تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » السينما والواقع : كيف تعكس السينما الواقع أو تخلقه في الحقيقة ؟

السينما والواقع : كيف تعكس السينما الواقع أو تخلقه في الحقيقة ؟

علاقة السينما والواقع علاقة وطيدة جدًا، فالسينما هي بشكل ما تعبير عن الواقع، وهي طريقة للتأثير على طريقة رؤيتنا للأشياء أيضًا، فكيف ذلك؟

السينما والواقع

السينما والواقع كلمتان لهما علاقة ببعضهما من العديد من النواحي، إن الحضارات المتعاقبة منذ فجر التاريخ وحتى الآن يتم النظر إليها تبعاً لمدى تأثيرها على الإنسانية عامة. ولكن قد اتفق العلماء والمؤرخين على أن تأثير الحضارات على ما حولها يكون أكثر قوة حين يكون تأثيراً ثقافياً، فمدى التأثير الثقافي على المجتمع والعالم هو دائما الأبقى أثراً والأقوى سطوة على المدى البعيد، ومع ما قدمته الحضارة الحديثة من تقدم وازدهار في مختلف مجالات العلم والتكنولوجيا. منذ اكتشاف واستخدام البحار كقوة محركة أدت إلى تقدم صناعي كبير وسريع تم على إثرها استحداث فن آخر من نوع جديد ألا وهو فن السينما والواقع ، خرج ذلك الفن ليسبب ثورة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لجميع دول العالم حيث أظهرت ثقلاً وسطوة في التأثير على كثير من مجريات الحياة الواقعية، مجرد استخدام الصوت ونبراته للتعبير جعل للكلمة وزنها وتأثيرها،إذن ما حال جمع ذلك التأثير مع تأثير التمثيل والتعبير على التأثير والإدراك؟!

السينما والواقع والارتباط بينهما

متى بدأ ارتباط السينما والواقع ؟

بدأ الظهور الفعلي لفن السينما وتصوير أفلام الحركة والصور المتحركة عام ١٨٩٠، وكانت الفكرة الرئيسية التي قام عليه هذا الفن هو الترفيه وتسلية وإضحاك العامة دون الخوض في الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكانت مدة الفيلم لا تتعدي المشهد الواحد أي أقل من الدقيقة الواحدة وكانت حركات بدون صوت حيث أن التكنولوجية المتوفرة في ذلك الزمن لم تكن متطورة كفاية لدمج الصوت والصورة معاً أو لدمج مشاهد كثيرة وتكوين فيلم طويل أو متوسط المدة، لم تكن هناك الكثير من الخدع أو التقنيات السينمائية الموجودة حالياً، ومع تقدم الوقت بدأت تلك الصناعة تطور وتعرض مشهداً من نتيجة مباراة أو من خبر هام ونظراً لأن السينما كانت إلى حد ما متوفرة للعامة بأسعار جيدة سرعان ما أصبحت هي نافذتهم على ما يحدث في العالم وهي المصدر الرئيسي الذي يتابعون منه ما يحدث حولهم أو بعيداً عنهم وجدير بالذكر أنه قبل ظهورها والتلفاز كانت للمسارح والمذياع نفس الدور تقريباً، فحنتي بعد أن ظهر التلفاز ظل الراديو عنصراً رئيسياً في أغلب المنازل، ولكن مع تطور السينما وتعدد اللقطات أصبحت السينما فناً وأصبح لها أسلوبها وطابعها الخاص الذي أسر الملايين بل وأصبح لكل مخرج طابعه المميز، ومنذ البداية لم ينفصل السينما والواقع عن بعضهم.

لماذا تسمى السينما والواقع ؟

منذ ظهرت السينما وهي والواقع لا يفترقان حتى أصبحت التسمية الصحيحة لهذا الفن ينبغي أن تكون السينما والواقع ، حيث أن السينما والواقع هما أداتان تتأثران ببعضهما البعض، ومع أن النقاد والممثلين وكل من هو قائم على عملية الصناعة السينمائية قد يختلف حول العلاقة القائمة بين السينما والواقع وهل السينما والواقع يعكسان بعضهما البعض؟، وهل السينما تعكس الواقع أم تعبر عنه؟، ولذلك تظل العلاقة بين السينما والواقع محل تفكير ودراسة ولكن ستظل تلك العلاقة دائماً قائمة وموجودة أياً كان شكلها وأسلوبها ولذلك السينما فقط هكذا قد لا تكون التسمية الأفضل حيث أنها سوف تظل دائماً أبداً السينما والواقع .

مراحل تطور السينما

منذ عام ١٩٠٥ قد بدأت السينما تشهد تطورات مذهلة وملحوظة ولم تعد اللقطات المصورة تقتصر على مشهد واحد فقط، بل بدأت المشاهد في التعدد وأصبح الممثلين ذات أهمية، يراهم الناس بوضوح ويستطيعون تحديد وحفظ ملامحهم وبدأت ملامح السينما كفن في الارتسام والوضوح، وبالتالي أصبح الممثلين يأخذون الحق الفني والنقدي على أعمالهم وأصبحت وجوههم مألوفة لدي العامة، وكنتيجة لكل تلك التطورات ظهر أول مسرح ناجح يعرض الأفلام بشكل دائم في مدينة بطرسبرغ في روسيا عام ١٩١٠، وبشكل عام خلال تلك الفترة تطورت الأساليب المستخدمة في صناعة السينما وكانت أغلب الأفلام المصنوعة تتبع إما الدراما أو الكوميديا حيث أن تلك الكتب كانت دائماً تؤخذ من قصص الروايات والمسرحيات الخاصة بكبار الكتاب في ذلك العصر، وكان ذلك وضع طبيعي يسهل تفسيره حيث أنه قبل التطور التكنولوجي الذي تسبب في ظهور فن السينما والواقع كانت للروايات والكتب اليد العليا في تسلية العامة والمثقفين باختلاف مواضيعها وذلك يفسر كيف أن المخرجين سعوا فور تمكنهم من صناعة الأفلام التي تحتوي على عدة مشاهد إلى تحويل تلك الروايات التي أسرت قلوب الملايين وترسخت في أذهانهم إلى أفلام وحركة وصوت لتمتع النظر والسمع، فذلك كان سيضمن النجاح المادي والفني بالإضافة إلى أن الكتابة في المواضيع الأخرى كالسياسة مثلاً لم تكن سهلة في ذلك الوقت ولم تستهوي الجمع الأكبر من الناس، وحضرت الرومانسية ولكن ليس بشكل منفرد بل استمرت مصاحبة للدراما والكوميديا.

كيف أثر ارتباط السينما والواقع في الكتابة؟

و نظراً للاتجاه الذي أخذته سكة الصناعة السينمائية وتطور علاقة السينما والواقع قام صناع السينما بتعيين الكتاب المهرة لديهم لكي يحولوا الروايات والمسرحيات التي كانت تعبر عن دراما الواقع بشكل كبير إلى سيناريو وحوار مبسط وجذاب ولكي يتخلصوا من الإطناب الموجود في الكتب والذي لم يكن ليناسب السينما أو التمثيل وبتلك الطريقة تطورت العلاقة بين السينما والواقع ، بحلول عام ١٩٢٠ وفي تلك الفترة تبلور دور الولايات المتحدة في عملية الإنتاج السينمائي لتتركز على عرش عالم السينما والواقع العالمية لتنتج أكثر من ٨٥٪ من الإنتاج العالمي للسينما، وبدأت المواضيع التي تثار وتناقش في ذلك العالم تتخذ اتجاهات مختلفة ومتغيرة خاصة بعد الحرب العالمية الأولي نظراً للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت لجميع دول العالم. ومن أهم التطورات التي حدثت هو ظهور الأفلام الموسيقية، حيث أنتج الأخوان وارنر فيلماً تندمج فيها الموسيقي والغناء مع التمثيل ليظهر أول فيلم موسيقي في تلك الفترة.

كيف بدأت العلاقة التعبيرية بين السينما والواقع ؟

مع قيام الحرب العالمية الثانية ومع التغيرات التي حدثت للمرة الثانية في العالم أجمع وحيث أن التغيرات كانت أكثر قوة هذه المرة، بدأت علاقة السينما والواقع تصبح أكثر نضجاً وتعبيراً وتطوراً في حيثياتها لتخرج لنا الأفلام الوطنية والأفلام التي تعبر عن مجريات تلك الحرب والسياسة في تلك الفترة، وكانت تلك الأفلام تعد انعكاسا أو تعبيراً عن واقع سبق وأن كان موجوداً وبالتالي لم تعد السينما مجرد فناً يهتم بالدراما أو الترفيه مبتعداً عما يحصل حوله، ومن هنا أيضاً بدأ تأثير السينما والعاملين بها بالعالم الخارجي وبالسياسة العامة يزيد عما قبل.

السينما والواقع وفن المطاردة

ثم عاد فن السينما والواقع وصناعها للاهتمام بالكيفية أكثر، حيث كانت كطفل صغير يكتشف المشي والكلام للمرة الأولي فلا زال فيض الأفكار وكذلك التكنولوجيا في أوله، فقد قام أحد المخرجين المهمين بتقسيم المشهد إلى أكثر من لقطة تؤخذ بعدة كاميرات ومن زوايا مختلفة مما أدي لتطور كبير في مراحل التفنن والتطوير في تصوير المشاهد والأفلام، أما عن المواضيع فاشتهرت الفترات الأولي بطريقة للسرد السينمائي أطلق عليها المطاردة، حيث تصور المشاهد فعل يقوم به أحد الأبطال ثم في المشهد الثاني يكتشف أحدهم ذلك الفعل فتبدأ المطاردة لينتهي الفيلم بالقبض على صاحب الفعل الأصلي الذي تم القيام به في أول المشاهد وتختلف قصة المطاردة بين طفل وصاحب محل، أو سارق وأحد الأعيان وهكذا، وتأثر السينما والواقع بتلك المواضيع كان شديد الوضوح بعد الحرب العالمية الثانية بظهور الأفلام البطولية والأفلام التي تناهض وتعادي النازية، وهنا يظهر التأثير السياسي لكل دولة وتوجهها على صناع السينما بها وحتى على الصناعة السينمائية في الدول التابعة لها أو التي تواليها وخاصة مع ظهور التلفاز حيث أصبح تأثر الناس بالأفلام وصناعتها أوضح وأقوي من ذي قبل وبالتالي أصبحت الدول والشخصيات العامة والأعيان تهتم بما يتم تناوله من موضوعات في السينما.

ظهور أفلام الأبطال الخارقين

و استكمالاً للتغيرات التي طرأت بعد الحرب العالمية الثانية على علاقة السينما والواقع وطبيعة تأثر وتأثير احدهما على الآخر ظهرت إحدى أهم تلك التغييرات تأثيراً حيث اتجه صناع السينما الأمريكية إلى خلق الشخصيات الخيالية التي تميزت بكونها شخصيات أبطال خارقين ذو قوة مميزة ولهم دائماً القدرة على حماية الآخرين من أي شر أو خطر يتربص بهم، ولحبكة تلك الفكرة الجديدة وإضفاء بعض من المنطق على ذلك الجو والتفكير الجديد تم إظهار بعض الأخطار أيضاً على أنها آتية من العالم الخارجي بصورة وطريقة خارقة، وأول ما ظهر ذلك التطور والفكر السينمائي الجديد كان قد ظهر في المجلات وأفلام الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال، وسرعان ما لمس القائمين على الصناعة الفنية نجاح تلك الأفلام ولذلك تمت إعادة صناعتها بأسلوب السينما والواقع، أي تمثيلها بشكل قريب للحقيقة ومندمج مع الواقع.

السياسة بين السينما والواقع

السياسة بطبيعتها تعتمد على التعاملات والقوانين البشرية ولذلك فهي دائمة الاتصال بالواقع وبكل ما يجد فيه، حيث أن السياسة تؤثر وتتأثر بالناس وبأفعالهم وبقرارتهم سواءً كانت مبنية على العواطف أو الحقائق العلمية والتفكير المنطقي، وحيث أن عالم السينما والواقع والأفلام أصبح له دور كبير في التأثير على عواطف الناس وبالتالي على قراراتهم وخاصة بعد انتشار التلفاز بأغلب الدول ورواج صناعة السينما وزيادة عدد العاملين بها أصبحت السياسة تلقي بظلالها على العملية الفنية ومخرجاتها، وتبعاً لذلك وجد المهتمين بدراسة تاريخ السينما والواقع بعض التغيرات في المواضيع أو الاتجاه العام للمواضيع في السينما تُظهر تأثراً كبيراً بالحركة السياسية العالمية، فأثناء الحروب والانتخابات وجميع الأحداث التي تكون فيها الحركة السياسية في ذروتها وجدوا أنه قد يتم الاعتراض على بعض المواضيع أو منع تناول مواضيع أخري معينة، وقد يختلف ذلك المنع من دولة إلى أخري فتكون الحرية نسبية تبعاً للدولة والانتماءات السياسية بها.

المواضيع بين السينما والواقع والسياسة

و من المواضيع المثارة التي يوجه لها بعض النقاد اتهاماً بالتسييس أو تأثرها بالسياسة هي مواضيع الأبطال الخارقين والقوي الخارقة والصراع بين الخير والشر، حيث رأي بعض النقاد السينمائيين أن تلك الفكرة تخرج دائماً عن دولة واحدة حيث تكون تلك الدولة دائماً مصدر الخير للعالم وأنها هي المنقذ والمخلص للكون، وكذلك تظهر تلك الدولة بأنها أرض الصراعات نظراً لأهميتها ووجود كل الأبطال الخارقين بها، وقد لوحظ التأثير الكبير لذلك الفكر وتلك الأفلام خاصة على الأطفال نظراً لطريقة عرض واختيار المواضيع ولتطور الصورة والصوت بتلك الأفلام، ونظراً أيضاً للإنتاج الضخم ومهارة الممثلين، وأيضاً كان ذلك التأثير بسبب الطريقة التي اتصلت بها السينما والواقع في تلك الأفلام مما جعلها تبدو أكثر واقعية وبالتالي أكثر تأثيراً. ورغم كون ذلك مجرد مثال وأن تلك الأفكار تخص بعض النقاد إلا أنها مصدر اهتمام مؤخراً نظراً لتأثيراتها الفكرية والنفسية الملحوظة.

السينما والواقع وعلم النفس

منذ النشأة الأولي للسينما وحتى الوقت الحاضر وهي كانت ولا زالت ملتصقة بالواقع بكل عناصره تتأثر به وتؤثر فيه، فالسينما تبعاً للدراسات وعلم النفس هي من أهم المنجزات العصرية تأثيراً في البشرية نظراً لكونها تعتمد على كل العناصر اللازمة للتأثير في أي شخص، فتبعاً للعلم يتأثر الفرد بنبرة الصوت ونجد أن هناك الكثير من الدراسات حول ذلك الصوت كما يهتم المذيع والممثل وأي متحدث عام عامة بدراسة تلك الأبحاث والتدرب كثيراً على ضبط نبرة الصوت لإعطاء وتوصيل الإحساس المناسب، فعلى سبيل المثيل تتحدث الشخصيات العامة دائماً بنبرة جدية بينما يتحدث الممثل الكوميدي بنبرة تهكمية، تبتعد غالباً عن الجد تماماً ولذلك فكل منهم له تأثير ورسالة مختلفتين تماماً عن الآخر، أما اتصال السينما والواقع له سحر خاص فبالإضافة لتأثير نبرة الصوت هناك تأثير تعبيرات الوجه التي تميز الكاريزما الشخصية للعديد من الأفراد، بجانب حركة الجسد وإشاراته.

وسحر السينما الحقيقي يكمن في إمكانية إعداد مشهد كامل يتأثر فيه المشاهد ليس بتعابير وصوت شخص واحد بل بحركة وتناغم عدة أشخاص مما يجعله يعيش ذلك الموقف وقد يؤثر ذلك في شخصيته ووجدانه كأنه أختبره بنفسه من قبل، ولذلك اتصال السينما بالواقع أمراً هاماً نظراً لتأثيرها على الناس ومقتنعاتهم ومصائرهم وقراراتهم.

عناصر تأثر السينما والواقع

السينما كفن تعتمد على عدة عناصر مثل التمثيل والتأليف والإخراج والإنتاج والتصوير وعناصر أخرى كثير، ولكن من كل تلك العناصر هناك عنصران بالغا الأهمية وهما التأليف والإخراج، هذان العنصران قادران على جعل فيلم تسجيلي قصير يتفوق على فيلم طويل ذي كلفة إنتاج عالية، وكذلك هذان العنصران هما من يحددان طبيعة تناول السينما للواقع، وتأثر السينما والواقع يظهر في أماكن التصوير، وفي اللغة والطريقة التي يتحدث بها الممثلون، كما يظهر أيضاً في طبيعة المواضيع.

السينما والواقع والنهضة الصناعية

ففي الماضي حينما بدأت النهضة الصناعية في أوروبا ظهر ذلك جلياً في طبيعة المواضيع التي يتم كتابتها حيث كانت تتناول طبيعة الحياة الاجتماعية في تلك الفترة، وكيف أن العمال كانوا من كل الأعمار حتى الأطفال الصغار مما انتهك طفولتهم وكيف كانت الأوضاع الاقتصادية متدنية في أول الأمر فنري ذلك ظاهراً في الأماكن التي كان يتم التصوير بها في السكن والعمل، وكذلك نجد ذلك ظاهراً في السينما العربية حيث تربعت مصر على عرش الصناعة السينمائية لسنين طويلة فنجد فيلماً مثل “بين القصرين” يعبر عن الحالة الاجتماعية أثناء فترة الاحتلال ونري الفيلم يوجه الأنظار نحو قضية حقوق المرأة، فنجد تأثر السينما والواقع واضحاً في لبس وهيئة وتصرفات النساء التي تلاءم هذا العصر وتقاليده أما في التسعينات والعشرينيات نجد تحسناً كبيراً في وضع المرأة على أرض الواقع ومن ثم نجد ذلك ظاهراً ومعبراً عنه في الأفلام السينمائية.

كيف تؤثر السينما في الواقع

على مر العصور ومع تطور علاقة السينما والواقع وتطور التكنولوجيا والصورة بقي سؤال مهم لم يتغير يوماً ألا وهو هل السينما تكون انعكاساً للواقع أم تساهم في خلقه، السينما تعكس الواقع أي تكون الغلبة في المواضيع إلى تأثر السينما والواقع وتأقلمها مع مجريات الأحداث في الحياة على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فنجد أولئك الصناع يتبنون الرأي القائل أن على السينما التعبير عن الواقع بكل محاسنه وسيئاته وأن المواضيع الخيالية أو تلك التي لا تتناسب مع طبيعة الواقع مجرد أفلام للترفيه وأنها خالية تماماً من الفن أو الهدف، ثم يتبني منهم رأياً يزمع أن حين تعكس السينما أسوأ ما في الواقع فأنها تساهم في كشفه وتوجيه الأنظار لوجوده وبالتالي إلى المساعدة في حله وتصحيحه.

السينما والواقع وانعكاسهما

ثم يظهر رأياً آخر معارضاً لذلك الرأي خاصة وأن التلفاز والسينما والمسلسلات في العصر الحالي أصبحت في داخل كل منزل وأصبحت الأشياء السيئة علنية أكثر من الماضي مما بلور وبروز وجهة نظر ذلك الرأي المعارض القائل بأنه بعرض تلك المظاهر يساهم صناع السينما في إدخالها إلى أذهان النشء ونشرها في طبقات اجتماعية أخري ومن ثم تتحول تلك الأفعال والأخلاقيات إلى موضة رائجة بدلا من فعل خاطئ وذلك أيضاً يكون سببه ظهور ذلك الفعل من فنان محبوب وأيضاً نيل ذلك الفنان على استحسان الناس والنقاد لأدائه نظراً لاقتناعهم به ومن ثم تؤدي تلك النظرية إلى نتائج عكس النتائج المرجوة منها تماماً.

السينما والواقع وتعبيرهما عن بعضهما

ولكن هناك مجموعة أخري من صناع السينما تتخذ منهجاً أخر تبني عليه آرائها الفلسفية، فتتبني تلك المجموعة وجهة نظر تشير إلى أن السينما تؤثر في الراقع بقدر أكثر من تأثرها به ونظراً لانتشار السينما واقتناع الكثيرين بها فيجب عليها عرض أموراً نتمنى وجودها أو انتشارها في الواقع حتى وإن لم تكن موجودة أو كانت متواجدة ولكن بشكل ضعيف ونسب قليلة، ولعلنا نجد وجهة النظر تلك منتشرة في العالم الغربي والسينما والواقع الغربي أكثر من السينما والواقع العربي، فنجد أفلام الخيال العلمي تنتشر بقوة ثم نجد الأفكار بها تتحقق في الواقع بعد عدة سنين مما يدل على صحة تلك النظرية، وبالتالي يظهر تأثر السينما والواقع.

السينما تخلق الواقع

السينما تخلق الواقع من خلال مشاهدها وأداء ممثليها وقد يتوقف ذلك على قدرة الممثلين الفنية والإنتاج المتوفر والرؤية الفنية الناضجة للمخرج والقصة المحبكة من المؤلف والإضاءة الصحيحة واختيار المكان المناسب للقصة وبالتالي فالسينما لها واقعها وعالمها الخاص التي تخرج للناس فيما بعد ويعد عالمهم أيضاً في الفترة التي يشاهدون فيها هذا الفيلم أو ذاك، وبالتالي هناك خيارين إما أن تتأثر السينما والواقع وتخلق واقعها وقصتها مشابهة له أو يلعب الخيال دوره فتخلق السينما واقعاً ثم تفرضه على الحياة فيتأثر الناس به ومن ثم يتأثر واقعهم أيضاً، فنجد أفلاماً تؤثر في الواقع من خلال عرضه مثل “بين القصرين” الذي أدي إلى تسليط الضوء على قضية حقوق المرأة ونجد أفلاماً أخري تؤثر بالسلب حينما تعرض أخلاقيات متدنية ومشاهد سيئة يترتب عليها تأثر الناس وخاصة فئة المراهقين بها مما يؤدي إلى تكرارهم وتقليدهم لتلك الأفعال بشكل يؤذي العديد من الناس .

الخيال وعلاقته مع السينما والواقع

الخيال كان دائماً مصاحباً للإنسان منذ النشأة الأولى وحتى الآن، ولا سيما حين يعمل الإنسان في الفن فلا فنجد أفلاماً كأفلام الأبطال الخارقين الذين يتعرضون لأمر ما بسبب اهتمامهم بالعلم فيولد ذلك لديهم قدرة خارقة، وبالملاحظة وجدنا أن تلك الأفلام أثرت على الناس فجعلتهم يهتمون بالعلم ويهتمون في الجري وراء الأشياء الجديدة والبحث فيما وراء الطبيعة، كما أدت بعض الأفلام إلى لفت النظر لمعاناة الجنود والشعوب بسبب الحروب وكيف أنها تؤثر بالسلب نفسياً وجسدياً حتى على الطرف القوي ومن ثم التفتت أنظار العالم أجمع لتلك القضية وظهرت جمعيات حقوق الإنسان وبدأت الصحافة العالمية تندد بتلك الأفعال وتنادي بالسلام العالمي ووقف الحروب.

السينما والواقع في العالم الثالث

ونجد أيضاً تأثير السينما في الدول المتخلفة والمجتمعات الفقيرة أكثر من تأثيرها في الدول المتقدمة والمجتمعات الغنية، حيث تعد الشاشة الصغيرة مصدر الثقافية الأساسي لتلك المجتمعات نظراً لانتشارها وسهولة الحصول عليها وابتعاد تلك المجتمعات أيضاً عن القراءة بالإضافة لانتشار الجهل بها فنجد تلك الشاشة تمثل شباكهم الصغيرة الوحيدة على الثقافة والعالم، ولذلك يكون الصراع القائم حول السؤال المطروح الذي يقول هل علاقة السينما والواقع تعني أن تقوم السينما بعكس الواقع أم تقوم بالتأثير فيه وخلقه على أشده، لأن في تلك المجتمعات حتى الآراء والتوجهات السياسية يمكن تغييرها من خلال العمل على تعزيز علاقة السينما والواقع وشحذ تأثيرهما وتأثرهما ببعضهما البعض، بل إنه في تلك الدول التي تمثل العالم الثالث تستطيع الجهات السيادية والمتحكمة أن تصنع من علاقة السينما والواقع سلاحاً تؤثر

السينما تعكس الواقع أم تخلقه

بعد التاريخ المليء بالأحداث المتلاحقة وسريعة التطور في عالم السينما والواقع نجد أن ذلك السؤال بدأ يصبح محل اهتمام وجدل مؤخراً وبدأت تتناوله جميع الأجهزة الإعلامية بل وبدأ ذلك السؤال يتبلور في عقلية القائمين على الصناعة السينمائية ويؤثر في اختياراتهم بالغ التأثير، ولكن سوف يظل ذلك الصراع قائماً لمدة أطول لأن لذلك السؤال إجابتين وكلتيهما لها دلائلها والمتشددين إليها، ولكن قد تبدأ كفة الميزان تميل إلى أن السينما تخلق الواقع نظراً لأهمية تلك الفرضية، حيث أن الواقع ممتلئ بالشوائب وخاصة في المجتمعات الفقيرة وبالتالي يجب تنقية تلك الشوائب والعمل على الاهتمام بتلك المجتمعات وبتثقيفها ولذلك يجب أن تهتم علاقة السينما والواقع بالعمل على خلق واقع أفضل لتلك المجتمعات بلاً من مجرد عكسها بشكل قد يُظهر الموازين مقلوبة ويبين الأفعال فيها بشكل يجعل لها رواجاً غير مرغوب خاصة بالنسبة للمراهقين من المجتمعات الأخرى.

أفلام أثرت في الواقع

الأفلام صاحبة أكبر تأثير في الواقع هي تلك الأفلام صاحبة البصمة الإنسانية التي ربطت السينما والواقع عن طريق مناقشة وعرض أكثر القضايا الأكثر مساساً بالأفراد وبعلاقتهم سوياً ولذلك تجد تلك الأفلام صدى واسع حينما تم عرضها، هناك نوعية أخرى من الأفلام التي تؤثر في الواقع بشكل ملحوظ وتؤدي إلى ريادة الارتباط الواقع بين السينما والواقع مثل تلك الأفلام التي تناقش قضايا حساسة ترتبط بحقوق المرأة مثلاً أو بالأوضاع السياسية وأوضاع الحريات في المجتمع، ومعظم تلك التأثيرات التي تقوم بها تلك الفئة من الأفلام تكون تأثيرات متميزة وجيدة ولكن هناك فئة من الأفلام يكون تأثيرها سيء بشكل ملحوظ على المجتمع وعلى أخلاقيات الشباب مثل تلك الأفلام التي تتناول المخدرات.

بين القصرين

من أحد أهم أفلام القرن الماضي التي أثرت في الواقع بشكل ملحوظ وجيد لدرجة أن كثير من المجتمعات الحقوقية تستشهد بذلك الفيلم وبذلك الصدى الذي أدى إليه حتى الآن هو فيلم بين القصرين الذي يتناول العلاقة الاجتماعية بين الزوج والزوجة، تلك العلاقة التي سيطرت عليها عقدة سي السيد في فترة من فترات التاريخ التي تم اضطهاد المرأة فيها كثيراً، فيتناول الفيلم قصة أم وهبت حياتها كاملة من أجل تربية أبناءها وخدمة زوجها مثل كل الأمهات في تلك الفترة ثم يظهر الفيلم أحلام تلك المرأة البسيطة جداً كما يظهر تسلط زوجها عليها وعلى أولاده رغم أنه غارق في ذنوبه وشهواته الخاصة، وكان الفيلم بمثابة ثورة على علاقة السينما والواقع حيث استطاع الفن السينمائي بكل عناصره من تأليف وإخراج وتمثيل وإضاءة أن يدافع بكل قوة وشراسة عن حق المرأة ويظهر للعالم أجمع كيف أنها كانت تضحي وتقوم بواجبها على الوجه الأمثل وفي المقابل تحلم بالقليل ولا تستطيع الحصول عليه.

مريم علاء

طالبة في كلية الطب، برج الجدي، عضو اتحاد طلاب كلية الطب، أهوى الكتابة والقراءة الأدبية ناشطة وفي مجال العمل المدني، ورئيس مشروع كن مبدعاً بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية.

أضف تعليق

1 × 5 =