تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » الغيرة إلى نجاح : كيف تحقق هذه المعادلة الصعبة ؟

الغيرة إلى نجاح : كيف تحقق هذه المعادلة الصعبة ؟

تحويل الغيرة إلى نجاح هو أمر يتطلب الكثير من التحديات، فالغيرة عندما تتملك من شخص ما تقيده تقييدًا شديدًا، وتجعله غير قادر على الحركة أو فعل شئ.

الغيرة إلى نجاح

تحويل الغيرة إلى نجاح معضلة بالنسبة للكثيرين، يقول الدكتور شاراش أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك:” الشعور بالغيرة كثيرًا ما يرافقه الشعور بالحسد، أما العكس فليس دائمًا صحيح، أي أنك قد تحسد شخصًا ولكن دون أن تغار منه” تبدو هذه كبدايةٍ مناسبةٍ نتعرف منها على ذلك الداء الذي ما إن يصيب الإنسان حتى يشرع في سحبه إلى القاع يومًا بعد يوم، ويملأ قلبه بالظلمة والكراهية وقد يصل به الأمر إلى تحطيم كل جميلٍ فيه وإفساد حياته عليه.

وبحسب دكتور شاراش فإنه يفصل بين شعورين نميل جميعًا إلى اعتبارهما شعورًا واحدًا، فالغيرة من منظوره هي إحساسٌ شخصيٌّ بشدة يمس المقربات لقلب الإنسان وحياته مباشرةً سواءً كانت غيرةً مستثارةً بسبب شيءٍ امتلكه الإنسان فعلًا ويغار عليه بجنونٍ مخافة فقدانه وخسارته كالغيرة على شريك حياته مثلًا أو منصبٍ اعتلاه أو نجاحٍ حققه. فيغار عليه ولا يرغب بمشاركته مع أحد وقد يصاب بالجنون ويفقد اتزان أفكاره وسلامة منطقه إن مس أحدهم شيئًا من ممتلكاته التي تقع في نطاق غيرته، كالطفل الصغير الذي يغار من أحدٍ حصل على اهتمام وانتباه والدته ولو للحظاتٍ، أو شخصٍ مس لعبته أو أراد اللعب بها فإحساسه بالتملك للذين يحبهم أو أشيائه صنع حاجزًا من الغيرة بينه وبين تشاركها أو تسامحه مع مبدأ التشارك نفسه.

تحويل الغيرة إلى نجاح : الطريق الصحيح

الحسد والغيرة

في حين أن الحسد يأخذ مجرى آخر ولكن بعكس الغيرة التي تكون فطريةً وتلقائيةً منذ صغرنا وتظل موجودةً في أعماقنا وتكوين شخصياتنا حتى موتنا ما دامت تحت الرقابة والتحجيم وفي حدود المعقول، يكون الحسد داءً غير طبيعيٍّ ولا يولد معنا وإنما تكتسبه النفس الأمارة بالسوء وكارهة الخير حتى أنها تمنع بظلامها الخير عن غيرها ونفسها، الحسد أن تحسد الجميع على ما هم فيه وما أصابوه من سعادةٍ أو نجاحٍ أو عملٍ أو حتى ممتلكاتٍ قد لا تهمك ولا تخصك ولا ترغب حتى في الحصول على مثلها.

ولكن الشر في نفس الحاسد يضن على الآخرين بالسعادة والفوز والنجاح، فهو ليس كالغيور أراد النجاح ففاز به غيره وإنما هو فاسد جاهلٌ ويسقط في هوة الفشل سريعًا ولا يريد أن يرى النجاح ظاهرًا على الآخرين وإنما يتمنى سحبهم معه إلى هوة الفشل السحيقة.

الحسد داء من لم يهذب نفسه ويحجمها ويروضها فشبت عن طوقه وطوعه وأفسدته بالهوى والحقد وإمارة السوء، وكما أن الحسد داءٌ فالغيرة إن زادت عن حدها والتهمت قلب صاحبها سارت به في نفس الطريق وشغلته عن نفسه بغيره وأعجزته عن النجاح ليجلس ويراقب نجاحات الآخرين ويتحسر عليها ويغذي قلبه بالحقد على من لم يفعلوا له شيئًا سوى أنهم بذلوا جهدًا أكبر أو استحقوا النجاح أكثر لا غير.

الأسباب الشخصية وراء هذه الأمراض

غالبًا ما نجد أصحاب تلك الأمراض كانوا في صغرهم مدللين إلى حد الفساد أو محرومين إلى حد الكره والألم، فالمدلل اعتاد الحصول على مراده بغير تعبٍ أو مجهود، يكفي أن يطلب فيُنفذ طلبه وأن يأمر فيطاع أمره، مع الوقت يحسب ذلك الطفل نفسه مركز الكون وأنه يستحق كل شيءٍ بغير تعبٍ أو مجهودٍ أو محاولة، وأن النجاح سيخر راكعًا أمامه ليفاجأ في الحياة الواقعية أن من كدوا وتعبوا أكثر منه فازوا بالنجاح الذي لم يستحقه، معرفة هذه الحقيقة هو أساسي في تحويل الغيرة إلى نجاح .

ومن هنا تبدأ حكايته مع الغيرة فيختار ما بين طريقين إما الاستسلام للغيرة وتركها تلتهمه وإما إعادة تحسين نظرياته عن الحياة ونظرته لها وإيجاد مكانه منها وبذل المجهود واستحقاق النجاح والتشاغل عن غيرته بإصلاح نفسه. فهم هذا الأمر هو البداية من أجل تحويل الغيرة إلى نجاح .

الطفل المحروم

أما الطفل المحروم أو أيًا كان السبب الذي زرع الكراهية والحقد والحسد في قلبه على البشر سواءً عرفهم أم لم يعرفهم، كفاقد الحب والاهتمام في طفولته أو الذي تعرض للقسوة والمعاملة المهينة فهو حتى إن وجدهما فهو يرفسهما ويتشاغل عنهما بالحسد على من وجدوهما وأصحاب القلوب السعيدة والهانئة. الطفل المحروم غالبًا ما يعاني من الكثير من المشاكل في سبيل تحويل الغيرة إلى نجاح .

إن النفس لأمارةٌ بالسوء إن لم تقدها إلى طريق الصواب أغرقتك في مستنقع الخطأ، فكيف لك أن تتغلب على غيرتك من نجاح غيرك وتحول طاقة الغيرة الهادمة إلى صرحٍ عالٍ تصعد فيه إلى نجاحك؟

الصراحة مع الذات

الصراحة مع الذات مهمةٌ جدًا في سعيك من أجل تحويل الغيرة إلى نجاح ، فمهما تقنعت وتخفيت في حياتك وعن الآخرين فلا تنسَ أبدًا ترك أقنعتك على باب غرفتك، ادلف إليها وقف أمام مرآتك عاريًا إلا من حقيقتك وحدها، كن صريحًا مع نفسك لتعرف مواطن ضعفها وقوتها، تميز بين خيرها وشرها ومميزاتها وعيوبها، اصدق معها وصارحها بحقيقة إحساسك بالغيرة، ادرس معها ذلك الشعور وأسبابه ومثيراته لأن تلك الخطوة هي بداية تحررك من دائك.

كن رقيبًا على نفسك وصريحًا معها دائمًا ولا تكذب وتدّعي حتى تصدق كذبك، وحيث أنك بدأت بنفسك فكما صارحتها وحاورتها فثق فيها، ابدأ طريق بناء ثقتك بنفسك وقدراتك على تحقيق أحلامك ومآربك كلها مهما صعبت فكن على ثقةٍ من قدرتك على الوصول في النهاية.

الاستسلام للحسد

إن المستسلمين للحسد ما هم إلا مهزوزا الثقة بأنفسهم فاقدو الإيمان بقدراتهم يحسبون الجميع أفضل منهم ورزقوا رزقًا أوسع منهم وأوتوا من الحظ والنجاح ما لم يؤته هو بلا سبب، وهم أفشل الناس في تحويل الغيرة إلى نجاح ، بل إن بعضهم يكون غافلًا عن قدراته تجده يعرف أدق تفاصيل الآخرين ونجاحاتهم وهو لا يدري عن نفسه شيئًا ولا عن قوته وقدراته ولا يعطيها حجمًا أو مساحةً أو اهتمامًا فتنقلب عليه متفرجةً حاسدةً وناقمة.

الخطأ طبيعة بشرية

كلنا بشرٌ وكلنا نخطئ وكلنا نفشل وجميعنا نمتلئ بالسلبيات حتى تكاد تفيض منا وتغرقنا ما إن نستسلم لها، وأنت بشرٌ لا تختلف عنهم في شيءٍ والسلبيات كما الإيجابيات نصفان متعادلان فيك لتكوين بشريتك فلا تغمض عينيك عن أحدهما وتفتحهما على اتساعهما على الآخر.

آمن واعترف بإيجابياتك وسلبياتك سويةً واستفد من كليهما على قدم المساواة ولا تركز على سلبياتك حتى تقع أسير ظلمتها وتعميك عن إيجابياتك وطريقك كله، ما جُعلت السلبيات إلا اختباراتٍ ومصاعب لنا نتجاوزها ونعبر صعابها ونصل إلى النجاح معتمدين على دروسنا منها، فلا تعطها أكبر من قدرها أبدًا، هذه هي بداية الطريق من أجل تحويل الغيرة إلى نجاح .

تأكد من وجود العدالة

اجعل دائمًا في قلبك يقينًا لا يتزعزع بعدالة الله في تقسيم الأرزاق وتوزيعها وارضَ بقدرك واصبر على البلاء، ابذل دائمًا ما في وسعك ولا تتخاذل أو تتكاسل عن القيام بدورك كاملًا حتى ترضى عن نفسك وعما بذلت فإذا لم تصب النجاح الذي قصدت فلا تعترض على قضاء الله وكن مؤمنًا بحكمته وعدله وأن ما أصابك هو الخير، ولا تكفر بقدرك جراء فشلك الأول فتتخاذل عن السعي إلى النجاح ثانيةً وتفترش الطريق ترثى نفسك فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

كن مبدعًا

كن مبدعًا بنفسك وركز على طريقك ونجاحك وأهدافك وتحويل الغيرة إلى نجاح ، جد لنفسك ما تبرع فيه وتتقنه ويميزك عن الآخرين ولا تزاحمهم في مجالاتهم وأحلامهم فينجحوا وتفشل! وإنما جد طريقك الخاص وهدفك وحلمك وكفى، وما إن تجد ما أردت فلا تلتفت للآخرين وتتشاغل عن طريقك بما يفعلون وركز كل انتباهك وقوتك وطاقتك على مرادك فتحصل عليه.

كن خيّرًا

اجعل قلبك عامرًا بالحب والخير وتمنيه للآخرين، خصص جزءًا من وقتك ومالك وجهدك للعمل الخيري فهو يدخل الخير والراحة والسعادة على قلبك ويخرجه من ضلال الظلمة والأنانية وحب الذات وينأى بك عن الوقوع في هوة الغيرة والحسد، فإذا وجدت من نجح أمامك وحقق ما لم تحققه أو تصل له بعد اذكره بالخير وتشاغل بشق طريقك نحو النجاح عن مراقبة نجاحه.

لا تكن حسودًا و غيورًا فتشيع الكره من حولك وحين تصل إلى نهاية سلم النجاح أخيرًا لن تجد من يحتفل معك بنجاحك أو يهنئك عليه، فأنت فقدت حب من حولك حين فقدت بياض قلبك وطهره وخيره، أحب الخير للآخرين لتجده مردودًا لك في وقته المناسب، الغيرة تنزع السعادة من قلبك وحياتك، هي لا تضر الآخرين بقدر ما تضرك أنت فإن اكتفيت بالغيرة سيستمرون هم بالصعود وستستمر أنت في السقوط، كن ذكيًا كن ذو خيرٍ وطهر قلبك يا صديقي من أجل أن تحول الغيرة إلى نجاح .

ابراهيم جعفر

محرر موقع تسعة : مبرمج، وكاتب، ومترجم. أعمل في هذه المجالات احترفيًا بشكل مستقل، ولي كتابات كهاوٍ في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت، بعضها مازال موجودًا، وبعضها طواه النسيان. قاري نهم وعاشق للسينما، محب للتقنية والبرمجيات، ومستخدم مخضرم لنظام لينكس.

أضف تعليق

ثمانية عشر − ثلاثة عشر =