تسعة شخصيات

جانلويجي بوفون .. العنكبوت الإيطالي فزاعة مهاجمي العالم

جانلويجي بوفون

سيرة حياة أسامة جانلويجي بوفون : هو حارس المرمى الأفضل على مستوى العالم. فما حققه من إنجازات وما أظهره من مهارات يؤهلانه لبلوغ تلك المكانة الرفيعة.

جانلويجي بوفون هو حارس المرمى الذي استمد ألقابه من شخصيات الأبطال الخارقين الشهيرة، فتارة تطلق عليه الجماهير لقب سوبر مان وتارة أخرى يقولون عنه العنكبوت الإيطالي نسبة إلى شخصية سبايدر مان، وذلك لم يأت من فراغ إنما لأن جانلويجي بوفون يظهر في الملعب مهارات فائقة، فهو يتمتع بالمرونة وردة فعل سريع جداً، دفعت الجماهير للقول بإنه يمتلك القدرة على الطيران أو القفز لمسافات هائلة مثل شخصيات القصص المصورة، وشعبية بوفون لا تقتصر على إيطاليا وحدها بل إنها تمتد بطول الأرض وعرضها، ومشاركاته مع المنتخب الإيطالي ونادي اليوفينتوس كانت سبباً في مضاعفة شعبية كلاهما عالمياً.

جانلويجي بوفون .. من هذا ؟

جانلويجي بوفون هو حارس المرمى الأفضل على مستوى العالم حالياً ولا جدال في ذلك، بينما بعض المحللين المتحمسين له يعتبرونه أفضل حارس مرمى في تاريخ كرة القدم وهذا أيضاً ليس به كثير من المبالغة، فما حققه من إنجازات وما أظهره من مهارات يؤهلانه لبلوغ تلك المكانة الرفيعة.. فكيف كانت مسيرة بوفون الكروية؟ وما هي إنجازاته وكيف حققها؟

العائلة الرياضية :

عشق جانلويجي بوفون للرياضة لم يكن من قبيل الصدفة، فقد ولد الحارس الإيطالي الأشهر لعائلة مسيحية ملتزمة دينياً عاشقة للرياضية ونشأ في كنفها، ولم يكونوا من الهواة بل كان كل فرد منهم محترف في رياضته المفضلة، فوالده أدريانو بوفون كان من ممارسي رفع الأثقال أما أمه ماريا ستيلا فهي من أمهر راميات القرص، أما عمه فقد كان أكثرهم تأثيراً في شخصية جانلويجي بوفون إذ كان لاعب كرة قدم محترف وكان يلعب بمركز حراسة المرمى لنادي إيه سي ميلان ويدعى لورينزو بوفون. وُلِد بوفون في الثامن والعشرين من يناير لعام 1978م وكان ذلك بمقاطعة كرارا بمدينة تورينتو الإيطالية.

بوفون لاعب خط الوسط :

علاقة جانلويجي بوفون بكرة القدم بدأت في وقت مبكر جداً من عمره، ولأن عائلته عاشقة للرياضة فلم تمانع في أن يمارسها كهواية طالما إنها لم تؤثر على دراسته، وبالفعل التحق جانلويجي بوفون بأكاديمية الشباب حيث تلقى أولى تدريباته كلاعب كرة قدم، وخلال تلك الفترة أظهر مهارة فائقة في التحكم بالكرة ومراوغة الخصوم، وهو ما دفع مدربيه إلى وضعه بتشكيل الفريق بمركز خط وسط مهاجم، ومهارته في ذلك المركز دفعتهم إلى تثبيته به وتنبأ كل من تولى تدريبه بتلك الفترة بأنه سيكون من أبرع لاعبي منتصف الملعب، ولكن في وقت لاحق صدم بوفون الجميع حين قرر فجأة أن يقوم بتغيير مركزه في الملعب ليتغير بذلك مساره وتاريخه.

حارس مرمى لأول مرة :

تغيرت نظرة جانلويجي بوفون لمركز حراسة المرمى في عام 1990م، بعدما شاهد براعة توماس نكونو حارس مرمى المنتخب الكاميروني، أعجب به بوفون بشدة واتخذه مثل أعلى له بجانب إنه كان يدرك أهمية ذلك المركز مما كان يقوله عنه عمه، وبناء عليه اتخذ قراره بالابتعاد عن مركز خط الوسط واللعب في مركز حراسة المرمي، خاصة وإنه كان يرى نفسه يفتقد لميزة هامة لأي لاعب خط وسط وهي السرعة، فقد كان جانلويجي بوفون مهاري لكنه ليس سريعاً بالقدر الكافي حسب وجهة نظره، ولم يُدرك جانلويجي بوفون بتلك اللحظة -التي اتخذ فيها القرار- إن هناك أسطورة كروية قد وُلِدت.

البداية الاحترافية :

بدأ جانلويجي بوفون مسيرته الاحترافية من خلال نادي بارما الإيطالي والذي لعب كحارس مرمى ضمن صفوفه، ولحسن حظه فقد كان يعاني النادي بتلك الفترة من نقص في مركز حراسة المرمى بسبب الاستبعاد أو الإصابة، وبناء عليه فإنه لم يبق ضمن فريق الناشئين لفترة طويلة، وقام مدرب الفريق الأول لنادي بارما آنذاك نيفيو سكالا بتصعيده إلى الفريق الأول، معتمداً في ذلك على مواصفاته الجسدية المثالية وخاصة الطول والقوة، وشهادة مدرب حراس مرمى بالأكاديمية إرميس فولجوني والذي قال بأن جانلويجي بوفون سيصير يوماً مثل لأعلى لحراس المرمى، ولم يخذل بوفون أي منهما.

كانت أولى مشاركات جانلويجي بوفون الرسمية في الدوري الإيطالي في عام 1995م، بسبب إصابة الحارس الأساسي لنادي بارما اضطر المدرب لإشاركه بالمباراة رغم صعوبتها، فقد كان بارما يواجه نادي إيه سي ميلان متصدر الدوري آنذاك والذي يضم مجموعة من أبرع اللاعبين مثل جورج واياه وروبرتو باجيو اللذان سبق تصنيفهما كأفضل لاعبي العالم، ورغم ذلك انتهت المباراة بالتعادل السلبي بدون أهداف بفضل براعة بوفون الذي أنقذ شباك بارما من أهداف مؤكدة.

التألق :

بالموسم التالي مباشرة 1995 : 1996 صار جانلويجي بوفون هو حارس المرمى الأساسي لنادي بارما، وبفضل براعته في إنقاذ المرمى من أهداف مؤكدة في توقيتات حرجة، أنقذ ناديه من أكثر من هزيمة وقاده إلى مراكز متقدمة بمختلف البطولات التي شارك بها سواء الدوري الإيطالي أو البطولات الأوروبية، وبتلك الفترة بدأ الاهتمام الإعلامي بـ جانلويجي بوفون باعتباره ظاهرة كروية، خاصة وإنه كان بارع في التصدي لكبار نجوم الكرة ومنهم البرازيلي رونالدو حامل الكرة الذهبية ولاعب إنتر ميلان آنذاك، والذي تمكن بوفون من صد إحدى ركلات الجزاء التي صوبها عليه وكان معروف إن ركلات رونالدو لا تُصد، وكانت هذه الواقعة سبباً في حمله لقبه الأول الذي أطلقته عليه الجماهير وهو (سوبر مان).

الانتقال إلى اليوفينتوس :

براعة جانلويجي بوفون جذبت إليه أنظار أكثر من نادي داخل إيطاليا وخارجها، وفور انتهاء مدة تعاقده مع بارما تلقى أكثر من عرض، لكنه فضل الانتقال إلى اليوفينتوس واللعب ضمن صفوفه خاصة وإنه ناديه المفضل، وبالفعل ابتداء من عام 2001م وحتى اليوم لم يرتدي بوفون قميص أي ناد آخر. خلال الموسم الأول له مع اليوفينتوس أو اليوفي آسر بوفون قلوب مشجعيه، وذلك لما أظهره من براعة فائقة في حماية مرماهم، وتمكن اليوفينتوس في ذلك العام من تحقيق عِدة ألقاب أهمها كأس السوبر الأوروبي ولقب الدوري الإيطالي فكانت تلك بداية مثالية.

