تسعة اولاد
الرئيسية » اختراعات » الابتكار والاختراع : ما هي الحدود الفاصلة بين الأمرين؟

الابتكار والاختراع : ما هي الحدود الفاصلة بين الأمرين؟

الابتكار والاختراع

الابتكار والاختراع فعلين هامين جدًا للبشرية، فتقريبًا لولا هذين الفعلين لكان العالم متُأخرًا عما هو عليه الآن بكثير، لكن ما هي الحدود الفاصلة بين الفعلين؟

مما لا شك فيه أن أشياء مثل الابتكار والاختراع قد أسهمت كثيرًا في دفع البشرية إلى التقدم والرخاء اللذان ينعم بهما الكون الآن، فلولا الاختراعات الحديثة والابتكارات العلمية لكنا حتى الآن نُشعل النار بضرب الحجرين ببعضهما ونبيت في الأكواخ ونأكل في أواني من الحجر، لكن انظروا الآن إلى ما وصل إليه عالمنا الكبير من اختراعات وابتكارات جعلتنا نصعد إلى الفضاء ونصل إلى وجهتنا في وقتٍ قصير، فتخيلوا مثلًا أننا كنا لا نزال نستخدم الجمل والدواب الأخرى في التنقل، ما الذي سيكون عليه حالنا الآن يا تُرى؟ لكن، قبل أن نشكر تلك الاختراعات والابتكارات وندين بالفضل الكبير لها بعد الله دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على الفوارق بين المُصطلحين، وهل هما حقًا يعنيان نفس الشيء أم أنه ثمة ما يُفرق بينهما ويمنحه معنىً خاص على حِده؟

ما المقصود بالابتكار؟

في البداية، وقبل أن نشرع في وضع الحدود الفاصلة بين الابتكار والاختراع دعونا أولًا نخرج ببعض التعريفات لكلا المُصطلحين، ولتكن البداية مثلًا مع الابتكار، حيث أنه يُعرف بتطوير شيء موجود من قبل والوصول به إلى أعلى درجة من درجات الكفاءة، أو بمعنى أدق، البناء على ما هو موجود بالفعل أو تكملة البناء عليه، وهو بذلك يكون شيء غير أساسي لكنه رئيسي، بمعنى أن الفكرة قبل أن يتم ابتكارها تكون مجرد فكرة جامدة لا تمتلك نفس القدر من القيمة التي ستحظى بها بعد أن تدخل ضمن نطاق عملية الابتكار العُظمى.

إذا ما أردنا مثالًا على فكرة الابتكار فلن نجد شيء يُمكن الاستدلال به أعظم من النار، فمثلًا النار قديمًا كانت حالة تأتي بعد أن يتم حك حجرين، ثم بعد ذلك بحث القائمين عن الأمر على طريقة مُبتكرة للقيام بهذه العملية بخلاف الحجرين، فكانت هناك فكرة إشعال النيران عن طريق أعواد الثقاب، ثم تطور الأمر أكثر وأصبح قابل للتنفيذ من خلال القدحة، وطبعًا سوف يتم ابتكار طرق قديمة فيما هو قادم من أيام، لكن كل ما يعنينا أن الفكرة الصغيرة قد تم ابتكارها وتطويرها.

ما المقصود بالاختراع؟

على العكس تمامًا من الابتكار نجد الاختراع، فعلى الرغم من أن الكثير من البشر يُخطئون العلاقة بين الوصفين إلا أن المعنى المقصود بكل وصف منهما يختلف عن الآخر تمامًا، فقد ذكرنا قبل قليل أن الابتكار هو تطوير فكرة موجودة والوصل بها إلى أبعد حدٍ ممكن، بينما الاختراع هو إيجاد هذه الفكرة في الأصل، بمعنى أكثر دقة، يُعد الابتكار الابن البار للاختراع وليس العكس، وهذه علاقة ليست مُحيرة مثل علاقة البيضة والدجاجة وأيهما جاء إلى العالم أولًا، فبالتأكيد الاختراع سبق الابتكار، وعدم وجود الاختراع يعني أنه لن يكون هناك ابتكار بأي طريقة من الطرق.

لكي نُقرب الصورة أكثر دعونا نأخذ نفس المثال السابق، وهو مثال النار، فقد ذكرنا أن الابتكار في أمر كهذا يعني إيجاد طُرق مختلفة وإبداعية لإشعال النيران، لكن بالنسبة للاختراع فإن الموضوع أصلًا يقوم على إيجاد النار من الأساس وليس مجرد إيجاد طريقة لتطويرها، فذلك الإنسان الأول الذي أمسك بحجرين ثم ضربهما ببعضهما مُشعلًا النيران هو الذي اخترعها، وذلك الذي يعيش الآن ويحاول أن يضع طرق جديدة لإشعال النيران هو بكل بساطة مبتكرها، أرأيتم كيف تجري الأمور؟ حسنًا، دعونا الآن نتفق على بعض الفوارق لإزالة ذلك اللبس المُحير.

الحدود الفاصلة بين الابتكار والاختراع

بالتأكيد ثمة حدود فاصلة بين فعلين مُتشابهين بين الابتكار والاختراع، فالغير مُطلع على الأمر ربما يظن من الوهلة الأولى كما ذكرنا أن الفعلين يُقصد بهما شيء واحد، وأنه لا فارق بينهما، وهذا في الحقيقة خطأ شائع وله مبرراته التي على رأسها تشابه خطوط الفعلين، ولهذا دعونا نُشير إلى تلك الحدود ونذكر أهم الفواصل بين الفعلين، ولتكن البداية مثلًا بالتوقيت، فالوقت هو كل شيء كما نعرف.

التوقيت، الفيصل الأول والأهم

الفيصل الأهم بين الابتكار والاختراع هو الوقت، حيث بإمكاننا تحديد كون هذا اختراعًا أم ابتكارًا فقط من خلال التعرف على وقت الحدوث، فالأمر إذا تم أولًا فإنه يُعد اختراعًا بلا شك، لأن الاختراع هو إيجاد الشيء من العدم، وبالتأكيد ليس هناك شيء موجود من العدم أسبق، بينما الابتكار هو التجديد في الاختراع وتقنين هذا الايجاد الذي تم من العدم في صور أخرى أحدث، لكنها لا تجعله أبدًا متساوٍ مع ذلك الوجود العدمي.

الكيفية والماهية، فيصل لا غني عنه

ماهية الشيء وكيفيته أيضًا من الأمور الفاصلة التي تُحدد كون الشيء ابتكارًا أو اختراعًا، فعلى سبيل المثال الساعة، ربما يعتقد البعض أنها اختراع بحت، لكنها في الحقيقة خادعة، فوجود الساعة نفسه وماهيتها هو الاختراع، أما فيما يتعلق بالعقارب وشكلها وتصميم الساعة الذي يختلف من مكانٍ إلى آخر فهذا كله يندرج تحت وصف الابتكار، حيث أن شخصًا ما قد اخترع الساعة ثم جاء شخص آخر مُختلف تمامًا وقام بابتكار أشكال وتصاميم لهذه الساعة، وهنا يتضح جليًا أن الماهية والكيفية التي جاء عليها الاختراع هي التي حددت نوعه.

العدمية والوجودية، فيصل لا غنى عنه

أيضًا من ضمن الأشياء أو الفواصل التي يتم من خلالها التفريق بين الابتكار والاختراع مسألة الوجودية والعدمية، فعلاقة الاختراع علاقة عدمية، بمعنى أن الشيء كي يُصبح مُخترعًا يجب أن يكون معدومًا من قبل، أما علاقة الابتكار وجودية، فيجب أن يكون الشيء له بذرة حتى تتمكن من الابتكار والتطوير فيه.

أهمية الابتكار والاختراع

في الحقيقة لا مفر من التردد والعجز عن التحدث فور المُطالبة بالإسهاب عن أمرٍ كهذا، فكما نعرف جميعًا ونتيقن، ليس هناك شيء في هذا العالم أهم من الابتكار والاختراع، واللذان طبعًا يصدران من العقل، والسؤال المنبثق الهام أيضًا، هل ثمة ما هو أهم من العقل؟ بالتأكيد لا، فالأهمية تتعاظم شيئًا فشيئًا، والواقع أننا إذا أردنا تفصيل القول والحديث عن أهمية الاختراعات والابتكارات على حِدة فسوف نحتاج إلى الكثير والكثير من الموضوعات، فكل شيء موجود الآن تقريبًا هو بفضل الله أولًا ثم الاختراعات والابتكارات التي وصل إليها الإنسان بعقله، ذلك العقل الذي منحه الله في الأساس.

أهمية ذلك الأمرين تكمن في أنهما يدلان على الحياة ويُعطيان معنًا كذلك لها، فمعنى أنك تخترع وتبتكر أنك على قيد الحياة، وبالتحدث عن الحياة فإنه لا مفر بكل تأكيد من التفريق بين الحياة القديمة التي عاشها الإنسان القديم دون اختراع أو ابتكار وتلك الحياة الحالية التي نسمع فيها كل يوم عن اختراع أو ابتكار جديد، كل شيء اختلف تقريبًا، ولولا أن الإنسان قد تمكن من مسايرة الحياة حتى وصلت به إلى الوقت الحالي لما كنا سنسمع أبدًا عن تلك الاختراعات والابتكارات الرائعة، فالخلاصة أن أهميتها من أهمية الحياة تمامًا، لا أكثر ولا أقل.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

سبعة عشر + 17 =