تسعة مجهول
لويس جرافيتو
الرئيسية » جريمة » لويس جرافيتو : سفاح الأطفال المثير للرعب يعود من جديد

لويس جرافيتو : سفاح الأطفال المثير للرعب يعود من جديد

لويس جرافيتو سفاح كولومبي عاش في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد ارتكب ذلك السفاح ما يربو عن المئة والأربعين جريمة قتل.

ربما لن يكون من غير المنطقي إذا قلنا أن لويس جرافيتو السفاح الكولومبي الشهير، قد حظي بأغرب حياة على الإطلاق، حياة غريبة في كل شيء، حتى النهاية كذلك بدت غريبة وغير مقبولة بالمرة، لكنها الحياة التي نتحدث عنها، أحيانًا تصفعك مع أحول احتكاكٍ بها وفي أحيانٍ كثيرة تتركك تفعل الكثير والكثير ولا تُعاقبك بالعقاب الذي تستحقه في النهاية، جرافيتو حظي بالوجه الثاني من الحياة وكان محظوظًا بحق في نصف حياته الثاني، أم النصف الأول فقد كان للوجه الأول من الحياة، ولو كنا سنُحلل حياة ذلك الرجل بالتفصيل فسوف نجد أنها قد مرت بمنحنيات ومنعطفات لا آخر لها، والتاريخ لا يكذب بالتأكيد، فهو من تكفل بنقل قصة هذا السفاح لنا وتخليدها بين سجلاته، ولكي تفهموا الأمر أكثر، وتدركوا أنه يستحق فعلًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على السفاح الكولومبي الملقب بالوحش وكيف تحول في غضون سنوات قليلة إلى أن يكون ابنًا للشيطان، وما هي نهايته الغريبة التي لم يُصدقها أحد؟

لويس ابن الشيطان

في الخامس والعشرين من يناير القابع في عام 1957 كان الشيطان ينتظر بشغف ميلاد طفله الجديد، ولكي نكون واضحين فنحن هنا لا نتحدث بالطبع عن الشيطان الحقيقي، ولا نقصد كذلك أن لويس قد جاء كنتيجة لبعض أعمال السحر والعالم السفلي، ما نعنيه ببساطة أن طفل بمواصفات لويس التي سيُصبح عليها فيما بعد يستحق تمامًا أن يكون ابنًا للشيطان، وبعد أن تسمع حكايته بنفسك سوف يكون ذلك الوصف هو الأقل في إعطاء الحق له.

والد لويس، الحقيقي البشري لا الشيطان، كان مجرد عامل بسيط في ضواحي كولومبيا البسيطة في الأساس، وإذا كنتم تظنون أن كولومبيا بمعروفة بكونها دولة يكثر فيها معدل الجرائم فأنتم لا تزالون بحاجة إلى إكمال تلك القصة لآخرها لتعرفوا أن ذلك المعدل في الأصل قد خلق على يد لويس بطلنا، عمومًا، لأب فقير وأم متوفاة وسبعة أشقاء آخرين ولد ابن الشيطان وبدأ في عيش طفولته التي ستشكل فيما بعد حياته بأكملها.

طفولة لويس جرافيتو

كما ذكرنا من قبل، كل شيء في حياة أشهر السفاحين يبدأ منذ طفولتهم، والحقيقة أن طفولة لويس جرافيتو تُعتبر أكبر دليل على ذلك، فمثلًا، أول شيء وجد الطفل نفسه فيه أنه مُطالب بالعمل وإطعام بقية أشقائه السبعة فقط لمجرد كونه الأكبر بينهم، وهذا يعني ببساطة أنه لن يخوض تجربة التعليم، وهي التي كان يُعول عليها كثيرًا في إنقاذ مستقبل طفلٍ كهذا، لكن لويس لم يتعلم، وكانت هذه أولى الصعاب التي لاقاها، ولم تكن جميعها بكل تأكيد.

بقية المتاعب تبدأ من عند والده، ذلك الشخص الذي كان لا يتوقف عن ضرب أبناءه وكيل الوجع لهم، فلا يتركهم بفقره الذي خذلهم، وإنما أيضًا يشرب الخمر من المراهنات ثم يأتي سكيرًا ويطيح في الجميع، وأخيرًا، فإن ذروة التأخر والألم في طفولة لويس كانت عندما حاول اثنين من جيرانه التحرش به، أو أنهم قد فعلوا ذلك أصلًا، عمومًا استعدوا، لويس سوف يكبر يومًا ما وينتقم من الجميع بطريقته الخاصة.

الكحول ونوبات الغضب

في البداية كان على لويس جرافيتو عندما يكبر ويُصبح شابًا أن يُقرر ما الذي عليه أن يفعله، خاصةً وأن والده كان قد مات ولم يعد ملتزمًا بتربية إخوته، لكن لويس اختار الاستمرار في العمل الشاق، وخاصةً المستودعات، كان هذا بالنهار، أما الليل فكان كله متروكًا لتبديد ما جمعه من مال داخل هذا العمل، ولم يكن حتى يُفكر في زواج أو عمل أي مشروع خاص، كل ما كان يعنيه هو شرب الكحول بشراهة، فهل يفكركم ذلك الأمر بشيء؟ أجل، إنه تمامًا ما كان يفعله والده، وهذه طبعًا أولى الأشياء التي حصدها من طفولته.

بخلاف الكحول، أو ربما بسبب تأثير الكحول، كان لويس يُعاني من نوبات غضب شديدة، تلك النوبات كانت تحمله حملًا على ضرب زملائه دون أي سبب، كان شديد العصبية، لدرجة أنه قد بدأ في سن الخامسة والثلاثين المتابعة مع طبيب نفسي وعمل جلسات عصبية وكهربائية معه، إلى هنا يُمكن القول إن حياة الرجل قد انتهت، لكن، إذا أردت أن تكون شخصًا استثنائيًا مثل لويس فلا تُفكر أبدًا في إسدال كلمة النهاية مبكرًا.

عمل يفتح باب الجرائم

قرر لويس جرافيتو بداية عمل خاص به لا يجبره على الاستيقاظ مبكرًا أو الاحتكاك بزملاء يُمكن الشجار معهم وفتح احتمالية عودة نوبات الغضب والعصبية من جديد، الحل المثالي من وجهة نظره كان يكمن في العمل الحر المنفرد، والحقيقة أنه كان عملًا بسيطًا جدًا، حيث بدأ لويس في بيع الأغراض الصغيرة للمارة في الشوارع، وكان يُركز في عمله على الأغراض الدينية، وبالطبع أنتم تعرفون كم يُقدر الناس أي شخص له علاقة بالدين، حتى ولو لم يكونوا متدينين، فقط مجرد كونه له علاقة بالدين الذي ينتسبون إليه.

مع عمل لويس الجديد بات بإمكانه الاحتكاك بالبشر أكثر بعد أن انعزل عنهم لفترات بسبب العلاج، حتى الزواج والعلاقات العاطفية لم يقترب منها مجرد اقتراب، كانت هوايته بيع الأغراض للناس في الشوارع، والحقيقة أنه كان ثمة شعور غريب ينتابه عن رؤيته للأطفال وهم يتراقصون ويلعبون في الشارع، ما هو ذلك الشعور؟ هذه هي إجابة ما سيفعله لويس بهم بعد أشهرٍ قليل من العمل والنجاح في مصادقتهم وكسب حبهم.

ميلاد الوحش

في كل ما مضى كانت أذية لويس جرافيتو تتوقف عند ضرب أصدقائه وشرب الكحول، لكن، عندما عمل لويس في بعض الشوارع ورأى الأطفال فيها يلعبون في مرح تذكر ما كان يحدث له قديمًا من تعذيب وسوء معاملة، تذكر المعاناة، وإن أكثر شيء يُمكن أن يُعاني من الآخرين أن يروا أشخاص لم يعانوا مثلهم، خاصةً إذا كان الأمر يتعلق بالفقر والجهل والمرض، فالفقير ينقم على الغني، والمريض ينقم على الصحيح، فمن الذي سينقم عليه لويس يا ترى؟

إنه الطفل، هذه كانت الإجابة حسبما بدا، فقد بدأ لويس منذ هذا الوقت في اصطياد الأطفال وقتلهم، وقد كان ذلك في عام 1992، ولأن أعدد ضحايا لويس كثيرون جدًا دعونا نتناول أول ضحية رسمية له، ونعرف كيف قام بقتلها وكيف أصبح طليقًا بعد ذلك وعاث في الأرض فسادًا.

الجريمة الأولى للوحش

كانت الجريمة الأولى للوحش لويس جرافيتو في عام 1992، ففي يوم من الأيام بهذا العام قرر الوحش أنه يكفي تحملًا لرؤية سعادة الأطفال من حوله، لذلك قرر أن يضع بنفسه حدًا تلك المهزلة من وجهة نظره، فقام بإغراء طفل في عمر السابعة بقطعة حلوى، وطبعًا جميعنا يعرف ما الذي تعنيه الحلوى للأطفال، ثم بعد ذلك أخذ الطفل إلى مكان نائي وقام بتجريده من ملابسه ومناولته بآلة حادة على رأسها ضربًا مميتة.

لم يكتفي الوحش بما حدث، وإنما عكف على تشويه جثة الطفل بكل ما يملكه من طاقة، وبعد أن أصابه التعب تركه ورحل ليُكمل بيعه للأغراض الدينية وكأن أمرًا لم يكن، والحقيقة أنه كان ثمة شخص لا يزال واقفًا في ذهول أمام هذا المنظر الذي يراه حوله، إنه وببساطة الشيطان، الأب الروحي للوحش الكولومبي.

الوحش يستمر في القتل

كان لويس جرافيتو يمتلك قدرة هائلة على نزع وجه ولبس الآخر بسهولة، بدا وكأنه يفعل ذلك بصورة طبيعية، ولم يظهر كمجنون كما هي حقيقته، فكان في الصباح يبيع الأغراض ومع انتصاف النهار ينتقي الضحايا وبحلول المساء يكونوا قد تحولوا إلى جثث، وطبعًا لم يكن يفعل ذلك في مكان واحد، وإنما كان يتنقل من بلدٍ إلى أخرى وربما من مقاطعة إلى غيرها، كان يقصد تشتيت الانتباه وألا يشك أحد به، وكان قبل كل ذلك يدرس الأماكن النائية التي يُمكن أن يقتاد الأطفال إليها في نهاية اليوم لتنفيذ جريمته بدم بارد.

استمر الوحش طليقًا واستمرت الجرائم، لم يكن ثمة أحد يشك مجرد الشك أن ذلك الشخص المتجول بالأغراض، الطيب كما يبدو، يحمل في باطنه سفاح قاتل لا رحمة ولا دين له، لم يشك أحد على الرغم من أن لويس قد أسقط ما لا يقل عن مئة وأربعين طفل في فترة قصيرة، وربما يكون ذلك الأمر هو الذي أغضبه ودفعه لارتكاب واحدة من الحماقات المجنونة التي لا تتكرر كثيرًا في عالم الجريمة، وهي الذهاب إلى الشرطة بنفسه والاعتراف بجرائمه!

الوحش يُسقط نفسه

لكم أن تتخيلوا أن لويس جرافيتو بعد أن أسقط ما لا يقل عن مئة وأربعين طفل لم يستطع أحد في النهاية النيل منه أو القبض عليه، كان طليقًا، وكان هو نفسه يتعجب ويمتعض من هذا الأمر، فهما كان السفاح ومهما كانت درجة حرصه وخوفه من السقوط إلا أنه في النهاية يتمنى تسليط الضوء عليه وخوف الناس منه، يتمنى أن يعرف أحد ما أنه يفعل شيء يستحق الاحترام، لكن لويس لم يجد ذلك، فقرر إيجاده بنفسه.

مع نهاية عام 1995 ذهب لويس إلى قسم الشرطة وأبلغ عن شخص يقتل الأطفال، وعندما سأل المحقق عن هوية الشخص بدأ لويس يصف نفسه بصورة أثارت غضب المحقق وجعلته يظن أن لويس يسخر منه، لكن ما إن فجر المفاجأة وقال اسمه ورفع يده يطلب القبض عليه إلا وأصيب الجميع بالصدمة، تلك الصدمة التي لم يتم تداركها حتى مع ذهاب لويس رفقة المحققين إلى الأماكن التي كان يُخفي فيها الجثث، ببساطة، لقد أطلق على نفسه رصاصة الرحمة.

الجزاء ليس من جنس العمل

أي شخص قرأ ما سبق ذكره في السطور الفائتة عن لويس جرافيتو فسوف يتوقع أنه قد حصل على أحكام بالإعدام لا حصر لها، لكن الصاعقة أنه لم يلقى ذلك المصير، وإنما حصل على أكبر عقوبة في كولومبيا، وهي السجن لمدة اثنين وعشرين عام، بل إن الكارثة تكمن في كون هذه المدة قد خُفضت وسوف تُخفض مرة أخرى، أي أنه من الممكن جدًا أن نرى الشخص الذي قتل مئة وأربعين طفلًا يمشي في الشارع طليقًا!

الغريب بحق هو ما حدث في عام 2006 عندما قال لويس جرافيتو في لقاء تلفزيوني من داخل السجن أنه يتمنى الخروج من أجل التكفير عن ذنوبه والعمل في رعاية الأطفال الصغار، فهل أنتم تصدقون حقًا أن لويس سوف يفعل ذلك؟ وهل تتوقعون أصلًا أن ذوي الأطفال الذين قتلهم سوف يتركونه!

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

سبعة − ثلاثة =