تسعة شخصيات

عبد الحكيم عامر .. الرجل الثاني حامل أوزار النكسة

عبد الحكيم عامر .. الرجل الثاني حامل أوزار النكسة

سيرة حياة عبد الحكيم عامر : هو أبرز رجال ثورة يوليو وأقربهم إلى الرئيس جمال عبد الناصر. فكيف كانت مسيرة عبد الحكيم العسكرية والسياسية؟ وكيف انتهى به الحال؟

المشير عبد الحكيم عامر هو أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ المصري المعاصر، دائماً ما تحيط بحياته وأعماله العشرات من علامات الاستفهام، تناولت العديد من الكتب سيرته وطبيعة علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر وزملائه بمجلس قيادة الثورة وأبرزهم أنور السادات وصلاح نصر، وتلك الكتب حملت آراء متضاربة ورؤى متضادة، فبعض المؤرخين والمحللين السياسيين يصورون عبد الحكيم عامر شيطاناً ويحملونه مسئولية الهزيمة والفساد وإخفاق مشروع ناصر الإصلاحي، وآخرين يصورونه ملاكاً شوه النظام السياسي آنذاك صورته ليتخذه كبشاً يفتدي به رؤوسه، ومنها كتابي (أنا والمشير) و(الطريق إلى قدري.. إلى عامر) اللذان كتبتهما أرملته برلنتي عبد الحميد، وجمعت بهما العديد من الوثائق التي رأت إنها تدعم موقفه وتثبت براءته، أو على أقل تقدير تثبت إنه لم يكن المسئول الوحيد عن هزيمة 67.

عبد الحكيم عامر .. من هذا ؟

عبد الحكيم عامر هو أبرز رجال ثورة يوليو وأقربهم إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر.. فكيف كانت مسيرة عبد الحكيم العسكرية والسياسية؟ وما سر إثارته للجدل وإثارة اللغط حوله؟ والأهم كيف انتهى به الحال معتقلاً بعد أن كان أحد صانعي القرار بالدولة المصرية؟

الميلاد :

في الحادي عشر من ديسمبر عام 1919م وُلِد عبد الحكيم عامر واسمه الحقيقي محمد  علي عبد الحكيم، ولكن شيوع الاسم الأول “محمد” صار يُعرف ويُنادى باسم جده اختصاراً وتمييزاً، واشتهر به بعد أن صار أحد قادة القوات المسلحة المصرية. كان ميلاده في قرية أسطال التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا بصعيد مصر، ونشأ عامر في كنف أسرة ميسورة الحال إذ كان والده الشيخ علي عبد الحكيم عمدة قرية أسطال، وكذلك والدته كانت تنتمي لعائلة حيدر العريقة، وخاله هو محمد حيدر باشا والذي تولى منصب وزير الدفاع بمصر لفترة من الفترات.

دراسته وحياته العسكرية :

تلقى عبد الحكيم عامر تعليمه الأول بكتاب قرية أسطال بحسب العرف السائد آنذاك، ثم انتظم بالتعليم بمدارس محافظة المنيا، وحين أتم دراسته الثانوية توافقت إرادته وإرادة والده على الالتحاق بالكلية العسكرية، وبالفعل تقدم إليها وتم قبوله وتخرج منها في عام 1993م، وانتظم في العمل ضمن صفوف القوات المسلحة المصرية، وشارك في حرب فلسطين المعروفة باسم حرب 48 أو نكبة 48، وكان أحد أفراد الوحدة التي يشارك بها جمال عبد الناصر، ومن هنا توطدت علاقتهما ونشأت صداقتهما. وقد أبلى عبد الحكيم بلاءً حسناً بتلك الحرب، حتى إنه نال نوط الشجاعة لما أبداه من إقدام وأظهره من كفاءة.

ثورة يوليو :

لعب عبد الحكيم عامر دوراً محورياً في ثورة يوليو 1952م. بدأ الأمر بالانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار السري الذي أسسه جمال عبد الناصر في أعقاب هزيمة حرب فلسطين، كان عامر من الأعضاء المؤسسين لهذا التنظيم واستمر عملهم السري أربعة سنوات، انضم إليهم خلالها عدد كبير من ضباط الجيش واكتسبوا تعاطف عامة الشعب، وفي عام 1952م قرروا القيام بالثورة وعزل الملك فاروق الأول ليتم بذلك إنهاء حكم أسرة محمد علي باشا وتتحول مصر من الملكية إلى الجمهورية.

وضعه في أعقاب الثورة :

كان عبد الحكيم عامر أقرب الأقربين إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فقد كان يثق به ثقة عمياء ويمكن القول بإنه كان بمثابة ذراعه الأيمن، وبناء عليه فقد تغير وضع عبد الحكيم عامر كثيراً في أعقاب الثورة، ويكفي القول بأنه في عام 1953م رُقي من رتبة صاغ إلى رتبة لواء بترقية واحدة، متخطياً بذلك ثلاث تدرجات في رتب القوات المسلحة، ليصبح أصغر لواء بتاريخ الجيش المصري إذ أن عمره آنذاك كان 34 عاماً فقط، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل توالت ترقيات عامر الاستثنائية، حتى إنه نال رتبة مشير في عام 1958م. بالطبع لم يكن عبد الحكيم عامر هو الوحيد الذي نال امتيازات وتغيرت أوضاعه بعد الثورة، بل إن أعضاء مجلس قيادة الثورة بالكامل نالوا امتيازات عديدة وشغلوا مناصب قيادية، ولكن عامر كان هو الأكثر تميزاً بسبب قربه من عبد الناصر وعلاقته القوية به، حتى إنه كان يُعرف بلقب الرجل الثاني في الدولة.

مناصبه الرسمية :

كان عبد الحكيم عامر أحد أبرز الشخصيات التي ظهرت على الساحة السياسية في مصر في أعقاب ثورة يوليو 1952م وأكثرهم نفوذاً على الإطلاق، وكان من الطبيعي والمنطقي أن يتولى أكثر من منصب مرموق في الدولة، ومن أهم المناصب التي تولاها عامر خلال حقبتي الخمسينات والستينات ما يلي:

  • القائد العام للقوات المسلحة ابتداءً من أبريل 1954م
  • جمع بين منصبي وزير الحربية ومنصب القائد العام ابتداءً من أغسطس 1954م
  • عُين نائباً لرئيس الجمهورية ابتداءً خلال الفترة من سبتمبر 1956م وحتى سبتمبر 1962م مع احتفاظه بالمناصب الأخرى
  • عُين رئيساً للاتحاد المصري لكرة القدم من فبراير 1958م وحتى 1967م
  • عُين نائباً لمجلس الوزراء المصري في أكتوبر 1961م مع احتفاظه بمنصبيه كوزير للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة
  • تولى رئاسة المجلس الأعلى للمؤسسات الاقتصادية ابتداءً من أبريل 1961م وبذات الوقت تولى رئاسة اللجنة العليا لمشروع السد العالي
  • عُين مرة أخرى نائباً لرئيس الجمهورية بالفترة ما بين سبتمبر 1962م وحتى سبتمبر 1966م
  • نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية من سبتمبر 1966م وحتى 1967م، وهو آخر منصب رسمي تولاه عامر.

حياته الشخصية :

تزوج المشير عبد الحكيم عامر مرتين، الأولى كان زواجاً تقليدياً من ابنة عمه السيدة زينب عبد الوهاب عامر، ورُزق من تلك الزيجة بسبعة ابناء ثلاثة أنجال وأربع بنات، وفي وقت لاحق تعرف على الممثلة المصرية برلنتي عبد الحميد وتزوجها، وكان ذلك الزواج سبباً في اعتزالها الفن في وقت مبكر إذ كان عمرها آنذاك تسعة وعشرون عاماً، ورُزِق منها بابن واحد اسماه عمرو.

عبد الحكيم عامر بعد النكسة :

توترت علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بقيادة الجيش وعلى رأسهم عبد الحكيم عامر في أعقاب حرب 1967م المعروفة باسم النكسة وفرض قوات الاحتلال الصهيوني سيطرتها على شبه جزيرة سيناء، فأصدر حزمة قرارات من بينها قراره بتنحية عبد الحكيم عن منصبه كقائد للجيش مع الإبقاء عليه كنائب له في الرئاسة، ولكن عبد الحكيم رفض ذلك القرار، وبسرعة كبيرة فسدت علاقته بالرئيس عبد الناصر الذي أصدر أوامره في أغسطس 1967م بوضع عبد الحكيم عامر قيد الإقامة الجبرية داخل منزله بالجيزة، تمهيداً لتقديمه للمحاكمة هو وعدد آخر من القيادات العسكرية بعد أن حملهم مسئولية الهزيمة .

وفاته :

يعد موت عبد الحكيم عامر أحد أكثر الأحداث غموضاً في التاريخ المصري، في الرابع عشر من سبتمبر عام 1967م تناقلت الصحف نبأ انتخار عبد الحكيم في محبسه، وقيل إنه كان يعاني من اكتئاب حاد بسبب ما آلت إليه الأمور بعد هزيمة 67، وإنه لم يتحمل ذل السجن ولذلك قتل نفسه. لكن بعض المحللين السياسيين والشخصيات التي عاصرت الحادث استبعدوا أن يكون عبد الحكيم قد انتحر، وأُشيع إنه تم اغتياله في محبسه ووُجهت أصابع الاتهام إلى نظام عبد الناصر، الأمر الذي جعل موت المشير لغزاً محيراً لا زال يثير الجدل حتى يومنا هذا!

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق