تسعة
الرئيسية » كمبيوتر وانترنت » شفرة مورس : كيف مكنت العالم من تبادل الرسائل البرقية ؟

شفرة مورس : كيف مكنت العالم من تبادل الرسائل البرقية ؟

بالتأكيد سمعت عن شفرة مورس في أحد الأفلام أو قرأتها في أحد الكتب، فما هي شفرة مورس بالضبط؟ وفيم تستخدم؟ وما علاقتها بالرسائل البرقية؟

شفرة مورس

لا يستطيع أحد إنكار أن شفرة مورس لها الفضل الأكبر في التطور الهائل الذي وصلت إليه وسائل الاتصال الحديثة والتي جعلت العالم كقرية صغيرة؛ حيث يتمكن أي فرد من التواصل مع أي مكان في العالم خلال دقائق معدودة من خلال عدد من وسائل الاتصالات التكنولوجية الحديثة، ويعد التلغراف أقدم وسائل التواصل التي استخدمها الناس قديما منذ أواخر القرن التاسع عشر بعدما كشف مورس عن شفرته التي كانت بداية لاختراع التلغراف أو البرقيات، ويمكن من خلال هذا الجهاز نقل بيانات أو معلومات مختصرة عبر شبكة من الأسلاك من خلال رموز معينة يقوم الجهاز المستقبل بترجمتها وفك شفرتها وتحويلها إلى نص مكتوب، وقد أفادت تلك الشفرة العالم أجمع من خلال تسهيل سبل التواصل بين أقطاره من أقصاه إلى أدناه في العصر الحديث، ويتناول هذا المقال نبذة مختصرة عن مورس وطريقة عمل شفرة مورس ، وكذلك تطور استخدام شفرة مورس.

تعرف على كل ما يخص شفرة مورس الآن

نبذة عن مورس

ولد صمويل فينلي بريز مورس في تشارلستاون التابعة لولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية، درس في أكاديمية فيليبس وأكمل تعليمه الجامعي في كلية ييل بدراسة الفلسفة الدينية والرياضيات سنة 1810م، وكان مورس يعشق الرسم؛ حيث مارس تلك الهواية إلى جانب دراسته ليفي بمتطلباته ونفقاته أثناء الدراسة، وقد نال شهرة في الرسم حيث كلفته حكومة بلاده برسم صور زيتية للعديد من الشخصيات المشهورة في أمريكا بمقابل مادي مجزٍ، ولكن شهرته الأكبر لم تظهر إلا من بعد اختراع الشفرة التي عرفت باسمه واستخدمت في نقل البرقيات عبر شبكة من الأسلاك من خلال رموز معينة، وقد حصل على براءة اختراع التلغراف في سنة 1847م من السلطان العثماني في إسطانبول بعد تجربة شفرة مورس في نقل البرقيات أو التلغرافات، وقد تتابعت الجوائز التي حصل عليها سواء من أوربا أو أمريكا، وقد توفي مورس عام 1872م بعد أن خُلِّدت ذكراه بهذا الاختراع الذي غير الكثير من المفاهيم عن الاتصالات والتواصل بين مدن العالم المختلفة.

اختراع شفرة مورس

لقد تلقى مورس رسالة من والده بواسطة أحد رجال البريد من راكبي الخيول الذين كانوا ينقلون الرسائل البريدية بين المدن آنذاك، وقد أخبره والده في الرسالة بأن زوجته مريضة، وكان مورس في هذا الوقت يرسم لوحة زيتية للجنرال جليبر دو موتييه في مدينة واشنطن بتكليف من حكومة نيويورك، وعلى الفور غادر مورس واشنطن متوجها إلى بلدته فوجد أن زوجته قد فارقت الحياة؛ وهنا أصيب بصدمة شديدة لأنه لم يتمكن من التواجد بجوار زوجته أثناء مرضها ووفاتها؛ لذلك توقف عن الرسم وأخذ يبحث عن وسيلة للتواصل السريع بين القرى أو نقل البيانات والرسائل بصورة أسرع، وقد بدأت بوادر شفرة مورس تتدفق إلى ذهنه عندما التقى بتشارلز جاكسون الذي درس الكهرومغناطيسية في إحدى الرحلات البحرية وقد أفاد مورس كثيرا في هذا المجال، وبعد عدة تجارب توصل إلى اختراع شفرته المشهورة التي يمكن من خلالها نقل الرسائل والمعلومات عبر أسلاك معدنية ولكن خلال مسافات قصيرة، وقد تغلب مورس على تلك المشكلة بمساعدة البروفيسور ليونارد غيل أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك حيث تمكن من إرسال التلغراف إلى مسافة تقدر بـ 16 كيلومتر.

ومن الجدير بالذكر أن شفرة مورس قد تكونت من عدة عناصر تتراوح بين الطول والقصر معبرة عن الحروف والأرقام وعلامات الترقيم وغير ذلك، ويشير البعض إلى أن الفضل في اختراع تلك الشفرة والرموز يعود إلى التعاون المشترك بين صمويل مورس والعالم الخجول ألفريد فايل في عام 1836م، وقد نتج عن هذا التعاون اختراع أول تلغراف يعمل بالنبضات الكهربية، ولكن مورس نال الشهرة الواسعة أكثر من صديقة بسبب تحركاته الواسعة ومساعيه المستمرة للحصول على الدعم والاعتراف بهذا الاختراع الجديد، وقد تكونت شفرة مورس من سلسلة من العلامات (النقطة- الشرطة القصيرة- الشرطة الطويلة- الفجوة أو المسافة) وقد قسمت تلك العلامات إلى ستة عناصر أساسية تترجم إلى حروف وأرقام وعلامات للترقيم، وتقوم النبضات الكهربية بنقل تلك الرموز عبر الأسلاك، ويتم ترجمتها بنفس الطريقة إلى كلام مطبوع على الورق عند مستقبلها خاصة بعد اختراع آلة ميكانيكية لتكون جهاز استقبال التلغراف وترجمة الشفرة وطباعة الرسالة في عام 1844م.

بعد جهود مضنية بذلها مورس في سبيل إقناع الكونجرس الأمريكي للاعتراف باختراعه قام بتجريب هذا الاختراع بين غرفتين في الكونجرس؛ فوافق الكونجرس على تخصيص ثلاثين ألف دولار لإنشاء خط من الأسلاك بطول أكثر من ستين كيلومتر لتجريب هذا الاختراع بين مدينتي واشنطن وبالتيمور، وبالفعل تم نقل أول تلغراف بين المدينتين عام 1844م، وفي العام التالي أنشئت شركة ماغنيتيك للتلغراف والتي قامت بتوصيل الخطوط التلغرافية بين نيويورك وفيلادلفيا وبوسطن وبافالو وغيرها من المدن الأخرى في أمريكا، وانتقل الاختراع بعد ذلك على أوربا وأصبح الجهاز الرسمي المعتمد في الاتصالات التلغرافية.

تطوير شفرة مورس قديما وحديثاً

يعد نقل التلغرافات هو الاستخدام الأول لشفرة مورس والتي تم تطويرها بعد ذلك عدة مرات؛ ففي عام 1890م استخدمت لأول مرة في إرسال واستقبال موجات الراديو عبر الأسلاك وخطوط الكابلات، ومن العجيب أن بعض الأقمار الصناعية لا زالت تعمل بنظام شفرة مورس في نقل الإرسال الإذاعي والأخبار ، وما زالت تلك الشفرة مستخدمة حتى الوقت الحاضر في الاتصالات اللاسلكية وتنظيم الملاحة الجوية والبحرية كما تستخدم في إرسال البيانات الرقمية بطريقة أوتوماتيكية عبر قنوات الاتصال الصوتية المختلفة، وقد نالت شفرة مورس شهرة عالمية؛ حيث انتقلت إلى جميع أنحاء العالم وترجمت إلى العديد من اللغات سواء الفرنسية أو العربية والإيطالية وغيرها من اللغات الأخرى، والعجيب في الأمر أن العلماء يقومون حديثا بإجراء بعض التجارب على استخدام شفرة مورس في ترجمة الإشارات الكهربية الصادرة من الدماغ وبالتالي يمكن قراءة أفكار الآخرين دون الحاجة إلى الاستماع إليهم، وقد تفيد هذه الفكرة في التفاهم أو قراءة أفكار وتلبية احتياجات المصابين بشلل في أجهزة النطق أو فاقدي الكلام بسهولة، وقد فكر العلماء بطريقة أكثر تطوراً حيث نقلت الأخبار الصحفية بعض التجارب التي أجريت مؤخرا في جامعة ساوثامبتون لإرسال الأفكار واستقبالها بنفس طريقة شفرة مورس اعتمادا على ترجمة الإشارات الكهربية الصادرة من الدماغ من خلال جهاز كمبيوتر خاص بذلك مما يتيح للمعوقين أو فاقدي النطق التعبير عن أفكارهم، بل يذهب بعض العلماء إلى أن هذه الطريقة يمكن استخدامها في تشغيل الآلات بمجرد التفكير في ذلك من خلال النبضات العصبية المرافقة للتفكير؛ وبالتالي يستطيع الإنسان التحكم في الطائرات أو الكمبيوتر أو تغيير قنوات التليفزيون والتحكم في جهاز التكييف بمجرد التفكير في ذلك.

لقد تميزت شفرة مورس بإمكانية استخدامها في الظروف القاسية لنقل المعلومات؛ حيث يمكن استخدام تلك الرموز في نقل التعليمات إلى الجيوش أو الجواسيس أو البيانات السرية، كما يمكن الاستفادة من الأضواء والأعلام والمصابيح لإرسال الإشارات والتواصل مع الآخرين بطرق مختلفة لنقل التعليمات المبرمجة، وسوف يكشف لنا المستقبل القريب عن العديد من الاستخدامات الذكية لشفرة مورس سواء في نقل البيانات أو ترجمة الإشارات والنبضات العصبية للدماغ، كما يتوقع أن تفتح شفرة مورس الباب أمام الكثير من الأبحاث والدراسات والاختراعات التي لا يمكن أن يتخيلها العقل في العصر الحالي، وقد تناول المقال نبذة مختصرة عن مخترع شفرة مورس بالإضافة إلى اختراع شفرة مورس وتطور استخدامها قديما وحديثاً.

محمد حسونة

معلم خبير لغة عربية بوزارة التربية والتعليم المصرية، كاتب قصة قصيرة ولدي خبرة في التحرير الصحفي.