تسعة
الرئيسية » معتقدات وظواهر » التخاطر : كيف تتعرف على التخاطر ومبدأ حدوثه ؟

التخاطر : كيف تتعرف على التخاطر ومبدأ حدوثه ؟

التخاطر هو تبادل المعلومات والرسائل عن بعد بدون الحاجة إلى أي أجهزة أو معدات، في هذه السطور نتعرف على التخاطر وكيفية حدوثه، وهل هو حقيقة أم خيال.

التخاطر

ربما لا تكون مبالغةً مني لو قلت أن التخاطر من أكبر أبواب الخيال والعلم معًا حين يلتقيا ولا يملك أحدهما الحجة
لإثبات نفسه أو لدحض الآخر، فيظلان معلقين بين الإثبات والإنكار ويظل التخاطر سيد الموقف، مادةٌ دسمةٌ لصناعة الأفلام وروايات الخيال العلمي أو الرعب أو حتى بعض الروايات العلمية ولم لا؟ فلم يكن التخاطر قاصرًا على تلك الجوانب فحسب وإنما ملأ رؤوس بعض العلماء والباحثين وأفنى بعضهم حياته وراء إيجاد ذلك السر وكشف غموض التخاطر ووضع أساساتٍ أولية تعطينا الفرصة لنبني عليها صرح النظريات العلمية عن التخاطر لكن النتيجة؟ لا شيء! لا نظريات ولا صروح ولا إثباتاتٍ علمية إذًا فهو خرافة؟ لكن التاريخ يعبق بواقعات التخاطر في كل الأزمنة والحضارات، مواقف فحسب بلا مقدمات ولا تفسيرات وربما وحيدة فتحدث.. ولا تتكرر.

ما هو التخاطر ؟

تعريف التخاطر

إذًا فما هو التخاطر قبل كل شيءٍ أو ما الحالات التي نُطلق عليها اسم التخاطر؟ كتعريفٍ عامٍ وشامل أجمع عليه الكل فالتخاطر هو عملية اتصالٍ ذهنيٍ عن بعد فوق ماديٍّ أو حسيٍّ بين عقلين مختلفين أيًا كانت المسافة بينهما بدون استخدام أي وسيلة تواصلٍ ماديةٍ أو اعتياديةٍ أو معروفة وبدون الاستعانة بأيٍّ من الحواس الخمس العادية.

كيفية التخاطر

تتكون عملية التخاطر بطبيعة الحال من مرسلٍ ومستقبل وقد تتبدل الأدوار فيصبح المرسل مستقبلًا والمستقبل مرسلًا، وبحسب علماء الباراسيكولوجي فإن المرسل يصبح مصدرًا لطاقة أفكارٍ منبعثة نحو المستقبِل كما أن الطاقة المستحدثة في مخه يمكن أن تُرسل عبر الزمان والمكان لدماغ المستقبل، ما يعني أن النشاط الحادث في دماغ المُرسل يؤدي لرد فعلٍ في جسد المستقبل كأن يتلقى المستقبل تخاطرًا لصورة فيحدث النشاط في المركز البصري بدماغه أو لصوتٍ فينشط المركز السمعي لديه.

أشهر أمثلة التخاطر

من الواضح أن التخاطر قد ينقسم إلى جزأين تخاطرٌ مقصود وآخر عفوي، في النوع الأول يكون المرسل قاصدًا أو عالمًا بأنه يحاول إرسال الفكرة عبر عقله إلى عقلٍ آخر ولا يعني ذلك بالطبع أن كل من أراد البعث بالأفكار يستطيع وإنما هي حالاتٌ فرديةٌ ونادرة وغير معروفة الأسباب بدقة، أما في النوع العفوي فينبعث التخاطر من لاوعي المرسل ليستقبله الآخر بلاوعيٍّ أيضًا وأشهر أمثلةٍ على ذلك بعض التوائم أو بعض العلاقات بين الأم ووليدها حين تشعر به وبما قد يلم به بشكلٍ غير منطقيٍّ أحيانًا لكنه يكون حقيقيًا.

التخاطر بين التوائم

تعتبر التوائم واحدًا من أكبر أمثلة التخاطر وأشدها عجبًا وتحييرًا للعلماء ولكل من حول التوأم من أشخاص، فناهيك عن التشابه في الشكل والتصرفات والمشاعر والأفكار فإن بعض التوائم يتطابقان تمامًا في الأفعال وردود الأفعال والتفاصيل الصغيرة كأن يرتدي الاثنان نفس الملابس دون علم أو يفكر أحدهما في شيءٍ فينطق به الآخر ونتائج الاختبارات المتطابقة حتى لو كانا منفصلين تمامًا ومواجهة نفس المشاعر معًا كأن يشعر أحدهما بالخوف لتعرض الآخر لموقفٍ مخيف أو بالسعادة لأن الآخر سعيد أو بالمرض لمرض الآخر، قد يبدو تشارك التوأم نفس العمر والحياة والبيئة والظروف وأصغر وأدق التفاصيل معا وأحيانًا تشاركهما نفس البويضة التي خُلقا منها سببًا كافيًا للبعض كونهما يتبادلان الأفكار والمشاعر، لكن البعض الآخر لا يراه كافيًا وإنما للتخاطر اليد العليا فيما يحدث بين التوائم وبعضها رغم العجز عن إثبات ذلك علميًا ورفض بعض العلماء لتلك الفكرة كرفضهم للتخاطر كفكرةٍ كلية.

الحاسة السادسة

يُعتبر التخاطر قسمًا من أقسام وفروع الحاسة السادسة لدى الإنسان وإذا ما حاولنا تعريف الحاسة السادسة وفهمها سنجد أنها تُطلق على كل قدرات الإنسان الذهنية الخارقة كالتخاطر والاستبصار والاستشعار والتواصل عن بعض والتنبؤ والتنويم المغناطيسي والإدراك الحسي الفائق، حيث تتعامل الحاسة السادسة مع اللا محسوس واللا مادي في عالمنا وبعكس بقية الحواس فهي لا تتقيد بزمانٍ أو مكان، لكن السؤال الحقيقي يستفسر عن حقيقة وجودية تلك الحاسة السادسة عند الإنسان أو لا وجوديتها ويظن العلماء أننا جميعًا نولد بالحاسة السادسة لكننا نفقدها تدريجيًا بسبب عدم استخدامها كضمور العضلات مثلًا عندما نتوقف عن استخدامها، فتضمر الحاسة السادسة لدينا ونصبح عاجزين عن الشعور بوجودها، لكن الناس الذين يملكون تلك القدرات كالتخاطر كانوا قادرين على الشعور بالحاسة السادسة وترويضها وتسخيرها كبدو الصحراء مثلًا حيث يُشاع امتلاكهم لحاسةٍ سادسةٍ تساعدهم في معيشتهم وإيجاد التائهين منهم وتحديد اتجاهاتهم مع الخبرة والنجوم.

الإيحاء عبر التخاطر

التخاطر ليس عبارةً عن وسيلة نقلٍ للأفكار أو الإخبار بالأشياء فحسب وإنما تتعدى ذلك لتصبح وسيلةً من وسائل الإيحاء حيث يعمل فيها المرسل على جعل الآخر يقوم بأفعال لا إرادية كأن يوحي المرسل للمستقبل بالإحساس بالحكة خلف أذنه فيقوم المستقبل بالحك خلف أذنه لا إراديًا، أو يوحي للمستقبل بانقباضٍ في إحدى عضلاته ورغبةٍ في ثني ذراعه أو قدمه فيفعل ذلك أو يوحي له برغبةٍ بالغمز فيغمز، بالتأكيد لا يكون الإيحاء مطلقًا أي لا يعني أن المستقبل تنعدم إرادته أمام إيحاء المرسل وينفذ الفعل كأنه منومٌ مغناطيسيا لكن كل الأمر وما فيه أنه يشعر برغبةٍ فيه دون سبب وتلك الرغبة تعتبر التخاطر.

التخاطر بالإيحاء والتنويم المغناطيسي

ينقسم الإيحاء إلى قسمين الإيحاء البسيط السابق ذكره، ودرجة أكبر وأكثر قوةً وسيطرةً وهي التنويم المغناطيسي حيث يُصبح المنوم تحت تأثير منوِّمه تمامًا وخاضعًا لإرادته، كما أن التنويم المغناطيسي يُستخدم للدخول إلى العقل الباطن وإزالة الحواجز التي قد يصنعها الإنسان في وعيه لرؤية ما وراء تلك الحواجز كما يستخدمه الأطباء النفسيون في علاج بعض المشاكل النفسية، ومن الطبيعي أن القدرة على التنويم المغناطيسي لا يمتلكها أي شخص شأنها شأن التخاطر وإنما تحتاج إلى قدراتٍ عاليةٍ وتدريبٍ متواصل وحتى بعد ذلك قد تفشل معه ويعجز عن التأثير على الناس بذلك الشكل، وتلك حقيقةٌ مريحة فتخيل عالمًا يستطيع الجميع فيه تنويم الآخرين وجعلهم يفعلون أمورًا خارج وعيهم وإرادتهم! إذًا لأصبحت فوضى

الإيحاء والخدع السحرية

لسنا بصدد الحديث عن خدع العصر الحديث التي تُصمم على المسرح ثم تجد لها تفسيراتٍ تحت خشبة المسرح وفي الكواليس وإنما بصدد الخدع السحرية القديمة قدم الزمن والتي استعان أصحابها بقدراتهم العقلية والذهنية المُدربة على خداع من أمامهم وإيهامهم والإيحاء لهم بما لا يُمكن أن يحدث فيزيائيًا وعلميًا، كسحرة فرعون مثلًا حين ألقوا حبالهم وعصيهم فخُيّل للناس من سحرهم أنها تسعى! فما كان ذلك إلا إيحاءً منهم لجمهورهم وقوةً ذهنيةً تخاطريةً منهم نقلت إلى المستقبلين صورة أفاعي تتحرك بينما العصي هامدةٌ كما هي، كذلك فاعتمد الهنود أكثر ما اعتمدوا على قوة التخاطر والإيحاء كما فعل أولئك السحرة حيث يروي أحدهم أنه حضر لأحد السحرة الهنود عرضًا يُلقي فيه الرجل حبلًا طويلًا في الهواء فيشتد ما بين الأرض والسماء كأن يدًا خفيةً تمسكه وتحرك صبي الساحر فمشى على الحبل حتى صعد للسماء واختفى والجميع محدقون فهل من تفسيرٍ سوى الإيحاء؟

حقيقة التخاطر واليوجا

يُشاع أن اليوجا هي طريق الإنسان نحو اكتساب القدرات الذهنية الخارقة كالتخاطر على سبيل المثال فما صحة ذلك الكلام؟ في حقيقة الأمر فالترابط بين التخاطر واليوجا ترابطٌ قائمٌ على جهةٍ واحدةٍ لا على طقوس اليوجا كلها، فقد أسلفنا أن في رأي البعض وجود الحواس السادسة كامنٌ بداخلنا ويحتاج إلى الممارسة والتدريب والتمرين لإخراج تلك القدرات واستخدام تلك الحاسة، ويكمن التدريب والتمرين في التركيز الذي تشتهر به اليوجا أو عملية الجمع بين البدن والنفس التي تشتهر بها زن اليابانية كوسيلةٍ للتركيز على تلك القدرة وإيقاظها واستخدامها، لكن اليوجا كطقوسٍ وتمارين وأنظمةٍ غذائيةٍ وأساليب تقشف وترهبن وممارساتٍ عقائديةٍ ودينيةٍ لا تمت للتخاطر أو لإيقاظه بصلة وإنما هي أمرٌ مختلفٌ تمامًا.

مواقف العلماء من التخاطر

بالرغم من إيمان علماء الباراسيكولوجي واقتناعهم بوجود التخاطر، وبرغم من إيمان الفصيل الأكبر من عامة الناس بوجود التخاطر بسبب تجربتهم له بأنفسهم في عدة مواقفٍ في الحياة عندما يكون شخصان متقاربان كثيرًا في حالة صفاءٍ وتواصل فإنهما يشرعان في التفكير معًا ونطق نفس الجمل والكلمات معًا وقد يجيب أحدهما على سؤالٍ لم يطرحه الآخر لكنه كان في باله، كلها مواقفٍ حدثت للجميع سواءً مرةً أو عدة مراتٍ مع نفس الشخص أو مع غيره خلال مسيرة حياتهم لكن موقف العلم العام منها كان نابذًا ومعاديًا ومنكرًا لها تمامًا، وبدؤوا الطعن في نتائج أي تجاربٍ تُقام لدراسة التخاطر وبناء طعونهم وتشكيكاتهم على عجز علم الباراسيكولوجي عن الخروج بأدلةٍ صريحةٍ وواضحةٍ لا تقبل النقاش بوجود التخاطر من عدمه وصحة الدراسات بين حالات التخاطر الحقيقية والصدف المختلفة.

أسباب رفض العلماء للتخاطر

من أول أسباب الرفض أصحاب القدرات التخاطرية أنفسهم وعجز بعضهم عن استعراض وإظهار قدراتهم التخاطرية دائمًا وفي كل الأوقات وحسب رغبتهم أثناء التجارب فتفشل بعضها وينجح البعض الآخر، وحجتهم في ذلك أن التجربة لتُثبت نتائجها وتُعتبر صحيحةً يجب أن تُعطي نفس النتائج عند إجرائها في مراتٍ متتاليةٍ وذلك ما افتقدته تجارب التخاطر، من الأسباب الأخرى سببٌ يُسمى بتأثير المجرب حيث يُقال أن التجارب التي يقوم بها باحثون يؤمنون بالتخاطر غالبًا ما تُعطي نتائج إيجابية بينما التي يقوم بها المنكرون للتخاطر تُعطي نتائج سلبية، وتُعزى تلك النتائج لتأثير الباحثين في الجو النفسي للغرفة أو يرتكب أحد الفريقين من الباحثين أخطاءً غير مقصودةٍ أو عفوية تؤدي إلى ذلك التغير في النتائج بسبب تأثيرها على التخاطرين.

الخوف

سببٌ آخر للرفض ليس من العلماء فحسب وإنما من بعض الناس أيضًا هو الرفض التام والمغلق لفكرة الباراسيكولوجي وأي ظواهرٍ أو مظاهر تتبعه وتُبنى على أساسه والنكران التام بوجودها، إما بسبب الصلابة وانعدام المرونة في التفكير وعدم قدرة عقله على استيعاب وجود شيءٍ لا يستطيع أن يمسكه أو يشمه أو يسمعه أو يراه أو يتذوقه، وإما بسبب الخوف من الاعتراف بوجود قدراتٍ خارجةٍ عن حدودنا والاستسلام لفكرة أن شخصًا قد يحمل شيئًا من تلك القدرات المجهولة والتي لا نجد لها دراساتٍ ونظرياتٍ مؤكدة.

لا يمكن أن نلوم أحدًا ولا أن نلوم أنفسنا على الخوف من المجهول فالخوف غريزةٌ وُجدت فينا مثلها كمثل بقية الغرائز، وكل ما هو خارجٌ عن الطبيعي والمألوف يصبح محفزًا قويًا وفعالًا للخوف في قلوبنا، التخاطر موضوعٌ شائكٌ ومعقدٌ ومحاطٌ بضباب الغموض ولست شخصيًا أتوقع أن ينقشع ذلك الضباب قريبًا أو في المستقبل البعيد، فبعض الأشياء وُجدت غامضةً ومجهولة لا يعرفها الإنسان مهما سعى وراءها وربما يرجع عجزه عن إيجاد حقيقتها والوصول إلى جوهرها إلى كونها وهمًا نشأ في عقله وحده وآمن به وصدقه، كل شيءٍ ممكن ولا يمكن الجزم بشيءٍ ما بين الحقيقة والوهم وما بين العلم والخيال، وإلى حين ترجيح كفة أحدهما سيظل التخاطر قائمًا ما تساوت كفتا الميزان.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة