تسعة بيئة
التصحر
بيئة » الزراعة والغذاء » التصحر : ما هو ؟ وهل يخدم البيئة أم يضرها ؟ وكيف ؟

التصحر : ما هو ؟ وهل يخدم البيئة أم يضرها ؟ وكيف ؟

التصحر ظاهرة بيئية تعني طغيان الكثبان الرملية على غيرها من أنواع التربة بسبب عوامل متعددة، فكيف يحدث التصحر وهل له فوائد للبيئة أن أنه مضر فقط؟

يُعتبر التصحر من أكبر المشكلات التي تواجه البيئة وتؤثر على الحياة بشكل عام، إذا أن التصحر يعمل على تقليل مساحة الأراضي القابلة للزراعة، مما يؤثر على الإنتاج الزراعي الذي يُعد لبنة أساسية في هذه الحياة، وهذا التصحر قد يحدث لأسباب طبيعية أو لأسباب بشرية، والأغلب أن الإنسان هو المتسبب في تلك المشكلة، إذ أن الجشع لتبوير الأراضي وبيعها كمباني عمرانية أصبح شائعًا في الآونة الأخيرة، وهذا إن دل فيدل على جهل القائم بمثل هذه الأعمال وتقصير الحكومات في المحافظة على الأراضي الزراعية من خطرٍ كبير كالتصحر، فما هو التصحر، وهل فعلًا يخدم البيئة كما يروج البعض، أم يضرها؟

مشكلة التصحر ودورها في التوازن البيئي

ما المقصود بالتصحر؟

التعريف الشائع للتصحر هو تحويل الأرض الزراعية إلى أرض بور، وهذا التحويل يتم أولًا عن طريق تجريف الأرض والتوقف عن الزراعة بها، ولا يأخذ هذا الأمر وقتًا طويلًا في الغالب، إذ أن الأرض الزراعية تصبح خلال شهرٍ واحد أرض عمرانية تُستخدم في البناء.

عرف الإنسان التصحر منذ أن بدأ في التكاثر السريع، إذ أن الأرض العمرانية لم تعد قادرة على سد حاجته في البناء والسكن، فلم يجد أمامه سوى تحويل الأراضي الزراعية التي كان يستخدمها في الزراعة إلى أرض بور صالحة للبناء، ليكن بذلك قد لبى حاجة على حساب حاجة أخرى، وهذا بالضبط هو المقصود بتطبيق نظرية الأولويات.

أسباب التصحر

يحدث التصحر لأسباب طبيعية وأسباب بشرية، أما الأسباب الطبيعية فأهمها نقص المطر وتعرض الأراضي الزراعية للجفاف، فالجفاف حين يصيب التربة لفترة طويلة يُفقدها خصوبتها، وبالتالي لا يمكن زرعها أو الاستفادة منها فتتحول من أرض زراعية إلى أرض عمرانية، أي أنها تتصحر، ومن المعروف أن قلة هطول الأمطار يعني أن ثمة فقر في الغطاء النباتي، وبالتالي لا يحدث التبخر الذي يستجلب الأمطار.

كذلك من أسباب التصحر الطبيعية الانجراف، والمقصود بالانجراف هو تحرك التربة من مكانها، وليس هناك من يستطع فعل ذلك سوى السيول والرياح، فهما يكتسحان الأراضي الزراعية ويقومان بتجريفها، وبالتالي توضع اللبنة الأولى للتصحر، والذي يحدث بعد تكرار عمليات التجريف.

الكثبان الرملية أيضًا حين تزحف فإنها تكون ضمن أسباب التصحر الطبيعية، فهي تفقد التربة خصوبتها وتجعلها غير قابلة للزراعة، وبالتالي تتصحر.

أما الأسباب البشرية للتصحر فهي التي اقترفها الإنسان بجهله، وهي أكثر من الأسباب الطبيعية، وأهم هذه الأسباب قطع النباتات، وذلك لتحويل الأرض الزراعية الموجودة فيها إلى أرض عمرانية صالحة للبناء، ويحدث كل ذلك بسبب الزيادة السكانية الهائلة، والتي يجب أن تُقابل بأماكن للسكن لاحتوائها.

الزراعة الخاطئة أيضًا من أسباب التصحر البشرية، وذلك كالحراثة العميقة مثلًا، وعدم الالتزام بزراعة مضادات للرياح، إضافة إلى إهمال وجود الجدران الواقية من الانجراف، كل هذه أشياء تندرج تحت الزراعة الخاطئة الناجمة عن عدم وعي من الفلاح، لكن الخاسر الأول من هذا الأمر هي التربة التي تفقد خصوبتها وتتحول من زراعية إلى عمرانية.

