تسعة شخصيات

غوتاما بوذا .. حكيم أفترى عليه أتباعه بمنحه الألوهية

بوذا

حاول غوتاما بوذا كشف أسرار الحياة والكون من حوله من خلال العقل،ولكن بعد موته تم تقديس تلك الأفكار من قبل أتباعه، وامتدت الى ما يسمى الديانة البوذية.

غوتاما بوذا هو أحد الاسماء التي أُدرجت بقائمة مايكل هارت للخالدون المئة، والتي جاء تصنيفها وفقاً لمدى تأثير كل شخصية في تاريخ الإنسانية، ولكن ما يشاع عن بوذا إنه مُنشئ الديانة البوذية، ولكن هذا القول مشوب بالخطأ، فإن بوذا طيلة حياته لم يدع النبوة يوماً، فهو لم يكن سوى رجل حكيم مستنير، حاول كشف أسرار الحياة والكون من حوله من خلال العقل، وجاء بفكر فلسفي داعم للأخلاق ويعدها الركيزة الأساسية لتحقيق السعادة في الحياة، ولكن بعد موته تم تقديس تلك الأفكار من قبل أتباعه، وامتدت تلك الصفة إلى بوذا نفسه فقاموا بتأليهه وادعوا وجود ما يسمى الديانة البوذية.

غوتاما بوذا .. من هذا ؟

لفترة طويلة من الزمن كان الاعتقاد السائد إن بوذا ما هو إلا أسطورة، لكن مع الوقت تم الكشف عن أدلة تاريخية دامغة، تؤكد إن غوتاما بوذا شخصية حقيقية عاشت قبل الميلاد، والسؤال هو “من يكون؟”

بوذا ليس اسماً :

ونحن بصدد التعرف على أحد أشهر الشخصيات التاريخية وهو بوذا ،فإن أول ما يجب معرفته عنه هو إن بوذا ليس اسمه، بل إن ذلك اللفظ ما هو باسم علم من الأساس، بل هو لقب ينطق باللغة السنسكريتية بوذا أو بودا، وفي اللغة العربية هو ” بَدّ “، وهو يعني الإنسان الساهر أو الإنسان دائم اليقظة أو صاحب البصيرة النافذة، أما الاسم الحقيقي الذي وُلد به صاحب اللقب، فقد كان سيدهارتا غوتاما.

ميلاده ونسبه :

غوتاما بوذا أو كما عُرف لحظة ميلاده سيدهارتا غوتاما، ولد في عام 563 ق.م تقريباً، وكان ينتمي إلى العائلة صاحبة الزعامة في قبيلة شاكيا، فوالده هو سدهودانا القائد العسكري والمُنصب زعيماً على القبيلة، والذي كان يتخذ من جبال الهيمالايا مركزاً لحكمه، وهو الذي أشرف على نشأة بوذا وتربيته، خاصة وإنه فقد والدته التي كانت تدعى مايا بعد أيام من والدته.

موقع ميلاده :

لفترة طويلة من الزمن كان المؤرخون يجهلون موقع ميلاد بوذا ،بل على الأحرى كانوا يجهلون إن كانت شخصية بوذا حقيقية أم إنها مجرد أسطورة، وكان الاعتقاد السائد حينها إنه وُلِد في شمال الهند، ولم يتم التأكد من الأمر إلا في عام 1890م، وذلك على يد مجموعة من الإنجليز المنقبين عن الآثار، والذين توجهوا إلى الهند خصيصاً بهدف التوصل إلى موقع ميلاد بوذا ،وتمكنوا بالفعل من العثور على مخطوطات قديمة، أثبتت أن موقع ولادة بوذا هو قري شمال الهند، وعلى وجه التحديد المنطقة التي تعرف في يومنا هذا بحدائق لومبيني، والأهم إن تلك المخطوطات أثبتت إن مؤسس البوذية كان موجوداً بالفعل، وليس مجرد شخصية مزعومة.

حكيماً رغم أنف أبيه :

كان والد بوذا يأمل أن يحل ابنه محله في كبره، وأن يتولى العرش خلفاً له ويكمل مسيرته في زعامة القبيلة، ولهذا بالغ في تدليله في صغره ليبعده عن النواحي الفكرية، وشغله بما كان يسمى ألعاب ملكية، والمقصود بها التدريب على ركوب الخيل وإتقان فنون القتال، ولكن هذا لم يجد نفعاً ولم يحقق للوالد ما يرغب به، إذ لاحظ إن ابنه سيدهارتا يتسم بالفضول الشديد، وتساوره العديد من التساؤلات حول الكون وأسراره، فعلم يميل أكثر إلى الجوانب المعرفية والفكرية، وقد تحقق ظن الأب بابنه، وحين تجاوز بوذا سن العشرين بسنوات قليلة زهد حياة الملوك، وفضل المكوث في العراء ليقضي وقته في التأمل والتدبر.

