تسعة مجهول
أطباء الموت
الرئيسية » جريمة » أطباء الموت : أطباء مجانين تحولوا إلى سفاحين وقتلة

أطباء الموت : أطباء مجانين تحولوا إلى سفاحين وقتلة

أطباء الموت مجموعة من الأطباء نسوا مهمتهم الأساسية المتعلقة بإنقاذ الناس وبدؤوا في قتلهم شر قتل، ليُطرح السؤال، من نزع الإنسانية من قلوب هؤلاء؟

من المعروف عن الأطباء أنهم ملائكة الأرض، يُنقذون المرضى ويبذلون قصارى جهدهم كي تستمر البشرية لفترة أطول، لكن أن يكون هناك مجموعة من أطباء الموت المُتخصصين في قتل مرضاهم شر قتل فهذا هو الجنون بعينه، بيد أن الجنون يُمكن أن يحدث ببساطة شديدة، والغريب أن حالة الجنون التي نتحدث عنها لم تحدث مرة أو مرتين، وإنما العديد من المرات خلال فترة طويلة، وبما أن المُقدمات الطويلة لن تُغني أو تُسمن من جوع دعونا مباشرةً نتعرف سويًا في السطور القليلة المقبلة على نماذج من أطباء الموت الذين استغلوا وجود المرضى أمامهم في حالة يُرثى لها فقاموا بقتلهم وأنهوا معاناتهم التي كان من الممكن أن تتوقف وحولوها لمعاناة أخرى ستستمر للأبد، فهل أنتم مستعدون لتلك الجُرعة الخالية تمامًا من كل معاني الإنسانية؟

فريدريك مورس، قتل من أجل البؤس

في عام 1914 هاجر طبيب نمساوي يُدعى فريدريك مورس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كان ملكًا للرحمة كما ظن الجميع، وقد زعم ذلك الملاك أنه قد امتهن الطب فقط من أجل مساعدة الناس، ولتأكيد هذا الزعم عمل في دار للمُسنين بمدينة نيويورك ورفض تقاضي أي أموال لقاء هذا العمل، وطبعًا بعد هذا العمل المجاني ظن الجميع أن الرحمة لا تزال على الأرض ولم تنقطع كما يزعم البعض، لكن المفاجأة الحقيقية أنه خلال عام واحد مات ثمانية من المُسنين دون أي أسبابٍ تُذكر، وهنا بدأت العقول تُفكر في الشيء الأخير الذي تغير خلال ذلك العام، وهو ببساطة وجود موريس.

بالتقصي والتحقيق توصلت الشرطة إلى كون فريدريك له يد فيما حصل، ومع مواجهته فاجأ الرجل الجميع بعدم إنكاره القيام بتلك الجرائم، بل إنه قد اعترف كذلك أنه قد فعل كل هذا ومستعد لفعل أكثر من أجل معالجة البؤس الذي يُعاني منه، عمومًا، تم وضع فريدريك قيد التحقيق وكان من المفترض أن يكون الحكم الذي ينتظره في النهاية هو الحكم بالإعدام، لكن، في الشهر الأخير من عام 1916 تمكن مورس من الهرب ولم يتم العثور عليه حتى الآن أو التعرف على المصير الذي حل بها، ليكون بذلك أحد أشهر وأجن أطباء الموت.

كارل كلاوبرج، النازي المجنون

أول شيء يتعلمه طلبة الطب في الكلية ألا يُفرقوا لحظة العلاج بين المريض المُوالي لهم والمعادي لهم، الكل مرضى، إذًا فالكل يستحق العلاج، لكن النازي المجنون كارل كان له رأي مُخالف لذلك، فمنذ أن انضم إلى قوات النازيين في عام 1933 وهو قد أصبح مُتشبعًا بفكرهم لأبعد حدٍ ممكن، وفيما يتعلق بمسألة كره اليهود فإن كارل لم يكن يستحي من ذلك بالرغم من كونه رئيس قسم الأطباء بأحد المستشفيات الألمانية الشهيرة، ولمن لا يمتلك المعلومة، فإن ألمانيا منذ زمن وحتى الآن لا تزال على رأس قائمة العالم فيما يتعلق بالمجال الطبي، عمومًا، في لحظةٍ مجنونة، قرر الطبيب كارل كلاوبرج أن يُجري بعض التجارب على المُعتقلين اليهود في المُعتقلات النازية، وخاصةً النساء منهم.

تجربة كارل كانت تتضمن استخدام أشعة اكس، وكانت نتيجتها حسبما كان يتوقع أن يتم إصابة جميع نساء اليهود بالعقم، لكن تجربته في الحقيقة كانت تتسبب في قتل النساء حتى وصلت أعداد ضحاياه إلى سبعمائة امرأة يهودية، وقد كان من الممكن جدًا أن يتضاعف هذا العدد لولا أن الحرب العالمية انتهت وقتها وتم اعتقال كارل بتهمة القتل وسجنه لمدة خمسة وعشرين عام، لم يقضي منهم سوى سنواتٍ قليلة، حيث مات في زنزانته بأزمة قلبية حادة عام 1957، وذلك بعد أن سجل نفسه بأحرفٍ من دم في قائمة أطباء الموت.

جوزيف مينجل، نازي مجنون آخر

نبقى مع أطباء الموت المتواجدين في ألمانيا، وهذه المرة مع الطبيب الشاب جوزيف مينجل، والذي كان كذلك مهووسًا بالتجارب المجنونة على المُعتقلين في المُعسكرات النازية، حيث صادف حظه أن يتولى الإدارة الطبية لمُعسكر مليء بالأطفال والنساء والرجال، وهذه بالطبع بمثابة فرصة سانحة له في تنفيذ كافة التجارب التي يرغب بها، خاصةً وأن هؤلاء ليس لهم حق الاعتراض أو الشكوى أو حتى الامتعاض، ببساطة، سيكون الأمر سريعًا ودون عواقب.

كانت كل تجارب جوزيف فاشلة، ولو كانت تلك التجارب تُجرى على الفئران لاهتم حقًا أن المئات منهم يلقون حتفهم، لكنهم كانوا مجرد بشر مُعادين للنازية ولا قيمة لهم من وجهة نظره، ولهذا لم يتردد ولو للحظة واحدة في استكمال تجاربه حتى قيل إن أعداد ضحايا تلك التجارب قد تجاوزت الألف ضحية، ولولا عناية الله وتوقف الحرب العالمية الثانية لكان هذا الطبيب قد قتل أكثر وأكثر، لكنه بكل أسف لم يُحاسب على جرائمه تلك، فقد انتحر لحظة هزيمة ألمانيا بالحرب.

هارولد شيبمان، من أطباء الموت المجانين

بريطانيا كذلك كان لها النصيب الأكبر من أطباء الموت، حيث أن أحد أطبائها المجانين، وهو هارولد شيبمان، قد تسبب وحده في قتل ما لا يقل عن ثلاثمائة شخص، أغلبهم كانوا من العواجز والغير قادرين على الحركة والكلام، حيث كان ذلك المجنون يرى أن في قتلهم نهاية للمعاناة التي يعيشونها على الأرض، ثم مع الوقت تطور الأمر ولم يعد مجرد قتل بدافع الرحمة وإنما بدافع السرقة، فقد كان يحقن المرضى بمواد قتلة بعد أن يُحرف وصاياهم، والغريب حقًا أنه لم يكتشف أحد ذلك الأمر طوال فترةٍ طويلة، وقد أدى ذلك بالطبع إلى وجود عدد كبير جدًا من الضحايا الأبرياء.

تم إلقاء القبض على هارولد مع بداية الألفية الثالثة، حيث تمكنت حفيدة أحد الضحايا من الإيقاع به بعد أن أمسكته وهو يُعطي جدتها المادة القاتلة، وعلى الرغم من أن تلك المادة قد أودت بحياتها إلا أنها قد فتحت الباب أمام التحقيقات التي انتهت بسقوط هارولد وتقديمه للمحاكمة انتظارًا للحكم، والذي توقع الجميع أن يكون إعدامًا، لكن هارولد لم يُرد لتلك التوقعات أن تنل مُبتغاها، ولذلك قام بشنق نفسه وانتحر قبل موعد المحاكمة بساعات ليُغلق بذلك الفصل الأخير في حياة أحد أشهر أطباء الموت وأكثرهم جنونًا على الإطلاق.

ماكسيم فلاديميروفيتش، الطبيب القاتل اللص

ككل الأطباء تخرج ماكسيم من كلية الطب الواقعة في سان بطرسبرج وبدأ عمله كطبيب طوارئ عام 1997، كانت روسيا وقتها معروفة بتقدمها الكبير في مجال الطب، لكن فيما يتعلق بالأطباء فهذا أمر لا يُمكن الجزم به أبدًا، لأن أحد هؤلاء الأطباء، وهو ماكسيم فلاديميروفيتش، كان يستغل مرض الضحايا ويقوم بقتلهم ثم يسرق أغراضهم وحليهم، وقد كان ذلك يتم عن طريق حقنة سم يصعب اكتشافها، وهنا يُمكننا القول ببساطة أن ماكسيم كان يقوم بالجريمة الكاملة، لأن الحقنة كانت تُفقد الوعي لست ساعات ثم تقتل دون ترك أي أثر، وبما أن المريض في الأصل معرض للموت بأي لحظة فإن ذويه لم يكونوا واضعين لأي احتمالات سوء أو شك.

قتل ماكسيم أكثر من خمسين شخص بهذه الطريقة وكان في طريقه لقتل المزيد والمزيد، لكن الحظ قد قاد أحد ضحاياه إلى النجاة بنفسها وذكر تلك الحقنة، مما تسبب في مداهمة بيت ماكسيم والعثور على الحقن السامة وبالتالي توجيه تهم القتل له في ثلاثة عشر ضحية فقط تم إثبات موتهم عن طريق حقنة السم، والحقيقة أنه بعد إثبات الجريمة على ماكسيم لم يحدث ما هو متوقع حدوثه، فلم يُعدم، وإنما حصل على حكم بالسجن مدى الحياة، وهو حكم لا يليق طبعًا بشخص يُصنف على رأس قائمة أطباء الموت الذين نُزعت من قلوبهم كل الأمور المُتعلقة بالإنسانية من قريب أو بعيد.

ميوكي إيشيكاوا، قاتل بدم بارد

هذه المرة نحن نتعامل مع مجرم صعب تحديد مدى جنونه، وهو ميوكي إيشيكاوا، والذي كان مجرد طبيب عادي في مستشفى كوتوبوكي للولادة، ثم بعد ذلك، وبسبب كفاءته الكبرى، تم ترقيته ليُصبح مديرًا لهذه المستشفى، وهنا تجدر الإشارة إلى أننا نتحدث عن سنوات الحرب العالمية الثانية، وفي هذه الفترة كانت عمليات الإجهاض مُحرمة، وكان الآباء لا يُريدون الاحتفاظ بالأبناء أو الإنجاب من الأساس نظرًا للظروف الصعبة التي كان يمر بها العالم بأكمله في هذه الفترة، لكن ميوكي لم يُعر كل ذلك أي اهتمام، فقد كان ما يشغله في المقام الأول هو المحافظة على نظام وكفاءة المستشفى، بيد أن ذلك كان مُستحيل الحدوث بسبب وجود الكثير من الأطفال في قسم الولادة دون وجود آباء لهم.

فكر ميوكي في أن الوضع إذا ما استمر على ما هو عليه فسوف تتفاقم ميزانية المُستشفى ويُصبح من الصعب جدًا تكفية باقي الأقسام، لذلك كان الحل الأمثل بالنسبة له هو البدء في التخلص من هذا العبء الكبير عن طريق التخلص من أطفالهم، وتخيلوا أنه قد قام بقتل ما يزيد عن مئة وستين طفلًا فعلًا!، أجل، كان يقوم بقتلهم خنقًا أو عن طريق عدم منحهم الرعاية الكفاية، وكان يتمكن من تزوير ذلك الأمر من خلال علاقاته مع باقي الهيئات، حيث أن أطفال في سن العام الواحد لن يُسأل بالطبع عن أسباب وفاتهم، لكن، هل يُمكن أن يستمر ذلك الجحيم للأبد؟ بالطبع لا.

سقوط ميوكي إيشيكاوا

بعد قتل ميوكي لأكثر من مئة وستين طفلًا، والتخلص منهم بطرق غير قانونية لعدم الشك فيما يفعله، جاء عام 1948 وهو يحمل بُشرى السقوط المدوي، حيث أنه عن طريق الصدفة البحتة تم تشريح جثة أحد الأطفال ليتضح أنها قد ماتت بطريقة غير طبيعية، وإنما ثمة شبهة جنائية بها، وبالتحقيق في الأمر اتضح في النهاية أن الرجل المسئول عن حماية هؤلاء الأطفال، ميوكي إيشيكاوا، هو نفسه أحد أكبر أطباء الموت في التاريخ، وطريق هؤلاء الرضع إلى الحياة الأخرى، حيث الموت قبل حتى أن يعرفوا ما الذي تعنيه الحياة.

التحقيقات أوقعت ميوكي، لكن الكارثة الحقيقية في عمليات التزوير التي كان يقوم بها من قبل وتمكنت من خداع المحكمة، والتي قضت بسجنه لثمانية أعوام فقط، والأكثر إدهاشًا أنه قد قضى منها أربعة فقط في السجن ثم أصبح حرًا طليقًا وكأن شيئًا لم يكن، عمومًا، ما زال العقاب في الآخرة ينتظر ذلك السفاح الذي قتل عدد لا يُحصى من الأطفال، لكن اليابان من خلال هذه القضية تمكنت من الوصول إلى حقيقة هامة، وهي أن تحريم عمليات الإجهاض سوف تقود من النهاية إلى قتل الأطفال بعد ولادتهم، ولذلك تم السماح بها أخيرًا، لكن هل كان يُعطي ذلك عذرًا لبعض أطباء الموت كي يقوموا بقتل الأطفال؟ الإجابة بكل تأكيد لا.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

17 + 16 =