تسعة شخصيات

محمد نجيب .. البطل المصري الذي ظلمه التاريخ

محمد نجيب

سيرة حياة محمد نجيب : هو الرئيس المصري الذي عاش فترة طويلة في الظل وغاب اسمه عن كتب التاريخ. ترى كيف كانت مسيرته وما حقق خلالها ؟ ولماذا وكيف تعرض للظلم ؟

محمد نجيب هو أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ المصري المعاصر، نظراً للدور المحوري الذي لعبه في إنهاء عصر الملكية ومن ثم تحول مصر إلى النظام الجمهوري، ورغم الدور السياسي والتاريخي الذي لعبه محمد نجيب في التاريخ المصري، إلا أنه تعرض لظلم شديد، حيث تم تهميش دوره في قيام ثورة يوليو وتم حذف اسمه وصوره من كافة الوثائق والسجلات، كما صار يُشار إلى عبد الناصر على أنه أول رئيس جمهورية في تاريخ مصر على خلاف الحقيقة..

محمد نجيب .. من هذا؟

محمد نجيب هو أكثر الشخصيات تعرضاً للظلم في التاريخ المصري، فرغم الدور المحوري الذي لعبه في ثورة يوليو تم عزله وتهميشه بل وتشويهه في بعض الأحيان.. فترى كيف كانت حياته قبل وبعد الثورة؟ وما سر حملة التشويه الممنهج التي تعرض لها؟!

الميلاد والنشأة :

اسمه بالكامل محمد نجيب يوسف قطب القشلان وقد وُلِد في العاصمة السودانية الخرطوم وتحديداً منطقة ساقية أبو العلا، والده مزارع مصري تعود أصوله إلى قرية النحارية في محافظة الغربية المصرية انتقل إلى السودان ضمن كتيبة الجيش المصري المرابضة هناك، أما والدته فكانت تدعى زهرة محمد عثمان وهي مصرية الأصل سودانية المنشأ.. أما عن تاريخ ميلاد محمد نجيب فهو محل خلاف تاريخي، حيث أن لم يُثبت سن نجيب إلا من خلال عملية التسنين التي قام بها الجيش عند التحاقه بها وأقر الخبراء حينها بأنه مواليد فبراير 1901م، ولكن فيما بعد قيل بأنه ولد في السابع من يوليو 1902م قياساً على تاريخ ميلاد قريباً له وُلِد قبله بحوالي أربعين يوماً.

كان لـ محمد نجيب ست أخوات وشقيقين هما على نجيب ومحمود نجيب بالإضافة إلى أخ واحد غير شقيق يدعى عباس أنجبه والده من زوجته الأولى، وقد توفي الوالد ونجيب لا يزال في الثالثة عشر من عمره تاركاً له أمه وتسع أخوة هو أكبرهم، ويقول نجيب أن تحمله المسؤولية تجاه عائلته في ذلك الوقت جعله أكثر صلابة وقوة وحكمة.

التعليم :

تلقى محمد نجيب تعليمه الأول من خلال الكتاتيب البسيطة في مدينة ود مدني عام 1905م، حيث تلقى بها مبادئ القراءة والكتابة والحساب وحفظ جزء من القرآن الكريم، ثم انتقلت العائلة إلى مدينة وادي حلفا وبها التحق نجيب بالمدرسة الابتدائية ثم انضم إلى كلية الجوردون عام 1913م، وبعد تخرجه انضم إلى معهد الأبحاث الاستوائية بهدف إجادة الآلة الكاتبة والعمل كمترجم.

رغم اجتياز محمد نجيب اختبارات المعهد النهائية وحصوله على وظيفة مترجم برات ثلاثة جنيهات وهو راتب كبير بمقاييس ذلك الزمان، إلا أنه أصر على السفر إلى القاهرة بهدف الالتحاق بالكلية الحربية هناك، وهو ما حدث بالفعل وتخرج من الكلية الحربية المصرية في 1917م.

الدراسات العليا :

كان محمد نجيب لديه شغف كبير بالتعلم والدراسة، لذلك قرر استكمال مسيرته الدراسية حتى بعد تخرجه من الكلية الحربية وبدء عمله في المجال العسكري، فكان أول ضابط في الجيش المصري ينال درجة ليسانس الحقوق، كما قام في عام 1929م بالحصول على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي ودبلوم مماثل في تخصص القانون الخاص، وفي وقت لاحق بدأ في إعداد رسالة الدكتوراه ولكنه لم يتمكن من استكمالها بسبب طبيعة عمله وكثرة تنقلاته.