كأس العالم 2006م :

في عام 2006م تحول جانلويجي بوفون إلى بطل قومي في نظر الشعب الإيطالي، بعدما استطاع هو ورفاقه من الفوز ببطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة في ألمانيا، وكان لبوفون دور بارز في تحقيق ذلك اللقب، وأظهر أداءً بارعاً بكل مباريات البطولة فبالدور الأول منها أو التمهيدي فازت إيطاليا في مبارتين وتعادلت مباراة ولم يدخل مرماها إلا هدف واحد، وبالدور قبل النهائي هزم المنتخب الإيطالي المنتخب الألماني مستضيف البطولة بهدفين نظيفين ليتأهل بذلك إلى المباراة النهائية في مواجهة فرنسا. وبتلك المباراة كان جانلويجي بوفون هو من حسم اللقب لصالح الإيطاليين، حيث انتهت المباراة بالتعادل فتم اللجوء إلى ركلات الترجيح، وقد تمكن بوفون من صد ركلتين للجانب الفرنسي فحُسم الأمر وفازت إيطاليا بالمباراة واللقب.

بوفون .. واجهة إعلانية :

كأن جانلويجي بوفون كان مقرراً أن يكون استثناءً في كل شىء، بما في ذلك الاستغلال في الدعاية والإعلان للعلامات التجارية الكبرى، وكانت القاعدة أن تتجه أنظار خبراء التسويق إلى اللاعبين في مراكز الهجوم باعتبارهم الأكثر شعبية وشهرة، ولكن ما حققه جانلويجي بوفون من إنجازات جعله يقف مع هؤلاء على قدم المساواة، فكان لفترة طويلة الواجهة الدعائية لشركة بوما الألمانية للملابس الرياضية، وهي الراعي الرسمي له ودائماً ما يستخدم أحذية وقفازات من إنتاجها كما ظهر في بعض إعلاناتها التلفزيونية وملصقاتها الدعائية.

أيضاً شركة المياه الغازية العالمية بيبسي في عام 2002م وبمناسبة انطلاق فاعليات بطولة كأس العالم بكوريا واليابان، قدمت إعلاناً ترويجياً يقدمه مجموعة من أفضل لاعبي العالم، وقد ظهر جانلويجي بوفون ضمن الإعلان جنباً إلى جنب مع الإنجليزي ديفيد بيكهام والإسباني راؤول والبرازيلي روبرتو كارلوس، أيضاً جرت العادة أن تكون أغلفة ألعاب الفيديو الكروية تتصدرها صور للاعبي مركز الهجوم، إلا إن جانلويجي بوفون حطم تلك القاعدة واختارته شركة كونامي ليكون الواجهة الدعائية للنسخة الإيطالية من لعبة PES 2008.

تأثير العنكبوت الإيطالي :

العنكبوت الإيطالي جانلويجي بوفون استطاع أن يعيد مركز حراسة المرمى إلى بريقه، وهو دليل حي على إن المهارة في رياضة كرة القدم لا تحسب فقط بعدد الأهداف التي يتم إحرازها، بل إن كل لاعب يمكنه أن يصبح نجماً أيا كان مركزه إن اتقن دوره في الملعب، ويعد بوفون حالياً هو حارس المرمى الأشهر والأغلى على مستوى العالم، وهو مثل أعلى لكل حارس مرمى معاصر سواء كان ناشئاً أو محترفاً.

