تسعة شخصيات

أبو العز الحريري البرلماني المشاغب والأقرب للبسطاء

أبو العز الحريري البرلماني المشاغب والأقرب للبسطاء

البرلماني أبو العز الحريري هو أحد أبرز الاسماء التي ظهرت على الساحة السياسية المصرية خلال العقود الخمس الأخيرة، هو الذي صنع من حقوقه الدستورية سلاحاً، لم يتوانى عن تصويبه في وجه الفساد، وقد حظي أبو العز الحريري خلال كامل سنوات مسيرته بتأييد شعبي جارف.

أبو العز الحريري .. من هذا ؟

رغم إن أبو العز الحريري كان ينوب بمجلس الشعب عن دائرة واحدة، إلا إن شعبيته كانت طاغية بمختلف محافظات مصر، ولن نبالغ إن قلنا بإنها امتددت لتشمل الوطن العربي بأكمله.. فكيف كانت مسيرته؟ وما مواقفه التي جعلت منه أحد أشهر البرلمانيين العرب؟

البداية :

في الثاني من يونيو عام 1946م وبمدينة الإسكندرية وُلِد البرلماني والسياسي المصري أبو العز الحريري ،واسمه بالكامل أبو العز علي حسن الحريري، وقد التحق بمجالي العمل العام والعمل السياسي في وقت مبكر من عمره، فقد آمن بمبادئ حزب التجمع وانضم له رسمياً، وفي وقت قصير صار أحد أبرز كوادر الحزب الشابة، مما شجع قياداته على الدفع به بالانتخابات البرلمانية، وبالفعل تمكن من الفوز في المعركة الانتخابية وصار عضواً برلمانياً وهو في الثانية والثلاثين من عمره، ممثلاً لدائرة كرموز التابعة لمحافظة الإسكندرية.

موقفه من كامب ديفيد :

كان أبو العز الحريري يساري التوجه والمبادئ، وكان من أشد الأشخاص إخلاصاً لأفكاره وتوجهاتهم، فلم يقبل المواءمات السياسية الذي تنطوي على خضوع وخنوع لجهات أخرى، وبالتأكيد كان يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني بأي من الأشكال، وبناء على ذلك فقد كان في مقدمة الكتلة البرلمانية التي عارضت معاهدة كامب ديفيد، التي أبرمها الرئيس المصري أنور السادات مع إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر 1973م، وكان السادات قد قام بعرض الاتفاقية على مجلس الشعب بعد توقيعها بخمسة عشر يوماً، متوقعاً منه الموافقة عليها وتمريرها، ولكن العكس هو ما حدث، إذ قام نواب التجمع والوفد والتحالف العربي الاشتراكي بالاعتراض على بنودها، وأعلنوا رفضهم للتصالح مع العدو الصهيوني.

وقد تسبب موقف نواب البرلمان ومنهم أبو العز الحريري في حدوث أزمة سياسية على الساحة المصرية، فقد تعرض نظام السادات لانتقادات كثيرة بسبب توقيعه تلك الاتفاقية، ولكن تلك الواقعة هي أول صدام صريح بين مؤسسة الرئاسة ونواب الشعب، وترتب عليه إصدار السادات قراراً جمهورياً بحل البرلمان.

الاعتقال :

أزمة أبو العز الحريري وصدامه مع الرئيس أنور السادات ونظامه، لم تتوقف عند حد إعلان الاحتجاج وتسجيل الرفض رسمياً بمحاضر جلسات مجلس الشعب، بل إنه استمر في شن هجومه على المعاهدة حتى بعد الحل البرلمان، بل كان مشاركاً أساسياً في كافة الفاعليات والتظاهرات الرافضة لمعاهدة كامب ديفيد وسياسات التطبيع، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله من قبل السلطات، ولم يقتصر الاعتقال عليه وحده بل شمل عدد كبير من قيادات وأعضاء الأحزاب المعارضة، وليس ذلك هو الأمر العجيب، إنما العجيب هو إن حل المجلس والاعتقال وكافة أشكال الضغط التي تعرض لها أبو العز الحريري ورفاقه، لم تثنيهم عن موقفهم ولم تدفعهم حتى لكتمانه، بل زادهم ذلك تمسكاً به وتمادوا في معارضتهم لسياسة السادات، واستأنفوا نشاطهم السياسي فور مغادرتهم لزنزاناتهم في المعتقلات.

نائب للمرة الثانية :

حاولت بعض الأقلام المحسوبة على السلطة في ذلك الوقت أن تنال من معارضي وخصوم النظام السياسي، فشنوا حملة تشويه ضدهم ووصفوهم بإنهم أعداء للسلام، وكان بالطبع أبو العز الحريري واحد من هؤلاء، ولكن محاولة تشويهه فشلت ولم تؤثر بأي شكل على شعبيته، ودليل ذلك هو إنه بعد مغادرة المعتقل قرر استكمال نشاطه السياسي، وأن يستأنف نضاله من خلال القنوات الشرعية، فأعلن ترشحه لعضوية مجلس الشعب المصري عن دائرة كرموز بمحافظة الإسكندرية، وأعلنت جماهير الإسكندرية تجديد ثقتها به ومنحته صوتها ففاز بمقعد المجلس باكتساح.

حياته الخاصة :

تزوج أبو العز الحريري من السيد زينب الحضري، المعلمة بوزارة التربية والتعليم ورفيقة رحلته النضالية، ورُزِق منها بابنته هند الحريري، ونجليه الأكبر هشام وهيثم الحريري، والأخير استكمل مسيرة والده السياسية، ورُشح لعضوية البرلمان المصرية عن دورته الحالية 2015م، وفاز بأحد المقاعد الفردية عن دائرة محرم بك بالإسكندرية.

حربه ضد أحمد عز :

قلة قليلة من الساسة المصريين هم من تصدوا لرجل الأعمال أحمد عز، حينما بدأ يستغل صداقته لمبارك الابن في فرض سيطرته على الحزب الوطني، والذي كان يشكل به منصب أمين التنظيم بجانب عضويته بلجنة السياسات التابعة له، وفي ذات الوقت لم يكن يخفى على أحد إن عز يستغل نفوذه السياسي في حماية أعماله الصناعية، وحصل على العديد من الامتياز بحكم منصفة وقربه من دائرة صنع القرار، والأدلة على ذلك عديدة وأبرزها سيطرته على شركة حديد الدخيلة، ليصبح المحتكر الأول لصناعة حديد التسليح في مصر، وكان أبو العز الحريري من أوائل من تصدوا له، وشن هجوماً ضارياً عليه وعلى قيادات الحزب الوطني الديمقراطي المُنحل، متهم أياهم بالفساد -بشكل صريح- ولم يأبه بإن رئيس ذلك الحزب هو نفسه رئيس الجمهورية آنذاك، بل إن حسني مبارك نفسه لم يسلم من انتقادات الحريري.

ثورتي يناير و30 يونيو :

من أبرز المواقف الوطنية البطولية في حياة أبو العز الحريري ،هو تأييده لفكرة الخروج في مظاهرات حاشدة في يوم الخامس والعشرين من يناير 2011م لرفض قانون الطوارئ وإسقاط النظام الحاكم، وفي ذلك الوقت أغلب السياسيين اختاروا الوقوف بالمنطقة الآمنة على الحياد، فلا يخسرون الجماهير بإعلانهم الولاء لمبارك ونظامه، وكذا خشيوا التضامنع مع الجموع الثائرة فيتم التنكيل بهم في حالة فشل الثورة، أما أبو العز الحريري منذ اللحظة الأولى أعلن تأييده للثورة، ولم يتخلف يوماً واحداً عن المشاركة في مظاهراتها واعتصاماتها، إلا إن تم خلع حسني مبارك في الحادي عشر من فبراير، وتكرر الأمر نفسه في ثورة 30 يونيو، حين ثار الشعب على حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.

انتقاده لحزب التجمع :

إنجاز أبو العز الحريري الحقيقي يتمثل في ضربه أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ، حتى إنه لم يتردد في مهاجمة حزب التجمع في بعض الفترات، على الرغم من أنه ينتمي له، لكنه كان دائماً ما يُغلِب المصلحة العامة على الخاصة، وإحساسه بالمسؤولية تجاه وطنه يفوق إحساسه بالمسؤولية تجاه حزبه، ومن ثم وجه انتقادات حادة لسياسات الحزب وأعلن رفضه لبعض الصفقات التي عقدها مع الحزب الوطني والحكومة.

النائب المشاغب :

النائب المشاغب هو اللقب الذي أُطلِق على أبو العز الحريري ،ورافقه طوال مسيرته السياسية، وذلك بسبب صدامه المتكرر مع أعضاء الحكومة وأجهزة الدولة، ولكن مشاغبته كانت محببة بالنسبة للجماهير، إذ كانوا يرون إنه يعبر عنهم ويتحدث بلسانهم ويدافع عن قضاياهم.

مرضه ووفاته :

تعرض أبو العز الحريري في الأسابيع الأخيرة لوعكة صحية شديدة، وصدر أمر من الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع بالمصري بعلاجه على نفقة القوات المسلحة المصرية، تقديراً لمجهوداته ومواقفه البطولية والوطنية التي عُرف بها طوال مسيرته السياسية، وبيوم الأربعاء الثالث من سبتمبر 2014م توفي الحريري بمستشفى القوات المسلحة، وشُيّع جثمانه باليوم التالي من مسجد أولاد الشيخ بمنطقة محرم بك بالإسكندرية، وتم ذلك في جنازة مهيبة وحاشدة، إذ حرص الشعب السكندري وابناء دائرتي محرم بك وكرموز بصفة خاصة على الحضور لوداع الفقيد، الذي أفنى حياته في النضال من أجلهم والدفاع عن حقوقهم، كما نعاه عدد كبير من رموز القوى الوطنية والثورية المصرية.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق