تسعة شخصيات

أبو زيد الهلالي الأسطورة الحقيقية وحقيقة الأسطورة

أبو زيد الهلالي الأسطورة الحقيقية وحقيقة الأسطورة

سيرة حياة أبو زيد الهلالي : مبالغة الرواة في وصف أبو زيد وبطولاته كانت سبباً في اعتقاد غالبية الناس بأنه شخصية خيالية، فما الذي ورد عن أبو زيد الحقيقي؟

أبو زيد الهلالي هو الشخصية الأبرز في التراث العربي، وقد بالغ رواة سيرته في قدراته ومهاراته وما هو قادر على فعله، حتى صار أشبه بالأبطال الخارقين، فما من لغة إلا ونجد أبو زيد الهلالي يستطيع تحدثها، وما من موقف يعجز أمامه، فجعبة هذا الفارس لا تخل أبداً من الحيل، وسيفه لا يعود لغمده قبل قطع عشرات الرؤوس.

أبو زيد الهلالي .. من هذا ؟

ومبالغة الرواة في وصف أبو زيد وبطولاته كانت سبباً في اعتقاد غالبية الناس بأنه شخصية خيالية، خاصة وإن سيرته قد شابتها قصص دخيلة تتحدث عن السحر وسيطرة الجان، بينما كتب التاريخ تخبرنا بعكس ذلك، فما الذي ورد بها عن أبو زيد الحقيقي، وما سيرته؟

الميلاد زماناً ومكاناً :

لبُعد الفترة الزمنية بين عصورنا الحالية والزمن الذي عاش فيه أبو زيد الهلالي ،كان من الصعب تحديد توقيت مولده على وجه الدقة، وفي الواقع إن حياة أبو زيد الهلالي ومسيرته ككل من الأمور الغامضة، فلم ترد إلينا أي تفاصيل متعلقة بحياته، إلا من خلال مقتطفات متفرقة هنا وهناك ببعض الكتب، ولكن على كل حال فقد توافق المؤرخون والباحثون في التراث العربي، على إن أبو زيد هو شخص حقيقي، وإنه قد عاش في القرن الخامس الهجري، أما مكان الميلاد فإنه كذلك لم يرد صريحاً في أي مرجع تاريخي، ولكن اعتماداً على انتساب ذلك البطل العربي إلى بني هلال، فقد رجح المؤرخون أن تكون أرض نجد هي محل ميلاده، وهي أرض بشبه الجزيرة العربية انتقل إليها بنو هلال بعد تركهم لمنازهم في بلاد السرو القريبة من اليمن الحالية.

نسبه لأبيه وأمه :

أبو زيد الهلالي هو سليل الأشراف وينتمي لواحدة من أعرق القبائل العربية، وكان والده من أصحاب الشأن وذوي النفوذ في قومه، والاسم الحقيقي لأبا زيد هو سلامة، واسمه بالكامل سلامة بن رزق بن نائل بن بني شعيثة بن الهزم بن عامر بن معد بن عدنان الهلالي العامري الهوزاني.

الوالد هو رزق الهلالي أحد أمراء بني هلال، والذي اشتهر بشجاعته الفائقة ودهائه العسكري الذي أهله لقيادة جموع فرسان بني هلال، وكانت تربطه صلة قرابة بالملك سرحان المُلقب بسلطان بني هلال، أما والدته فهي السيدة خضرة الشريفة وهي الأخرى تنتمي إلى عائلة عريقة، إذ إنها كانت إحدى بنات الأمير قرضة شريف مكة.. و أبو زيد الهلالي هو الابن الذكر الوحيد لوالده رزق الهلالي، على الرغم من إنه قد قد تزوج من عشرة نساء، كانت آخرهن هي خضرة أم أبو زيد، إلا إنه من زيجاته هذه كلها لم يرزق إلا بابنتين هما شيحة وعتيمة، وولد واحد اسماه سلامة الهلالي واشتهر بأبو زيد، وبعد مصادر التاريخ تحدثنا عن ابن آخر لرزق الهلالي، كانت قد انجبته له زوجته الأميرة جلاس، إلا إن الطفل قد وُلِد مشوهاً بلا أطراف.

الاسم واللقب :

أبو زيد الهلالي هو المسمى الذي تشتهر به تلك الشخصية في التراث الشعبي العربي، وقد التصق بها هذا المسمى حتى أنسى الناس إنه ليس اسماً حقيقياً، إنما الاسم الحقيقة لهذا الفارس العربي المغوار هو سلامة بن رزق الهلالي ولكنه لُقب بـ أبو زيد الهلالي ،وكذلك دمج البعض بين لقبه وبين اسمه فباتوا يُعرِفونه أبو زيد الهلالي سلامة ،وسر لقب أبو زيد هو إنه قد زاد على أقرانه في صفات الرجولة، فبالحديث عن الخصال والسمات الشخصية التي كان يُقدرها العرب، فقد كان الهلالي هذا كريماً نبيلاً صاحب فراسة وذو نظرة ثاقبة، وبالحديث عن أبو زيد الهلالي كفارس وقائد عسكري فقد اشتهر بشجاعته وعدم مهابته للأهوال، كما إنه كان يجيد القتال ببراعة فائقة، ومن ثم تم دمج كل هذه الصفات في اسم “أبو زيد”، تعبيراً عن تفوقه على الجميع في كل شئ، بجانب هذا فقد عُرف أبو زيد لفترة من حياته باسم الأمير بركات.

التهجير القسري :

حين وضعت خضرة الشريفة طفلها الذي عُرف فيما بعد باسم أبو زيد الهلالي ،كان الرضيع أسود البشرة فأبى والده رزق الهلالي الاعتراف به، لكنه على الرغم من ذلك لم يطلق أمه لشدة حبه لها، وقد عزم إخفاء الأمر عن عشيرته لفترة حتى يحسم الأمر، خاصة وإنه كان متردداً في اتهامه لزوجته بالخيانة، لكن سرعان ما انتشر الخبر وسط بني هلال، فاجتمع الأمراء على رزق واتهموه بجلب العار لهم جميعاً، وإن عليه تطليق خضرة وطردها هي وطفلها من ديارهم، فانصاع رزق أمام إصرار قومه وقام بتطليق زوجته خضرة، وقام بإرسالها إلى والدها شريف مكة في حماية أحد أتباعه وهو الشيخ منيع.

تبني الفضل :

كانت الرحلة من ديار بن هلال إلى مكة شاقة وطويلة، الأمر الذي اضطر خضرة وجاريتها ومنيع والطفل أبو زيد الهلالي إلى التخييم بالعراء، وانتهزت خضرة تلك الفرصة وطالبت منيع بتركها في هذا العراء والعودة، لإنها تخشى على طفلها من القتل على يد جده، فكما إن رزق الهلالي وهو أقرب شخص إليها قد اتهمها بالزنا، فأغلب الظن إن والدها سيتخذ الموقف نفسه، وبينما النقاش دائر بينهما مر بهم الأمير الفضل بن بيسم أمير بني الزحلان، الذي رق قلبه إلى خضرة واستمع لما أخبرته به من قصتها، فعرض عليها أن تنزل في ضيافته، فقبلت خضرة بذلك كي تتفادى الصدام مع أخوال طفلها في مكة أو أعمامه في بني هلال، وقد أكرم الفضل خضرة ورضيعها الذي تبناه واعتبره واحد من ابنائه، وأطلق عليه اسم الأمير بركات.

التعليم :

التحق أبو زيد الهلالي عند بلوغه عمر الصبا شأنه في ذلك شأن جميع ابناء أعلياء القوم بمدرسة الأمراء، والتي تم إلحاقه بها بصفته أحد ابناء نبلاء قبيلة بني الزحلان، ولكن أبو زيد الهلالي في صباه كان قوياً وكذلك طائشاً، وهو الأمر الذي سبب له العديد من المشاكل، أهمها تلك الحادثة التي تهجم فيها على مُدرسه، إذ شاهدهه وهو يضرب أحد أخويه بالتبني وهما ابناء الأمير الفضل، وضرب أبو زيد المُعلم ضرباً مُبرحاً توفي على إثره، ومنذ ذلك الحين نبذه أقرانه وصار الأهالي يخشون على ترك أطفالهم برفقته، فصار يتلقى أبو زيد منذ ذلك الحين دروسه منفرداً، وقد برع في الفروسية وأبدى تفوقاً في فنون القتال.

الزواج :

لا يوجد في المراجع التاريخية ما يثبت زواج أبو زيد الهلالي ،سوى ذكر بعضها إن كان له ابناً قتل دياب بن غانم انتقاماً لأبيه، كذلك بعض المصادر الأخرى تحدثنا عن قصة حب نشأت بين أبو زيد وبين فتاة تدعى علياء ،كانت أجمل فتيات بني هلال وقد وقع في حبها بعد عودته إلى دياره الأولى، لكن لا يوجد دليل على إنه قد تزوجها أو إنها أم هذا الابن الذي انتقم له.

أبو زيد الهلالي والزناتي خليفة :

بعد معرفة أبو زيد الهلالي بنسبه الحقيقى وعودته إلى ديار بني هلال، كانت تعاني من قحط ومجاعة نتيجة انقطاع المطر وجفاف الآبار، فحمل أبو زيد على عاتقه مهمة إيجاد أرض بديلة ينتقل إليها بنو هلال، وانطلق في رحلته وبصحبته ثلاثة من شباب الهلالية هم مرعي ويحيي ويونس، وقد وقع اختيار أبو زيد الهلالي على تونس الخضراء لتكون وطناً بديلاً، الأمر الذي أدخل الهلالية بقيادته في صراع مع الزناتي خليفة حاكم تونس الجائر، ويعتبر هذا الصراع هو الجزء الأهم والأبرز في سيرة أبو زيد الهلالي

موت أبو زيد الهلالي :

ما من أحد أقدم على قتل أبو زيد الهلالي إلا وكان هو القتيل، وما ورد لنا عن سيرته منذ طفولته وحتى كهولته يؤكد ذلك، ولقد عرف دياب بن غانم الهلالي ذلك وكان متيقناً منه، ولهذا فإنه حين أراد التخلص من أبو زيد قتله غدراً، إذ رماه من الوراء برُمح اخترق ظهره، وكان ذلك في أرض تونس الخضراء، أثناء غزو بني هلال لها بحثاً عن المرعى والماء، لتكتب بذلك نهاية سيرة أحد أبرز الفرسان في التراث العربي.

سيرة حياة

أضف تعليق