حياته الشخصية :

كان يعي جانلويجي بوفون إن استقرار الحياة الشخصية هو أولى الخطوات نحو التقدم في المسيرة الكروية، ولهذا فإنه لم ينغمس في حياة اللهو ولم يعرف عنه تعدد العلاقات كما حدث مع عدد غير محدود من كبار اللاعبين، العلاقة الوحيدة المُعلنة في حياة بوفون كانت من عارضة الأزياء التشيكية إيلينا سيردوفا، والتي كانت شريكته لفترة طويلة امتد إلى دامت ستة أعوام تقريباً، انجبا خلالها ابنيهما لويس توماس بوفون في 2007م وديفيد لي بوفون في 2009م، ثم قرر الطرفان أن يتزوجا بصفة رسمية وفي 2011م أقيمت مراسم الزواج، ويصف بوفون دائماً حياته الأسرية بالسعيدة والمستقرة ويحاول قدر الإمكان إبقائها بعيداً عن الأضواء.

الجوائز الشخصية :

بجانب البطولات التي حققها جانلويجي بوفون برفقة ناديي بارما ويوفينتوس والمنتخب الإيطالي، والتي كان سبباً مباشراً في الفوز بها، فقد تمكن أيضاً خلال مسيرته الرياضية من إحراز العديد من الألقاب الفردية، ومن أهمها وأبرزها:

  • أفضل لاعب ناشىء في أوروبا 1999م
  • أفضل لاعب دوري أبطال أوروبا 2003
  • أفضل حارس مرمى ببطولة كأس العالم لكرة القدم 2006
  • أفضل حارس مرمى في الدوري الإيطالي (فاز بها عشرة مواسم)
  • أفضل حارس مرمى بدوري أبطال أوروبا (فاز بها مرتين)
  • أفضل حارس مرمى في العالم وحمل اللقب عِدة مرات منها مرتين على التوالي.

بوفون صاحب الأرقام القياسية :

كافة الجوائز الفردية التي حققها جانلويجي بوفون رغم قيمتها وإنها تعد إنجازاً صعب المنال والتحقيق، إلا إنها لا تمثل كل شىء، فإن أسطورة جانلويجي بوفون وسر حمله ألقاب مثل سوبر مان الكرة والعنكبوت الإيطالي لم تتحقق بالجوائز، بل حققت من خلال الأرقام القياسية التي حطمها، وأهمها إنه حارس المرمى الأكثر بقاءً بشباك نظيفة؛ حيث إنه بجمع دقائق المباريات التي اجتازها جانلويجي بوفون سنجد إنه لعب 975 دقيقة دون أن يحرز به أية أهداف، وكان هذا سبباً في اعتباره أفضل حارس مرمى في العالم خلال الـ 25 عاماً الأخيرة، كما تم تضمين اسمه لقائمة أفضل 100 لاعب في تاريخ كرة القدم. ومن الأرقام القياسية العامة التي أحرزها مع فريقه اليوفينتوس هي الفوز ببطولة الدوري الإيطالي بإحدى عشر موسماً على التوالي.

الاعتزال في 2018م :

يبدو إن جانلويجي بوفون لا يمضى خطوة إلا بعد أن يكون قد احتسبها ولا يسير إلا وفق خطة مُحكمة، حتى إنه قد حدد موعد اعتزاله بدقة، وبإحدى اللقاءات التي أجريت معه أعرب عن نيته في اعتزال الملاعب في عام 2018م إذ إنه يرغب في المشاركة بفاعليات كأس العالم التي ستقام في روسيا بعد عامين، وحين أخبره المحاور بإنه لا يزال بإمكانه العطاء وإنه محافظ على لياقته ومهارته، أجابه جانلويجي بوفون بإنه إنسان واقعي وإنه بحلول عام 2018م سيكون قد بلغ من العمر 40 عاماً، والاستمرار لأكثر من ذلك في الملاعب ستكون به شبهة غرور ومكابرة قد تهدم ما حققه من إنجازات طيلة سنوات عمره، وحلمه الأخير قبل الاعتزال هو أن يتمكن من قيادة منتخب بلاده إلى الفوز ببطولة كأس العالم مرة أخرى وأن يختتم مسيرته وهو ورفاقه متربعين على عرش كرة القدم.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق