تسعة بيئة
الاتفاقيات البيئية
بيئة » البناء الاخضر » الاتفاقيات البيئية : هل تلتزم الدول حقا بها ؟

الاتفاقيات البيئية : هل تلتزم الدول حقا بها ؟

تعتبر الاتفاقيات البيئية واحدة من الأساليب الهامة للحفاظ على البيئة وتعريف التزامات الدول المختلفة بشأن البيئة لكن هل تلتزم الدول بهذه الاتفاقيات البيئية ؟

الاتفاقيات البيئية يمكن تقسيمها إلى شقين، الشق الأول “اتفاقيات”، وهي كما يبدو من اسمها، تدل على الاتفاق على عدة شروط أو حقوق. الشق الثاني “بيئية”، وهي الأشياء التي تتعلق بالبيئة كالماء والهواء والأشجار والغابات … الخ. إذا، الاتفاقيات البيئية هي تلك الشروط أو الحقوق التي يتبعها أفراد، أو منظومات، بأشياء تتعلق بالبيئة وكل ما تشمله هذه الكلمة. الاتفاقيات البيئية قد تكون بين شركات ودولة، أو بين دولة ودول، أو بين الدول كلها، وهي توضع لمحاولة الحفاظ على البيئة المحيطة بهذه المنظمات، أو البيئة الكلية لكوكب الأرض. إذا، ما هي هذه الاتفاقيات البيئية، وعلى أي أساس توضع وكيف ؟ ولماذا يجب على أحد الالتزام بها، وماذا سيحدث إذا لم يلتزم كل الأطراف ؟

الاتفاقيات البيئية ومدى مساهمتها في الحفاظ على البيئة

لماذا نحتاج إلى الاتفاقيات البيئية ؟

البيئة هي كل ما يحيط بنا، هي الهواء الذي نتنفسه، الماء الذي نشربه، الطعام الذي نأكله، البحار التي نسافر بداخلها، الحيوانات التي نحتاجها أو تحتاجها البيئة لتبقى، والغلاف الجوي الذي يحمي الأرض ومن عليها. كل هذه الأشياء هي البيئة التي نحاول الاتفاق على حمايتها. ولكن في الحقيقة، كل هذه الاتفاقيات هي محاولة لحمايتنا نحن الجنس البشري. فنحن الأكثر حاجة إلى كل هذه الأشياء. فتلوث بسيط في مياه البحار أو الأنهار، سيؤدي إلي اختلال البيئة المحيطة بالأسماك، فنكون قد خسرنا الثروة السمكية التي تمدنا بالغذاء والكثير من الفيتامينات الأساسية. نفوق الأسماك سيؤدي إلى شح الطعام لبعض الطيور التي تتغذى على الأسماك، فتنفق الطيور هي الأخرى مخلفة فجوة غذائية بالنسبة لنا كبشر، وبالنسبة أيضا للحيوانات التي تتغذى على هذه الطيور.

ماذا عن تلوث الهواء، أو الغلاف الجوي كما حدث في طبقة الأوزون، إن هذا التلوث سيتسبب في اختلال قدرتنا على التنفس أو قدرتنا على تحمل الأشعة الضارة للشمس. هذا سيؤثر أيضا على النباتات التي تعتمد على الهواء وضوء الشمس في غذائها، وأيضا الأسماك والطيور والحيوانات وكل ما يحيط بنا.

البيئة هي دائرة مغلقة كل شئ فيها يرتبط بشئ آخر، وكل هذه الأشياء ترتبط بالبشر في النهاية. فاختلال تفصيل بسيط من البيئة سيتسبب في انهيار تسلسلي لكل ما يعتمد عليه، وبالطبع سيصل الأمر إلى البشر في البداية أو النهاية. لذلك، كان من الضروري جدا أن نهتم بالبيئة وأن ننشئ الاتفاقيات البيئية التي ستعمل على حمايتها وحمايتنا وتوفير المناخ الأفضل.

وبما أن الإنسان هو الكائن الوحيد ذو العقل المفكر، فهذا يجعله الوحيد القادر على إيذاء البيئة وإلحاق الضرر بها ، ولكن يجعله أيضا الوحيد الذي تقع على عاتقه مهمة حماية البيئة من أي أضرار محتملة سببتها أفعاله. فالأفراد سيُعتبرون نوعا من أنواع الاتفاقيات البيئية، لأن الظروف المحيطة بالأفراد، هي نفس الظروف التي ستحدد ما إذا كانوا سيحمون البيئة أم لا. والاتفاقيات البيئية ستكون لحماية البيئة للإنسان من الإنسان نفسه.

وبناءا على ما سبق، يمكننا أن نلخص البيئة في نوعين، النظام البيئي الطبيعي، والنظام البيئي الحضاري.

  • النظام البيئي الطبيعي.
  • النظام الجوي: الغازات التي تكون الهواء.
  • النظام المائي: الماء في حالاته الثلاث، وفي أي مكان على/في الأرض.
  • النظام الأرضي: التربة الأرضية الزراعية أو الصحراوية.
  • النظام الحيوي: كل مظاهر الحياة من نبات أو حيوان أو إنسان.
  • النظام البيئي الحضاري.
  • النظام الاجتماعي: النظام الذي يشمل الأفراد والمجتمعات وطريقة تفاعلهم سويا. وكيفية تأثير هذا على البيئة.
  • النظام السياسي: النظام الذي ارتضاه المجتمع لتحديد السلطة وكيفية انتخابها وتسييرها للأمور، مما يشمل
  • الأمور البيئية الطبيعية، والالتزام بالاتفاقيات الدولية مثل الاتفاقيات البيئية في حالتنا هذه.
  • النظام التكنولوجي: النظام الذي يستخدم المعرفة للاستثمار القويم والأمثل للموارد البيئية أو الحفاظ عليها.
  • النظام الاقتصادي: النظام الذي على بناءه تتحدد عادات وتصرفات المجتمع، كطريقة التعامل مع النفايات أو الملوثات.
  • النظام الثقافي: النظام الذي يُحدد الطريقة التي سيتعرف بها المجتمع على حقوق البيئة وطريقة حمايتها.

متى بدأت الحاجة إلى الاتفاقيات البيئية ؟

بدأت الحاجة إلى الاتفاقيات البيئية بكتاب أصدرته “راشيل كارسون” في كتابها “الربيع الصامت”، في هذا الكتاب، أوضحت الكاتبة عن المخاطر التي أصبح الكوكب يعيش فيها بسبب البيئة الملوثة بالمواد الكيميائية والمبيدات الحشرية والتلوثات المائية والزراعية. وساهم الحديث في هذا الموضوع في تشجيع الكونجرس الأمريكي بإنشاء وكالة حماية البيئة، وبدأت عملها بتحريم استعمال مبيد حشري خطير وهو الـ DDT.

في عام 1973، كونت الأمم المتحدة البرنامج المسمى بـ “برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP”. وتركزت مهام هذا البرنامج في رصد القضايا البيئية وتنسيق العمل الدولي البيئي. أول مفهوم يصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة كان مفهوم “التنمية المستدامة sustainable development” والذي يعمل على نوعين من أنواع النظام البيئي الحضاري، وهما السياسة والاقتصاد. فهذا المفهوم يحاول الوصول إلى حلول بديلة للاستفادة من البيئة بشكل يحافظ عليها لنا وللأجيال القادمة، ومن جهة أخرى يستمر النمو الاقتصادي طويل المدى كنتيجة لهذه السياسة. وأصبحت معظم محاولات البرنامج، بما تتضمنه المنظمات التي أنشأها كفروع له، مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة، هي لتطبيق مفهوم التنمية المستدامة في البلاد المختلفة وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي وتوعوي لصالح البيئة.

ما هي أمثلة الاتفاقيات البيئية ؟

الاتفاقيات البيئية التي يصدرها البرنامج، تكون اتفاقيات متخصصة في كل منظومة من منظوماته. فهناك اتفاقيات لـ:

  • منظمة الأغذية والزراعة(FAO).
  • منظمة العمل الدولية (ILO).
  • منظمة الملاحة الدولية (IMO).
  • منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية (OPCW).
  • لجنة (مفوضية) الأمم المتحدة الاقتصادية لدى أوروبا (UNECE).

وتعمل كل منظومة من هذه المنظومات على حماية جانب معين من جوانب النظام البيئي. وكمثال لهذه الاتفاقيات القادمة من تلك المنظمات:

  • اتفاقية ستوكهولم للتعامل مع الملوثات العضوية الثابتة، وهي المواد شديدة السمية والتي تقاوم التحلل.
  • اتفاقية بازل للتحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، حيث أن نقل المخلفات الخطرة يزيد من احتمالية إصابة أماكن وأفراد أكثر.
  • اتفاقيات باريس وڤيينا وبروكسل فيما يتعلق بالأضرار الناجمة عن النشاطات النووية وإشعاعاتها الضارة بالبيئة والأفراد.
  • اتفاقية لندن وبروكسل لمنع التلوث البحري الناتج من تصريف النفط من السفن أو المتسرب عنها وأضراره على البيئة.
  • اتفاقيات مختلفة لحماية كل منطقة بحرية أو نهرية أو خليج من التلوث في أرجاء البلاد.
  • اتفاقية منع التجارة بالأنواع المهددة بالانقراض من النباتات والحيوانات.
  • معاهدة فيينا لحماية طبقة الأوزون.
  • اتفاقية تحريم تطوير وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية وتدميرها.
  • اتفاقية مكافحة التصحر.
  • بروتوكول كيوتو للتغير المناخي.
  • اتفاقية روتردام لمنع التجارة في مواد كيميائية معينة ومبيدات حشرية خطرة.
  • اتفاقيات حماية التنوع البيولوجي مثل اتفاقية رامسار للحفاظ على الأراضي الرطبة واستخدامها استخداما قويما حيث أنها تعتبر موطناً لتجمع الكائنات الحية وخاصة الطيور المهاجرة، البرمائيات وبعض النباتات.

تعتبر هذه الاتفاقيات جزء من كل، وليست مفصلة بما يكفي. ولمعرفة المزيد، بإمكانك – عزيز ي القارئ – زيارة موقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP للحصول على معلومات أكثر عن هذه الاتفاقيات واتفاقيات أخرى كذلك.

هل تلتزم الدول حقا بهذه الاتفاقيات البيئية ؟

لقد أوضحنا تعريفا مفصلا للبيئة، وأهميتها في حياتنا، وأسباب تأذيها، ولماذا قد نحتاج إلى حمايتها. و أعتقد أنه سيتبادر للأذهان بعد هذه المقدمة بأن التصرف الطبيعي تجاه هذه الاتفاقيات البيئية، هو الالتزام بها لتحقيق المصلحة الكلية للشعوب كافة، أو على الأقل، للشعب الخاص بهذه البلاد. ولكن، هل هذا حقا هو ما يحدث ؟ هل تلتزم الدول بهذه الاتفاقيات وتحرص على تحقيقها وحماية شعوبها والشعوب الأخرى والبيئة بأكملها من أخطار لا قبل لنا بمواجهتها إذا ما حدثت ؟ الإجابة ببساطة مؤلمة .. لا.

إسرائيل

سنورد فيما يلي بعض أمثلة خرق هذه الاتفاقيات البيئية من دولتان نعرفهما جيدا في عالمنا العربي. وربما تكون الدولة الأولى التي سنتحدث عنها هي دولة ستتبادر إلى أذهانكم سريعا .. فهل عرفتم من هي؟ إسرائيل. أول معاهدة نتحدث عنها حول خرق إسرائيل لها، هي معاهدة بازل لنقل النفايات عبر الحدود. فمن المعروف – والمكشوف رغم محاولات إسرائيل للتهرب من هذه الانتهاكات – أن إسرائيل تقوم بالتخلص من كثير من نفاياتها الصلبة المشعة ملوثات مسرطنة أخرى في الأراضي الفلسطينية مثل الصفة الغربية وقطاع غزة.

ثاني معاهدة هي اتفاقية نوتردام في نقل المواد الكيميائية والمبيدات. تقوم إسرائيل بانتهاك هذه الاتفاقية بتصدير العديد من المبيدات الحشرية السامة إلي بلدان عربية مثل مصر وسوريا، وأيضا بدون تفكير، الأراضي الفلسطينية. وقد تم ضبط كميات كبيرة من هذه المواد بالفعل في سيناء في أحد الأعوام. وفي سبيل الفرار بأفعالها في الأراضي الفلسطينية، تحرص إسرائيل على منع دخول أية أجهزة تتمكن من فحص خطورة المبيديات الحشرية، فيصير الشعب جاهلا بحقيقة ما يستعمله حتى يُصاب بالأمراض.

ثالث معاهدة هي اتفاقية رامسار لحماية التنوع البيئي. في محاولة أخرى من ضمن محاولات إسرائيل للتنمر على الأراضي الفلسطينية، تقوم بتلويث المياه الفلسطينية بطريقة متكررة ودائمة. وقد يصل الأمر لتحويل المياه الفلسطينية إلى المستوطنين في إسرائيل وحرمان الفلسطينيين من حقهم في مياههم.

اتفاق فيينا للحفاظ على طبقة الأوزون بالتقليل من المواد الكيميائية المسببة في تلوث الهواء. تقوم مصانع الفحم الإسرائيلية وكذلك محطات توليد الكهرباء بإطلاق غازاتها السامة طليقة في الهواء قريبا من المناطق الفلسطينية ، كذلك تسمح هذه المصانع بتسريب رواسبها إلى المياه والتربة مسببة تسمما للنباتات والكائنات البحرية.

لبنان

الدولة التالية لم تقم بانتهاك مباشر وصريح للنظام البيئي الطبيعي، ولكن عجزها عن التعامل مع كافة أنواع النظام البيئي الحضاري هو ما أوصلها إلى تلك النتيجة من خرق معاهدات الحفاظ على البيئة. في مقال نشره د.ناجي قديح في يونيو 2016، يشتكي فيه من تراكم النفايات في كل شبر من أشبار لبنان، وفشل الحكومة في إيجاد حل بسيط أو جيد لهذه المشكلة. وعوضا، الشروع في حرق هذه النفايات مخلفة غازات سامة ومخلفات تعلق في الهواء وتبقى لتسبب الأمراض للمواطنين والضرر لطبقات الغلاف الجوي الأرضي.

مصر

أما بالحديث عن تجربة شخصية، فما يحدث في لبنان ليس بعيدا كثيرا عما يحدث في مصر من أكمام الزبالة المرماة في القرى والأرياف دون أي استعمال رشيد لها، بل على العكس، يتم حرقها وترك الدخان الملوث يصعد إلى الهواء الذي نتنفسه ويختلط به. ولا ننسى أيضا الانتهاكات التي تحدث في مياه النيل سواء من المواطنين أنفسهم أو الشركات الكبرى.

ولكن ليست هذه هي الدول الوحيدة التي تخرق معاهدات وبروتوكولات الأمم المتحدة. فهناك المواد الكيميائية التي استعملتها أمريكا – التي أنشأت وكالة حماية البيئة من الأساس – في حروبها ضد العراق وغيرها من البلدان، وهناك المفاعلات النووية التي لا تتعامل البلاد مالكة هذه المفاعلات بالحرص اللازم للتعامل مع مثل هذه المواد الخطيرة، وأيضا المخلفات السامة الناشئة عن تلك المفاعلات، والتي يمتد أثرها للتوغل سريعا في المناطق المحيطة من هذه الأماكن ولفترات طويلة جدا. والتخلص الآمن من هذه النفايات يعد أمرا مرهقا جدا، فتلجأ تلك الدول للطرق السهلة فترميه في الدول النامية التي لا تملك قدرة الدفاع عن أفرادها أو أراضيها. مسببة بذلك خرق لاتفاقية بازل في نقل المواد الخطرة عبر الحدود، واتفاقية راسمار في حماية التنوع البيولوجي بتدمير أراضي تلك البلاد النامية، والكائنات الحية المتواجه في هذه البيئة. أجل، الاتفاقيات البيئية تم وضعها لحماية الإنسان وبيئته، لكنها أيضا كما أوضحنا، أنها وضعت لحماية الإنسان من أفعال الإنسان نفسه المدمرة.

هل يلتزم الأفراد بهذه الاتفاقيات البيئية ؟

هذه الخروقات التي أوردناها سابقا عن الاتفاقيات البيئية كانت فيما يخص الدول بأكملها، فماذا إذا بما يتعلق بالأفراد داخل الدول ؟ هل يمكن لفرد أن يخرق اتفاقية دولية تم عقدها بين دول ؟
الإجابة ببساطة شديدة .. نعم. الاتفاقيات البيئية هي اتفاقات دولية بالطبع، لكن علينا أن لا ننسى أن الدولة هي الأفراد التي بداخلها. فبدون الأفراد، لا تكون دولة، بل تكون قطعة أرض لا يستطيع أحد أن يحكمها، لعدم وجود ما يُحكَم فيها. إذا، الاتفاقيات البيئية هي اتفاقيا تتكفل الحكومة بسن القوانين اللازمة لتطبيقها، ولكن الأفراد هم من يطبقون هذه القوانين.

كيف إذا يخرق الأفراد الاتفاقيات البيئية الدولية ؟

تبدأ الإجابة من الأكبر ثم سننتقل تدريجيا إلى الأصغر. والأكبر في هذه الحالة هم أصحاب الشركات الكبيرة ذات الصناعات المتعددة. فكل صناعة تختلف متطلباتها والمواد المستعملة فيها، ولكن كل الصناعات تتفق في أنها تترك خلفها نفايات تحتاج أن يتم التخلص منها. وأيضا هذه النفايات تختلف في خطورتها من الشديد إلى الأقل شدة. فكيف إذا سيتخلص صاحب هذه الشركات من نفايات شركته ؟ الإجابة على هذا السؤال هي الإجابة على الطريقة التي يمكن أن يخرق بها فردا الاتفاقيات البيئية.

فإذا كان صاحب الشركات هذا يترك الدخان المنبعث من مصانعه للانطلاق بحرية في هواء الغلاف الجوي بما تحمله من ملوثات، وترك المخلفات الصلبة لصبها في في مياه البحار أو الأنهار، ودفت المخلفات الكيميائية في الأراضي الزراعية أو حتى الآهلة بالسكان، فكل هذه انتهاكات صريحة في الاتفاقيات البيئية التي تسعى جاهدة للحفاظ على البيئة.

أما الأصغر في هذه الحالة فهو المواطن البسيط الذي لا يمكنه تسريب نفايات في الهواء أو الماء أو التربة، لكنه يمكنه الإكثار من استهلاك المواد غبر القابلة لإعادة التصنيع مخلفا وراءه قدرا هائلا من النفايات التي لا تستطيع الدولة التصرف فيها بطريقة ملائمة .. خصوصا في دولة نامية لا تعرف أصلا كيف تتخلص من نفاياتها. أو الإسراف في استهلاك الموارد الناضبة كالماء والكهرباء والغاز والبترول وغيرها. فهذا الإسراف يقود الدولة بأكملها إلى نضوب مصادر طاقتها، وبالتالي دخول البلاد في حالة عصيبة من الشح في الموارد البيئية، ليس فقط لهذا الفرد، ولكن للأجيال القادمة بعده.

وهكذا، مع بعض التفكير البسيط في عواقب التصرفات الصغير ة التي تصدر منك، قد تدرك أنك أنت – برغم بساطة نسبتك مقارنة بنسبة سكان الكرة الأرضية باسرها- تساهم في تلوث البيئة وتعريضها للخطر، وتتسبب في خرق اتفاقات دولية يجب أن نحافظ عليها بكل ما أمكننا.

وفي نهاية هذه النقطة، فإننا لا ننفي المسئولية عن الحكومات والسلطات، فهؤلاء هم المسئولين عن تسنين القوانين والوصول لأفضل الحلول في تطبيق هذه القوانين والاستهلاك الأفضل لموارد البيئة. لكن هذه الحقيقة لا تنفي عنك حقيقة أنك قد تكون شريكا في تدمير البيئة مع حكومتك غير المؤهلة للتصرف مع موارد دولة. لذلك، ودون حتى أن تنتظر من حكومة بلدك أن تكون رشيدة معك ومع مواردك التي هي من حقك، ايدأ أنت لو بشكل بسيط في تغيير عاداتك وكن إيجابيا. فالسلبية الشخصية لا تولد إلا الفساد المجتمعي إذا ما جمعنا كل هذه السلبيات الشخصية سويا.

لماذا تخرق الدول الاتفاقيات البيئية ؟

ربما يبدو الأمر غير منطقيا عندما تقوم دولة بانتهاك قانون يحاول أن يحافظ على بيئة آمنة لعيش أفرادها. ولك كامل الحق في أن تشعر بهذا عزيزي القارئ. فهو شئ غير منطقي فعلا. ولكن، للأسف، ليس المتحكم في أفعال الأشخاص والدول هو المنطق أو عدمه. فغالبا ما تكون المتحكم في اتخاذ القرار هو المصلحة الشخصية، والشخصية فقط. ولكن ليست أية مصلحة شخصية عزيزي القارئ، إنها المصلحة الشخصية لهؤلاء الذين يملكون القوة فقط. أما هؤلاء الذين لا يملكون سوى دعوات قلوبهم، فلا يمكنهم أن يخرقوا اتفاقية من التي أقرها عليهم أصحاب القوى.

القوة

لننظر مثلا للمثال الذي أوردناه سابقا، عن إسرائيل. إسرائيل تمثل دولة تملك قوة تعلو بها فوق قطاع غزة والصفة الغربية خاصة، والعالم العربي المحيط بها عامة. ولذلك تتمكن إسرائيل من صب كافة انتهاكاتها على الأرض المُحتلة، دون حتى أن يحاول أحد ملاحقتها قانونيا جراء انتهاكاتها لحقوق البيئة أو حتى حقوق الإنسان. فمن يملك مقاليد القوة، هو من يملك مقاليد السلطة والتحكم. وبالمثل، كل الدول التي تقوم بنقل نفاياتها أو تطبيق تجاربها في الدول النامية، إنهم يفعلون هذا لأنهم يقدرون. فقط هذا. لا تحاول أن تمنطق ما تقرأه عزيز القارئ أو أن تحاول الوصول إلى إجابة مرضية. فعندما تجتمع القوة مع المنطق في ميزان واحد، تغلب كفة القوة بعنف دائما.

الرغبة في الانتصار

تذكر مثلا عندما ألقت الولايات المتحدة قنبلتها الذرية على هيروشيما وناغازاكي. ربما كانت هذه الواقعة قبل إنشاء وكالة حماية البيئة بعقود، ولكن، لا أعتقد أن شيئا كهذا يستدعي منظمة لتخبرك بأن تصرف كهذا هو تصرف تعجز العقول القويمة عن مجرد حدوثه. ولكن ليست هذه نقطتنا الآن، النقطة هي في أثر القنبلة الذرية نفسها. فالقنبلة الذرية ضررها لم يكن الدمار الهائل الذي سببته لتلك المدينتين فقط. بل أيضا تركت دمارا هائلا في الولايات المتحدة نفسها، حيث أن تصنيع المواد الذرية يتسبب في تدمير الأشخاص المحيطين بهذه المواد ولمسافات طويلة جدا. لهذا تُصنّع هذه المواد في منشآت معزولة تماما. ولكن حتى ون عُزلت هذه المواد، فالطريقة التي نقلت بها هذه القنبلة، وكل الأشخاص المشاركين فيها، كان لهم نصيب كبير من الضرر كما ذلك الذي لحق بالمدينتين.

ففي السبيل للحصول على نصر لأنفسهم، لم تتوان دولة عن تدمير مدن على بكرة أبيها، حتى وإن كانت هذه الدولة نفسها ستدفع الثمن غاليا. إن الأسباب التي قد تدفع أحدا لقيام بأعمال تدميرية كهذه، صدقا عزيزي القارئ، ليس لها أية تفسيرات منطقية. فالضرر الناتج يكون مهولا، وعلى كل الأطراف، ومستمرا لفترة قد تتعدى للأجيال القادمة فيما بعد. وحقيقة أننا بحاجة إلى وضع قوانين ومعاهدات نخبر بها الناس أننا “يجب علينا أن نحافظ على البيئة” وكأن هذا ليس أمرا بديهيا لا يحتاج إلى مناقشة، يجعلنا يدرك كم نحن مخلوقات عير منطقية بالمرة، أو تعرف جيدا ما الذي يجب أو لا يجب فعله، مهما كان بديهيا.

ختام

وفي نهاية هذا المقال الذي قد يبدو يائسا قليلا – أو كثيرا – لا تنس أن هكذا خلقنا الله، نحمل بداخلنا الخير والشر، والمنطق واللامنطق، والقوة والضعف. فعندما تجد شيئا يجعلك عقلك يدور كهذه الأشياء، لا تفقد الأمل أو تتسلح بالسلبية، لأن هذه المواقف لن تنتهي حتى ينتهي البشر. ولكن حاول أن تكون أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم كما يقولون، وربما ذات يوم، سترى هذا التغيير.

 

أفنان سلطان

طالبة جامعية، أهوى القراءة واعتدت الكتابة كثيرا منذ صغري. على أعتاب التخرج ولا أدري بعد ماذا سأفعل.

أضف تعليق

20 − 3 =