تسعة
الرئيسية » هوايات وحرف » كيف ساهم علم الهارموني في تطوير الموسيقى عبر التاريخ؟

كيف ساهم علم الهارموني في تطوير الموسيقى عبر التاريخ؟

علم الهارموني هو فن يهدف إلى ابتكار جمل موسيقية منسجمة وتُعزَف بالتزامن مع اللحن الأصلي بغرض زخرفة الجملة وتأطيرها بلزمات متوازية. تعرف على المزيد حول هذا العلم في السطور القادمة.

علم الهارموني

علم الهارموني هو علم موسيقي يُدَرَّس في المعاهد والكليات المتخصصة في الفنون الموسيقية، وقد ظهر هذا العلم لأول في أوروبا في أثناء عصر النهضة الموسيقي. وكان الهدف من ابتكار هذا العلم هو إثراء اللحن الأصلي وزخرفته بالعديد من النغمات الفرعية المتآلفة مع الخط اللحني الأساسي من أجل تعزيز الانطباع الصوتي للحن في الآذان. وبفضل هذا العلم ظهر التوزيع الموسيقي المعني بتوزيع اللحن الأصلي على فرقة الأوركسترا الكبيرة التي تتكون من العديد من الآلات الموسيقية من مختلف الفصائل من أجل عزف اللحن بشكل جماعي دون الإخلال بالجمل الموسيقية الرئيسية. ومن أجل ضبط الأداء الجماعي وضمان سلامة الأداء كان هذا العلم هو الأداة العلمية لتنفيذ ذلك الأمر. وفي السطور التالية نتناول بالتفصيل أهمية هذا العلم الموسيقي ودوره في إثراء وتطوير الموسيقى.

علم الهارموني الموسيقي

علم الهارموني هو آلية علمية موسيقية تهدف إلى إصدار أكثر من نغمة بشكل متزامن بشرط توفر عنصر التآلف والتوافق بينها بحيث يمكن للمستمع استساغة الجملة الموسيقية بشكل شامل دون الشعور بأي نشاز أو شذوذ صوتي. ويعتمد الموزع الموسيقي على هذا العلم عند التعامل مع الجملة اللحنية حيث يتم توزيع اللحن على أكثر من آلة مع الحرص على التوافق الزمني والصوتي بينها وبعد ذلك يأتي دور الموزع في تأليف بعض الجملة الثانوية المصاحبة للحن الأصلي من أجل تنويع الصوت الموسيقي للجملة اللحنية ومن ثَمَّ لا يشعر المستمع بالملل عند تكرار الجملة اللحنية؛ لأنه في كل مرة يستمع إليها بمذاق مختلف. وعادةً ما يتم توظيف علم الهارموني في الموسيقى أو بالأحرى في الألحان ذات المقامات الموسيقية الغربية التي تخلو من مسافة الربع تون حيث يعجز هذا العلم عن التعامل مع النغمات الشرقية البحتة نظرًا لنشأته في أوروبا، لذلك يحرص الموزعون الشرقيون على الاستعانة به في الألحان الحديثة التي تحاكي النمط الغربي الموسيقي. ومن أجل تحقيق الانسجام المطلوب بين الجمل الموسيقية المتزامنة ينبغي للموزع اختيار المواضع اللحنية والزمنية بدقة بحيث تبدو الجملة متناسقة بشكل عام. وقد أدى ذلك العلم إلى إحداث ثورة في تاريخ الموسيقى؛ لأنه بفضل ذلك العلم ظهرت السيمفونيات الشهيرة التي تعزفها فرق الأوركسترا العالمية منذ قرون وحتى يومنا هذا.

قواعد علم الهارموني

ثمة قواعد كلاسيكية يقوم عليها علم الهارموني وقد وضعها الموسيقيون الأوائل منذ قرون، وتعتمد هذه القواعد على البعد الصوتي بين النغمات من أجل تحقيق الانسجام المطلوب. ومن أشهر قواعد هذا العلم هو تحقيق التآلف بين درجة الدو ودرجة الفا حيث يمكن اشتقاق العديد من المصاحبات الهارمونية من هذه المسافة واختيار ما يتوافق مع الجملة اللحنية الأصلية منها فضلاً عن التفريعات التي يمكن الاستعانة بها من كردات درجة الصول. وفي العصر الحديث أصبح للموزع الموسيقي المزيد من الحرية في انتقاء الخطوط الفرعية للحن دون التقيد بهذه المسافات؛ حيث صار له الحق في تأليف أكثر من تآلف صوتي مصاحب ما بين تآلفات ثلاثية متنوعة على السلم الموسيقي.

التآلفات الموسيقية

يقوم علم الهارموني على بناء التآلفات الهارمونية التي تصاحب اللحن ويُحَدَّد لها مجموعات معينة من الآلات لعزفها إلى جانب مجموعات اللحن الأساسي. وعادةً ما تتم كتابة هذه التآلفات في نوتات موسيقية مستقلة حيث يمكن عزفها بالتزامن مع اللحن ويتم تحقيق الانسجام بين جميع عازفي الأوركسترا الموسيقي. وفي النقاط التالية سوف نتناول أشهر التآلفات الموسيقية التي يمكن صياغتها بفضل هذا العلم.

