تسعة بيئة
كهرباء بالمجان
بيئة » الطاقة الشمسية » كهرباء بالمجان : تعرف على مزايا الطاقة الشمسية في تشيلي

كهرباء بالمجان : تعرف على مزايا الطاقة الشمسية في تشيلي

هل يمكن أصلاً الحصول على كهرباء بالمجان ؟ حسنًا، في الواقع التجربة التشيلية اقتربت من هذا الهدف، فكيف استطاعت دولة تشيلي تحويل الشمس إلى مصدر للكهرباء؟

كهرباء بالمجان ، هذا ما كان ينقص العالم وما نجحت تشيلي في تحقيقه أخيرًا، فأصبح المواطن التشيلي لا يقتطع جُزءً من راتبه للكهرباء، ولا يضع في حسبانه أبدًا أن تنقطع عنه فجأة، فقد أصبحت الكهرباء في تشيلي أشبه بالهواء، لا أحد يُمكنه حجبه عن الآخرين، واستغلال الطاقة الشمسية الذي نادى به العالم مُنذ آلاف السنين أصبح شبه حقيقة ثابتة في تشيلي، لكن، وكالعادة طبعًا، لم تكتمل تلك الإنجازات إلا بخسارة اقتصادية كبيرة، تسببت فيها مجانية الكهرباء، ولكي نقترب أكثر من الأمر، دعونا نتعرف في السطور التالية على الطريق الذي تمكنت من خلاله تشيلي تحقيق الكهرباء المجانية وما هي تبعات هذا الأمر على اقتصادها.

كيف استطاعت تشيلي الحصول على كهرباء بالمجان من الشمس ؟

كيف كانت تشيلي؟

تشيلي قبل أن تمتلك كهرباء بالمجان لم تكن تمتلك الكهرباء أصلًا، كانت مجرد دولة فقيرة من الدول اللاتينية الواقعة في قارة أمريكا الشمالية، فقد كانت حتى عام 1924 مُنارة بالشموع والمصابيح الزيتية، وكان المعنى الحقيقي للنور بالنسبة لها هو نور الشمس، وربما يرجع ذلك إلى تناوب الدول الاستعمارية على احتلالها طوال العصر الحديث، لكن، عندما جاء زعيمها فيدل كاسترو استطاع نيل الاستقلال وبدأ سعيه نحو بناء دولة اقتصادية قادرة على سد احتياجاتها بنفسها، وكانت الكهرباء أول ما خطط له كاسترو، لكن بالطبع أقصى ما كان يرنو إليه هو دخول الكهرباء إلى تشيلي، ولم يكن يتوقع أبدًا أن تُصبح الكهرباء في بلاده كهرباء بالمجان، لكن هذا قد حدث.

تشيلي والنهضة الكهربائية

حققت تشيلي نهضتها الكهربائية الغير مسبوقة عن طريقة الطاقة الشمسية، فقد بح صوت العلماء منذ مطلع القرن الماضي ونادوا جميعًا بضرورة استغلال الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، وأنها ليست مُجرد مصدر نظيف وآمن فقط، بل هي أيضًا رخيصة ومتوفرة ولا تحتاج إلى رأس مال فلكي كالذي يطلبه إنشاء محطة كهربائية أو مولد كهربائي، لكن العالم لم يلتفت إلى ما قاله العلماء بحجة أن الطاقة الشمسية المولدة للكهرباء غير مضمونة مئة بالمئة، بمعنى أن المحطات الكهربائية يُمكن التحكم فيها ومعرفة الخلل الذي يُصيبها، أما الطاقة الشمسية فلا، لكن تشيلي لم تستمع لكل ذلك وبدأت نهضتها الكهربائية مُنتجةً كهرباء بالمجان لشعبها.

تشيلي والكهرباء بالمجان

كما أسلفنا، اعتمدت تشيلي في المقام الأول على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، حيث أنشأت في عام واحد تسعة وعشرين محطة تقريبًا، إضافة إلى وجود أكثر من عشرين محطة أخرى جاري العمل على إنشائها ومن المحتمل بدء العمل بها قبل عام 2020، والأهم من كل ذلك أنها تمتلك شبكتان كهربيتان مُنفصلتان، وهذه الوفرة في مصادر الكهرباء ليست متوفرة في كل الدول، لكن، وبالرغم من سعي تشيلي الحثيث لتوفير كهرباء بالمجان لمواطنيها، إلا أنها قد تفاجأت في نهاية المطاف بشيء يُشبه الكارثة، كارثة جعلت توفير الكهرباء بالمجان نقمة وليست نعمة.

مشكلة زيادة الكهرباء

الكهرباء في تشيلي كانت تذهب للمواطنين بالمجان، هذا أمرٌ جميل، والمحطات الشمسية التي تُساعد على توليد الكهرباء أصبحت كثيرة وتفيض عن الحاجات، هذا أمرٌ آخر جميل أيضًا، لكن، أين ستذهب كل هذه الكهرباء الفائضة؟

الإجابة كانت كارثية ومؤلمة، فالكهرباء الفائضة كانت تذهب إلى اللاشيء حرفيًا، بل أن منها ما كان يجعل الأجهزة المنزلية تتعرض للحرق نتيجة للشحنات الذائدة، فاللمبة التي تحتاج إلى مئة وات مثلًا كانت الكهرباء تأتي إليها بحجم مئتي وات، فلا تتحمل اللمبة هذه الزيادة بالطبع وتتلف، وهكذا مع باقي الأجهزة، لكن، لماذا أصلًا يحدث كل ذلك؟

أسباب المشكلة

أغفلت تشيلي أثناء بناء المحطات الكهربائية أمرًا هام جدًا، وهو أن تهتم بالبنية التحتية لأجهزة الحفظ والتوزيع التي تُساعد على الاستفادة بالكهرباء المتبقية وتوزيع الكهرباء الخارجة من المحطات توزيعًا جيد على قدر الحاجة، لكن أن يتم بناء المحطات ومصادر الكهرباء دون البنية التحتية لحفظها فهذا أشبه بأن يقوم شخص بجمع الكثير من الأموال ثم يضعها في مكان غير آمن ويتم سرقتهم، هكذا كانت تشيلي وهكذا بدأ مُصطلح كهرباء بالمجان في الاندثار، ببساطة، لقد كان الأمر يحتاج لمُعجزة أو حل جذري، وقد كان ذلك فعلًا.

حل مشكلة الكهرباء

فجأة، وبلا أية مقدمات، أصبحت الكهرباء في تشيلي أزمة، وذلك بعد أن كانت شبه معجزة فريدة تمتلكها هي وحدها، لكن الأمر قد وقع فعلًا، ولابد من حلول، هذا ما نادت به الأصوات العاقلة وما استجابت له الأمم المتحدة.

لم يكن تدخلًا بالمعنى المُتعارف، لكنه محاولة لإنقاذ ملايين الدولارات في تشيلي، لذلك أوصت الأمم المتحدة، بل وأشرفت بنفسها على عمل محطات تتولى الربط بين الشبكتين العملاقتين الموجودتين في تشيلي، وقد قامت هذه المحطات بما كان ينقص الكهرباء في تشيلي وهو حفظ وتنظيم الكهرباء الفائضة، وتوزيعها توزيعًا محسوبًا لا يؤدي إلى تلف الأجهزة في البيوت أو ذهاب الكهرباء هباء بسبب عدم وجود بنية تحتية قوية للتخزين، وبعد أن تم حل الأزمة أخيرًا وقف العالم ليعرف من هم المستفيدون والخاسرون من تجربة “كهرباء بالمجان” التي طُبقت في تشيلي.

المُستفيدون من التجربة

لا شك أن أكثر الفئات استفادة هم المستهلكين، فهم فعليًا لم يُعطوا أي اهتمام للكهرباء، فهي موجودة، وزائدة عن الحد، وإن لم يدفعوا الأموال فستصل إليهم، وهذا ما طبقه التشيليين بالفعل، حيث امتنعوا عن دفع فواتير الكهرباء بحاجة أنها تتسبب في حرق أجهزتهم ومُعداتهم، ثم مع الوقت رأت الحكومة التشيلية أنه إذا كانت الكهرباء ستصل مواطنيها بالمجان مهما كان فلابد أن يأتي الأمر منهم، أي قرار رسمي من الحكومة، لذلك خرجت معلنة تعميم مجانية الكهرباء كمظهر من مظاهر الرخاء والتقدم اللذان وصلت إليهما البلاد، وقد بدا الأمر وكأن الشعب التشيلي قد استطاع خداع حكومته.

الخاسرون من التجربة

في المقابل، أكثر الأشخاص الذين تعرضوا للخسارة جراء تجربة “كهرباء بالمجان” هم المستثمرون الذين وضعوا أموالهم إلى جوار أموال الحكومة وقاموا بإنشاء تلك المحطات الشمسية، يتوهمون بذلك أنهم سيجنون من وراء الشمس ملايين الدولارات، لكنهم بالتأكيد أُصيبوا بصدمةٍ كبرى بعد فشل مشروعهم من الناحية المادية، فهو بالطبع قد نجح في تحقيق هدفه وبناء المحطات الكهربائية القائمة على طاقة الشمس، والأدهى من كل ذلك أن البنوك التي ساهمت أيضًا في تمويل هذا المشروع تعرضت لخسارة لا تقل عن خسارة المستثمرين، ليكون بذلك الرابح الوحيد هو الشعب التشيلي، والذي تمكن من الحصول على كهرباء نظيفة بالمجان، بل وألزم حكومته على ذلك.

تجارب مُشابهة

تجربة كهرباء بالمجان التي أقيمت في تشيلي ليست الأولى من نوعها بقدر ما هي الأكثر نجاحًا بين كل التجارب السابقة، فقد حاولت روسيا فعل ذلك أيضًا لكنها لم تنجح بسبب عدم تواجد الشمس فيها بقدر تواجدها في تشيلي، كما حاولت البرازيل واليابان لكنها بالكاد كانت تجربة، لم تُكلل بالنجاح بسبب نقص الموارد المادية في المقام الأول والبشرية في المقام الثاني، لكن تشيلي تمكنت من إنجاح تجربتها بسبب رغبتها في نهضة صناعية حقيقية، حتى وإن كانت قد دفعت ثمن ذلك غاليًا، لكنها الآن على الأقل رائدة فيما يتعلق بمجانية الكهرباء وتمتلك صورة جيدة أمام العالم بأكمله.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

5 × 1 =