تسعة مجهول
نوستراداموس
الرئيسية » غرائب » نوستراداموس : هل هو منجم تنبأ بالمستقبل أم مجنون ؟

نوستراداموس : هل هو منجم تنبأ بالمستقبل أم مجنون ؟

نوستراداموس واحد من أشهر المنجمين والمتنبئين بالمستقبل، ورغم عدم وضوح الكثير من كتاباته وتميزها بالغموض، إلا أن الكثيرون يزعمون أنه كان يرى المستقبل.

يُعتبر نوستراداموس الذي عاش قبل ومات قبل خمسة قرون أحد أشهر الأشخاص الذين مروا بهذا الكون، ولا يستطيع أحد حتى الآن تفسير ما قام به هذا الرجل الذي يُعد ظاهرة بكل ما تعنيه الكلمة من معان، فليس من السهل أبدًا أن تتنبأ بما سيحدث بعد موتك أو قبله، لكن هذا الرجل فعل، بل وتنبأ بأشياء ستحدث بعد قرونٍ عدة من موته، وقد حدث بالفعل لتؤكد على أن هذا الرجل حريٌ بالدراسة والبحث والاستكشاف، ويطفو السؤال الذي ما زال يُسأل منذ مئات السنين، هل نوستراداموس منجم أو مجنون؟، دعونا نكتشف الإجابة معًا من خلال الكلمات القادمة.

نوستراداموس وقصة أشهر متنبئ بالمستقبل

من هو نوستراداموس؟

نوستراداموس هو مواطن فرنسي من فرنسا الجنوبية، وُلد في أحد ضواحيها عام 1503، في شهر ديسمبر تحديدًا، اسمه بالكامل ميشيل دي نوسترادم، أما نوستراداموس فهو اسمه باللغة اللاتينية، ولم يكن نوستراداموس، كما قيل في مُعظم الكتب التي تحدثت عنه، ينتمي إلى الطبقة الغنية، أو حاشية الملك، لم يكن أصلًا من طبقة الأطباء التي تُعتبر من أكبر الطبقات في فرنسا ذلك الوقت، والتي كانت تتكون غالبيتها من اليهود الإيطاليين الذي يُوالون الملك، وإنما كان مُجرد مواطن فرنسي عادي، ينتمي إلى الطبقة المتوسطة الميسورة الحال، والتي تتغير فتُصبح كادحة مع التقلبات التي كانت تعصف بفرنسا ذلك الوقت.

نوستراداموس والدين

ولد نوستراداموس يهوديًا حسب ديانة والديه، لكن في التاسعة من عمره، وتحديدًا في عام 1512، أصبح نوستراداموس مسيحيًا، كاثوليكيًا تحديدًا، ولم يفهم نوستراداموس حتى الآن لماذا قام والديه بتغيير ديانتهم، لكن ربما كان هذا الأمر شائعًا في هذا الوقت بسبب قسوة ملك فرنسا وإجباره للشعب على اعتناق الديانة المسيحية.

نوستراداموس والطفولة

نشأ نوستراداموس نشأة مُغايرة لنشأة أشقائه الخمسةـ، حيثُ عُرف بالذكاء الشديد منذ صغره واستطاع حل الكثير من الألغاز والمسائل الرياضية الصعبة في سنٍ مُبكر، وقد رأى والديه ذلك جليا فعاملاه مُعاملة خاصة تليق بقدراته العقلية، وأرسلاه إلى جده الأكبر جان، والذي كان مُتفرغًا لتربيته ورعايته، حيث علّمه أكثر من لغة منها اللاتينية والعبرية اليونانية، كما علمه أيضًا علوم الفلك والرياضيات، واستمر نوستراداموس في التعلّم من جده إلى أن مات، فعاد إلى والديه مرة أخرى ليُرسلانه بعدها إلى مدينة العلم “أفييون” حيث بدأ نوستراداموس هناك في تعلم التنجيم.

نوستراداموس والتنجيم

بدأ نوستراداموس دراسة علم التنجيم وهو في التاسعة عشر من عمره، فكان طبيعيًا أن يُتهم بالهرطقة في كل ما يقوله، رغم أنه كان مُبتكرًا للعديد من النظريات حول دوران الشمس والجاذبية، وهي نفس الأشياء التي قال بها نيوتن فيما بعد وجعلته من أشهر العلماء على مر التاريخ. كان توجه نوستراداموس نحو التنجيم وبداية انتشاره سببًا لقلق والديه وسعيهم لإبعاده عن الأنظار، وبالفعل قاموا بإرساله إلى مدينة الطب الفرنسية مون بلييه، كان ذلك في عام 1522، وكان نوستراداموس وقتها يبدأ في عقده الثالث.

نوستراداموس والطب

كالعادة، برع نوستراداموس في دراسة الطب وأصبح في وقتٍ قصير أشهر الأطباء، كما استطاع ابتكار أدوية لأمراض مُستعصية كالطاعون والحُمى وغيره، وجعل علاجه لمرضاه بالمجان، بل وأعطى للمحتاجين منهم ما يكفيهم، حتى صار في عشية وضُحاها محبوبًا بين الجميع، عدا الأطباء، والذين كانوا يحقدون عليه بسبب حب الناس الشديد له.

نوستراداموس ولعنة الزواج

بعدما حقق نوستراداموس نفسه في الفلك والطب اتجه إلى الاستقرار الاجتماعي، وعليه فقد تزوج من فتاة جميلة تدرس معه الطب، ولم يلبث إلا أن أنجب منها طفلين، حتى بدا أن الحياة بدأت في الابتسام لنوسترادموس أخيرًا، لكن ما حدث لم يكن ذلك أبدًا. بعد سنواتٍ قليلة من زواج نوستراداموس داهم الطاعون القرية التي يسكن بها، وقتل الكثير من أهلها، والذين كان من بينهم زوجته وأطفاله، ولم يُجدي ما تعلمه نوستراداموس في الطب شيئًا ولم أقرب الناس إليه من الموت.

تزوج نوستراداموس بعدها من امرأة خمسينية، ولم تمضي أشهر قليلة حتى ماتت هي الأخرى بنفس المرض، ثم تزوج بعدها من فتاة صغيرة وجميلة في مُقتبل العمر، لكنها ماتت أيضًا بعد فترة قصيرة بالمرض ذاته، ليفهم نوستراداموس أن زواجه ملعون ولن يُكلل بالنجاح أبدًا، لذلك قام بحذف فكرة الزواج من رأسه وقرر بعدها العودة إلى حيثُ بدأ، العودة إلى التنجيم.

نوستراداموس والتنجيم مرة أخرى

بعد حوالي عقدين عاد نوستراداموس إلى التنجيم مرة أخرى، لكن هذه المرة من بوابة أكبر، وهي بوابة التنبؤ، وقد بدأ ذلك في اليوم الذي رأي فيه شابًا يرعى الغنم فركع أمامه قائلًا قداستكم، ثم بعد أكثر من ثلاثين عام أصبح هذا الشباب بابا الكنيسة الأكبر كما تنبأ نوستراداموس. عندما عاد نوستراداموس إلى موطنه كان قد نال شهرة كبيرة، حتى أن الملكة استدعته وقدمت له عشاء كبير، وأثناء مروره في القصر رأى طفلًا صغيرًا فقال لمن حوله أن هذا الطفل سيُصبح بعد ثلاثة عقود أهم شخص في فرنسا، وبالفعل بعد ثلاثة عقود كبر هذا الطفل ليُصبح هنري الرابع، ملك فرنسا.

استمر نوستراداموس في تأدية عمله كمنجم، وكان له بصمة كبيرة في كل بيت يدخله، حيث كان يتوقع لهم ما سيحدث لهم قبل حدوثه، لذلك كان من الطبيعي أن ينال شهرة كبيرة في جميع أنحاء البلاد، واستمر كذلك حتى ضرب الطاعون البلاد من جديد، فاضطر إلى العودة إلى عمله كطبيب من جديد ومعالجة أهالي قريته، وذلك في الوقت الذي كان فيه الأطباء يفرون من المرض. بعدما انتهى الطاعون تزوج نوستراداموس للمرة الربعة والأخيرة، وجلس في بيت بعيد مُنعزل عن الجميع وقام بتأليف عدة كتب ما زال بعضها موجودًا حتى الآن، وقبل يومٍ واحد من موته أخبر الناس أن يأتوا غدًا لأخذ الغداء فيه، وبالفعل مات في اليوم التالي بعد أن كتب نبوءته الأخيرة.

آخر نبوءات نوستراداموس

صدق أو لا تُصدق، لا يُهم ما ستفعل، الشيء المهم أن نبوءة نوستراداموس الأخيرة قد تحققت كما قالها بالضبط، وللمفارقة كانت النبوءة تتعلق بموته وعن ما سيحدث بعد ذلك بالتفصيل، وكعادة نبوءات نوستراداموس، تحققت كما قالها تمامًا، حيث قال بالنص أن ثمة ثورة كُبرى ستقوم في فرنسا، بعدها بأربعة أيام سيقوم مجموعة من اللصوص السكارى، ثلاثة تحديدًا، بفتح قبره وسرقته، ثم يفرون من فرط الخوف والهلع بعد رؤية تلك الوصية التي أوصى بدفنها معه ، حتى تتمكن الشرطة من قتل شخصين منهما أثناء المطاردة، أما الشخص الثالث فسوف يُصاب بالجنون لبقية حياته.

تحقق النبوءة كالعادة

بعد موت نوستراداموس بأكثر من قرنين ونصف، وتحديدًا عام 1799، قامت الثورة الكبرى التي وعد بها، وبالفعل قام ثلاثة سكارى باقتحام قبر نوستراداموس، وفعلوا وفُعل بهم كل ما تنبأ به بالتفصيل، ليكتب نوستراداموس اسمه في علم التنجيم، وفي التاريخ عمومًا، بأحرفٍ من ذهب، ويظل اسمه يتردد مع كل نبوءة تتحقق مما وعد به، أما المشككون فسيعرفون أخيرًا إجابة السؤال الذي لطالما حيّرهم، أجل، لقد كان نوستراداموس مُنجمًا، ولم يكن مجنونًا على الإطلاق.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

11 + 9 =