التآلف البسيط

وهو عبارة عن نغمتين متألفتين تُعزفان بالتزامن في نفس الوقت بحيث تزخرف إحداهما الأخرى، وفي هذه الحالة يتم تقسيم مجموعة الوتريات أو أي من الفصائل الأخرى إلى مجموعتين بحيث تعزف كل مجموعة نغمة واحدة بالتوافق مع الأخرى، وبالطبع يتم التنسيق بينهما إما عن طريق إظهار أزمنة الوقوف والعزف في النوتة الموسيقية أو من خلال إشارة قائد الأوركسترا الذي ينظم عملية العزف.

التآلف الثلاثي

يُعَد من التآلفات الأساسية التي يعتمد عليها علم الهارموني في الموسيقى الغربية حيث يقوم هذا التآلف على ثلاث جمل موسيقية مُرَتبَّة زمنيًا بزمن وأسلوب معين بحيث تبدأ كل نغمة بدرجة موسيقية ثم تترك التي تليها لتستكمل ما بعدها، وهكذا تملئ كل نغمة الفراغ الذي تتركه الجملة السابقة لها ما يؤدي إلى تكوين جمل موسيقية ثرية ومزخرفة ما يساعد على تأطير اللحن الأصلي بالعديد من الخطوط المتوازية التي تضفي الكثير من البهاء على المقطوعة الموسيقية.

التآلفات المتنوعة

في هذا النوع من التآلفات يعتمد الموزع الموسيقي على تأليف العديد من التآلفات الثلاثية والعمل على دمجها معًا إلا أن ذلك الأمر يتم بصورة معقدة ويتطلب الإلمام بأسرار علم الهارموني والتفوق فيه. وفي هذا الصدد يتم بناء الجمل الهارمونية على أساس التلاعب بطول المسافات الموسيقية للجمل المصاحبة، حيث يتم بناء تآلفات ثلاثية كبيرة ذات مسافات طويلة، وفي الوقت ذاته توضَع تآلفات موسيقية متوسطة لتكون بمثابة جسر يربط بين التآلفات الكبيرة والصغيرة، وفي النهاية تأتي التآلفات الصغيرة ذات المسافات القصيرة. وعادةً ما يتم عزف التآلفات الصغيرة على الأوكتاف الأوسط بينما تُعزَف التآلفات الكبيرة على الأوكتاف الأعلى. وغالبًا ما تتميز التآلفات الكبيرة بالطابع المفرح نظرًا لاتساع المسافات الصوتية بينها ما يعطي رحابة وانطباعًا سعيدًا على الآذان نتيجة للانتقالات الموسيقية المفاجئة التي تعطي للمستمع انطباعًا بالقفز، بينما تتميز التآلفات الصغيرة بالطابع الحزين والكئيب نظرًا لضيق المسافات الصوتية ما يعطي انطباعًا بالاختناق والتضييق والثبات.

وعادةً ما يعتمد معظم الموزعين الموسيقيين على التآلفات المتنوعة والمزج بين أجناسها؛ ويُعزَى ذلك إلى طبيعة اللحن الموسيقي المتقلب والتي تختلف جملة الموسيقية ومقاماته المستخدمة؛ حيث ينوع الموزع تآلفاته اعتمادًا على طبيعة الجملة الموسيقية التي بصدد مصاحبتها هارمونيًا، ومن ثَمَّ ينتقل بين التآلفات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة لمنح الجملة المزاج الذي يلائمها. وتمنح هذه التبادلات التآلفية قوة للحن وتضمن له خاتمة قوية ومُرضية لأذن المستمع.

ويرى النقاد الموسيقيون أن أهمية هذا العلم تُعزَى بشكل عام إلى إزالة عنصر الملل عن المستمتع عند استماعه للحن، وغالبًا يُعَد ذلك هو السبب الرئيسي الذي دفع الموسيقيون الشرقيون إلى اقتباس علم الهارموني من الموسيقى الغربية؛ وذلك لأن الألحان الشرقية عادةً ما تتكون من جملتين موسيقيتين فقط، وكان قديمًا يعتمد المطرب الشرقي على التخت البسيط ذي التكوين الصغير، وفي الغالب كان المطرب يعتمد على عنصر التطريب والتكرار الذي يؤدي إلى الملل نظرًا لقلة الجمل الموسيقية في اللحن الأصلي وعدم تنوعها. ومن هذا المنطلق ندرك أهمية هذا العلم الذي يمنح الجمل الموسيقية ثراءً وتنوعًا حيث تُعَاد الجملة الموسيقية في كل مرة بطريقة مختلفة نتيجة لاختلاف التآلفات الموسيقية المصاحبة للجملة ما يؤدي إلى أن يشعر المستمع بانه يستمع إلى جملة مختلفة. ومع مرور الزمن تم ترسيخ مبدأ المصاحبة الهارمونية في الموسيقى الشرقية وأضاف إليها الكثير من التطور والتنوع مع الحفاظ على هويتها في الوقت ذاته.

وأخيرًا ندرك من خلال هذا الشرح المستفيض لتفاصيل علم الهارموني كيف ساهم هذا العلم في تطوير الموسيقى وساعد على جعلها أكثر عصرية.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

2 × واحد =