تسعة شخصيات

محمود درويش .. الذي جَلَد بأشعاره ظهر الصهيونية العاري

محمود درويش .. الذي جَلَد بأشعاره ظهر الصهيونية العاري

سيرة حياة محمود درويش : لا يمكن وصفه بكلمات مختصرة، فهو الرجل ذو الصفات المتعددة، هو القاص والشاعر والسياسي والمناضل، ورمز الثورة على الطغيان في كل زمان

محمود درويش هو اسم يعتبره الكثيرون مرادف لمصطلح الثورة، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي تولى كتابة وثيقة الاستقلال الفلسطيني التي أعلنت من الجزائر، وكيف لا يكون كذلك وكل كلمة بأشعار محمود درويش صرخة في وجه الاحتلال، ويعتبر درويش من أهم الشعراء العرب المعاصرين، ليس فقط لمواقفه النضالية والبطولية، وإنما لإبداعه الفني فهو أحد رواد الشعر العربي الحديث ومن أوائل المساهمين في تطويره.

محمود درويش .. من هذا ؟

محمود درويش هو اسم لا يمكن وصف صاحبه بكلمات مختصرة، فهو الرجل ذو الصفات المتعددة، هو القاص والشاعر والسياسي والمناضل، وهو رمز الثورة على الطغيان في كل زمان.

الميلاد والأسرة :

في الثالث عشر من مارس لعام 1941م وُلِد الشاعر محمود درويش ، وذلك في قرية تسمى البروة واقعة في منطقة الجليل بشمال فلسطين قرب ساحل عكا، وكان ذلك في زمن الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية، وكان ينتمي درويش لأسرة فلسطينية ميسورة الحال، إذ كان والده يمتلك مساحة من الأراضي يزرعها لصالحه، وقد كان لوالديه ثمانية ابناء محمود هو الثاني بينهم، وكان له أربعة أشقاء وثلاث شقيقات.

تجربة التهجير :

في سن مبكر جداً علم محمود درويش مذاق الظلم وتعلم معنى القهر، فحين بلغ الثامنة من عمره تقريباً احتلت بلاده من قبل الصهاينة، واضطر هو وأسرته على ترك موطنهم وممتلكاتهم قسراً، وعبروا الحدود بصحبة العديد من الأسر الفلسطينية إلى لبنان، وعاشوا بها كلاجئين هاربين من نيران الحرب وملاحقة جيش الاحتلال لهم. وتلك التجربة القاسية التي مر بها درويش في طفولته، أكسبته صلابة وزادته انتماءً لوطنه وكرهاً لعدوه المحتل.

لم يطل غياب محمود درويش وأسرته عن فلسطين إلا عام واحد، ففي عام 1849م توقف إطلاق النار ووقعت اتفاقيات الهدنة، فعادت الأسرة متسللة عبر الحدود، ولكنهم اكتشفوا فور عودتهم إن جيش الاحتلال قد سلبهم كل شىء، وإن بلدتهم الصغيرة قد تحولت إلى قرية زراعية إسرائيلية أُطلق عليها اسم أحيهود.

التعليم :

رغم تدهور الأوضاع في فلسطين بصفة عامة وتردي الوضع الاقتصادي للأسرة بشكل خاص، إلا أن أسرة محمود درويش كانت حريصة على إتمامه لتعليمه، خاصة وإنه قد أظهر تفوقاً ملحوظاً، وقد تلقى درويش تعليمه الابتدائي في مدارس البروة قبل التهجير، ثم درس لمدة عام واحد في لبنان، وبعد عودته التحق بمدرسة يني الثانوية في كفرياسيف بمنطقة الجليل.

أشعاره ومؤلفاته :

موهبة محمود درويش الشعرية ظهرت في وقت مبكر جداً من عمره، فقد نظم أولى قصائده الشعرية وهو طالب في المدرسة الابتدائية، وقد أعجب مُعلميه بموهبته المتقدة وحثوه على تنميتها وقد أخذ بالنصيحة، إلى أن صار أحد أشهر وأبرز الشعراء في التاريخ، وأثرى الأدب العربي بالعديد من القصائد البارزة، منها حبيبتي تنهض من نومها، وأحبك أو لا أحبك، وعصافير بلا أجنحة، ويوميات جرح فلسطيني.. ورغم براعة درويش في الشعر إلا إنه ليس اللون الأدبي الوحيد الذي أجاده، فقد كتب المقال والقصة والخواطر، وكتابه أثر الفراشة خير شاهد على ذلك، إذ مزج فيه بين النثر والشعر.

العمل الصحفي والسياسي :

فور إنهاء محمود درويش لدراسته الثانوية انتسب إلى الحزب الشيوعي، وبدأ في نشر كتاباته وأشعاره من خلال الجرائد التابعة له، ومنها جريدة (الجديد) التي صار مشرف تحرير بها فيما بعد، وكذلك كان له مشاركات عديدة بجريدتي الفجر والاتحاد، وكان محمود درويش من أصحاب القلم الحر، لم يهادن ولم يقبل مساومة وكانت كل كلمة يدونها بمثابة شعلة تلهب حماس المناضلين، وقنبلة تنفجر في وجه الصهاينة المحتلين.

