تسعة مجهول
ناتاشا كامبوش
الرئيسية » جريمة » ناتاشا كامبوش : سنوات من الاختطاف والعيش في عزلة عن العالم

ناتاشا كامبوش : سنوات من الاختطاف والعيش في عزلة عن العالم

ناتاشا كامبوش فتاة نمساوية تعرضت للاختطاف في العاصمة فيينا لمدة تزيد عن ثمانية أعوام في حادثة تُعتبر الأغرب على الإطلاق داخل النمسا، كما أن نهاية القصة كانت ضرب من الخيال كذلك، ولهذا الجميع في تطلع دائم لمعرفة تفاصيلها.

لا شك أن الفتاة الجميلة ناتاشا كامبوش لم تكن تتخيل في يوم من الأيام أنها ستتعرض لما تعرضت له وهي لا تزال طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها، ولا شك كذلك أنه لم يكن أحد يتوقع أبدًا أن النمسا، تلك الدولة الجميلة الهادئة، سوف تقع بها حادثة غريبة من هذا النوع وأنها تمتلك بداخلها شخص مجنون يُمكنه أن يسجن طفلة صغيرة لما يزيد عن الثمانية سنوات متتالية، وتحديدًا 3096 يوم، وخلال هذه الفترة يُمكن القول إن المسكينة ناتاشا كامبوش قد تجرعت حرفيًا كل أنواع المعاناة، إنها ببساطة قصة عن الألم في أبهى صورة ممكنة، ذلك الألم عانت منه ناتاشا وكذلك عائلتها بخلاف كل من عايشوا القصة في توقيت حدوثها، ولابد أنكم خلال السطور المُقبلة، ومع التعرف على القصة بتفاصيلها، سوف تُدركون حجم المعاناة وتشعرون بها كذلك، فهل أنتم مستعدون لخوض هذه التجربة؟ حسنًا لنبدأ في ذلك سريعًا.

من هي ناتاشا كامبوش ؟

ناتاشا كامبوش من هي ناتاشا كامبوش ؟

قبل الدخول في الأحداث دعونا أولًا نتعرف على بطلة قصتنا، تلك الفتاة الجميلة ناتاشا كامبوش، فالقصة تبدأ بمولدها في السابع عشر من شهر فبراير عام 1988، وذلك بمدينة فيينا الواقعة في دولة النمسا، كانت أسرة الطفلة متوسطة الدخل وسعيدة من الناحية المادية، لكن من الناحية العائلية لم يكن الأمر على نفس المنوال، إذ أن الطفلة كانت تعيش في أسرة تُعاني من سراع بين الزوجين، الأب والأم لم يكونا على وفاق والضحية في النهاية طفلتنا المسكينة، والتي كانت تستمع في كل ليلة لصريخ الأم من ضرب زوجها، كانت تُعاني، وفي يوم من الأيام الواقعة في عام 1998 كانت الطفلة ذات العشرة أعوام تستعد للدخول في معاناة أكبر وأكبر، جحيم بما تعنيه الكلمة من معانٍ.

اختفاء ناتاشا كامبوش

في اليوم الثاني من شهر مارس كانت ناتاشا تتوجه إلى مدرستها بصورة طبيعية تمامًا وكانت تستعد لقضاء يوم جميل بعيد عن المنزل الذي يعج بالصراعات، لكن الطفلة لم تصل إلى مدرستها ذلك اليوم، كذلك لم ترجع إلى البيت بحلول وقت العودة، ببساطة، لقد اختفت تمامًا ولم يعد لها أي أثر، ولأول وهلة ظن الأب أن زوجته قد قامت بتهريب ابنته خارج البلاد مع وعد باللحاق بها لاحقًا، وما قوى من الحجة أن ناتاشا في هذا اليوم كانت تحمل جواز سفرها لأول مرة وهي ذاهبة إلى المدرسة، هكذا ظن الأب في البداية، لكن الحقيقة لم تكن ما ظنه على الإطلاق.

كانت ناتاشا كامبوش تحمل جواز سفرها هذا اليوم بناءً على طلب المدرسة التي احتاجته في إتمام الإجراءات، كذلك السلطات النمساوية قد أثبتت أن ناتاشا لم تخرج أبدًا من البلاد، وهذا يضعنا أمام احتمالية أخرى، وهي تتلخص حول كونها قد خطفت وتعرضت للقتل، لكن أيضًا لم يتم العثور على الجثة التي تدعم هذا الظن، وهذا يعني أن شيء غامض آخر حدث، شيء لم يكن يعرفه أي شخص آخر بخلاف مهندس الكمبيوتر وولفغانج بريكلوبيل!

ما الذي حدث؟

بعد أيام من البحث والتقصي ظهرت بعض الشهادات من الأشخاص الذين شاهدوا ناتاشا كامبوش لآخر مرة، وعلى رأسهم صديقها الصغير الذي قال صراحةً بأنه قد رأى ناتاشا وهي تدخل ميني باص أبيض من نوعية معينة صباح الاختطاف، ولهذا تم البحث في كل السيارات المنتمية لهذه النوعية، وهي التي كان عددها 700، لكن لم يتم العثور على شيء مُطلقًا، بينما كان الفاعل، والذي يُدعى وولفغانج ويعمل مهندس كمبيوتر بعمر السادسة والثلاثين، قد أحرق السيارة التي خطف بها ناتاشا بعد أن خدعها بكونه سيعود بها إلى المنزل وأن والديها على علم بما يقوم به، كانت مجرد طفلة صغيرة، وكان من الطبيعي أن تُصدق كل ما يُقال لها، حتى ولو كان ذلك القائل شخص مجنون لا يرحم.

رجل لا يرحم

ناتاشا كامبوش رجل لا يرحم

لكيلا تُكتشف فعلة وولفغانج قام مسبقًا بتجهيز قبو أسفل منزله وتزويده بكل ما يُمكن أن تحتاج إليه طفلة في العاشرة من عمرها، وعلى امتداد الستة أشهر الأولى من الاختطاف لم يكن مسموحًا للطفلة برؤية النور، كان يزودها فقط بطعامها وشرابها، كم أنه أقنعها بأن والديها لا يرغبان في عودتها وأنهما يعتبرانها ميتة، وقد استخدم في ذلك العلاقات العائلية المتوترة أساسًا، أيضًا كان يحاول استخدام مبدأ الجزء والعقاب، فمثلًا عندما كانت تطيع تعليماته كانت تحصل على طعام أكثر ورؤية للعالم الخارجي، وعندما كانت تخالفه وتحاول الهرب كانت تحظى بعقاب، بل معاناة إن جاز التعبير.

معاناة طفلة

مدة اختطاف ناتاشا كامبوش هي ثمانية سنوات كما يعرف الجميع، والحقيقة أن تلك السنوات كانت تعج بكل أنواع المعاناة التي يُمكن تخيلها، فمثلًا التهديد كان الشيء الأول الذي استخدمه المجنون وولفغانج، حيث كان يُخبر الطفلة بأنها إن فكرت في الهرب سيقوم بقتلها، ثم سيقتل الجيران، ثم سيقتل العالم بأكمله، وبالطبع الطفلة كانت تصدق ذلك، ثم لاحقًا أقنعها أنها تتواجد في قبو مزود بالمتفجرات، وأنها إن حاولت الهرب سيقوم بتفجيره، ثم عندما كبرت وأصبحت فتاة وليس مجرد طفلة صغيرة بدأ التعذيب الجسدي، والذي كانت أكثر الصور تكررًا به هي الاغتصاب، ومع الوقت انصاعت ناتاشا انصياعًا تامًا لهذا المختل وباتت لا ترى نفسها في أي مكان آخر بخلاف ذلك القبو حتى جاءت أخيرًا فرصتها في الهرب.

الهروب الكبير

في شهر أغسطس القابع في عام 2006، وبعد حوالي ثماني سنوات من الاختطاف، وجدت ناتاشا الفرصة مواتية لأول مرة من أجل الهرب، وقد فعلت ذلك في ظروف غريبة بعض الشيء، حيث أن وولفغانج قد أمرها بغسل سيارته من خلال المكنسة الكهربائية، لكنه كان منشغلًا بالهاتف ولم يُعر اهتمامًا لحراستها، وفي هذه اللحظة لمعت في رأس ناتاشا لأول مرة فكرة الهرب، ففي هذا السن لم يعد بمقدورها تصديق تلك التهديدات التي طالما صدعها بها، ولهذا فرت باتجاه الشارع عابرة المنزل بينما وولفغانج لا يُلقي لها بالًا، لكن من سوء حظ ناتاشا أنه في ساعة الظهيرة لم يكن هناك وجود لأي شخص بالطريق، أيضًا العجوز التي أوقفتها ناتاشا في البداية لتُخبرها بالحقيقة لم تفهم الأمر وظنت أنها تُحدث شخص مجنون، كانت الأوضاع تسير إلى الأسوأ، وكان وولفغانج قريبًا جدًا من الإمساك بالصغيرة مرة أخرى، لكنها في النهاية نجت!

