تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » التأخير المفيد : كيف يصبح التأخر مفيدًا في بعض الأحيان؟

التأخير المفيد : كيف يصبح التأخر مفيدًا في بعض الأحيان؟

التأخير المفيد هي فكرة غير متوقعة أبدًا، فمتى يصبح التأخير أمرًا مفيدًا والاستعجال أمرًا مضرًا. في هذا المقال سنغير وجهة نظرك عن الوقت تمامًا.

التأخير المفيد

التأخير المفيد هو من الأشياء التي من الممكن أن تكون غير مستساغة لدى الكثيرين، ولكن ما لا يعلمه البعض أيضًا أن هناك الكثير من الأشياء الجيدة التي حدثت في حياة بعض الأشخاص على سطح الأرض بسبب التأخير. وكأن الغير متوقع صار حقيقي وواقعي. ومن ناحية أخرى يمكن أن يكون التأخير المفيد له مصطلح أكثر شيوعًا وهو الصبر. وجميعنا نعلم أن الصبر هو شيء مهم جدًا للإنسان، لأن من خلال الصبر غالبًا القرارات تكون أكثر نضجًا. لذلك في هذا المقال عزيزي القارئ سنفاجئك بأشياء جديدة جدًا عن التأخير المفيد في حياتك. حتى لا تندم على الوقت الذي تعتقد أنت أنه ضاع من حياتك، ولكنه في الحقيقة كان وقت ثري جدًا بالإفادة لك.

ما هو التأخير المفيد وكيف تستفيد منه؟

التأخير المفيد في اتخاذ القرارات

وهنا لا أقصد التأخير الكثير في كل فرصة تأتي أمامنا، ولكن أقصد عدم التسرع. فهناك أشخاص كثيرون يتسرعون جدًا في كل شيء، في كل قرار، في كل كلمة يتكلمون بها، ولذلك غالبًا حياتهم تكون مليئة باللغط وعدم الاتزان. في حين أن الأشخاص الذين يأخذون وقت في التفكير هم الأقدر جدًا على إدارة حياتهم بطريقة أكثر عقلانية وبطريقة أكثر نجاحًا عن غيرهم. وهذا يكون نتيجة أن التأخير في اتخاذ قرارتهم يجعلهم يدرسون كل السلبيات والإيجابيات على حد سواء. ومن هنا يخرج قرار سليم غالبًا مبني على نتائج متوقعة وخطط بديلة وليس مجرد قرار غير مدروس.

الخطوبة

أيضًا التأخر في اتخاذ بعض القرارات يجعلك في الأخير ترى أشياء لم تكن تتوقعها، مثل التأخر في عمل صداقة مع أحدهم ومراقبته وهو يتعامل مع الآخرين. ربما بعد فترة من مراقبة الأشخاص تعرف أن ليس هذا هو الشخص المناسب الذي يجب أن ترتبط به، ومن هنا وجدت فكرة الخطوبة، أو فترة التعارف قبل الزواج بين الرجل والمرأة. حيث يمكن للشاب والشابة أن يتعرفوا على بعضهم البعض من خلال الكلام على انفراد، التعامل البسيط. فلو كان مثلًا الشاب يتعامل بعصبية أثناء فترة الخطبة فهذا سيعطي إنذارًا للفتاة أنه إنسان عصبي، ومن هنا تدرس هي هل ستحتمل مثل هذه السلبية أو لا. وبالمثل للشاب فهو سيرى بعض السلبيات والإيجابيات، وعلى هذا الأساس يكمل الشبان رحلتهما نحو الزواج. ومن هنا نقدر أن نقول إن التأخير المفيد يكمن في اتخاذ القرارات الحياتية المصيرية.

التأخر في الزواج

الكثير من الناس يختلفون مع هذا الرأي ولكن من ناحية أخرى الزواج في منتصف الثلاثينات لا يعتبر زواج متأخر. ومن هنا نقول إن التأخير المفيد يكمن في أن يأخذ الشاب راحته ويعيش حياته بالكامل دون ضغط ودون أن يسمع لمن حوله حتى منتصف الثلاثين. ففي هذا الوقت الشاب سيكون مازال بصحته جيدًا جدًا ومعافى، بل وسيكون مرتاح نفسيًا أكثر من الذين في عمره ومتزوجين وذلك بسبب المسئولية الكبيرة. وهناك دائماً مقارنة تجري بين شكل المتزوجين وشكل الغير متزوجين في نفس العمر، دوماً المتزوجون شكلهم يزيد سنًا وعمرًا عن الذين لم يتزوجوا. وهذا طبيعي فالإرهاق النفسي يفعل ذلك ويعجل الكبر. أما الشخص الغير متزوج فهو لا يعاني من إرهاق ولا يعاني من ضغط، ولا يعاني من مسئوليات أطفال أو مدرسة، أو يأتي في وقت مبكر لأجل زوجته وأطفاله بل هو ملك نفسه، يرتاح ويفعل ما يريد في أي وقت. ولذلك يعتبر التأخر في الزواج من أنواع التأخير المفيد جدًا للإنسان لو عرف كيف يستغل هذا الوقت في الاستمتاع بحياته.

التأخر في رد الفعل

هناك بعض الأشخاص لديهم صفة سيئة جدًا تجعل منهم فريسة للاستفزاز بطريقة سهلة جدًا. ولذلك من الممكن هنا أن نجد التأخير المفيد لائق كعلاج لهؤلاء الناس. حيث أن رد الفعل السريع دومًا يكون غير مدروس، وقليلين جدًا من لديهم موهبة سرعة البديهة حتى يعرفوا كيف يردوا بسرعة دون تجريح. أو يردوا بطريقة محترمة جدًا وفي نفس الوقت يجعلون الأخر يصمت دون كلام. ولأن سرعة البديهة غير متوفرة في الجميع فالحل الأفضل للتعامل في ردود الفعل هو التأخر بضعة ثواني لتفكر في رد فعلك سواء كلمات أو أفعال، حتى يكون في الأخير رد فعلك لائق.

الاستفزاز المتعمد

التأخير المفيد سيفيد جدًا لو كنت تتعامل مع أشخاص يتعمدون استفزازك، وليس فقط لأنهم يفعلون أشياء خارجة عن حدود الأدب بطريقة تلقائية. وهنا أن يكون رد فعلك ثقيل وبارد هو أفضل رد على من يستفزك، حيث التجاهل وإظهار قوة الشخصية، من خلال عدم استفزازك بسرعة وأنك ما زلت ثابت والأمر ليس بجلل بالنسبة لك، بل إنه عادي جدًا وسيظل عادي جدًا بالنسبة لك، هذا سيكون أفضل رد على أي شخص يحاول أن يستفزك أو يقلل من شأنك. والتأخير في الرد على هؤلاء سيكون أفضل إهانة لهم لأنك لم تتجاهلهم فقط، ولكنك أيضًا جعلتهم ينتظرون رد فعلك بطريقتك أنت، ولكنك قلبت الطاولة عليهم.

عدم الاستسلام

أحياناً يكون التأخير المفيد يتمثل في فكرة عدم الاستسلام. فالكثير من الناس الذين يأسوا، أو انتحروا، أو كانوا قريبين من أحد الأهداف ومن ثم تخلوا عنه، كان السبب الأساسي أنهم استعجلوا في الاستسلام. ولو كانوا أجلوا هذا الاستسلام لمرحلة أخرى لكانوا نجحوا نجاح رهيب. فمثلًا، من الممكن أن يكون هناك شخص لم يتيح له أبيه وأمه تعليم جامعي رائع ولكنه لم يستسلم بل تأخر في الاستسلام وقرر أن يحاول أن يعلم نفسه ذاتياً بعض العلوم، وبعض الحيل وبعض الهندسة. ليكون في الأخير شخص متمكن جدًا من هندسة الكومبيوتر وهو لم يتعلم هذا في الجامعة، بل كل ما حدث أنه تأخر في الاستسلام ولم يرمي باللوم على والديه، وقال إنه سيعمل في أي عمل. سيكون حقاً استفاد من هذا التأخير المفيد.

التأخر المفيد في تسليم ورق الاختبارات

الكثير من الطلاب يقعون في هذا الفخ وهو الاستعجال في كتابة الإجابات في ورق الامتحانات، ليفاجئ الطلبة في الأخير أنهم أخطئوا أخطاء ساذجة جدًا، وهم يعرفون الإجابة الصحيحة. ولكن الذي حدث أنهم تعجلوا في تسليم ورقة الاختبار أو تعجلوا في فكرة كتبوها خطأ. هنا وأول نصيحة نقولها للطلبة هي أن التأخير في تسليم الورق لن يضرك في أي شيء، ولكن التسليم على عجلة فهو ربما يضرك. ولذلك خذ وقتك بالكامل في أي اختبار، وخذ وقتك في مراجعة الاختبارات التي تقوم بحلها. فالمراجعة وعملية التنقيح التي يفعلها الطالب لإجاباته من الأكيد أنها ستحسن جدًا مستوى الإجابات الذي سيكتبها الطالب. لأن في المرة الثانية ربما تكتشف أنك نسيت أن تكتب كلمة من سرعة التفكير، أو نسيت سؤال بالكامل أنت تعرف إجابته جيدًا. ولكن ما حدث هو أنك غفلت عنه من سرعة الانتقال من سؤال لسؤال في وقت قليل جدًا.

