تسعة بيئة
مجاعة إيرلندا الكبرى
بيئة » الزراعة والغذاء » مجاعة إيرلندا الكبرى : مجاعة تتسبب في موت مليون شخص!

مجاعة إيرلندا الكبرى : مجاعة تتسبب في موت مليون شخص!

مجاعة إيرلندا الكبرى مجاعة حدثت في منتصف القرن التاسع عشر وأدت إلى موت أكثر من مليون شخص لتُصنف ضمن أعظم الكوارث التي حلّت بالبشرية، فكيف حدث مجاعة إيرلندا الكبرى وما هي تأثيراتها على البشر والبيئة؟

مما لا شك فيه أن مجاعة إيرلندا الكبرى التي وقعت في منتصف القرن التاسع عشر لا تزال حتى الآن واحدة من الكوارث العظيمة التي لم ينسى البشر تأثيرها ولن ينسوه أبد الدهر، وخاصةً أولئك الذين عاشوا هذه المجاعة من السكان الإيرلنديين الذين خذلتهم أحد أهم الأشياء التي كانوا يحتاجون إليها، البطاطس، أجل، فلقد كان أكثر من ثلث سكان هذه البلد يعتمد بشكل رئيسي في الغذاء على البطاطس، يعتمدون عليها في الغذاء وأيضًا التصدير من أجلب جلب الأموال التي يُمكن من خلالها استيراد أنواع أخرى من الطعام، لكن ما حدث بداية عام 1845 واستمر حتى عام 1852 كان بحق كارثة كُبرى ضمن تلك الكوارث التي إن أتت فلا يُمكن مواجهتها، كارثة ساهمت في اجتثاث الأخضر واليابس في طريقها ولولا عناية الله وبعض الأسباب الأخرى لكان من الممكن جدًا أن تتضاعف خسائر تلك المجاعة، والتي تجاوزت بالأصل مليون شخص، عمومًا، في السطور القادمة سوف نتعرف سويًا على كل صغيرة وكبيرة مُتعلقة بهذه المجاعة، فهل أنتم مستعدون لاستعراض أحد المآسي الكُبرى في تاريخ البشرية؟ حسنًا لنبدأ.

مجاعة إيرلندا الكبرى

سنبدأ أولًا باستعراض الصورة العامة لهذه المجاعة قبل أن نتعرف على أسبابها وتأثيرها والدهاليز والكواليس التي صاحبتها، فإذا بدأت في تصفح أي كتاب ينتمي لتاريخ المآسي فسوف تجد جزء مُعنون باسم مجاعة البطاطس، وغالبًا ما سينتهي بحثك دون أن تعثر على أي ذكر لما نتحدث عنه في موضوعنا الليلة، مجاعة إيرلندا الكبرى، هل تعرف لماذا سيحدث ذلك؟ لأننا ببساطة نتحدث عن شيء واحد، فمجاعة البطاطس هي الاسم الثاني لمجاعة إيرلندا الكبرى، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى الشيء الذي يُعد بطلًا بلا منازع لهذه المجاعة، البطاطس، ذلك المحصول الذي كان يعتمد عليه سكان هذه المنطقة الدافئة من أجل توفير الغذاء المناسب لهم، سواء من خلال الأكل أو التصدير وإنعاش الاقتصاد.

بداية المجاعة كانت في عام 1845، ونهايتها كانت بعد عام 1852، وما بين ذلك التاريخ حدثت الكثير من الكوارث، والتي تتمثل في موت وتهجير أكثر من ثُلثي إيرلندا تقريبًا، حيث مات ما يزيد عن مليون شخص، وهجر البلاد ضعفهم، وعندما نتحدث عن أرقام مثل هذه في القرن التاسع عشر فهذا يعني أننا نتحدث عن كوارث لأن العالم بأكمله في هذا التوقيت لم يكن يتجاوز نصف المليار نسمة من الأساس، لكن ما الذي حدث يا تُرى؟

ما قبل المجاعة المُدمرة

في الحقيقة لم تكن مجاعة إيرلندا الكبرى مُعجزة بالمعنى الحرفي لكلمة معجزة، وما يجعلها كذلك أنها لم تحدث بشكل مفاجئ، بمعنى أن إيرلندا قد صُدمت مثلًا بوجود مجاعة على أرضها بين يومٍ وليلة، فقد كانت شبه معتادة على مثل هذه المواقف، لكن المجاعات التي كانت تحدث في السابق كانت مجرد مجاعات صغيرة للغاية وكان الضحايا فيها لا يتجاوزون العشرات، لذلك كان من الممكن جدًا حدوث المجاعة وانتهاءها دون أن يعرف بها أحد، وهو أمر جيد وسيء في نفس الوقت، جيد لأنه يدل على عدم خطورة تلك المجاعات وسيء لأنها لم يُحذر منها التحذير المناسب.

قبل المجاعة أيضًا لم تكن هناك أية أنشطة لهذه البلاد بخلاف الزراعة، حيث كانت تعتمد عليها في كل شيء بدايةً من الاقتصاد وانتهاءً بالطعام، كانت كل الجوانب من الممكن جدًا أن تُغطى بالزراعة، وقد كان الخبراء يُحذرون من هذا الاعتماد الكلي على الزراعة لأنها غير مضمونة، بمعنى أنه قد يحدث فجأة أي انخفاض مفاجئ يؤدي إلى ضعف هذا المنفذ، لكن الأدهى من كل ذلك أن إيرلندا لم تكن تعتمد على الزراعة فقط، وإنما على نبتة واحدة أيضًا، وهي البطاطس.

كارثة الاعتماد على البطاطس

هل الاعتماد على نبات زراعي كارثة؟ للوهلة الأولى سوف تُفكر في النطق بالإجابة المنطقية، وهي أن ذلك الأمر لا يُشكل كارثة بالمرة، لكن عندما تُمعن في الأمر وتُفكر فيما حدث مع إيرلندا فستجد أنها كارثة حقيقية، لأنه إذا حدث أي شيء لهذه النبتة التي تعتمد عليها فإن أشياء كثيرة ستتدمر على الفور، وهذا بالضبط ما حدث مع إيرلندا في عام 1848، ففي هذه العام أصابت آفة خطيرة نبتة البطاطس التي كانت إيرلندا تعتمد عليها اعتمادًا كليًا، حيث كان أكثر من ثلث سكان هذه الدولة لا يعرفون طعامًا بخلاف البطاطس، بينما ما تبقى يعتمد على زراعتها وتصديرها، وهنا كانت الكارثة.

ظن الناس في بداية الأمر أن هذه الآفة سوف تستمر ليوم أو شهر أو عام على الأكثر، وفي هذه الفترة ليس بيديهم شيء سوى الاعتماد على الفائض المُخزن، لكن ما حدث أن الكارثة قد استمرت لقرابة الخمس سنوات، خمس سنوات عجاف كما يقولون، ولم تنتهي تلك السنوات الخمس إلا بنهاية حياة أكثر من مليون شخص وتهجير ضعفهم تقريبًا، وبالطبع كان لهذا الأمر أثرًا كبيرًا على التعداد السكاني الذي فقد ثُلثه تقريبًا خلال عدد قليل من السنوات.

هل دُمرت إيرلندا وحدها؟

عندما ضربت تلك الآفة اللعينة نبات البطاطس بالتأكيد لم تؤثر على نبات البطاطس الموجود في إيرلندا فقط، بل كل البطاطس الموجود في أي مكان في العالم، لكن مجاعة إيرلندا الكبرى كانت هي الحدث الرئيسي في العالم بهذا التوقيت، فتقريبًا لم تحدث أي مجاعات بأي بلد أخرى على الرغم من كثرة البلاد التي تزرع البطاطس، لكن الأمر الذي صنع الفارق حقًا أن إيرلندا كانت تعتمد على البطاطس بشكل رئيسي، لم يكن لديها أي بدائل أخرى تُمكنها من مواجهة هذه الكارثة، ولهذا جاءت الخسائر فادحة ولم يتم تداركها على الرغم من انشغال العالم بأكمله بها، وعلى ذكر العالم، ما الذي فعله يا تُرى هذا العالم في مواجهة كارثة بيئية مثل هذه؟

العالم يقف بجوار إيرلندا

كانت مجاعة إيرلندا الكبرى حدثًا كبيرًا هز العالم بأكمله وليس فقط إيرلندا وحدها، حتى أن الجميع قد نسي خلافته وبدأ يبحث عن حلول من أجل إنهاء هذا الجحيم الذي تعيش به دولة من المعروف عنها أنها لا تقوم بأي مشاكل ولم يتأذى أحد منها في يومٍ من الأيام، كانت دولة مُسالمة تعيش حياة عادية وليس لها أي مطامع استعمارية ولم يطمع أحد فيها أيضًا، عمومًا، بدأت جهود الإنقاذ متأخرة بعض الشيء، وكانت البداية مع الدولة العثمانية التي كان لها موقفًا رائعًا.

الدولة العثمانية والمجاعة

في هذا التوقيت كانت الخلافة الإسلامية لا تزال حاضرة في صورة الدولة العثمانية التي كان يتزعمها السلطان عبد الحميد الثاني، والذي يُصنفه التاريخ كأفضل خليفة عثماني طوال فترة هذه الخلافة، عمومًا، عندما علم عبد الحميد الثاني بأنه ثمة مجاعة كُبرى تضرب دولة إيرلندا قرر المساعدة بإرسال ألف ونصف جنيه إسترليني، وفي هذا التوقيت كان هذا الرقم يُعد ثروة حقيقية، وكان كفيلًا بمساعدة إيرلندا وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، لكن للغرابة الشديدة وقفت ملكة بريطانيا، والتي تضم إيرلندا لها وتعتبرها جزء منها، أمام هذا القرار بحجة أن هذه المُساعدة أكبر بكثير مما ستُرسله هي، وأن هذا الأمر سوف يؤدي تشويه صورتها أمام العالم، وطلبت من السلطان عبد الحميد إرسال نصف المبلغ فقط.

استجاب الخليفة العثماني لمطالب الملكة البريطانية، لكن أرسل مع نصف المبلغ سفن كبيرة مُحملة بجميع الأطعمة التي تحتاجها إيرلندا، وأغراض أخرى كثيرة لم يُفكر أحد في إرسالها إلى هذه البلاد وانتشالها مما هي فيه، وقد عُرفت هذه الحادثة في العالم بأكمله لدرجة أنه كان يُقال على السلطان عبد الحميد بأن الخليفة العثماني بالإضافة إلى كونه الرجل الذي أنقد إيرلندا من الهلاك الشديد، لكن هل كان هذا الموقف هو الوحيد من العالم تجاه مجاعة إيرلندا الكبرى؟

الهنود الحمر والمجاعة

أيضًا من ضمن المساعدات التي تم تقديمها خلال مجاعة إيرلندا الكبرى تلك المساعدة التي قدمتها مجموعة من الهنود الحمر، حيث قامت هذه المجموعة بجمع ما يزيد عن سبعمائة وعشر جنيهات، وهو مبلغ كبير جدًا مقارنةً مع الفترة التي نتحدث عنها، والحقيقة أن ما يجعل هذه المساعدة كبيرة ومُدهشة أن الهنود الحمر في هذا الوقت لم تكن كيان كبير، بل كان مُضطهد في كل مكان بالعالم وخاصةً أمريكا الشمالية، وفي خضم كل ذلك تذكروا المعاناة التي تعيش بها إيرلندا.

بريطانيا العظمى والمساعدات

ذكرنا قبل قليل أن إيرلندا لم تكن في الأصل سوى جزء من بريطانيا، وبالتالي فهي مُلزمة منها، وهذا ما اتضح بشدة مع اشتداد هذه الكارثة ووصولها إلى درجة تستلزم تدخل الدولة الأم، والحقيقة أن بريطانيا هي التي تزعمت خط المساعدات بنفسها وعملت على تجميعها من كل مكانٍ بالعالم، وقد كانت المُحصلة في النهاية ما يقترب من المائتي ألف جنيه إسترليني، لكن، وبالرغم من هذا الرقم الكبير، إلا أن شعب إيرلندا ظل ناقما على بريطانيا ومُتيقنًا من كونها السبب الرئيسي خلف كل ما حدث في البلاد طوال هذه الفترة، فقط لأنها لم تُحذرهم من قدوم مجاعة البطاطس هذه، فقد اتضح فيما بعد أن العالم كله أخذ الاحتياطات اللازمة من المجاعة وعرف مسبقًا بوجود آفة بالبطاطس، إلا بريطانيا، والتي كانت في الواقع الدولة الأشد حاجةً لمعرفة هذا الأمر بسبب اعتمادها الكلي على البطاطس في الغذاء.

دروس مُستفادة من مجاعة إيرلندا الكبرى

كانت مجاعة إيرلندا الكبرى أشبه بدرس لهذه الدولة ولكل دولة أخرى في هذا العالم، درس كان لابد من الخروج منه في النهاية ببعض الدروس المُستفادة التي من المُفترض أن تُسهم فيما بعد في تجنب تكرار مثل هذه الكارثة، ومن أهم هذه الدروس مثلًا خطورة الاعتماد على محصول زراعي واحد مهما كانت أهميته وقيمته، وذلك لأن ذلك المحصول مُعرض جدًا للتلف والبوار في أي وقت، وإذا حدث ذلك فسوف تكون هناك كارثة حقيقية مثل التي حدثت في إيرلندا وأدت إلى موت مليون شخص، ولهذا بدأ العالم يعاود النظر في محاصيله الزراعية وطريفة الاعتماد عليها.

أيضًا من ضمن هذه الدروس التي توصلنا إليها بعد المجاعة أن العالم ليس غابة كما كنا نظن، وأن البشر لا يأكلون بعضهم كما كان البعض يحاول إفهامنا، فقد رأينا بأنفسنا كيف أن المجاعة جعلت الجميع يتضافر ويُقدم الجهود من أجل إنقاذ ما يُمكن إنقاذه في إيرلندا، وخاصةً الحيوات، والتي كانت بالتأكيد أهم شيء يتم التفكير فيه، فتبدد مليون حياة في وقت قصير ليس أمر سهل يُمكن تقبله أو حتى التعايش معه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

عشرة + ثمانية =