الحقيقة تظهر أخيرًا

بطريقة تُشبه المعجزة عثرت ناتاشا كامبوش على منزل مفتوح تمكنت من خلاله الولوج إلى بيوت عجوز وشرح القصة كاملة لها، كانت العجوز لا تزال متذكرة لقصة الفتاة المختفية قبل سنوات، ولذلك صدقت ناتاشا وجعلتها تقوم بإجراء المكالمة التي تريدها، وفي دقائق معدودة كانت الشرطة تقف أمام بيت العجوز لتتسلم ناتاشا وتستمتع إلى قصتها، وعلى الرغم من أن الشرطة لم تُصدق ما تسمعه في البداية إلا أنها ذهبت مع ناتاشا إلى حيث قادتهم، وقد قادتهم الفتاة إلى أكثر مكان تعرفه على وجه الأرض، ذلك القبو الذي كان يحبسها وولفغانج فيه، وهناك تأكدت الشرطة من صدق كل ما تقوله الفتاة من خلال الحمض الخاص بها وكذلك بعض الآثار التي تدل على وجودها، كما أن ناتاشا كانت لا تزال محتفظة بجواز سفرها القديم الذي خُطفت وهي تُمسك به، هذا يعني ببساطة أن الجريمة باتت مكتملة على مهندس الكمبيوتر وولفغانج، لكن أين هو؟

أين فر المُجرم؟

اكتشفت الشرطة أن وولفغانج لم يعد له أي وجود فجأة، وكأنه تبخر إلى السماء، ومع البحث لم تعثر على أي شيء يدل عليه، إلا أنه لم يكن من الممكن العثور على هذا الرجل المؤذي إلا بين الجثث والقتلى لكونه قد انتحر أساسًا في اللحظة التي أدرك فيها بأن ناتاشا قد فرت وذهبت إلى الشرطة، أما عن الطريقة التي حدث به ذلك فقد قيل إن وولفغانج ظل يركض باتجاه محطة القطار ثم نام تحت عجلات أحد القطارات حتى دهسه وأخفى ملامحه تمامًا، لكن ناتاشا، تلك الفتاة التي قضت نصف عمرها لم ترى غيره، تمكنت من التعرف عليه، وهنا بدأت سلسلة من الأقاويل العجيبة تتردد بين الناس.

أقاويل ونظريات غريبة

ناتاشا كامبوش أقاويل ونظريات غريبة

عندما عرفت ناتاشا بموت وولفغانج بدت متأثرة، كما أنها قد قالت صراحةً بأنها لم تكن ترغب أبدًا في أن تأتي نهاية هذا الرجل بهذا الشكل، والأدهى أنها قالت أكثر من مرة إنها تسامحه على ما فعله معها وأنها لا تكن له أي كره، وطبعًا العقل لا يُمكن أبدًا تقبل ذلك، كما لا يُمكنه كذلك تصديق الطريقة التي هربت بها ناتاشا من وولفغانج والتي بدت مبالغ فيها بعض الشيء، إذ أنه ليس من المعقول أبدًا أن يترك شخص ما الشخص الذي يأسره وحيدًا في حديقة المنزل دون أية قيود، أيضًا ليس من البديهي أن تظل فتاة لثمانية أعوام وأكثر حبيسة مكان غريب عنها دون أن تُفكر في الهرب، أيضًا فكرة مقتل وولفغانج بهذه الطريقة لم تكن مقبولة لدى الكثيرين، حيث أن البعض رأى بأنه قد قتل ولم ينتحر كما قيل وقتها.

بعض الناس ذهبوا إلى كون ناتاشا كامبوش لم تُخطف كما كان يُشاع، وإنما هي من ذهبت مع وولفغانج بإرادتها، بل إن المفاجأة تكمن في كونها من طلبت منه ذلك أساسًا، أما فيما يتعلق بسبب عدم رغبتها في موته ومسامحته على ما فعله معه فإن ناتاشا قد فسرت ذلك بكون وولفغانج قد أطعمها وألبسها وعلمها، وأنه كذلك قد خلصها من جحيم والديها اللذين كانا في صراع دائم طوال اليوم، لقد فعل شيء خاطئ، لكن من وجهة نظرها ذلك الشيء الخاطئ أنهى شيء خاطئ آخر.

ناتاشا كامبوش الآن

في الوقت الحالي تعيش ناتاشا كامبوش حية جيدة بعض الشيء، فقد أصبحت مؤلفة لعدة كتب تتحدث عن سيرتها ومذكراتها لما حدث خلال فترة الاحتجاز الذي سيود الجميع بلا شك التعرف عليها، أيضًا من ضمن الأشياء الجيدة أن ناتاشا قد كتبت سيناريو الفيلم الذي يتحدث عن قصتها والذي خرج إلى النور قبل سنوات قليلة، هذا طبعًا بخلاف حصولها على أكثر من جائزة وتكريم، أما والديها فقد اعتذرا لها على المعاملة السابقة والحياة التي كانت تعيشها، صحيح أن ناتاشا قد تعرضت للكثير من الأذى في سنوات طفولتها، لكن يُمكن القول إنها تعوض عن ذلك بصورة جيدة الآن.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

خمسة × 1 =