة حصول الشباب على وظيفة ومن ثم قلة فرص الزواج، فهي المسؤولة عن كل ذلك أيضا.

العنف ضد المرأة

العنف ضد المرأة متعدد الأشكال ويمكن اعتباره سمة مميزة في المجتمع الذكوري. ويتنوع العنف ويختلف حسب الموقف فنجد مثلا: الشائع في الثقافة المصرية أن ضرب الزوج لزوجته لا مشكلة فيه لأنه الرجل، وضرب الأب لأبنائه لأنه يريد تربيتهم جيدا، ولكن لا نعرف من الذي أعطي له هذه السلطة؟ ومن هو هذا الكائن الفاضل الذي يمتلك وحده وسائل التربية والتأديب؟! في محكمة الأسرة يمكنك الاطلاع على آلاف القضايا للعنف ضد المرأة من قبل الزوج من ضرب وتعذيب وإهانة والتسبب في عاهة مستديمة في حالات كثيرة، والمجتمع يشجع على ذلك لماذا؟ لكونك رجل ولكي تثبت رجولتك عليك فعل ذلك.

وفي النهاية يمكننا أن نقول بمنتهى الموضوعية أن الوضع لدينا مؤسف وسيء للغاية، ويزداد سوءا وظلما للمرأة طوال الوقت، وأنه لابد من وقفة ورؤية تحليلية للأمور، ويكون الحل بداية من التغيير الجذري للثقافة وإصلاح المفاهيم وتعديل نظرة المجتمع الذكوري إلى المرأة وتوضيح أن لا فرق في الجنس فكونك ذكر أو أنثى لا يعني أنك متفوق بالجنس فهذا كلام بعيد عن المنطق. لكن السؤال هنا من هو المسؤول عن الإصلاح؟ هل هي الدولة، مؤسسات المجتمع المدني، جمعيات حقوق الإنسان، المؤسسات النسوية، ربما تكاتف الجميع من أجل تغيير الثقافة سوف يؤدي بنا إلى أفضل النتائج، ولكن مع الأسف السلطة السياسية والسلطة الدينية لا تريدان ذلك وهما المحركان لأي فعل في المجتمع، وبناء عليه فإٍنني أرى أن الصراع سيستمر ولن يكون أمام المرأة طريق إلا أن تحمي نفسها بنفسها، تدافع وتطالب بحقوقها في المحافل الدولية، تفرض نفسها على مؤسسات المجتمع حتى يتم قبولهن.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.