تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » كيف تمكن الضباط الأحرار من تحويل مصر إلى جمهورية؟

كيف تمكن الضباط الأحرار من تحويل مصر إلى جمهورية؟

الضباط الأحرار مجموعة من الضباط في الجيش المصري قادوا ثورة الثالث والعشرين من شهر يوليو القابع في عام 1952 وتمكنوا عن طريق هذه الثورة من قلب كل الموازين في مصر وكانت البداية بتحويلها من ملكية إلى جمهورية، فكيف حدث؟

الضباط الأحرار

طبعًا مع ذكر مُصطلح الضباط الأحرار يتوارد إلى الذهن معانٍ كثيرة ومفاهيم متعددة على رأسهم معاني ومفاهيم البطولة، إذ أنه لا يُمكن بأية حالٍ من الأحوال التفكير في حالة مصر التي كان من المفترض أن تكون عليها في الوقت الحالي لو لم تنجح الثورة التي قام بها هؤلاء الضباط، فعلى الأقل كان من الممكن استمرار الملكية حتى وقتنا الحالي وكانت مصر ستُقسم إلى طبقتين لا ثالث لهما، الطبقة الأولى طبقة الإقطاعيين الذين يُسيطرون على كل خيرات البلد، وهم يمثلون أعداد قليلة جدًا تكاد تكون نادرة للغاية ولا تعادل حتى واحد بالمئة من إجمالي العدد الفعلي للمصريين، والطبقة الثانية طبقة الفقراء والشعب المصري الكادح، وهي تُمثل كل ما تبقى من الشعب، أي أن كارثة حقيقية كان من الممكن حدوثها لو لم تقع هذه الثورة، بيد أن السؤال الأهم الذي يجب طرحه في هذه الحالة والبحث عن إجابة له هو كيف تمكن الضباط الأحرار من تحويل مصر إلى جمهورية بعد أن كانت ملكية؟ السطور القادمة تُجيب.

من هم الضباط الأحرار ؟

الضباط الأحرار من هم الضباط الأحرار ؟

في البداية وقبل أن نتعمق في الحديث عن الإنجاز الكبير الذي قام به الضباط الأحرار فإنه من الواجب علينا أولًا التعرف عليهم عن كثب ومعرفة ماهيتهم وهويتهم، فهم مجموعة من الضباط المصرين كونوا داخل الجيش المصري حركة رافضة للسياسات التي يقوم بها الجيش والأمور التي تحدث في الدولة بشكل عام، حيث قرروا من خلال هذه الحركة تغيير النظام ودفع الأمور إلى الأمام بدلًا من حالة الانبطاح التي يعاني منها الجميع مع وجود ذيول الاحتلال الإنجليزي، وقد كان الهدف الرئيسي للحركة في البداية أن تتم الإصلاحات الكُبرى داخل الجيش، لكن لاحقًا تطور الأمر إلى حركة الثالث والعشرين من شهر يوليو الموجود في عام 1952 ووصل الأمر إلى القيام بثورة وتحويل نظام الحكم مئة وثمانين درجة من ملكي تحت قيادة أسرة محمد علي إلى جمهوري تحت قيادة الشعب، أو هكذا تم الإعلان في ذلك التوقيت.

حركة الضباط الأحرار كانت تضم في البداية مجموعة من الضباط الصغار الغير معروفين في ذلك التوقيت وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ومحمد أنور السادات، وقد قال الكثير من الخبراء والمُفكرين أن الحركة لم تكن لتنجح أبدًا إذا ما اعتمدت على هذه الأسماء فقط، لكن النجاح الكبير جاء بعد ضم محمد نجيب إليها، وهو شخص كبير ذو مكانة مرموقة في الجيش، ولهذا تمكن من احتواء الجميع ونجحت الحركة في النهاية وتحولت إلى ثورة قضت على الحكم الملكي في مصر ورسخت للنظام الجمهوري، لكن ما الذي حدث في تلك الليلة يا تُرى؟

كيف جرت الأمور؟

في منتصف ليلة الثالث والعشرين من شهر يوليو في عام 1952 الذي جرى فيه ذلك الحدث الهام توجه أحد الضباط الصغار إلى مبنى أركان الجيش المصري، وهناك تم القبض على كل قيادات الجيش الموالية للملك، وتوزيع خارطة جديدة للقيادة جعلت الجيش المصري بأكمله تحت قيادة الضباط الأحرار الذين كانوا يُصدرون في هذه اللحظة اللواء محمد نجيب، بعد ذلك سلك الجميع طريقه باتجاه القصر الجمهوري لمخاطبة الملك بالرحيل، لكن قبل أن يحدث هذا أُذيع البيان الشهير الذي ألقاه الضابط في ذلك التوقيت محمد أنور السادات، وفي هذا البيان أعلن فيه أن مصر قد اجتازت فترة من الفساد والخراب والسيطرة من قِبل أشخاص لا يستحقون السيطرة وأنها اليوم عادت لأبنائها المُخلصين مُجددًا، وقد كان شعار الثورة في ذلك التوقيت الاتحاد والنظام والعمل، وهذا ما تحقق فعلًا وكان سببًا في نجاح الثورة.

بعد يوم واحد من تلك الحركة بدأت كتل السلطة في مصر تنضم إلى الضباط الأحرار وتُطالب بنفس مطالبها، كما أعلنت أكثر من وزارة استقالتها، وكان المطلب الأهم في السادس والعشرين من يوليو عندما طالب الضباط الأحرار الملك ترك مصر بأسرع وقت ممكن لوجود حالة من الاحتقان لدى الشعب منه، وقد فكر فاروق في الطلب وقتها ووجد أنه منطقي وبالفعل سافر إلى إيطاليا ومن هناك كتب الوثيقة التي أعلن فيها تنازله عن العرش لصالح ابنه الصغير أحمد فؤاد الثاني، حيث تم تشكيل مجلس وصاية من أجل مساعدته في قيادة البلاد، لكن هذا الأمر لم يستمر لأكثر من عام ليتغير كل شيء بعدها وتتحول مصر من ملكية إلى جمهورية، فكيف فعل الضباط الأحرار ذلك؟

كيف تمكنوا من تحويل مصر إلى ملكية؟

الضباط الأحرار كيف تمكنوا من تحويل مصر إلى ملكية؟

جميعنا يعرف طبعًا أن مصر ظلت ملكية تتبع أسرة محمد علي لفترة طويلة، وقد كان من الممكن أن يستمر ذلك الوضع لفترة أطول من تلك بكثير لولا أن جاء التدخل من الضباط الأحرار الذين شاهدوا بأنفسهم كيف تسير الدول الجمهورية في العالم وكيف أن نظام الملكية استبدادي فاشل، على العموم، غير الضباط الأحرار ذلك بالتفكير أولًا في إنشاء مجلس قيادة الثورة.

إنشاء مجلس قيادة الثورة

عندما خرجت حركة الضباط الأحرار أو ثورة الثالث والعشرين من يوليو لم يكن التخطيط يوحي أبدًا بأننا سوف نصل لمثل هذه المرحلة المُتقدمة، صحيح أن احتمالات النجاح كانت كبيرة لكنها لم تكن تُشير أبدًا إلى ذلك النجاح الساحق، فقد رأى الضباط الأحرار أنهم قد قاموا بثورة حقيقية وأنه لابد أن يكون هناك مجلس قادر على قيادة ذلك النجاح والاستمرار فيه إلى آخر مدى ممكن، وقد ضم ذلك المجلس عدد كبير من الضباط الأحرار أنفسهم بالإضافة إلى أشخاص آخرين من فصائل أخرى، لكن بكل تأكيد كانت الكلمة الأولى والأخيرة للضباط الأحرار، فالأمر كله منوط بهم والنجاح الذي حُقق جاء بفضلهم، وتم إسناد القيادة كذلك للواء محمد نجيب تمهيدًا لمنصبه الأهم لاحقًا.

إلغاء مجلس الوصاية

بعدما غادر الملك مصر وترك ابنه أحمد فؤاد ملكًا على مصر كانت هناك بعض القيود والأمور الغير منضبطة التي يتسبب بها مجلس الوصاية، فقد كان معظمه من الحرس القديم والأشخاص الذين خدموا الملك سابقًا، وهم طبعًا أشخاص ليست هناك ثقة كبيرة في ولائهم، ولهذا تم التفكير مباشرةً في إلغاء مجلس الوصاية هذا وإعادة الأمور إلى نصابها، لكن هل هذا يعني أن طفل صغير سوف يحكم مصر ويفعل ما يراه مناسبًا من وجهة نظره دون وصاية؟ لا، هذا لن يحدث بالتأكيد، فقد كان التجهيز وقتها للمرحلة أو الخطوة الأهم في الثورة وربما في تاريخ مصر بأكمله، خطوة إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.

إعلان الضباط الأحرار الجمهورية وإلغاء الملكية

بعد إلغاء مجلس الوصاية الذي كان يمتلك مهمة رئيسية تتمثل في الإشراف على الملك الصغير لم يعد هناك مفر من الخطوة التالية البديهية، وهي إلغاء الملكية، والتي لم يعد هناك ملك موجود لها بالأساس، وإعلان الجمهورية اقتداءً بالدول المُتقدمة المُحيطة بمصر والتي بدأت في هذه الخطوة كنوع من القفز من دول العالم الثالث إلى دول العالم الثاني على الأقل، وقد كان هذا القرار فور صدوره أشبه بالمُحير بالنسبة للشعب الذي كان وقتها لا يعرف أساسًا ما الذي تعنيه الجمهورية ولم يعش أي لحظات في هذا النوع من الحكم، فقط عاش على الملكية والمُلك والملوك، لكن على الرغم من ذلك جاء الاستقبال الشعبي كبيرًا وخرجت المظاهرات الداعمة للقرار، وإن كان مجلس قيادة الثورة أو الضباط الأحرار كانوا لا يزالون يمتلكون خطوة هامة من أجل تأكيد وتثبيت عملية تحويل مصر إلى جمهورية، فما هي هذه الخطوة يا تُرى؟

إعلان الضباط الأحرار أول رئيس للجمهورية

بعدما تم تحويل مصر إلى جمهورية بدا جليًا أن مصر في حاجة إلى رئيس جمهوري يُثبت هذا القرار، وكانت كل الأعين المنتظرة تتجه صوب مجلس قيادة الثورة أو الضباط الأحرار لأنهم ببساطة من أشرفوا على كافة التحولات التي جرت في مصر بالآونة الأخيرة وكانوا سببًا في هذه التحولات بالأساس، وإذا ما تحدثنا عن الضباط الأحرار فمن وجهة نظر الجميع لم يكن هناك شخص جدير بهذا المنصب أهم من محمد نجيب، فاللواء محمد نجيب كان صوت العقل والخبرة، وفي نفس الوقت هو شخص محبوب ويلقى دعم الجميع سواء في الجيش أو خارجه، ولذلك تم اتخاذ قرار تنصيبه وتنفيذه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

تسعة − 5 =