حرب فلسطين :

مشاركة محمد نجيب في حرب فلسطين لم تكن فقط بصفته العسكرية بل أنها كانت نابعة من حسه الوطني، فعلى الرغم من أنه كان يحمل رتبة عميد إلا أنه كان يرفض البقاء داخل غرف العمليات، وكان يحرص على قيادة قواته في ميدان المعركة، حتى أنه أصيب سبع مرات في تلك الحرب، كانت أخطرهم وآخرهم إصابته في معركة التبة 86، حيث أصيب بطلق ناري استقر على بعد سنتيمترات قليلة من القلب، وتم نقله إلى المستشفى الميداني بأرض المعركة حيث أجريت له الإسعافات اللازمة وتحققت المعجزة بنجاته من الموت المحقق.

أظهر نجيب خلال حرب فلسطين أو ما تعرف تاريخياً باسم نكبة 48 شجاعة متناهية، وتقديراً لما بذله خلال الحرب حصل على لقب البكوية كما نال نجمة فؤاد العسكرية الأولى.

نجيب رئيساً لتنظيم الضباط الأحرار :

بعد انتهاء حرب فلسطين عاد محمد نجيب إلى مصر ليباشر عمله كرئيس مدرسة الضباط العظام، ورغم شفاء جروح بدنه إلا أن جروح روحه ظلت دامية، حيث كان يرى أن العصابات الصهيونية لم تهزمهم إنما الهزيمة جاءت من تراخي الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي، وكان يردد دائماً أن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير مصر، في إشارة إلى ضرورة التخلص من حكم أسرة محمد علي باشا عامة وحكم الملك فاروق الأول بصفة خاصة بالإضافة إلى الحصول على الاستقلال التام وجلاء قوات الاحتلال البريطاني.

كان جمال عبد الناصر قد بدأ خلال تلك الفترة في تكوين تنظيم الضباط الأحرار، وكان يسعى التنظيم إلى استقطاب أحد الضباط الكبار إليه كي يتمكنوا من الحصول على تأييد باقي أفراد الجيش، وقد وجد ناصر ورفاقه ضالتهم في شخص محمد نجيب لما يتسم به من جرأة وشجاعة وفدائية. توجه عبد الناصر إليه بالفعل وعرض عليه الأمر فوافق على الفور وانضم إليهم، وتضاعف عدد الضباط المؤيدين للتنظيم فور ترأُس نجيب له حيث كان يحظى بشعبية طاغية داخل صفوف الجيش ويثق الجميع في وطنيته.

نجيب بعد ثورة يوليو :

ساهم محمد نجيب في نجاح ثورة يوليو 1952م ولعب دوراً في إقناع الملك فاروق بالتنازل، وفي أعقاب ذلك تولى منصب رئاسة الوزراء، وقام خلال تلك الفترة بإصدار العديد من التشريعات الإصلاحية الهادفة إلى إعادة توزيع الثروات واسترداد حقوق الشعب من رجال الإقطاع، فأصدر قوانين الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية إلى جانب قانون تنظيم عمل الأحزاب المصرية.

في وقت لاحق وتحديداً في الثامن عشر من يونيو لعام 1953م تم إعلان قيام الجمهورية وإلغاء نظام الحكم الملكي في مصر، وبناء عليه تم اختيار نجيب لشغل المنصب ليكون بذلك أول رئيس جمهورية في تاريخ مصر.

خلافه مع مجلس قيادة الثورة :

فترة رئاسة محمد نجيب لمصر لم تعرف أدنى درجات الاستقرار، حيث نشبت عِدة خلافات بينه وبين باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة خلال الشهور الأولى من توليه المنصب، حيث أن نجيب كان من أنصار مبدأ إعادة الجيش إلى الثكنات وإجراء انتخابات تعددية وفقاً لما ورد في مذكراته، وقد أيده في ذلك عدد من الضباط على رأسهم يوسف صديق و زكريا محي الدين.

ثم تفاقم الأمر حين اكتشف نجيب أن مجلس قيادة الثورة عقد أكثر من اجتماع بدونه، كما أنه مرروا العديد من القرارات دون توقيعه عليها كان أغلبها يتعلق بتعيينات الوزراء وكبار المسئولين، ولهذا قرر نجيب أن يستقيل من منصبه كي لا يتحمل مسئولية تلك القرارات أمام الشعب والتاريخ.

الإقامة الجبرية :

أصدر تنظيم الضباط الأحرار في نوفمر 1954م قراراً بتحديد إقامة محمد نجيب داخل فيلا زينب الوكيل بمنطقة المرج، وتم إخباره في أول الأمر – بواسطة عبد الحكيم عامر– بأن إقامته تحت الحراسة لن تدوم إلا لبضعة أيام يتم خلالها تسوية الخلافات العالقة بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، إلا أن حبسه استمر حوالي 17 عاماً، حيث لم يفرج عنه إلا في عهد أنور السادات وتحديداً في عام 1971م.

حملات التشويه :

تعرض محمد نجيب لحملة من التشهير والتشويه في كتب التاريخ، حيث تم حذف إنجازاته وأعماله من أغلب الكتب كما تم كذلك تهميش دوره في ثورة يوليو 1952م، كما أصبح يُشار إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على أنه أول رئيس جمهورية في التاريخ المصري، كما حّمّل بعض الصحفيين محمد نجيب مسؤولية بعض القرارات الخاطئة التي تم اتخاذها في أعقاب تنازل الملك عن العرش، على الرغم من أنها قد اتخذت رغماً عنه وكان أول مُعارضيها.

حياته الخاصة :

تزوج محمد نجيب مرتين الأولى من السيدة زينب ورُزق منها بابنة واحدة تدعى سميحة، ولكن تلك الزيجة انتهت بالانفصال ليتزوج نجيب للمرة الثانية في 1934م من السيدة عائشة محمد لبيب، ورُزِق منها بثلاثة ابناء هم علي ويوسف وفاروق محمد نجيب

تأثيره :

يعد محمد نجيب واحد من أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ المصري المعاصر، حيث أن انضمامه إلى تنظيم الضباط الأحرار كان سبباً رئيسياً في نجاح خطتهم، وبالتالي كان سبباً في كل ما ترتب على نجاح ثورة يوليو من أحداث وتغيرات، أبرزها تحول نظام الحكم في مصر من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري.

الوفاة :

عانى محمد نجيب خلال سنواته الأخيرة من مرض تليف الكبد ومضاعفاته، وفي منتصف أغسطس 1984م تم إدخاله إلى مستشفى المعادي العسكري بعدما تردت حالته الصحية لتلقي العلاج، وفي الثامن والعشرين من الشهر نفسه تم إعلان خبر وفاة نجيب.

كان نجيب قد أوصى بأن يُنقل جثمانه إلى السودان ليُدفن إلى جوار والده، إلا أن ذلك لم يتحقق وتم تشييع جثمانه إلى مقابر شهداء القوات المسلحة، وكان ذلك من خلال جنازة عسكرية تقدمها الرئيس المصري -آنذاك- حسني مبارك وعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة.

نجيب بعد 25 يناير :

تردد اسم الرئيس محمد نجيب على الساحة بقوة في أعقاب ثورة 25 يناير، حيث طالب الجماهير برد الحقوق لأصحابها، وإنصاف نجيب بإضافة إنجازاته وإسهاماته كاملة إلى المناهج الدراسية، مع الإشارة إلى أنه كان أول من تولى منصب رئيس الجمهورية وأن جمال عبد الناصر هو رئيس الجمهورية الثانية في تاريخ مصر.

استجاب الرئيس المؤقت عدلي منصور -قي أعقاب ثورة 30 يونيه- إلى الأصوات المنادية بإنصاف نجيب، حيث منح اسمه قلادة النيل العظمى وتسلمها حفيده.

مؤلفات محمد نجيب :

كتب محمد نجيب عِدة مؤلفات أغلبها تم إنجازه خلال فترة تحديد إقامته، وقد تضمنت تلك المؤلفات مذكراته الخاصة إلى جانب شهادته فيما يتعلق بالأحداث التي مرت بالبلاد قبل وأثناء توليه منصب رئيس الجمهورية، لكن الغريب هو أن نجيب لم يوجه من خلال تلك الكتب اتهام أو لوم لأي ممن تعمدوا تشويه صورته أمام الشعب، ومن أبرز مؤلفاته:

  • رسالة عن السودان
  • كلمتي للتاريخ
  • كنت رئيساً لمصر

الأوسمة والتكريمات :

نال محمد نجيب أكثر من وسام بصفته العسكرية في زمن الملكية، أما بعد ثورة يوليو فقد غاب اسمه عن الساحة لمدة ثلاثين عاماً تقريباً، ثم بدأ يظهر على استحياء خلال فترة التسعينيات كنوع من التكريم الشرفي، ومن أمثلة ذلك:

  • وسام نجمة فؤاد العسكرية من الطبقة الأولى
  • رتبة البكوية
  • قلادة النيل العظمى في 2013م
  • تم إطلاق اسم نجيب على إحدى محطات خطوط مترو الأنفاق
  • تم إطلاق اسمه على أحد ميادين كفر الزيات

هذا إلى جانب إقامة متحف خاص بـ محمد نجيب داخل القرية الفرعونية يحتوي على عدد كبير من مقتنياته والصور الخاصة به، وقد تم افتتاح المتحف في سبتمبر 2007م.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق