تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » كيف كان أدب الرسائل لونًا أدبيًا مميزًا وفريدًا في الماضي؟

كيف كان أدب الرسائل لونًا أدبيًا مميزًا وفريدًا في الماضي؟

أدب الرسائل هو أحد الألوان الأدبية المميزة التي ربما لم تعد تلقى ذلك الرواج الكبير في الوقت الحالي لكن شهرة وانتشار وعراقة تلك النوعية من الأدب أمر لا يُمكن الاختلاف عليه بلا أدنى شك، فما هي يا تُرى حالة ذلك الأدب في الماضي؟

أدب الرسائل

لا يُمكن الحديث عن الأدب دون ذكر أدب الرسائل المميز، وربما وصف المميز هو الوصف الأكثر دقة بالفعل نظرًا لأننا نتحدث عن نوعية أدب ليست بالدرجة أو المُنتشرة بكثرة ولا يُمكن العثور عليها في الكثير من الأماكن، إذ أن الوقت الحالي يشهد فقط انتشار الروايات والدواوين والكتب ذات الأنواع الأدبية المختلفة، لكن يبقى أدب الرسائل في منطقة لا يقترب منها الكثيرين من عشاق الأدب، وهذا بالتأكيد ليس بسبب سوء تلك النوعية أو عدم تحقيقها للآمال والتوقعات، بل لأنها قليلة النشر والانتشار، وبالتالي لا يتم توافرها للقارئ بسوء، وعلى العكس تمامًا نجد أن كل من يشرع فعلًا في قراءة هذا النوع يُصبح بلا تردد من عشاقه، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على نوعية أدب الرسائل ونعرف لماذا كان ذلك النوع من الأدب مميز وفريد للغاية في الماضي وما هي حالته في الوقت الحاضر، إنه بلا شك سؤال يبحث عن إجابته.

أدب الرسائل

أدب الرسائل أدب الرسائل

في البداية وقبل الإسهاب في أي شيء آخر دعونا أولًا نعرف المقصود بمصطلح أدب الرسائل، إذ أن مصطلح الأدب بشكل عام لا يحتاج بالطبع إلى الكثير من أجل شرحه، أما عندما يقترن بوصف الرسائل فيُصبح نوع من الأنواع الهامة والفارقة في الكتابة، وهو يُطلق على المراسلات أو الرسائل التي تكون بين شخصين شهيرين في عالم الأدب، وغالبًا ما تكون تلك المراسلات بين صديقين أو ربما عشيقين، وإن كانت طبعًا مراسلات العشاق بين بعضهم البعض هي الأشهر على الإطلاق والأكثر انتشارًا، فهي تُكتب بغزارة وفي نفس الوقت عندما تُصبح متاحة في الأسواق أمام القراء يكون عليها إقبال كبير للغاية، وربما تلك الصورة التي ذكرناها الآن عن أدب الرسائل تجعلكم تعتقدون أن هذا النوع من الأدب يحدث بصيغة الاشتراك، بمعنى أنه لا يقوم به شخص واحد وإنما يعتمد على المُرسِل والمُرسَل إليه الذي يتحول فيما بعد إلى مُرسِل أيضًا.

التصور المذكور عن أدب الرسائل يُمكن اعتباره بالفعل تصورًا منطقيًا وشبه دارج، لكن الكثير من كتب أدب الرسائل النجاح كانت تعتمد على أديب أو شخص واحد يقوم بإرسال رسائله إلى شخص آخر ربما يكون غير معروفًا بالنسبة لنا في الأساس، أيضًا لا يكون هناك رد من الطراف الآخر، وهو ما يجعلنا نتحدث عن رسائل فقط وليس رسائل ومراسلة، إذ أن المراسلة تكون بين شخصين طبعًا، وبعيدًا عن ذلك فإن فكرة أدب الرسائل التي نتحدث عنها ليست حديثة بالمرة، فقد بدأت منذ زمن طويل وكانت في أحيان كثيرة الشكل الأدبي الأكثر رواجًا، وربما يكون أشهر ما يُمكن الحديث عن أدب الرسائل فيه هو التراث العربي، فما الذي يتواجد عن ذلك النوع من الأدب في التراث يا تُرى؟

أدب الرسائل في التراث العربي

أدب الرسائل أدب الرسائل في التراث العربي

يحفل التراث العربي بالكثير من النماذج التي تدل على تواجد هذه النوعية من الأدب في الأزمان الماضية، فقد سُجلت مجموعة من المراسلات التي ربما لم يكن يُرسلها الكتاب المُتخصصين وإنما أشخاص عاديين يُجيدون استخدام الكلمات، وغالبًا ما كان التراث حافلًا برسائل بين العشاق وكذلك رسائل بين المتخاصمين والمتنازعين، ثم بعد ذلك ظهرت رسائل الحكم، وهنا يجب أن تكون ثمة واقفة خاصة مع الرسائل التي تكون بين الحكام بعضهم البعض، فخلال التراث العربي سجلت هذه النوعية من الرسائل أعلى انتشار لها لدرجة أن تلك الرسائل لا تزال محفوظة حتى وقتنا الحالي، والحقيقة أنه لا يُمكن تمييز حاكم معين يوصف بأنه بارع بهذا الصدد فقد كان الجميع مجيدين له، حتى أولئك الحكام الذين لم يكونوا على قدر من البراعة بكتابة هذا النوع كانوا يستعينون بأشخاص مُتخصصين ويُعينوهم في الديوان الملكي من أجل هذا الغرض على وجه التحديد، ومن هنا اتضحت الأهمية الكبرى لهذا الفن.

أدب الرسائل في العصر الحديث

على الرغم من أن أدب الرسائل في الوقت الحالي لا يتمتع بنفس القوة التي كان يتمتع بها آنفًا إلا أنه في نفس الوقت لا يُمكننا إغفال القوة الملحوظة التي شهدها أدب الرسائل من خلال رسائل مي زيادة وغسان الكنفاني، فقد ضرب هؤلاء المثل لهذه النوعية من الأدب في العصر الحديث، كذلك كافكا وميلينا لا يُمكن إغفال رسائلهم على الرغم من كونهما ليسا حديثين بنسبة مئة بالمئة لكن درجة الحداثة معقولة بحيث تضعنا أمام تجربة تستحق الوقوف أمامها، وربما سيكون ذلك غريبًا إلا أنه في الوقت الحالي، وبسبب عدم تواجد أي صيحة جديدة في عالم أدب الرسائل ظهرت إعادة نشر وتوزيع لهذه النماذج التي ذكرناها تحت شعار حتمية التواجد، في النهاية تلك النماذج تُعتبر الأبرز والأكثر تأثيرًا في الوقت الراهن.

لماذا كان لونًا أدبيًا مميزًا؟

أدب الرسائل لماذا كان لونًا أدبيًا مميزًا؟

عندما نسأل ذلك السؤال الذي يدور حول أسباب كون هذا النوع من الأدب رائجًا في الماضي فهذا يُمكن اعتباره اعترافًا ضمنيًا بأنه ليس رائجًا في الوقت الحالي، والأمر كذلك بالفعل بصورة أو بأخرى، على العموم، كان أدب الرسائل لونًا أدبيًا ومميزًا لعدة أسباب أبرزها غياب تواجد الألوان الأخرى.

غياب تواجد الألوان الأخرى

في كل مكان وزمان، وفي الوقت الذي تتواجد فيه المقارنات بين لونين أدبيين أو شيئين متضادين بشكل عام فإن غياب اللون الآخر وكثرة اللون الراجح هو الشيء الذي يكتب في النهاية الانتصار ويُحقق نسبة الإقبال، وفي الماضي لم يكن العرب يُقدمون على القصة أو الرواية من حيث الكتابة، فقط كان من الممكن أن يحكوا الحكايات كشكل من أشكال السرد والقص، ثم مع الوقت بدأ أدب الرسائل يأخذ دوره الذي يستحقه من خلال مراسلات العرب التي انتشرت ومهدت الطريق للكثير من الإبداعات في نفس السياق، كل هذا حدث باستغلال فكرة الغياب للألوان الأخرى التي تحدثنا عنها.

قدرة هذا اللون على إبراز الإمكانيات والقدرات

لا شك أن أدب الرسائل كان ولا يزال يمتلك الكثير من الإمكانيات والقدرات التي يُمكن إبرازها من خلاله، ولهذا أساسًا هو موجود ومعمول به، حيث أن تلك النوعية من الأدب تظهر فكرة التباري، وهي فكرة مميزة في أي مجال بشكل عام، هذا طبعًا بخلاف الإبداع القائم على التلاعب باللغة من أجل إيصال مفاهيم وقواعد معينة مما يُنتج لنا في نهاية المطاف شكل جديد ومختلف كل الاختلاف عن القصة أو الرواية أو أي لون أدبي درج، وهذا ما نريده بالتأكيد.

وجود مُجيدين بارعين لهذا اللون

ربما من الأسباب الرئيسية لانتشار أي فن مهما كان أن ذلك الفن الذي يحظى بفرصة الانتشار يكون أساسًا حاضنًا للكثير من المُبدعين الذين يحملوا على عاتقهم فكرة نشر هذا الفن والحفاظ على مكانته، وهذا بالضبط ما حدث مع أدب الرسائل الذي طالما امتلاك أشخاص كانوا قادرين على تحقيق هذه المعادلة مثل الجاحظ وغادة السمان وغسان الكنفاني وكافكا والكثيرون ممن حفروا اسمهم بأحرف من نور بهذا المجال وفي نفس الوقت حفروا المجال أو نوعية الفن نفسها في الأذهان، بمعنى أدق، ضمنوا لها الاستمرار حتى وقتنا الحالي.

وجود حالة من الحماسة والمنافسة

لا يُمكننا طبعًا إخفاء ذلك القدر الكبير من الحماسة والمنافسة المتواجدة داخل أدب الرسائل على وجه التحديد، فهذه النوعية من الأدب تتطلب أن يكون هناك شخصين مُتبارين، هذين الشخصين سيتنافسان فيما بينهما من أجل إظهار المُنتصر، وهنا الحماسة لن تكون حاضرة بالنسبة لهذين الشخصين فقط، وإنما كذلك أولئك الذين يُتابعون حالة المنافسة التي تنشب بينهما، وخصوصًا إذا كان ذلك النوع مُستخدمًا بين شخصين من نوعين مختلفين، ذكور وإناث، فالذكور سيتحمسون للكاتب الذكر والإناث سيتحمسون للكاتبة الأنثى، ومن هنا تشتعل المنافسة ويُصبح الوضع أفضل بالتأكيد.

استخدامه في مراسلات الحكام

ما يُكسب الشيء قيمة خاصة أن يكون من يستخدمه له كذلك قيمة خاصة، وهذا بالضبط ما حدث فيما يتعلق بنوعية أدب الرسائل التي نتحدث عنها، فقد مرت فترات كثيرة كان هذا النوع فيها راجحًا في المراسلات بين أعرق الناس وأكبرهم منزلة، وهم الحكام الذين يتنوعون بين ملوك وأمراء ووزراء وأشخاص ذوي قيمة بوجه عام، فهؤلاء في وقت الحرب والسلم، وفي أي مناسبة ولأي غرض كان، لم يتأخروا في إرسال الرسائل التي يطلبون بها أو يُحذرون من خلالها أو يُعلنون رفضهم وموافقتهم على أي شيء، في النهاية كان أدب الرسائل حاضرًا ودارجًا بقوة، بل كانت التعبيرات والألفاظ المُستخدمة به قوية لأبعد درجة يُمكن تخيله، ولهذا اكتسب قوته التي لا نزال نتحدث عنها حتى الآن.

ختامًا عزيزي القارئ، لا شك أن كل السطور الماضية جاءت لتؤكد على حقيقة واحدة لا خلاف عليها، وهي كون أدب الرسائل في المطلق فن يستحق الاهتمام به والحديث عنه، أيضًا ثمة إشارة كبيرة إلى أهميته التاريخية وحث على عودته ليشغل تلك المكانة مجددًا، فهل من الممكن حدوث ذلك يا تُرى؟ لننتظر ونرى.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

7 − واحد =