تسعة مجهول
الفيلة ماري
الرئيسية » غرائب » الفيلة ماري : فيلة عملاقة تم إعدامها لتسببها في قتل إنسان

الفيلة ماري : فيلة عملاقة تم إعدامها لتسببها في قتل إنسان

الفيلة ماري فيلة بلغت شهرتها الآفاق بسبب واقعة الإعدام التي تعرضت لها في عام 1916، الأغرب من ذلك أن تلك الواقعة قد جاءت كعقاب لجريمة مجنونة.

أي شخص يقتل شخص آخر مُتعمدًا فهو بالتأكيد يستحق القتل، لكن أن يتم إعدام الفيلة ماري لجريمة قتل أيضًا فهنا يجب أن نتوقف ولو قليلًا لننظر فيما نقوله، ببساطة، إننا نُعاقب حيوان غير عاقل على جريمة قام بها وهو لا يعرف أصلًا ما الذي يعنيه مُصطلح الجريمة أو العقاب، الغريب أن ذلك الأمر قد حدث في مطلع القرن العشرين، أي الوقت الذي بدأ العالم يعرف فيه ما الذي تعنيه مُصطلحات مثل العقل والعلم والحضارة والتقدم، الأغرب أن المكان الذي شهد تلك الواقعة هو أعظم مكان الآن والأكثر تقدمًا، الولايات المُتحدة الأمريكية، والحقيقة أننا إذا بدأنا في سرد كافة التفاصيل فسوف نجد الكثير من مواطن الغرابة، لذلك، دعونا في السطور القادمة نتعرف بالتفصيل على حادثة إعدام الفيلة ماري، كيف تمت وما هي أسبابها، والأهم من ذلك الغرائب والطرائف التي شهدها تنفيذ الحكم، فهل أنتم مُستعدون لبدء ذلك؟

الإنسان ومحاكمة الحيوان

قبل أن نتعرف على واقعة إعدام الفيلة ماري بالتفصيل علينا أولًا أن نعرف بأن محاكمة الحيوان وتعريضه للموت إثر جريمة قام بارتكابها ليست حادثة جديدة، بمعنى أدق، لا تحدث لأول مرة كما قد يتخيل البعض، فقد شهد التاريخ الكثير من تلك الحوادث المجنونة وخاصةً بالقرون الوسطى، وتحديدًا في مناطق تقع في قلب أوروبا، لكن أكثر تعجبنا أننا نتحدث عن إعدام ماري الواقع في القرن العشرين، وهو وقت قريب لم يكن الإنسان فيه بكل هذا السوء والجهل الذي كان عليه قبل عشر أو خمس قرون، فلماذا يا تُرى تم إعادة الكرة من جديد!

محاكمة الحيوان قديمًا كانت أكثر من كونها فعل مجنون، فقد كان الحيوان يأتي في قاعة محكمة حقيقية أمام حشد من الناس وكأنه مُذنب حقيقي يعرف الجرم الذي ارتكبه ويتوقع النتائج الذي أدى إليها ذلك الجُرم، كما أنه في بعض الأحيان كان يتم منح الحيوان البراءة، وهذا يعني ببساطة أنه كان يُعامل معاملة العاقل الواعي الفاهم القادر على الحصول بشكل أو بآخر على حقوقه كاملة، عمومًا، لا يعنينا ما كان يحدث خلال تلك المحاكمات في هذه الفترة المجنونة من تاريخ البشرية، وإنما نحن مُهتمون أكثر بواحدة من تلك الحوادث المجنونة التي وقعت في القرن العشرين، وهي إعدام ماري.

من هي الفيلة ماري ؟

اعتدنا دائمًا أن تكون أداة الاستفهام من مُستخدمة من أجل العاقل فقط، لكن، بما أننا نتحدث عن حيوان تم معاملته معاملة العاقل ومُحاسبته والحكم عليه فلا سبيل من معاملتها من قِبلنا أيضًا كعاقلة، فهي فيلة عادية، لا يعرف أحد موطنها أو أصلها، وهل هي هندية أم إفريقية أم أنها قد نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية، كل ما نعرفه فقط أنها كانت تعيش في هذا البلد الكبير مع مطلع القرن العشرين، وتحديدًا عام 1908، ثم مر الوقت وأخذت ماري تتنقل من مكانٍ إلى آخر حتى انتهى بها المطاف ضمن أشهر حيوانات الولايات المتحدة على الإطلاق.