الاعتقاد الديني :

ماذا كانت ديانة بوذا أو بودا قبل الأتيان بقواعد وأسس فلسفته الدينية، والتي عُرفت اصطلاحاً فيما بعد باسم “البوذية” نسبة إليه؟!.. سؤال طالما طُرح وطالما حيّر العقول، ولكن وفقاً للمراجع التاريخية وما رواه معاصري بوذا عنه، فإنه لفترة من حياته كان يعتنق الديانة البرهمية أو الهندوسية، وهي الديانة التي كانت منتشرة في موطنه وكان آباءه يؤمنون بها، ولكن حين بلغ بوذا مرحلة الشباب تخلى تماماً عن هذا الاعتناق، إذ أن بعض المخطوطات الوارد بها التعاليم المنسوبة إليه، ذكرت إنه كان ينكر وجود الذات الإلهية، وكان يعتقد بصحة نظرية تناسخ الأرواح بعد الموت وفناء الأجساد.

زواج بوذا :

كان بوذا ينتمي إلى العائلة المالكة المتزعمة لقبيلة شاكيا، وكان أمراء القبيلة وفقاً للتقاليد القبلية السائدة يتزوجون في سن صغيرة، ولهذا فعند بلوغ بوذا عمر السادسة عشر، قرر والده أن يزوجه من الأميرة ياسوهارا، والتي كانت تشتهر بحسنها وجمالها الطاغي، فأقام العرس الملكي الذي دام لعدة أيام متواصلة، ورغم إن ياسوهارا لم تكن عروس من اختيار بوذا ،إلا إنه سعد برفقته وعشرتها، وأنجب منها ولد واحد أطلقا عليه اسم راهولا.

فلسفته :

الإنجاز الحقيقي الذي أحرزه بوذا خلال حياته، وهو سبب شهرته وتخليد التاريخ لذكراه، هو وضعه لأسس وقواعد الفلسفة البوذية، والتي لم يقل يوماً بإنها ديانة ولم يدعو لاعتناقها كدين، إنما قدم فقط مجرد أفكار فلسفية أولت اهتمام بالغ بالجانب الأخلاقي، وتنقية النفس عن طريق مقاومة الرغبات الشهوانية، والتي كانت بحسب رؤيته المسبب الأول لمعاناة البشر.

تماثيل بوذا ونصبه التذكارية :

رغم ما يثار حوال بوذا وتعاليمه والأسس التي أقام عليها فلسفته من جدل ولغط، إلا إن هذا لا ينفي حقيقة إنه من أبرز الشخصيات تأثيراً في التاريخ، وإنه يحظى بمكانة رفيعة في نفوس ملايين البشر بدرجات متفاوتة، فمنهم من يؤمن بصحة أفكاره حتى إنه يصبغها بصبغة الدين، ومنهم من هم عقلاء فيرونه مجرد حكيم وفيلسوف مفكر، أصاب فيما أصاب وأخطأ فيما أخطأ، ومن أبرز الدلائل على مكانة بوذا ما أقيم له من نصب تذكارية، وكذا التماثيل التي جسدته عبر العصور المتعاقبة، ومن أمثتها:

  • تمثالا بوذا في وادي باميان، وهي المنطقة الواقعة في وسط دولة أفغانستان، والتي تم نحت تمثالين لـ بوذا بها على منحدرات الوادي، يرجع تاريخ نحتهما إلى القرن السادس قبل الميلاد تقريباً، ولكن تم تدمير كلا التمثالين في عام 2001م على يد تنظيم القاعدة.
  • سالة تانج التي حكمت الصين لعدة قرون أيضاً أقامت له تمثالاً، ويقع هذا التمثال الصخري في وسط الصين ومنذ عام 1990م تم اعتبار التمثال تراثاً عالمياً من قبل منظمة اليونسكو.
  • التمثال الجرانيتي في سريلانكا، وهو أحد أضخم تماثيل بوذا إذ يبلغ ارتفاعه أكثر من 12 متراً، ويعود تاريخ هذا التمثال إلى القرن الخامس الميلادي.
  • أضخم تماثيل بوذا على الإطلاق هو ذلك المقام بشرق الصين، والذي يتجاوز ارتفاعه حد الـ153 متراً ويزن 30,000 كيلوجراماً، وهو أيضاً يعود تاريخه إلى زمن حكم سلالة تانج، وهو يتوسط معبد ياننينج والذي هو أحد أكبر معابد البوذية.

الموت والأساطير :

من المثبت تاريخياً إن بوذا قد مات في عام 480 ق.م، أما كيفية موته فهي محل خلاف بين المؤرخين، ولكن أغلب المصادر التاريخية تشير إلى إنه قد أصابه مرض عضال، عاش به فترة قصيرة قبل أن يُجهز عليه، وحين مات بوذا كان لا يزال مُجرد فيلسوف ومفكر، وكانت الأجيال المتعاقبة تتناقل أفكاره هذه وتورثها، ومع الوقت تم تحوير هذه التعاليم من صورتها الأصلية، كأفكار فلسفية بشرية مجردة، إلى تعاليم دينية مُنحت من قبل البعض صفة التقديس، ومع تعاقب الأزمنة مُحيت الصورة الأصلية لـ بوذا وأفكاره، وبات يعرف بألقاب مثل بوذا الممجد أو الرب بوذا وما إلى ذلك من مسميات، وهكذا تم إكساب بوذا الصفة الإلهية زوراً وافتراءً، وهو نفسه لم يكن له يد بذلك ولم يدع يوماً إنه نبياً أو إلهاً.

سيرة حياة

أضف تعليق