تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » كيف تطورت النظرية المالتوسية في علم الاجتماع وما أسسها؟

كيف تطورت النظرية المالتوسية في علم الاجتماع وما أسسها؟

النظرية المالتوسية هي إحدى نظريات علم الاجتماع التي تطالب بالتحكم في النمو السكاني بما يتناسب مع النمو في الموارد الغذائية وذلك بسبب محدودية تلك الموارد، نتعرف سويًا على أسس النظرية المالتوسية وأهم ما تنص عليه.

النظرية المالتوسية

النظرية المالتوسية هي واحدة من أهم النظريات في علم الاجتماع وأكثرهم إثارة للجدل، فعلى الرغم من استنادها إلى مبادئ صحيحة إلا أن النتائج التي توصلت إلها كانت مثيرة للجدل، والنظرية المالتوسية هي النظرية التي وضع قواعدها القس البريطاني “توماس مالتوس” وتم نشرها بعد ذلك في كتاب خلال عام 1798 تحت عنوان “مقال عن مبدأ السكان” وقد قام مالتوس خلال هذه المقالة بتشخيص مشكلة النمو الطبيعي والزيادة السكانية ووضع حلولاً من أجل مواجهة تلك المشكلة.

ماهي النظرية المالتوسية؟

النظرية المالتوسية ظهرت خلال القرن الثامن عشر، والحقيقة أن “توماس مالتوس” ارتكز في أفكاره الواردة في تلك النظرية على ما توصل إليه بعد المفكرين مثل “كوندروسيه” و”وليام غودوين” حيث انتقد هؤلاء الطبقة الفقيرة العاملة التي تكثر من إنجابها للأطفال والتي عوضاً عن استغلال عددها الكبير ترهق المجتمع بأعبائها المتزايدة التي لا تنتهي، وقد توصل مالتوس إلى أن فكرة الإحسان إلى هؤلاء الفقراء وتقديم يد المساعدة لهم لم تزدهم إلا فقراً حيث وجد مالتوس أن عدد سكان بريطانيا يزداد بشكل مستمر نتيجة زيادة عدد الفقراء الذين يقومون بإنجاب الكثير من الأطفال والذين بدورهم لا يشكلون فارقاً كبيراً في المجتمع.

قواعد وأسس النظرية المالتوسية

النظرية المالتوسية ارتكزت على عدة مؤشرات؛ حيث أن مالتوس توصل إلى أن بريطانيا تقترب من كارثة كبرى وذلك لأنه ووفقاً لقواعد تلك النظرية تزداد الموارد الغذائية الطبيعية بنسبة حسابية بطيئة(2-4-6-8-10-12) في الوقت الذي يتزايد فيه عدد السكان في نسبة هندسية سريعة (2-4-8-16-32-64) وهذا يعني حسب النظرية المالتوسية أنه بعد مرور مائتي عام وخاصة خلال القرن العشرين ستصبح الزيادة السكانية بمعدل 259 مقابل الزيادة في الموارد الطبيعية الغذائية بمعدل 9، وخلال ثلاثة قرون ستصبح الزيادة السكانية 4096 مقابل زيادة الغذاء بمعدل 13 وفي قراءة مبسطة لتلك الأرقام يتضح بجلاء أن زيادة السكان تلتهم دوماً الإمدادات الغذائية وعلى اعتبار أن السكان سيستمرون في اتخاذ قرار الإنجاب طالما وجدوا في أنفسهم القدرة على العيش في مستوى الكفاف وهو الحد الأدنى اللازم للبقاء على قيد الحياة فهذا يجعل المشكلة السكانية قائمة وفي تصاعد مستمر، فتلك الأرقام تشير إلى أن عدد سكان بريطانيا يتضاعف مرة كل 25 سنة.

مقترحات النظرية المالتوسية لتقليص الفجوة بين نمو السكان ونمو الموارد الغذائية

النظرية المالتوسية بناء على ما سبق توصلت إلى وضع مجموعة من الحلول من أجل تقليص الفجوة بين معدل الزيادة السكانية وبين نمو الموارد الطبيعية والغذائية وهذه الحلول كانت كالتالي:

الإقلال قدر الإمكان من استهلاك الطعام

فعلى جميع السكان أن يقوموا باستهلاك فقط ماهو ضروري من الغذاء حتى يستطيعوا الاستمرار على قيد الحياة.

تحديد حجم السكان بحجم الموارد الغذائية

فإذا كان عدد السكان داخل بلد ما محدود بطرق العيش فيجب تحديد حجم الزيادة في نمو السكان وفق توافر المواد الغذائية، فإذا زاد الغذاء يُسمح حينها بزيادة السكان ولكن بنفس النسبة وعندما يتراجع حجم الموارد الغذائية يجب أن يتناقص عدد السكان ويموتون وبالتالي يتحقق التوازن، وجدير بالذكر أن هذا الحل تحديداً قد أثار الكثير من الجدل والانتقادات للنظرية المالتوسية، فعطفاً على استحالة تطبيقه على أرض الواقع كيف يمكن لنظرية اجتماعية المناداة بموت السكان نتيجة قلة الغذاء؟

الحد من زراعة الأرض الزراعية

وفق قواعد النظرية المالتوسية فزيادة الغذاء تخضع غالباً لقانون تناقص الغلة والذي يرتكز على أن الأراضي الزراعية تنتج في كل عام أقل مما تقوم بإنتاجه في العام السابق وأكثر مما ستقوم بإنتاجه في العام التالي ولذلك يجب منع عملية الزيادة في إنتاج الغذاء وذلك من خلال تخفيض عدد العمال وتخفيض رأس المال المستثمر بالزراعة.