أما عن أهم الأسباب البشرية للتصحر فهي الاستغلال السيئ للتربة، بإجهادها وعدم إراحتها من فصلٍ إلى آخر مما ينتج عنه تشبع التربة بالأملاح وفقدانها لخصوبتها، كذلك الرعي الجائر يندرج تحت بند الاستغلال السيئ والخاطئ للتربة، فهو يُعجل ببوارها وتصحرها، لكن الفلاح لا يشعر بذلك ولا يعرف به، ليظهر أمامنا السبب الرئيسي للتصحر وهو عدم وجود الوعي الكافي أو الشعور بالمسئولية لدى عناصر المنظومة الزراعية.

أثره على البيئة

مما لا شك فيه أن التصحر يؤثر بشكل كبير على البيئة، فهو يُقلل من مساحة الأراضي الزراعية، وبالتالي تقل النباتات والزروع الموجودة فيها، وتلك النباتات كما هو معروف ليست للغذاء فقط، بل أنها تساعد أيضًا في عملية التنفس، وبذلك يتضح أن أثر التصحر يظهر على البيئة بأكملها وليس مجرد التربة التي تتعرض للتصحر، هذا وبالرغم من معرفة الناس لذلك لا يزالوا مُستمرين في سعيهم نحو إفساد البيئة، القلة منهم فقط هم من يبحثون عن طريقة للقضاء على التصحر والتخلص نهائيًا أو مؤقتًا منه.

كيف نقضي على التصحر؟

عندما نعرف المشكلة فنحن بالطبع نُجاهد كي نحصل على حلولٍ لها، وهذا بالضبط ما قال به الخبراء، بل واقترحوا حلولًا يمكن من خلالها القضاء على التصحر، منها مثلًا أن يتم الابتعاد كل الأساليب الزراعية القديمة التي تضر البيئة، مع الالتزام بالأساليب الأخرى الحديثة، والتي ترتبط بالتربة وتُساعد على إعادة التوازن بينها وبين المجتمعات.

كذلك يجب الابتعاد كل البعد عن الوقود ومُشتقاته كالفحم والبترول، فهما يُرهقان الغطاء النباتي بشدة، في المقابل، يُمكن الارتكان إلى مصادر الطاقة المتجددة النظيفة، وهي كثيرة ومتوفرة.

الأمر الأهم، والذي سيُقلل كثيرًا من نسب التصحر، هو زيادة القدرة الإنتاجية، فالفلاح لا يلجأ إلى التصحر إلى بعد أن يشعر بأن تربته لم تعد قادرة على العطاء، وأنها قد بدأت في فقدان خصوبتها شيئًا فشيئًا، لذلك هو يقوم بتحويلها إلى أرض عمرانية مُعتقدًا بذلك أنه يُنقذ ما يُمكن إنقاذه.

دور الحكومة في القضاء على التصحر

كل ما مضى كان يتعلق بما قد يفعله الفلاح ويمكن من خلاله القضاء على التصحر، لكن الحكومات أيضًا مُطالبة بعدة أشياء أهمها التوعية وإنشاء العديد من المحميات البيئية وسن العقوبات الرادعة على المخالفين، فالتوعية يمكن القيام به من خلال الدروس الزراعية التي تنظمها الدول سنويا للمزارعين، وفيها بالطبع يتم التأكيد على تشديد العقوبات على المخالفين والمسرفين في عملية التصحر، وإن كان لابد منه، فإن الدول تُحدد أحيانًا النسبة التي يُمكن للفلاح تصحيرها من إجمالي تربته الزراعية، وهي في الغالب لا تتعدى العشرة بالمئة.

ثمة شيء آخر يجب على الحكومات القيام به، إذا لم تكن تقوم به بالفعل، وهو تدريس التصحر وأخطاره وأسبابه للأطفال وتضمينه المناهج الدراسية، وهو أمر جيد للغاية إذا حدث لأن الأبناء حين يعرفون ذلك سيقومون بمنع آباءهم من الإقدام عليه، وعندما يكبرون بالطبع لن يقوموا به.

الشيء الأخير والذي لا غبار عليه ولا يمكنه التغاضي عنه أبدًا، هو أن التصحر ينتج عن الحاجة إلى أراضي عمرانية أو عدم الاكتفاء مما تنتجه الأراضي الزراعية، لذلك، وبلا أدنى شك، فإن الحكومات مسئولة عن توفير هذه الأشياء وسد حاجات المُزارع، فهو إن لم يحتج إلى أراضي عمرانية وكان مكتفيًا بما تنتجه تربته فلن يلجأ بالطبع إلى التصحر أو غيره.

في معظم دول العالم يتم تخصيص أماكن للزراعة فقط وأماكن للبناء فقط، وكل منطقة غير مسموح بممارسة شيء مُخالف لما هو متاح بها، فمثلًا إذا قام شخص بالزراعة في منطقة عمرانية يتم معاقبته، وإذا قام بالبناء في منطقة زراعية يتم معاقبته أيضًا، وهذا بالطبع هو الصحيح والذي يجب أ يلتزم العالم أجمع به كي نُحافظ على بيئتنا من مخاطر التصحر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

عشرة + 6 =