شهرة ماري جاءت من مشاركتها ضمن فرق السرك والعروض الساخرة، فتلك الفرق كانت تنطلق من مدينة إلى أخرى من أجل إقامة العروض التي يكون للحيوانات فيها دورًا كبيرًا لا يقل عن دور البشر، فكما نرى الأسد والقردة وهما يُشاركان في هذه العروض ويُبدعان ويُمتعان فإن الفيلة في وقت من الأوقات كان لها يد كبيرة في هذا الأمر، ومن ضمن تلك الأفيال كانت فيلتنا العملاقة ماري، والتي سرعان ما تمكنت من التكيف مع الأوضاع في بلاد الولايات واستطاعت حجز مكان دائم لها في كافة العروض، والتي كان الناس يأتون إليها غالبًا من أجل مشاهدة الفيلة المعجزة ماري.

عرض ولاية تينسي

في عام 1916 كان على فرقة السيرك التوجه إلى ولاية تينسي من أجل المُشاركة في عرض يُدعى تشارلي سباركس، وقد كان ذلك العرض مُعتمدًا في الأصل على فقرة الفيلة ماري، حيث من المفترض أن تدخل في وقت ما من العرض وتقوم ببعض الحركات مع المدرب الخاص بها ثم تنصرف مرة أخرى وهي تحصد تصفيق الناس وإعجابهم، هكذا ببساطة ودون أية مشاكل مُحتملة، لكن، هل تمضي الأمور بخير دائمًا؟ وهل تجري كما تقول التوقعات؟ بالطبع لها، ولهذا حدث ما حدث في تلك الليلة التي شهدت الظهور الأخير للأفيال في عروض السيرك.

كانت ماري مُعتادة على حارس مُعين تقوم بإجراء تلك العروض معه، كان يفهمها وتفهمه، وكانا قادرين معًا على إخراج عرض أقل ما يُقال عنه أنه مُبهر، لكن في هذه المرة لم يأتي الحارس الذي اعتادت عليه ماري، وإنما جاء آخر قليل الخبرة ولا يعرف حقًا كيفية التعامل مع هذه الفيلة المُدهشة، وهنا وقعت الكارثة التي انتهت بموت الرجل قليل الخبرة وفتح أبواب من الجحيم على كل الأفيال بشكلٍ عام.

ماري تقتل المُدرب

بدأ العرض في الوقت المُحدد له، لكنه لم يجري أبدًا كما كان مُحددًا له، ففي البداية كانت ماري تؤدي ما طُلب منها على أكمل وجه، لكن المُدرب الجديد أخطأ خطأ حياته عندما ضربها بحربة صغيرة في منطقة ضعيفة، كان يعتقد أن تلك الضربة سوف تُعطي ماري نشوة أكثر وبالتالي أداء أفضل على المسرح، كان مجنونًا، فقد أشعلت تلك الضربة لهيب الجنون في ماري وجعلتها تنتفض من مكانها وتُهرول كالمجنونة في كل ركنٍ على مسرح السرك، بدا جليًا أن حالة من الجنون قد حلت عليها وأن الحل الوحيد هو إخراجها من المسرح، وخمنوا من المجنون الذي تطوع للقيام بذلك الأمر؟

المدرب المجنون لم يكتفي بما فعله فقط، وإنما أيضًا توجه صوب الفيلة ماري وأراد أن يقوم بدور البطولة ويُخرجها من مسرح السرك، لكنها هاجت عليه أكثر وقامت بضربه برأسها فألقته بعيدًا وأفقدته الوعي، وقد كان من الممكن جدًا أن ينتهي الجحيم عند هذه المرحلة، لكن القدر كي يُكمل المقطوعة الحزينة التي كتبها جعل ماري أثناء ركضها تدوس المُدرب المُغشى عليه بأقدامها، وكما تعرفون جميعًا، الفيل ليس دجاجة أو قطة، فضغطته هذه تعني أن ربع طنٍ على الأقل قد سقط على الرجل، وفي الظروف الطبيعية يؤدي ذلك إلى القتل، وهذا ما حدث بالفعل.

لماذا حدث ذلك؟

الجنون لا يُبرر، فالشخص المجنون لا يُسمح له أصلًا بممارسة تلك الأفعال التي قد تقوده إلى ارتكاب مأساة مثل التي نتحدث عنها، لكن عندما نعني بحديثنا حيوان عادي فبالتأكيد لا يُمكننا أن نتوقع منه أكثر مما حدث، فذلك الحيوان لا يمتلك عقل أو مشاعر، وحتى لو امتلك مشاعر فإنها سوف تكون موجهة بأكملها إلى بني نوعه، أو الحيوان بشكل عام، بمعنى أكثر توضيحًا، ما حدث من الفيلة ماري كان منطقيًا، فقد شعرت بالخطر بعد تلك الضربة الخاطئة التي تلقتها خلال العرض، وبالتالي لم تتمالك نفسها وأخذت تطيح كالمجنونة في كل ركنٍ من مسرح السرك حتى انتهى الأمر بالمأساة هذه، لكن، هل توقف جنون قصة ماري عند ذلك الحد أم أن الجنون كان لا يزال يحتفظ بالبقية لنفسه؟

ردة فعل متوقعة

مهما بلغ جنون الفيلة ماري ففي النهاية ثمة حد للجنون، ومهما بلغت قوتها فإنه ثمة نقيض لتلك القوة، فإي قوة على الأرض يُمكن السيطرة عليها، وهذا ما حدث بالفعل مع الفيلة ماري، حيث أن الضباط والعساكر الذين كانوا يحرصون السرك تمكنوا، من خلال بعض الطرق الصعبة والكثير من المحاولات العصيبة، السيطرة على الفيلة وحبسها في مكانٍ ما لا يُمكن الخروج منه، وللغرابة، كان رئيس السرك يُفكر في إعادتها مرة أخرى بعد مرور شهر على الحادثة، وهنا كان الجمهور هو من وقف في وجهه، ذلك الجمهور الذي شاهد بنفسه تلك الفيلة وهي تقتل المدرب بكل وحشية.

امتنع الناس عن عروض السرك، والحكومة الأمريكية بدورها أرسلت الكثير من التهديدات وخطابات الوعيد، كانت كل الطرق تؤدي إلى الاختفاء الحتمي لماري، وهو ما رضخ له مدير السيرك بالفعل بعد ثلاثة أشهر من الحادثة، حيث قرر أن يتم التخلص من تلك الفيلة المُثيرة للجدل نهائيًا، وهنا ظهر سؤال آخر، كيف يُمكن التخلص من تلك الداهية؟

طرق مجنونة لإعدام ماري

عندما تم الاستقرار على موت الفيلة ماري، بل وكان ذلك منصوصًا عليه من خلال طرق الإعدام المُستخدمة في هذا الوقت، بدأ القائمون على الأمر في البحث عن طُرق يُمكن من خلالها تنفيذ عقوبة الإعدام على أكمل وجه، وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم الطرق المُقترحة كانت محط اندهاش من البعض نظرًا لكونها لا تليق أبدًا بفيلة، لكننا مُطالبون طبعًا بذكر أبرز هذه الطرق، ولتكن البداية مثلًا مع الموت بالكهرباء.

الموت بالكهرباء، طريقة ستُضحكك جدًا

الآن نحن نُريد منكم شيء واحد، وهو أن تصفوا ذهنكم جيدًا ثم تبدؤوا بالتفكير في فيل يسير باتجاه كرسي كهربائي ثم يجلس عليه ليتم إعدامه، أليس هذا الأمر مُضحكًا؟ أجل بالتأكيد، وهذا هو الشعور الذي سيطر على الجميع فعلًا فور إعلان ذلك النبأ، وطبعًا حجبًا لتلك الحالة الكبيرة من السخرية، تم التراجع عن القرار والبدء في التفكير بخيار آخر أكثر قوة وأقل سخريةً من الناس في نفس الوقت.

الموت بعربات القطار، طريقة بشعة

الطريقة الثانية التي فكر المسئولون في جعلها طريقة إعدام الفيلة ماري كانت طريقة بشعة بحق، فقد تم التفكير في حمل تلك الفيلة إلى محطة قطار وربطها بأحد العربات من طرف وبعربة أخرى من الطرف الآخر، ثم كانت الخطة بعد ذلك أن تنطلق كل عربة في طريقها مما سيؤدي في النهاية إلى الموت وتقطيع ماري إلى أشلاء صغيرة، ومع أنها طريقة تبدو عملية بكل تأكيدٍ إلا أنها كانت تحتوي على قدر كبير جدًا من القسوة والبشاعة، ولهذا تم رفضها.

الإعدام شنقًا، الطريقة النهائية

في النهاية استقر الجميع على إعدام الفيلة ماري من خلال الطريقة التقليدية، وهي الإعدام شنقًا، حيث تم ذلك من خلال وضع عنق ماري في رافعة تُستخدم في رفع عربات القطار، بعد ذلك تم سحبها للأعلى أمام أنظار آلاف المتفرجين الذين جاؤوا من أجل مشاهدة هذه المعجزة وهي تحدث أمامهم، والحقيقة أنه بالرغم من فشل المحاولات الأولى لتنفيذ هذه الطريقة إلا أنه في النهاية نجح الأمر وتم إعدام ماري، لتحدث بذلك واحدة من المعجزات التي نادرًا ما تتكرر على هذه الأرض، وهي إعدام حيوان ومحاكمته من أجل جريمة ارتكبها!

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

أربعة × اثنان =