تسعة
الرئيسية » العمل » مهارات » العمل عن بعد : كيف نجحت تجربته في الوطن العربي ؟

العمل عن بعد : كيف نجحت تجربته في الوطن العربي ؟

تجربة العمل عن بعد في الوطن العربي هي تجربة مستحدثة إلى حد ما، في هذه السطور نلقي الضوء على هذه التجربة ومدى النجاح الذي وصلت إليه من العديد من النواحي.

العمل عن بعد

تعد تجربة العمل عن بعد مثل الأفكار الجديدة التي تطرأ على أي مجتمع كمثل أي غريب يحل ضيفا على جماعة معينة، لا شك أنه يلقى في البداية صعوبات عديدة حتى يقتنع به أفراد مجتمعه الجديد، ويمنحونه الثقة اللازمة للتعايش معهم، حيث تعد من أصعب الأمور تغيير فكرة مجتمع ما عن شيء معين، خاصة إذا كانت الفكرة القديمة مترسخة في ثقافته منذ أمد بعيد. ومما يزيد الأمر صعوبة أن تتعلق الفكرة المراد تغييرها بعمود أساسي من الأعمدة التي يرتكز عليها أي مجتمع، ألا وهو فكرته العمل عن بعد خاصة في مجتمع مثل المجتمع العربي الذي يعاني في أغلب بلدانه من البطالة والتنافس على فرص العمل وصل حد الصراع، ورمي النفس في التهلكة والغرق في عرض البحر فراراً من الفقر، وأملا في العثور على فرصة عمل في بلاد أخرى.

العمل عن بعد : تطورها في الوطن العربي

تطور مفهوم العمل إلى أن وصل إلى العمل عن بعد

غير أن تطور العلم ووسائل الاتصالات والثورة التكنولوجية التي حظي منها المجتمع بنصيب غير قليل، تجعله يقع شاء أم أبى في حزام التغيير الذي يفرضه عليه اتصاله بالعالم الخارجي.

ومن المفاهيم الأساسية التي طرأ عليها التغيير بشكل واسع في السنوات القليلة الماضية مفهوم العمل، حيث كانت وسائل الاتصال الحديثة وعلى رأسها شبكة الإنترنت في ظهور مصطلح ( العمل عن بعد ) (Freelancing) أو العمل من المنزل (Work from home).

و العمل عن بعد هو العمل من خلال سوق عمل ضخمة عبر شبكة الإنترنت، تضم ملايين الفرص للعمل، وتتيح لك أن تختار العمل الذي ترغب في القيام به وتوقيت العمل وتختار أيضاً مع من ستعمل، كل ذلك في جو أسقطت فيه حدود البلدان واللغة وحتى أعراف وقوانين العمل التقليدي، دون الحاجة إلى أن تستيقظ مبكراً وتستقل وسيلة مواصلات وتذهب إلى مقر عمل فالعمل غالباً من خلال المنزل.

فكرة العمل عن بعد الأساسية

حيث تقوم الفكرة في الأساس على تلاقي احتياج صاحب عمل لمن ينجز له مهمة أو مهام معينة بمقابل مادي متفق عليه، مع ذي مهارة في مجال المهمة المطلوب تنفيذها ويرغب في العمل، حيث يقوم العميل بتحويل الأجر للموظف المستقل (Freelancer) بطريق متفق عليها من ضمن طرق كثيرة منها التحويلات البنكية أو الحساب الإلكتروني وغيرها.

على كل حال فقد لاقت الفكرة رواجاً كبيراً ونجاحاً في كل دول العالم، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن العمل التقليدي لطالما قتل الإبداع لدى الأفراد وقتل حتى رؤاهم لتطوير العمل لما يحكم العمل النظامي من قوانين صلبة لا تعرف المرونة التي من شأنها أن تلبي احتياجات الأفراد النفسية والمادية، حيث أصبح العمل النظامي يقترن في الغالب بفكرة تسلط الرؤساء وعدم تكافؤ الفرص، والافتقار للعدالة في التعامل مع الأفراد، وضعف الراتب، علاوة على عدم ملائمة الوظيفة من الأساس للمؤهل الذي يحمله الموظف.

ولكن وفي نفس الوقت لا يجب أن يدفعنا الحديث السلبي عن العمل التقليدي إلى التفكير في العمل عن بعد على أنه العصا السحرية التي ستجلب لك الثراء دون جهد أو عناء، ولكن بالعكس وهو ما يجب أن نسعى إلى توضيحه من يتناول هذا الموضوع بالبحث والكتابة، فمن الواقع أن تفكر في العمل الحر عن طريق الإنترنت كونه فقط يوفر لك الفرصة التي تتمناها لاستغلال مواهبك وقدراتك ومهاراتك أي أنه وسيلة وبداية للاجتهاد في إثبات نفسك وليس منتهي الطموح.

ولكن السؤال الواجب طرحه هنا هو ما مدى نجاح تلك الفكرة في العالم العربي؟

إن في مجتمع مثل المجتمع العربي تحكمه الكثير من الظروف الخاصة التي تجعله مختلف عن دول العالم، نجد أن مفهوم العمل عن بعد مازال حتى الآن فكرة غريبة على المجتمع الأمر الذي جعل الفكرة تتقدم ببطء قياساً بمستوى نجاحها في دول العالم الأخرى.

أسباب بطء تقدم فكرة العمل عن بعد في العالم العربي

تمسك فئة غير قليلة من المجتمع العربي بمفهوم العمل التقليدي الذي يوفر مزايا التأمين الصحي مثل الراتب الثابت والمعاش والوقت المحدد للعمل.

اعتماد العمل عن بعد على وسائل اتصالات وتقنيات حديثة، قد لا تتوافر في أجزاء كبيرة من البلاد العربية التي تعاني في الغالب من فقر بنيتها التحتية خاصة في مجال الاتصالات والإنترنت مقارنة بدول العالم.

مناهج التعليم في الدول العربية تميل بمعزل عن متطلبات سوق العمل التقليدي، فما بالك بسوق العمل الحر، حيث تفتقد المناهج الدراسية إلى التطوير الذي من شأنه أن يخرج أفرادا منافسين بقوة في هذا السوق، من ناحية التركيز على المهارات الأساسية التي يتطلبها سوق العمل الحر.

عدم الوعي الكامل بمبادئ العمل عن بعد في الثقافة العربية مثل الالتزام بوقت محدد لإنجاز المهمة، وإتقان مهارات الاتصال وعقد الصفقات، وإتقان المهارات المختلفة لإيجاد البديل في حال قل الطلب على مهارة معينة.

نسبة الأمية العالية، وتزايد أعداد الحاصلين على مؤهلات متوسطة وتحت المتوسطة في الدول العربية يجعل من العمل الحرفي أو العضلي هو الشكل السائد من أشكال العمل فيها وهو ما لا يناسب العمل عن بعد بالتأكيد.

وهذا الحديث السلبي عن التطور البطيء لفكرة العمل عن بعد في المجتمع العربي لا يعني أن نحكم على التجربة بالفشل، على العكس فإن هناك الكثير من العوامل التي تضمن نجاح الفكرة في العالم العربي أهمها:

  • انتشار الفقر والبطالة وندرة فرص العمل.
  • منحنى التقدم في وسائل الاتصالات الآخذ في الصعود في العالم العربي، والذي ينبع عن أمل واسع في نجاح الفكرة.
  • العادات والتقاليد العربية التي تمنع عمل المرأة خارج المنزل للحد من الاختلاط، حيث وجدت المرأة العربية في العمل من خلال المنزل ضالتها المنشودة التي تتناسب مع كونها في الغالب أما وزوجة الأمر الذي يستلزم تواجدها المستمر في المنزل، وذلك مع ارتفاع معدل تعليم الإناث في الوطن العربي حيث وصل عام 2003م إلى نسبة 52% مقارنة بنسبته في عام 1970م والتي وصلت إلى 16%.
  • تكافؤ الفرص الذي يتيحه العمل عن بعد ، فمقياس النجاح هنا هو مستوى مهارتك في العمل المطلوب ومدى إتقانك له.
  • حرية اختيار نوع العمل الذي تقوم به.
  • ملائمة فكرة العمل عن بعد لظروف الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة.

دوافع النجاح في مجال العمل عن بعد في العالم العربي

وعلى ذلك ومع تزايد حاجة المجتمعات العربية لفكرة العمل عن بعد كبديل لمشاكلها المتعلقة بالبطالة والفقر، لابد من تحرك الدول العربية في الأخذ بأسباب النجاح في هذا المجال وأهمها ما يلي:

  • تطوير مناهج التعليم بالشكل الذي يتلاءم مع سوق العمل الحر.
  • العمل على تطوير وسائل الاتصالات.
  • التوعية الإعلامية للمجتمع بفاعلية فكرة العمل عن بعد، وتدريب الأفراد على المهارات اللازمة لخوض سوق العمل الحر عن طريق إنشاء المعاهد المتخصصة لنشر مبادئ العمل الحر.
  • تبني الحكومات العربية لمواقع وطنية لاستغلال كفاءات أفراد المجتمع التي تفتقر إليها المؤسسات الحكومية عن طريق فكرة العمل عن بعد.
  • تطوير الأجهزة الإدارية في الحكومات العربية بالشكل الذي يسمح بتطبيق فكرة العمل عن بعد فيها، وتعد المملكة العربية السعودية أولى الدول التي قامت بمبادرة توظيف الأفراد عن بعد في أجهزتها الإدارية من أبناء الوطن.

راندا عبد البديع

حاصلة على بكالوريوس في العلوم تخصص كيمياء ونبات، أهوى العمل الحر، أعمل كمدونة ومترجمة على الإنترنت لأكثر من أربع سنوات.