تسعة مجهول
طفلي وولبت الخضر
الرئيسية » غرائب » طفلي وولبت الخضر : أغرب طفلين ظهرا في بريطانيا العُظمى

طفلي وولبت الخضر : أغرب طفلين ظهرا في بريطانيا العُظمى

طفلي وولبت الخضر طفلين ظهرا في قرية وولبت ببريطانيا، والحقيقة أن هيئة هذان الطفلان ولونهما الغامض قد آثارا ضجة كبيرة في هذه التوقيت، واستمر الأمر حتى الآن.

حظيت قصة طفلي وولبت الخضر بضجة كبيرة خلال القرن الثاني عشر، وتحديدًا أيام الملك ستيفن، والذي بدأ حكمه عام 1135 واستمر حتى عام 1154، ففي هذه الأثناء حدثت تلك المعجزة الشهيرة، والتي بدأت ظهر يوم هادئ بالعثور على طفلين، ذكر وأنثى، يقفان في باحة أحد الحقول ويكتسيان باللون الأخضر الداكن ولا يُصدرا أي تحركات أو أصوات، وكأنهما لا يعرفان أي شيء عن هذه الأرض، والحقيقة أن هذا ما سيتضح بالفعل من خلال تعاملهما مع أفراد القرية، لكن، دعونا الآن نتعرف سويًا على منبع هذه القصة، وهو قرية وولبت، ثم نتناول تلك الواقعة بالتفصيل، بداية من ظهور الأطفال وحتى الاختفاء الذي جاء بتتابع مُثير كذلك.

قرية وولبت، مسرح الأحداث

قبل أن نتعرف على طفلي وولبت الخضر علينا أولًا التعرّف على قرية وولبت نفسها، وهي التي كانت مسرح الأحداث بأكملها، والحقيقة أن تلك القرية تمتلك الكثير مما يُمكن أن يُقال عنها، فهي تقع في مقاطعة سوفولك، والتي تُعتبر من أكبر مقاطعات بريطانيا، لكن هذا الأمر بالتأكيد ليس أهم ما يُميز هذه القرية.

تتميز قرية وولبت بمساحة الخضار الكبيرة المتواجدة فيها، بل لن نُبالغ إذا قلنا إن تلك القرية ليست في الأساس سوى قطعة من الخضار، لدرجة أن البيوت التي كانت تتواجد بها كانت بالأصل بيوت مُزارعين، ولذلك كانت تتواجد في وسط الحقول، عمومًا، كل ما سبق لا يُمثل شيئًا أمام ما حدث في هذه القرية منذ ظهور طفلي وولبت الخضر.

ظهور الأطفال الخضر

جاء ظهور طفلي وولبت الخضر في مستهل القرن الثاني عشر كما ذكرنا، وقد بدأ الأمر في صباح أحد الأيام عندما كان المزارعون يتواجدون في الحقول لتأدية أعمالهم المعتادة، إلا أن ذلك اليوم قد شهد أمرًا غير عاديًا بالمرة.

مع اقتراب الظهيرة شاهد أحد المزارعين طفلين يشعان بالخضر من مكانٍ بعيد، فما كان منه إلا أن صرخ وركض باتجاههما في فزع، وفي الطريق بالطبع استدعى بصراخه كل المزارعين الموجودين في الحقول المحيطة به، فما إن وصل إلى مكان الطفلين حتى وجد تجمهرًا كبيرًا حولهم، ليبدأ الجميع في استكشاف المعجزة معًا.

معجزة الأطفال الخضر

في الحقيقة كان الخوف مُسيطرًا بشدة على كل الموجودين في المكان، فبالطبع لم يكن من الطبيعي أبدًا أن يتم رصد طفلين يكتسيان باللون الأخضر، الأدهى من ذلك أنهما لم يقوما بإصدار أي صوت أو حركة، وكأنهما قد ماتا في مكانهما، لكن الدهشة المفرطة بالرغم من ذلك لم تمنع أهالي القرية من حمل المعجزتين والذهاب بهما إلى المكان الذي يلجأ إليه الجميع في أغلب الأزمات، منزل السيد دي كالني.

كان السيد دي كالني معروفًا بكونه كبيرة قرية وولبت، لذلك عندما برزت قضية طفلي وولبت الخضر لم يتردد أهالي القرية في الذهاب بالأطفال إليه ومحاولة تفسير ما حدث في ذلك الصباح الغامض، والحقيقة أن السيد دي كالني لم يخذل هؤلاء القرويين أبدًا، حيث بدأ بالفعل محاولة كشف الستار عن اللغز المُحير.

محاولة كشف الستار

تعهد السيد دي كالني بمكوث طفلي وولبت الخضر والاعتناء بهما، وفي نفس الوقت محاولة الوصول إلى حقيقتهما، والواقع أن السيد دي كالني كان يملك من الخبرة والعلم ما يؤهله لفعل ذلك، حيث عكف على دراسة كل تفاصيل الأطفال، بدايةً من اللون مرورًا بالملابس وانتهاءً باللغة الغريبة التي تحدثا بها.

دراسة تفاصيل الأطفال الخضر لم تكن في الحقيقة تؤكد سوى على شيء واحد فقط، وهو أن هذين الطفلين يحملان سرًا كبيرًا خلفهما، وأنهما لا ينتميان إلى هذه القرية، أو ربما هذه البلد، أو ربما هذا العالم بأكمله، كانا غريبين بشكلٍ فج، ومع ذلك، حاول السيد دي كالني إخراجهم من حالتهم تلك وتقديم الطعام والشراب لهما، لكنهما كانا يرفضان كل ذلك وينظران للطعام وكأنه شيء يرونه للمرة الأولى، مما تسبب في زيادة الحيرة أكثر وأكثر.

عادات غريبة للأطفال

كان طفلي وولبت الخضر أقل ما يُقال عنهما أنهما طفلان مُثيران للغرابة بامتياز، فبداية من الطعام الذي كانا يرفضانه وينظران إليه على أنه شيء غريب لم يريا مثيلًا له من قبل مرورًا بالملامح الغريبة لهما وانتهاءً باللغة التي لم يكن يفهما أي شخص موجود في القرية، ولا حتى أولئك الذين يقدرون على التحدث بأكثر من لغة، حيث كانوا جميعًا يؤكدون على كون هذه اللغة لغة غريبة لا مثيل لها أو شبيه.

مع مرور الوقت بدأ الستار يُزال عن الأطفال وبدأت عادتهما الغريبة في الطعام تظهر للجميع، ففي أحد الأيام جاء بعض المزارعين إلى منزل السيد دي كالني يُقدمون له ثمار الفاصوليا الخضراء، وما إن راءها الأطفال حتى انقضوا عليها وأخذوا يأكلون منها بنهم، وهنا أدرك السيد دي كالني السبب الذي كان يجعل هؤلاء يكتسون باللون الأخضر، لابد ولأنهم يأكلون الطعام الأخضر فقط، عمومًا، حرص أهالي القرية توفير الطعام المناسب للأطفال، لكن بعد شهر واحد حدث ما يمكن تسميته بالانقلاب الدرامي في القصة، لقد مات أحد الطفلين.

موت أحد الأطفال

كان طفلي وولبت الخضر عبارة عن ولد وبنت صغيرين، وعلى ما يبدو أن الولد كان أضعف مما يجب، حيث أنه لم يتحمل هذه الحياة لأكثر من شهر واحد ثم مات بعدها وتم دفنه في القرية، أما البنت فقد ظلت فترة طويلة حبيسة وحزينة على شقيقها، لدرجة أن الجميع توقع موتها هي الأخرى ولحاقها بشقيقها، وبالطبع كلهم كانوا خائفين من أن يموت السر بموتهما، لكن من حسن حظهما أن هذا الأمر لم يحدث.

بمعجزة ما بدأت الفتاة تستعيد عافيتها وأصبحت قادرة على استكمال حياتها، ثم بدأت تتعود على الحياة شيئًا فشيئًا حتى أنها قد بدأت في أكل ما تبقى من الطعام وعدم الاعتماد على الفاصوليا الخضراء فقط، ومع مرور السنوات أخذت القصة منحنىً آخر، حيث كبرت الفتاة وزال عنها اللون الأخضر بصورة مفاجأة، والأهم من كل ذلك أنها قد بدأت في تعلم اللغة الإنجليزية، وبالطبع أنتم تعرفون معنى أن تتعلم الفتاة اللغة، إذًا هي بكل تأكيد سوف تُفسر اللغز الذي دام لسنوات.

الفتاة تتكلم أخيرًا

أخيرًا تمكن أحد طفلي وولبت الخضر من التكلم، وتحديدًا كان ذلك المتكلم الفتاة، لأن الفتى قد مات كما ذكرنا، والحقيقة أن أهالي القرية قد تمنوا لو أن الفتاة لم تتكلم بسبب ما قالته من غرائب وعجائب، فقد ذكرت مثلًا أنها قد جاءت من بلاد لا تطلع فيه الشمس أبدًا، وإنما فقط ثمة غسق أخضر يحوط بلادها دائمًا، وأنها كانت قادرة على رؤية بلاد أخرى تفصلها عنها مسيرة نهر، وكانت تأخذ لون آخر غير اللون الذي تأخذه بلادها.

السؤال الأهم الذي لم يتردد أحد في سؤاله بالطبع هو كيفية وصول الفتاة وشقيقها إلى القرية من هذه البلاد البعيدة التي لا تُعرف أي بلد أخرى بأوصافها، والواقع أن إجابة الفتاة كانت مُثيرة للغاية، إذ قالت بأنها كانت ترعى الغنم هي وشقيقها ذات يوم ثم سمعت فجأة ضوضاء عالية ولم تشعر بنفسها إلا وهي هنا وأمامها الناس يحملقون فيها بطريقة الغريبة، كما قالت إنها لم تكن تستطع التأقلم في البداية حتى جاءت إلى منزل السيد دي كالني وتأقلمت فيه.

نهاية طفلي وولبت الخضر

نهاية طفلي وولبت الخضر بدأت بموت الطفل الذكر في بداية القصة، ثم بعد ذلك حدث الاختلاف في نهاية الفتاة، فهناك من يقول إنها قد ماتت بعد شقيقها بعشر سنوات ثم دفنت بجواره، وهناك من يقول بأنها قد كبرت وتزوجت حتى أصبحت أمًا وهرمت ثم ماتت ميتة طبيعية ودفنت بجوار شقيقها أيضًا، وهناك قول ثالث ينص على أن الفتاة قد اختفت بعدما أدلت به من اعترافات، حيث أنها على الأرجح قد قُتلت بسبب الخوف منها لغرابة ما حكته عنها.

لم تكن الفتاة غريبة عن الفتاة العادية حتى لا يقال إنها كانت من عالم آخر، الجميع كان يعرف أنها من البشر، لكن فقط كانوا يجهلون الأرض التي جاءت منها، كذلك بالنسبة لمعايير الجمال لم تكن سوى فتاة عادية، فلا هي قبيحة قبح شديد أو جميلة جمال شديد، كان عادية إلى أبعد حد يمكن أن تتصوره، وعمومًا، لم يهتم التاريخ بشكلها بقدر ما اهتم بقصتها والنظريات والتفسيرات التي قيلت عن ظهورها هي وشقيقها.

تفسيرات ونظريات

عندما تقع أي حادثة فإن الناس على الفور يشرعون في وضع النظريات والتفسيرات، والحقيقة أن خروج النظريات فيما يتعلق بحادثة طفلي وولبت الخضر كان بعد مدة من وقوع الحادثة، فقد احتاج الناس فترة من الزمن حتى يُقرروا ما حدث بالفعل، ولنبدأ معًا بالقول الأول الذي قيل إنها أقرب للحقيقة، وهو أنه لا شيء مما سبق قد حدث.

مجرد أسطورة، النظرية الأولى

النظرية الأولى التي قال بها الناس فور أن سمعوا القصة هي أن الأحداث غير منطقية، وبالتالي هي لم تقع، وإنما كانت القصة برمتها مجرد حكاية قديمة تُقص للأطفال لكن الناس تناقلوها بإيمان شديد حتى صدقها أغلبهم، والحقيقة أن القائلين بهذا الرأي يستندون إلى سند قد يبدو منطقيًا بعض الشيء، وهو أن التاريخ يعج بقصص الأطفال الذين تاهوا من آبائهم ثم تم العثور عليهم فيما بعد وعاشوا مع كبير القرية، وهكذا حتى نهاية القصة الغير منطقية هذه، أما ما يتعلق بتسجيل القصة في الكتب فهو مجرد توثيق لحالة الشعب في فترة من الفترات لا أكثر.

الفلامنج، النظرية الثانية

النظرية الثانية فيما يتعلق بحادثة طفلي وولبت الخضر كانت أكثر منطقية بعض الشيء، فهؤلاء لم يقولوا بكذب القصة بكاملها وإنما فقط لم يقتنعوا ببعض النقاط بها وفسروها على نحو أكثر منطقية، حيث قالوا مثلًا بأن الأطفال من شعوب الفلامنج وأن والديهما قد قُتلا في الحرب ولذلك ذهبا إلى هذه القرية، أما اللون الأخضر فقد أرجعوه إلى فقرٍ بالدم يُمكن أن يُصاب به أي شخص نتيجة للنظام الغذائي المعتمد، والدليل على ذلك أنه عندما أكلت الفتاة من طعام القرية عادت إلى لونها الطبيعي، وكذلك اللغة، من المعروف أن أهل الفلامنج يتكلمون لغة غير مفهومة بالمرة، وهو ما أوضحتها الفتاة عندما تعلمت الإنجليزية وتكلمت بها، عمومًا، تبقى القصة متروكة للتاريخ والأشخاص الذين عاشوا مفرداتها، أما نحن فليس لدينا سوف الاستمتاع بها كقصة مُسلية لا أكثر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثلاثة × 5 =