تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » الحكم بالمظاهر : كيف تحكم على الناس من مظهرهم ؟

الحكم بالمظاهر : كيف تحكم على الناس من مظهرهم ؟

الحكم بالمظاهر على الآخرين قد لا يكون الأسلوب الأمثل للحصول على حكم صائب وحقيقي عليهم، لكن هناك بعض الأساليب التي قد تعينك على الآخرين من خلال مظهرهم.

الحكم بالمظاهر

نسمع كثيرًا أن الكتاب يظهر من عنوانه أو الحكم بالمظاهر ، ونعرف الانطباعات الأولى التي نكونها عن الآخرين من خلال الحكم بالمظاهر ومن نظرتنا الأولى لهم أو من تجربتنا الأولية معهم أو من الموقف الذي قابلناهم فيه، فهل  يمكن حقًا أن نعرف الشخص ونحكم عليه من مظهره؟ هل نستطيع أن نثق بذلك الحكم؟ نبني خططنا الاجتماعية عليه؟ نتخذ مواقف دفاعيةً أو ودودةً بناءً عليه؟ وعلى ماذا نبني أحكامنا تلك؟ على فكرةٍ واحدةٍ أم عدة أفكار؟ وهل يكون الحكم بفكرةٍ خاطئًا لكنه صحيحٌ إن بني على عدة أفكار؟ هل نملك الحق في الحكم على الآخرين حتى إن لم نكن على وشك خوض علاقةٍ اجتماعيةٍ معهم؟ وهل يحكم الآخرون علينا كما نحكم عليهم؟ وما مدى أهمية الحكم بالمظاهر ؟

الحكم بالمظاهر : الأسلوب الصحيح

مساوئ الحكم بالمظاهر

لا يبدو لي من الصائب أن نحكم دائمًا على الكتاب من عنوانه ولا أن نرفض قراءة الكتاب فقط لأن عنوانه لا يعجبنا أو لأن الكاتب لم يوفق في اختياره له، لكن أهمية العنوان ليست قليلةً برغم ذلك فليس من الممكن أن نجد كتابًا بغير عنوانٍ ولا غلافٍ ولا مقدمة! فالجوهر يحتاج إلى المظهر ليخبر عنه، لكن إخباره لا يكون صحيحًا أو دقيقًا دائمًا. إذا كان الإنسان يحمل فكرًا معينًا.. اتجاهًا معينًا.. ينتمي إلى طبقيةٍ معينة، قد يبدو ذلك عليه من مظهره فنعرفه عندما نراه وقد لا يبدو عليه ببساطة فنحسبه شخصًا وحين نعرفه نجده شخصًا آخر.

الحكم بالمظاهر علينا

والحكم من المظهر الخارجي لا يقتصر على الآخرين وحدهم، فنحن أيضًا يحكم علينا الناس من مظاهرنا، ومهما حاولنا أو بذلنا من جهودٍ فلن نستطيع أن نجعل الجميع يحبنا لأول وهلةٍ أو يكون عنا فكرةً براقةً ومدهشة، لكننا ببعض القواعد نكسب ود الأغلبية كما يكسبون ودنا.

ما يلفت أنظارنا من المرة الأولى

ما الذي يلفت أنظارنا وانتباهنا حين نرى الشخص للمرة الأولى؟ دومًا تأتي العين في المنزلة الأولى فاحصةً الشخص الذي أمامك بدقة، ترصد أعيننا الرداء والملبس النظيف والشكل المهندم أو المبهرج، ترصد العين الذوق في اختيار الملابس وتناسق ألوانها من عدمه وملائمة قطعها لبعضها أو فقرها للتناسق.

الثياب

ينم الثوب عن ذوق صاحبه وحسه الفني وشيئًا من جوانب شخصيته أو ربما حالاته المزاجية، قد يكون الأنيق رفيع الذوق والحس الفني حريصًا في ثوبه على التناسق وقواعد الأناقة، وقد يكون فقير الحس الفني فيرتدي ثيابًا لا تمت كل قطعةٍ منها للأخرى بصلةٍ ولا تشبهها. ألوان الثياب تعبر عن جزءٍ آخر منا، فأصحاب الألوان الصاخبة الصارخة يعطوننا الانطباع بالانطلاق والجرأة وحب الظهور وامتلاك الشخصية الصاخبة كثيابهم، وأصحاب الألوان الهادئة قد يعطوننا الراحة أو الرهبة من الاقتراب منهم لإنهم ربما لا يحبون الاقتراب ويفضلون المسافات، ويملك البعض عجزًا واضحًا عن تنسيق الألوان فيعطوننا الإحساس بالعفوية أحيانًا أو البهرجة وانعدام الاهتمام والفوضى أحيانًا أخرى.

المكانة الاجتماعية أو الحالة المادية

يلجأ البعض إلى الحكم بالمظاهر عن طريق مكانة الآخر الاجتماعية وحالته المادية من الثياب إن كان غنيًا أم فقيرًا وأحيانًا إن كان من أصحاب المكانات الاجتماعية الرفيعة أو من بقية الناس العاديين، والبعض يستخدم الثوب كدلالةٍ دينية تعبر عن واقعه الديني أو تعبر عن الانطباع الديني الذي يود إظهاره للآخرين، لكن تبقى دائمًا حقيقة أن الثياب من اختيارنا وصنعنا ولا تعبر دومًا عن حقيقة الشخص الذي أمامنا، فكلٌ منا يستطيع ارتداء الثوب الذي يريده وصناعة الانطباع الذي يرغبه بثوبه.

النظافة

مهما اختلفنا أو تبايننا في طرق ارتداء ثيابنا تبقى قاعدة النظافة واحدةً ومقدسةً وأبديةً ومتعارفًا عليها بين الجميع من كل الطبقات، ارتد ما شئت من الثياب وعبر بثوبك عما شئت منك ولكن احذر إهمال نظافة بدنك أو ثوبك، لن تحب أن يحكم عليك الآخرون من الوهلة الأولى أنك قذرٌ وتفتقر لمبادئ النظافة مثلما أنك ستتجنب أي شخصٍ تقابله للمرة الأولى فتجد رائحته كريهةً أو ثيابه متسخة.

ملامح الوجه وبنية الجسد

ثاني ما تراه وتنتبه له العين هي ملامح الوجه وبنية الجسد، تفرق بين الجميل ومتواضع الجمال، الطويل والقصير الممتلئ والنحيل، وتتباين الملامح أمام العين فتجد شخصًا يحكم على الآخر أنه غبي من ملامحه! أو محتال أو ودود أو مجرم! فما العلاقة بين الجينات وما خلق الله الإنسان وسواه عليه وبين هذه الصفات؟! أعرف أننا نرى الآسيوي الأصفر والأسود الإفريقي والآري الأجنبي لكن كيف نحكم على ذكاء الشخص من حاجبيه مثلًا؟ لكن ذلك لا ينفي أنك تجد الشخص صالحًا وترتاح له لا لجمال ملامحه وبهائه وإنما لأن صالح عمل سيماؤه في وجهه وسيماء الطالح في وجهه حتى لو كان أجمل أهل الأرض تصويرًا.

لا تحكم على الشخص بملامح جسده

لا تحكم على الشخص من وجهه لأنه خلقة الله فإن كان جميلًا فهي نعمة الله وإن نقصه الجمال فتلك خلقة الله لا يد له فيها، مثلما أنك خلقت وسويت ولم يكن لك يدٌ في خلقك ولا تظهر ملامح وجهك أو طول قامتك أو امتلاء جسدك شيئًا من جوهرك.

طريقة الكلام والحركة

بعد كل ما رصدته العين في اللحظة الأولى ووعته وصنعت جزءًا غير صغيرٍ من الحكم بالمظاهر بناءً عليه تأتي تصرفاتنا وأقوالنا، طريقتنا في النظر والكلام وتحريك اليد والوقوف، كل ذلك وأقل من ذلك يصنع حكمًا عنّا في أذهان الآخرين قد يكون ظالمًا أو خاطئًا فقط لمجرد أننا قلنا الكلمة الخاطئة في الوقت غير المناسب أو تسرعنا في التصرف.

تعبيرات الوجه

لا ترصد العين ملامح الوجه وحدها وإنما الظاهر عليها من التعبيرات أيضًا، قد تكون غاضبًا لسببٍ ما وتقابل أحدًا للمرة الأولى فيتسرع بالحكم عليك أنك عصبي، وقد تكون حزينًا فيعتبرك كئيبًا أو سعيدًا فيعتبرك مرحًا بشوشًا، كلها أحكامٌ تحمل الصواب والخطأ. لذلك حين تفكر في الحكم على الآخرين بناءً على تعبيرات وجوههم وتصرفاتهم فلا تجعلها أحكامًا نهائيةً وإنما ضع في اعتبارك دائمًا عذر الظروف واحتمالها، قد لا يكون كما ظننت وإنما صادفته وقابلته في ظرفٍ خاص.

ضع ظروفك وخلافاتك جانبًا

واحرص أنت حين تقابل أحدًا للمرة الأولى أن تضع ظروفك ومتاعبك وخلافاتك جانبًا، ودع التقلد وكن أنت على طبيعتك، أعطه وجهًا هادئًا أو أقرب ما يكون إلى مزاجك الطبيعي المعتاد، لا تسمح للآخر أن يحكم عليك سلبًا بناءً على موقفٍ عابرٍ مر بك، أعط انطباعًا أوليًا حقيقيًا.

تصرفاتنا وعلاقتها بموضوع الحكم بالمظاهر

تصرفاتنا جزءٌ منا وتعبر عنّا، طريقتنا في الكلام والحوار وتعاملنا مع الآخرين، أخلاقنا وأقدار عقولنا تظهر ببساطةٍ في مواقف كهذه ونادرًا ما نجد عذرًا أو مبررًا لتصرفاتٍ أخلاقيةٍ أو تنبع من المبادئ بدرت من أحد الأشخاص. الشخص الذي يتحدث باحترامٍ مع من يكبرونه سنًا أو في وجودهم على سبيل المثال، يوجه إليهم الحديث بنبرةٍ هادئةٍ وتدل على الاحترام لا يقاطعهم في الكلام ولا يقهقه في وجودهم بطريقةٍ غير مهذبة، الشخص الذي يعطي كل شخصٍ قدره ويعامل كل واحدٍ بالمناسب له أولئك هم الكتب التي تظهر من عناوينها فعلًا.

كن أنيق التصرفات عذب الحديث وأعط كل شخصٍ مكانته وما يستحقه من الاهتمام والمعاملة اللائقة، خاصةً عند اللقاء الأول لا تمزح بفظاظةٍ لا تحرج الذي أمامك، لا تلمس الآخر أثناء المزاح وحافظ على مساحته الشخصية، كن حساسًا واشعر بمن حولك وبماذا يشعرون فلو أظهروا شعورًا غير مرحب أو إحساسًا بالنفور فلا تثقل، كن خفيفًا ولبقًا وتجنب التكلف والمظاهر، كن على طبيعتك قدر استطاعتك واجعل اللين واللباقة أسلوب حياتك مع الجميع.

الحكم بالمظاهر من أول مرةٍ ليس نهاية العالم فلا ترفع سقف توقعاتك ولا تهبط بها، أعط الآخرين فرصًا أخرى لتعرفهم ولا تبنِ شبكتك الاجتماعية على الأحكام الأولية فحسب، حين تعطي انطباعًا أوليًا جيدًا عنك فأنت لا تنافق البتة وإنما تدعو الآخر للتعرف عليك أكثر، وبرغم ذلك احترم عجز البعض عن توجيه تلك الدعوة إليك بالطريقة التي تراها لائقة، لذا لا تحكم أحكامًا نهائيةً وأعطِ الآخرين فرصة.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

20 − 19 =