اعتقاله وتنقلاته :

بالتأكيد السلطات الإسرائيلية المحتلة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هجوم محمود درويش الضاري، فتعرض للاعتقال أكثر من مرة خلال الفترة ما بين عامي 1961م : 1972م، وفي عام 1973م سافر درويش إلى الاتحاد السوفيتي حيث أكمل دراسته هناك، ثم قضى بضعة سنوات بالعاصمة المصرية القاهرة كلاجئ سياسي، وخلال تلك الفترة انضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية وكان من المسئولين في مؤسسات النشر التابعة لها، لكنه استقال منها اعتراضاً على توقيع اتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير مع إسرائيل.. كذلك أقام لفترة في بيروت، ولكن إقامته انتهت بها باجتياح الجيش الإسرائيلي لها ومحاصرته عاصمتها، فتنقل بين سوريا وقبرص وتوس ومصر وفي النهاية استقر في باريس.

شاعر المقاومة :

إنجاز محمود درويش يتمثل في قدرته البديعة على تطويع موهبته لخدمة آرائه ومواقفه، فهو خير من عبر عن القضية الفلسطينية، وتعتبر قصائده بمثابة تأريخ شعري لنضال الشعب الفلسطيني وجرائم جيش الاحتلال، ولا زال الشعب الفلسطيني يتغنى بأشعاره حتى اليوم، ولا يعتبرونه مجرد شاعر بارع بل هو في نظرهم بطل قومي.

الجوائز والتكريمات :

شاعر ذائع الصيت له قامة ومكانة الشاعر محمود درويش ،كان من الطبيعي أن يكون له نصيب وافر من الجوائز والتكريمات، وقد نال درويش العديد منها بالفعل، ومن أبرزها الآتي :

  • جائزة لوتس في عام 1969م.
  • جائرة البحر المتوسط للشعر والإبداع في عام 1980م.
  • كُرم بدرع الثورة الفلسطينية في عام 1981م.
  • لوحة أوروبا للشعر في عام في عام 1981م.
  • جائزة ابن سينا الروسية عام 1982م.
  • جائزة لينين في الإبداع من الاتحاد السوفيتي عام 1983م.
  • نال وسام الاستحقاق التونسي من الطبقة الأولى عام 1993م.
  • جائزة الأمير كلاوس من هولندا في عام 2004م.
  • الوسام الثقافي التونسي في عام 2007م.
  • جائزة القاهرة للشعر العربي في عام 2007م.

جائزة الإكليل الذهبي :

كما ذكرنا فإن محمود درويش كان له نصيب وافر من الجوائز والتكريمات، ولكن لعل الجائزة الأهم في مشواره الإبداعي هي جائزة الإكليل الذهبي، وهي جائزة مقدونية تعتبر من أهم الجوائز الشعرية في العالم، وتمنح سنوياً ضمن فاعليات مهرجان أمسيات ستروغا الشعرية، ولا تمنح تلك الجائزة للشعراء إلا وهم على قيد الحياة، وما يميزها تلك الجائزة عن غيرها هو إنها لا تمنح فقط للإبداع الشعري، إنما تمنح للشاعر بعد تقييم أشعاره وأفعاله على حد سواء، وكان نضال محمود درويش من أجل وطنه ومواقفه البطولية تجاه الاحتلال الصهيوني، من الأسباب المباشرة التي رجحت كفته وأهلته للحصول على تلك الجائزة الرفيعة، وهو بحق جدير بها.

الوفاة :

في عام 2008م سافر محمود درويش إلى الولايات المتحدة ليجري جراحة بالقلب، وقد دخل درويش في غيبوبة طويلة بعد إتمام الجراحة، وفي التاسع من أغسطس لعام 2008م نزعت عنه أجهزة الإنعاش، وذلك بناءً على توصيته التي أبلغ بها أطباء مستشفى ميموريال هيرمان الأمريكية، وفور إعلان نبأ وفاة الشاعر الكبير أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد بكافة أرجاء فلسطين، وقد وصفه في خطاب نعيه بعاش فلسطين المعطاء ورائد المشروع الثقافي الحديث.

مثواه الأخير :

كان محمود درويش عاشقاً لأرض فلسطين بمعنى الكلمة، حتى إنه لم قد أوصى بأن يدفن بها حال موته، وقد تحققت أمنيته وتم نقل جثمانه من الولايات المتحدة إلى فلسطين على متن طائرة أردنية، وشُيع جثمانه في رام الله في جنازة مهيبة أشبه ما تكون بالتظاهرات الشعبية، تقدمها قيادات ورموز حركات المقاومة الفلسطينية، وخرج فيها مختلف أطياف الشعب الفلسطيني لتوديع شاعرهم المناضل، وكان ذلك في الثالث عشر من أغسطس لعام 2008م، ودفن في ساحة قصر ثقافة رام الله، والذي تم تغيير اسمه إلى قصر محمود درويش الثقافي تيمناً به.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق