تسعة بيئة
تدهور التربة
بيئة » التراب » تدهور التربة : ما أسبابه وما هي الحلول لمعالجة المشكلة ؟

تدهور التربة : ما أسبابه وما هي الحلول لمعالجة المشكلة ؟

بسبب أساليب الزراعة الخاطئة، وجد الإنسان نفسه أمام مشكلة كبيرة هي مشكلة تدهور التربة وتدهور حالتها، فما هي أسباب تدهور التربة وما الحل؟

من الأمور المُسلّم بها لدى الجميع أن تدهور التربة وعدم الحفاظ عليها يعني أننا نتجه بسرعة فائقة نحو فناء الجنس البشري، فلا أحد يختلف بالطبع على أهمية التربة ودورها الهام في الحفاظ على الحياة حتى الآن، بل أنها تقريبًا تُعد اللبنة الأساسية والرئيسية فيها، لذلك، حينما يتم الكشف عن الأسباب التي من شأنها تُدهور التربة وتُقلل من إنتاجها فإن الجميع مُطالبون لتلك الأسباب والقضاء عليها، وهذه بالضبط ما سنتناوله في السطور التالية، حيث تدهور التربة، أسبابه وحلوله للقضاء عليه.

تعرف على مشكلة تدهور التربة وحلولها

أسباب تدهور التربة

لتدهور التربة عدة أسباب، بيد أنه ثمة أسباب طبيعية ليس للإنسان دخل فيها، فهي أزلية وغير مُبررة، ومنها ما هو من صنع الإنسان، جاء نتيجة استخدامه الخاطئ للتربة، سوء كان هذا مقصودًا أم غير مقصود، إلا أنه في النهاية يؤدي إلى تدهور التربة وتلوثها، وعلى الأقل يُمكننا تصحيح تلك الأسباب لتحاشي فناء التربة نهائيًا وافتقادها قدرتها على الإخصاب، وأهم هذه الأسباب ما يلي:

التصحر، أهم الأسباب وأبرز الحلول

لا أحد يُمكنه إغفال دور التصحر في تدهور البيئة، فنحن إذا نتحدث عن التربة فإننا بصدد ذكر التربة الزراعية لا العمرانية، فالتربة الزراعية لا تتأثر فقط بالتصحر بل تندثر وتتقلص حتى تقترب من الفناء، وقد ظهر التصحر منذ زيادة عدد البشر وسعيهم نحو التوسع والبناء، فبعد أن كان الإنسان القديم يُجاهد لزيادة الأراضي الزراعية وتحويل كل ما يُقابله من أراضي غير صالحة للزراعة إلى تربة خصبة صالحة جاء الإنسان الحديث ليهدم كل ما فعله ويُعيد الأرض الزراعية إلى صحراوية غير صالحة للزراعة، وقد حدث ذلك لأسبابٍ عدة، أهمها:

زيادة عادة البشر

فهذا الأمر جعل السعي لإيجاد أراضي صالحة للبناء سعيًا حثيثًا، وترتب عليه تضحية الفلاح بتربته الزراعية في سبيل توفير أراضي لسكنه هو وأولاده، وبالطبع لم تستطع الدول مواجهة هذا السيل من التجريف والتصحر لتجد نفسها في نهاية الأمر لا تمتلك أي مُنتجات الزراعية، وبالتالي يحدث العجز وتضطر إلى الاستيراد من الخارج لسد حاجة مواطنيها، كل هذا والفلاح غير مُدرك للأمر.

الرغبة الشديدة في حياة المدن

الفلاح أيضًا مثله مثل أي شخص، يُشاهد التلفاز ويرى كيف تكون حياة المدن من رغدٍ في العيش وتوافر في الموارد، فتتكون عنده رغبة شديدة في عيش مثل هذه الحياة وترك الزراعة والفلاحة وبيع أراضيه للتجار، والذين يستغلون زيادة عدد البشر في بناء مساكن وبيوت لهم.

السعي نحو الكسب السريع

الإنسان بطبيعته شغوف ومُتسرّع، يسعى دائما إلى قضاء حاجته في أسرع وقت، لذلك، انتشر في الآونة الأخيرة نوع من المزارعين لا يستطيعون الانتظار حتى تُثمر الأرض وتُباع الثمار، بل يقومون مباشرة ببيع أراضيهم والحصول على مبالغ عالية تُغنيهم عن الزراعة، إلا أن هذا الأمر لا يحدث في الحقيقة، وإنما تفنى أموالهم سريعًا دون الانتفاع منها.

كيفية القضاء على التصحر

رغم كل ما مضى، وصعوبة عودة الأراضي المُتصحرة إلى أراضي زراعية مرة أخرى، إلا أننا يُمكننا إنقاذ ما يُمكن إنقاذه عن طريق الحد من تلك الظاهرة، وهناك عدة طرق يمكن من خلالها فعل ذلك، أهمها ما يلي:

تنظيم الرعي

فالفلاح الآن يجعل من الرعي حرفته الثانية بعد الزراعة، ويُخصص جُزءًا من وقته وأرضه لذلك الأمر، لكنه لا يعلم أن ذلك يجعل أرضه عرضة للتصحر بسبب تلك الإبل التي يرعاها، إضافةً إلى الرعي الجائر، ليجد الفلاح نفسه في النهاية، ومن أجل مكسبٍ بسيط يبتغيه من الرعي، يفقد تربته الزراعية.

توعية الفلاح وإشعاره بالمسئولية

الفلاح الذي يقوم بعملية تحويل الأرض الزراعية إلى أرض بور لا يعلم ما يعنيه ذلك، هو فقط يسعى إلى كسب الكثير من الأموال في أسرع وقت، وهنا يأتي دور الدولة والإعلام في إشعاره بالمسئولية وتوعيته، وبالطبع لن يُقدم الفلاح على أمرٍ كهذا مرة أخرى ويتسبب أذية التربة والمجتمع من حوله.

فرض غرامات كبيرة على المُخالفين

بالطبع لكل قاعدة مُخالفين، ولكل قانون خارجين وخارقين، لذلك عندما تسعى الدولة إلى الحد من التوسع العمراني الذي يؤدي إلى تدهور التربة فإن بعض الأشخاص لن يلتزمون بذلك، وهؤلاء يجب على الدولة أن تقوم بتوقيع أقصى العقوبات عليهم وعدم التهاون معهم، لأن قتل البيئة والتربة جريمة كجريمة قتل الإنسان تمامًا. هذا ويمكن عن طريق هذه الحلول الثلاث القضاء على التصحر أو الحد منه على الأقل، لكن ثمة سبب آخر من أسباب تدهور التربة ما زال حرًا طليقًا، وهو استخدام المبيدات الزراعية.

استخدام المبيدات الزراعية

استخدام المبيدات الحشرية يعد ثاني أسباب تدهور التربة، وقد ظهرت المبيدات الحشرية مع بداية القرن التاسع عشر، وتحديدًا عندما استفحلت الحروب وخلفت آفات وحشرات في التربة الزراعية، فجاءت تلك المبيدات لتقضي عليها إلا أنها تركت وراءها الكثير من السلبيات وأدت إلى تدهور التربة للأسباب التالية:

التأثير على المناخ

تؤثر المبيدات على المناخ، وخاصةً المبيدات المرشوشة، مما يؤدي إلى تلوث الهواء المحيط بالتربة وبالتي تتدهور وتفقد خصوبتها.

القضاء على البكتيريا

من الأمور الغريبة في الإنتاج الزراعي أن ثمة نوع من البكتيريا الموجودة في أسفل الأراضي يُعطيها خصوبة وقابلية أكثر على الإنبات، لكن المبيدات تأتي وتقضي على هذا النوع من البكتيريا.

استعمالها في صورة مواد لا تتحلل

ثمة أنواع من المبيدات تأتي على هيئة أكياس بلاستيكية وقوارير وبطاريات، وهذا المواد تظل عالقة في التربة ولا تتحلل إلا بعد مئات السنين، لينتهي الأمر بتدهور التربة.

والحل للمبيدات الزراعية لا يكمن في منعها، إذا لا يمكن القضاء عليها، ولكن ربما تقل فاعليتها وتأثيرها السلبي على التربة إذا تم استخدام الأصناف المرخصة منها والجيدة.

المواد المشعة والمعادن الثقيلة

المعادن الثقيلة والمواد المشعة كلاهما يؤديان إلى تدهور التربة بسبب العناصر السامة الموجودة فيهما، ولا يوجد حل لهما، إذا أن التربة التي يتواجد بها مثل هذه المواد لا تصلح أبدًا للزراعة، إذ تكون قد تدمرت، وليس فقط مجرد تدهور.

استنزاف التربة

الفلاح يطمع بالطبع في أن تدر أرضه الزراعية الكثير من الأموال، لذلك يقوم بعملية زرع مستمر لها ولا يعطيها القسط التي تحتاجه من الراحة، فالتربة كالإنسان، لا يمكن استنزافهما طوال الوقت، لذلك يجب إراحة التربة بين الحين والآخر حتى تكون قادرة على العطاء فيما بعد.

إزالة الغابات

كما أن الجبال تعمل على تثبيت الأرض فإن الغابات كذلك من شأنه حماية التربة والحفاظ على خصوبتها، لكن الإنسان لا يعرف ذلك ويسعى دائما نحو اجتثاث الأشجار من الغابات لاستخدامها تجاريًا، وللقضاء على ذلك الأمر تقوم بعض الدول بتجريم عملية إزالة الغابات، بل وتضع بعض الحراس عليها لحمايتها والمحافظة عليها، وبالتالي المحافظة على التربة وحمايتها من التدهور.

في النهاية يجب على الجميع أن يعرف أن التربة هي الرئتين اللتان تتنفس بهما الأرض، وأن تدهورها لا يعني إلا السعي السريع نحو فناء الكون، وأنه على الأقل يجب التعرف على أسباب تدهورها والحلول الممكنة لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

تسعة + 19 =