الحد من زيادة السكان

النظرية المالتوسية تقول أنه في حال استمرت الموارد الغذائية في الزيادة فإن الشعب سيستمر في إنجاب المزيد من الأطفال الأمر الذي سيؤدي بدوره في النهاية إلى زيادة الطلب على الموارد الغذائية وبالتالي يقل نصيب الفرد من الغذاء نتيجة الزيادة السكانية، ولذلك اقترحت النظرية المالتوسية نوعين من الحلول لضبط الزيادة السكانية:

الضوابط الوقائية

حيث تقوم الدولة بممارسة تأثيرها في الحد من نمو السكان من خلال خفض نسبة المواليد وذلك عبر ذكر العواقب الوخيمة للأسرة من كثرة الإنجاب ومحاولة إقناعهم بأن وجود عدد كبير من الأطفال سيؤدي إلى خفض مستوى معيشة الأسرة بأكملها كما سيزيد من نسبة الأعباء المالية على كاهل الأسرة ولن يحظى الأطفال بالتعليم المناسب ولكن سيتحولوا إلى أسرة فقيرة تعاني على أرض الواقع بأطفال سيظلوا داخل دائرة الفقر طوال البقية الباقية من أعمارهم.

الضوابط الإيجابية

من خلال ذلك النوع من الضوابط تمارس الدولة دورها في الحد من الزيادة السكانية عن طريق زيادة نسبة الوفيات وذلك من خلال نشر وممارسة الأعمال الشاقة على الفقراء وزيادة المجاعات والفقر والدخول في الحروب وذلك من أجل زيادة معدل الوفيات وخفض عدد السكان، وفي حال تعثر الدخول في الحروب أو خافت الدولة من حدوث الفوضى جراء المجاعات والفقر يمكنها حينها اللجوء إلى حل نشر الأوبئة والأمراض القاتلة التي تؤدي إلى زيادة نسبة الوفيات وتخفيض الزيادة السكانية.

الانتقادات التي تعرضت لها النظرية المالتوسية

النظرية المالتوسية تعرضت للكثير من النقد وذلك خلال أواخر القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين وقد ارتكزت تلك الانتقادات على النقاط التالية:

  1. توقعت النظرية المالتوسية تردي الأوضاع الاقتصادية للمجتمع الأوروبي خلال الأجيال القادمة وهو ما لم يحدث؛ حيث لم تزد نسبة عدد السكان بأسرع مما توقعت به النظرية ولكن في الوقت ذاته ارتفع إنتاج الموارد الغذائية بشكل كبير بسبب التقدم السريع الذي حدث في مجال التكنولوجيا وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستوى معيشة الشعوب الأوروبية عوضاً عن انخفاض مستويات المعيشة كما توقعت نظرية مالتوس.
  2. المقارنة التي عقدتها نظرية مالتوس بين نمو السكان ونمو الموارد الغذائية لم تكن كافية من الأساس وذلك لأن بريطانيا لم تعاني من نقص المواد الغذائية لأنها أنتجت الكثير من الموارد الأخرى مثل الفحم والآلات والحديد والسفن والسكك الحديدة وبادلتها بالغذاء من دول أجنبية أخرى.
  3. لا يوجد أي دليل مجتمعي على أن نسبة زيادة المواليد ترتفع بارتفاع مستوى المعيشة بل على العكس تماماً هناك أدلة فوية على أن معدلات زيادة المواليد تنخفض مع زيادة النمو الاقتصادي، ففي الدول الأوروبية هناك انخفاض كبير في عدد المواليد على الرغم من النمو الاقتصادي الهائل.
  4. فشلت النظرية المالتوسية في توقع فتح بلاد جديدة؛ حيث ساهمت الاكتشافات الجغرافية في اكتشاف أمريكا واستراليا وبالتالي المساهمة في زراعة مساعدات شاسعة من الأراضي الزراعية البكر التي تُزرع للمرة الأولى وهو الأمر الذي أدى لزيادة إنتاج المواد الغذائية.

ختاما؛ فالنظرية المالتوسية وإن كانت ارتكزت على مؤشرات وأرقام صحيحة إلا أنها تعاملت منذ البداية على وجود عاملين فقد في المعادلة وهما السكان والغذاء وهذا كان خطأ كبير من جانبها، هذا عطفاً على أن النظرية تعاملت مع الأطفال على أنهم مستهلكين فقط ونظرت إلى القوة العاملة بإهمال شديد ولم تتعامل معها كمنتج مفيد للمجتمع.

أسماء

محررة وكاتبة حرة عن بعد، أستمتع بالقراءة في المجالات المختلفة.

أضف تعليق

4 × 3 =