تسعة مجهول
طائرة أوروجواي
الرئيسية » الغاز » طائرة أوروجواي ولغز بقاء الركاب على قيد الحياة بعد التحطم

طائرة أوروجواي ولغز بقاء الركاب على قيد الحياة بعد التحطم

حادثة طائرة أوروجواي في 1972 تعتبر واحدة من الحوادث المميزة في تاريخ حوادث الطيران، فقد فوجئ العالم بأن ركاب هذه الطائرة لا يزالون على قيد الحياة!

ما زالت حادثة سقوط طائرة أوروجواي عام 1972 تعد كواحدة من أشهر الكوارث في القرن العشرين، رغم كل حوادث الطيران التي حدثت مُنذ بدء استخدام الطائرة عام 1903، والتي تحدث ربما كُل عام، لكن ما يجعل من سقوط هذه الطائرة حدثًا مميزًا هو ما جرى بعد سقوطها واختفاءها لأكثر من سبعين يومًا، فبالرغم من أن هذه المرة كانت المرة الأولى التي يتم فيها العثور على ركاب أحياء في حادث تحطم طائرة إلا أن المعجزة الحقيقية كانت في الطريقة التي ظل بها هؤلاء الركاب على قيد الحياة، حيث وقف العالم ينظر باندهاش إلى طائرة أوروجواي ولغز بقاء ركابها على قيد الحياة.

طائرة أوروجواي والقصة الكاملة وراء حادثة التحطم الغريبة

الطيران في أوروجواي

لم تكن أوروجواي حتى هذا الوقت تعرف الطيران المدني، حيث كانت كل الطائرات التابعة لها طائرات حربية تم إعدادها خصيصًا للحروب، وكان تلك الطائرات تُستخدم مدنيًا إذا كانت هناك حاجة لذلك، وخاصةً طائرة فيرتشايلد التي تم تطويعها للاستخدام في الأغراض المدنية، وكانت واحدة من هذه الأغراض هي نقل فريق اتحاد الرغبي إلى تشيلي في الثاني عشر من أكتوبر عام 1972.

سبب الرحلة

بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية وانتهاء الفجوة التي كانت بين جميع دول العالم بدأت الحكومات في خلق وسيلة للتقارب مرة أخرى، حتى لو كان ذلك عن طريق الألعاب الرياضية ومباريات كرة القدم، وبالفعل تم تنظيم مباراة بين منتخبي أوروجواي وتشيلي في الثاني عشر من أكتوبر عام 1972، لكن في اليوم المُحدد لإقامة المباراة أُقيمت مرسم العزاء لهؤلاء اللاعبين، باختصار، حدثت كارثة طائرة أوروجواي.

إقلاع الرحلة

في الثامنة من صباح الثاني عشر من أكتوبر عام 1972 أقلعت الرحلة من مطار كارسكو بأوروجواي متجهةً إلى مطار المحافظ بتشيلي، وبعد إقلاعها بوقت قصير توقفت قليلًا في أحد مطارات الأرجنتين بسبب تدهور الأحوال الجوية، ثم أقلعت مرة أخرى بقرار قائد الطائرة خوليو فيرادس، ووصف هذا القرار بأنه القرار الأسوأ في تاريخ الطيران المدني، لأنه لم يحدث أبدًا أن يشعر الطيار بسوء الأحوال الجوية ثم يُقرر مُجابهة السحاب والمغامرة بالركاب.

السقوط

بسبب الرياح التي كانت شديدة هذا اليوم أصبحت حركة الطائرة وسرعتها ضعيفة وبطيئة، كما كان طول الرحلة سببًا أخر في تأزم الأمر، ولم يستطع خوليو فيرادس مواجهة السحب الكثيفة التي منعته تمامًا من الرؤية، وقبل الهبوط الاضطراري الذي كان قد حدده في كوريكو كُسر جناح طائرة أوروجواي الأيمن، كما تحطم جزء أخر واصطدم بزعنفة الطائرة مُلحقًا بها الضرر الأكبر ومُسببًا فجوة كبيرة في منتصفها، ولم تمض سوى ثلاث دقائق حتى راحت تتطوح في الهواء وسقطت على الأرض من ارتفاع ثلاثة آلاف مترٍ ونصف، كان ذلك على الحدود الفاصلة بين تشيلي وأوروجواي.

ما بعد السقوط

كمعجزةٍ صغيرة، ربما ترجعُ إلى أن سقوط طائرة أوروجواي كان من مكانٍ قريب من الأرض، نجا بعض الركاب من التحطم ومات القليل منهم فقط في أثناء السقوط، وللمفارقة الغريبة، كانت الجثة الأولى للعقيد خوليو فيرادس، قائد الطائرة الذي أقلع رغم سوء الأحوال الجوية.

وجد الناجون أنفسهم مُحاصرون في جبال مالارغي بين الثلج والبرد، ومن خلال راديو الطائرة الذي ظل يعمل لفترة طويلةٍ بعد السقوط عرفوا أن السلطات الأوروجواية قد أوقفت البحث بسبب عدم العثور على أي أثرٍ للطائرة بعد ثمانية أيامٍ من البحث، حيث كانت الطائرة لسوء حظهم تأخذ اللون الأبيض، وهو نفس لون الثلج، مما تسبب في عدم بروز الطائرة لفرقة البحث، لكن هذا لم يكن الشيء الأسوأ في هذه رحلة طائرة أوروجواي.

تساقط الضحايا

كان عدد ركاب الرحلة يتجاوز الثلاثين شخصًا، بالإضافة إلى طاقم الرحلة المكون من أربعة أشخاص، والذين لم يصمدوا لليلة واحدة بعد التحطم، إضافة إلى عشرة ركاب ماتوا في أثناء السقوط، ليظهر نهار اليوم التالي وقد أصبح عدد الناجون من رحلة طائرة أوروجواي خمسة وعشرين شخصًا فقط، خاضوا جميعًا معارك شرسة مع البرد والثلج.

بدأ الموت في بسط قبضته على الناجين شيئًا فشيئًا، حيث حدث انهيار ثلجي أودى بحياة ثمانية أشخاص كانوا يحتمون من البرد في بقايا الطائرة، كما لم يتحمل البعض الجوع والعطش، وسقطوا في أماكنهم ينتظرون الموت المُحقق، حتى لاحت في الأُفق طريقة واحدة للنجاة، لم يتوانى ركاب طائرة أوروجواي في العمل بها رُغم بشاعتها.

طريقة وحيدة للاستمرار

حين تم سؤال الركاب عن طريقة مُقاومتهم للموت وبقائهم على قيد الحياة أكثر من شهرين بعد سقوط الطائرة كانت الإجابة مُفجعة، حيثُ قالوا صراحةً أنهم قد اضطروا إلى الأكل من جثث زُملائهم الموتى للاستمرار والمقاومة، ببساطة، قام لاعبو الفريق الواحد بتنفيذ ما تنص عليه قواعد هذه اللعبة على أكمل وجه، حيث قاموا بمساعدة بعضهم البعض، وكانت هذه المساعدة بالدم واللحم.

البحث عن النجدة

مع انعدام الأمل في وصول فريق البحث أشار البعض بخروج فريق للبحث عن أمل جديد للنجاة، وبعد عدة محاولات جدية تصدى لها العمى الثلجي خرج فرناندو باردو ومعه روبيرتو كانسيا ومعهم الألبسة الثقيلة وبعض لحوم الضحايا حتى يستطيعوا الاستمرار في طريقهم، وكان هذا الفريق بمثابة طوق نجاة لباقي الركاب.

النجاة

ظل فرناندو باردو ورفيقه روبيرتو كانسيا يسيران لمدة عشرة أيام، حتى انتهى ما تبقى لديهم من لحوم وماء، وكان الأمل الوحيد هو قتل احدهما الآخر والتغذي عليه حتى يصل إلى المعمور ويجد النجدة ليُنقذ باقي الركاب الذين كان قد مضى على فقدانهم شهرين، لكن قبل أن تكبر فكرة القتل في رأس أيًا منهما، وبالقرب من أحد الأنهار، سقطا مغشيًا عليهما.

بعد ساعات وقبل أن يُطبق الليل على المكان مر عليهما راكب الخيل التشيلي الشهير سيرجيو كاتلان، وكان قد عرف مسبقًا بفقدان إحدى الطائرات، فخمن على الفور أن هذان الرجلان يتبعا هذا الطائرة فحملهما على حصانه وأخذهما إلى أقرب مكانٍ معمورٍ وقام بإطعامهما حتى استعادا عافيتهما التي كانت قد بدأت تخور.

في اليوم التالي وصل فرناندو باردو إلى أقرب قاعدة وقام باصطحاب طائرتين عسكريتين إلى مكان اختفاء طائرة أوروجواي، فوجدهم قد تقلصوا إلى النصف، فتم أخدهم على دُفعتين إلى القاعدة وتم دفن ما تبقى من جثث الموتى على يد قس جاء في طائرة الإنقاذ، وكان كل الناجين يُعانون من نقص الفيتامين والجفاف، فتم نقلهم جميعًا إلى المستشفى حيث مات ثلاثة منهم، أما من بقوا منهم على قيد الحياة فلم يطؤوا طائرة حتى يوم موتهم.

فتح التحقيق

رغم أن حوادث الطيران لا تخرج أسبابها عن انقلاب الطقس أو خلال فني إلا أن التحقيق في حادث طائرة أوروجواي قد تم فتحه في اليوم التالي لوصول الناجين إلى بيوتهم، حيث تم استجوابهم وسماع شهادتهم عن الحادث التي كانت أغلبها تُحمل طاقم الطائرة مسئولية هذا الكارثة.

طائرة أوروجواي في السينما

لم يمر حدث كبير كهذا على شاشة السينما مرور الكرام حيث تم تجسيد هذه الواقعة في أكثر من عملٍ سينمائي كان أهمها الفيلم المكسيكي الشهير ” الناجون من من الإنديز”، والذي عرض بدقة متناهية مأساة طائرة أوروجواي ولغز بقاء الركاب على قيد الحياة.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية عشر − خمسة عشر =