التأخير المفيد للثقة في النفس

الثقة في النفس من أهم الصفات التي يجب أن يمتلكها الإنسان عموماً، وجزء كبير من الثقة في النفس يعتمد أساسًا من فكرة التأكد من الشيء، أو من الفعل، أو من المعلومة التي تقولها. وهذا التأكيد عادةً يأتي من خلف فكرة التأخر في تحليل المعلومة، وتحليل المعطيات، وإعطاء العقل للنتائج الصحيحة. أيضًا فكرة النضج يكون قدرًا كبيرًا منها في تأخر عمر الإنسان. حيث أن الشاب الذي عمره سبعة عشر عامًا ليس مثل الشاب الذي لديه ثلاثون عامًا. فهناك خبرة سنين من تحمل المسئوليات والاحتكاك بالعمل وترتيب الأولويات والزواج، وتكوين أسرة، كل هذا يجعل الثقة في النفس موجودة وحاضرة عندما يفتح موضوع مثلًا عن أسعار الغذاء. فالشاب الذي لديه سبعة عشر عامًا لن يعرف ما هي الإجابة أما الشاب الثلاثيني فهو غالبًا سيعرف لأنه اختبر هذا عن طريق الوقت الذي عاشه أكثر من الشاب الصغير، والذي يعتبر سن متأخر عنه، وهذا السن المتأخر هو السبب في أن الشاب الثلاثيني أقدر من العشريني على إدارة مجريات حياته وأسرته. من خلال التأخير المفيد أو المسمى الأخر له “الخبرة”.

تأخير العصبية

هناك أشخاص عصبيون جدًا، وتكون مشكلتهم الدائمة أن أي مشكلة تقابلهم أو اختلاف مع شخص أخر يقابلونه بعصبية كبيرة جدًا. ولذلك التأخير المفيد هنا يكمن في تأخير العصبية. من ضمن التمارين النفسية البسيطة جدًا التي يتبعها الأطباء النفسيون في علاج العصبية، هي أنهم عندما يشعرون أنهم سينفجرون، يعدون من واحد إلى عشرة وهم يتخيلون الشخص الذي يعصبهم على شكل حيوان كرتوني، حتى تختلف رؤية العصبية إلى رؤية فكاهية. ومن هنا نقدر أن نقول إن فكرة الصبر وتأخير اندفاع العصبية من داخلك سيجعلك أقدر على التحكم بهذه الصفة السيئة. التي من الممكن أن تودي بحياتك من خلال التدخل في شجار صعب وليس أمن.

التأخير يعطي رؤية أفضل

هناك فصيلة من الذئاب القطبية، الذئب المسيطر فيها لا يمشي مع جماعته من الأمام بل من الخلف، وذلك لحماية القطيع كله. فالأمام يكون الذئاب القوية لتشق الثلج ومن خلفهم الذئاب الإناث، ومن ثم الذئاب الصغار وكبار العمر، وفي الأخير الذئب المسيطر. هذه الغريزة التي تجعل القائد يقف من الخلف هي نظرة حقيقة جدًا، وليس معنى المتأخر أنه فاشل أو بطيء، ولكن من الممكن أن يكون العكس تمامًا. فإنه حامي وراعي القطيع، لدرجة أنه يريد أن يرى كل شيء عن كل شخص، ففي الحقيقة أخر شخص في الفصل الدراسي هو الذي يرى أكبر كمية من الفصل والطلاب. وهكذا في كل شيء فكلما كنت في الخلف، كلما أخذت نظرة شاملة وعامة عن المحيط الذي حولك، مما يجعلك سريع التعلم من أخطاء الغير. ومما يجعل التأخير المفيد حقيقة عملية في حياتنا اليومية وليس مجرد عنوان بسيط نتكلم عنه.

تأخير عقاب الأطفال

هناك الكثير من الآباء يستخدمون فكرة العقاب كحل أسهل في التربية. ومن هنا نجد أن هؤلاء الآباء عندما يفعل طفلهم من السنة الأولى شيء خاطئ يبدئون في الصراخ فيه وضربه على يده. وهم يكررون كلمات تعلن عن أن الطفل الذي لديه سنة واحدة يجب أن يتعلم. ولكن الحقيقة عزيزي القارئ أن هذا خطأ جدًا، وكلما كان الوالدين يتأخران في العقاب كلما كان العقاب شيء مؤثر في حياة الطفل. لأن كثرة العقاب تجعل الطفل يعتقد أن هذا العقاب لن يفعل له شيء. ولذلك كلما حذرت الطفل أكثر من مرة بطريقة حازمة وتأخرت في تقديم العقاب التربوي السليم، كلما كان التأخير مفيد جدًا للطفل ولك.

أخيرًا عزيزي القارئ التأخير مفيد في كل شيء تقريباً، ولكن ما قد يجعل نتيجة التأخير مفيدة أو غير مفيدة هي فكرة تحديد الوقت المناسب لهذا التأخير. ولذلك كلما رأيت أن تأخيرك عن عمل شيء أو قول شيء سيكون مفيد، كلما كان ذلك أفضل جدًا لك.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

خمسة × 5 =