تسعة شخصيات

مصطفى كمال أتاتورك .. أبو الأتراك ومؤسس دولتهم الحديثة

مصطفى كمال أتاتورك

سيرة حياة مصطفى كمال أتاتورك : يعرف مصطفى كمال أتاتورك بأنه مؤسس دولة تركيا الحديثة وأول من ترأسها. فكيف كانت مسيرته وما الإنجاز الذي حققه وصنع تاريخه؟

مصطفى كمال أتاتورك أو أبو الأتراك أو مؤسس تركيا الحديثة، هو الشخصية الأبرز وصاحبة التأثير الأكبر في التاريخ التركي الحديث، ورغم وفاته قبل ثمانية وسبعون عاماً إلا إنه صاحب الشعبية الأكبر بين ابناء الشعب التركي. فترى ما السر في ذلك؟ وما الإنجاز الذي حققه والأثر الذي تركه ليكون أهم الشخصيات التاريخية في نظر الشعب التركي؟

مصطفى كمال أتاتورك .. من هذا ؟

يُعرف مصطفى كمال أتاتورك بأنه مؤسس دولة تركيا الحديثة وأول من تولوا رئاسة جمهوريتها.. فكيف كانت مسيرته نحو ذلك؟ وما الإنجاز الذي حققه وصنع تاريخه؟

الميلاد والأسرة :

وُلِد مصطفى كمال أتاتورك في التاسع عشر من مايو 1881م وذلك في منطقة سالونيك الواقعة ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية، وُلِد أتاتورك لعائلة تندرج من الآفرانتولار وهي إحدى العشائر التركية المهاجرة إلى الأناضول خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلادي. والده هو علي رضا افندي وأمه هي زبيدة هانم، وقد كان لـ مصطفى كمال أتاتورك خمسة أشقاء هم: فاطمة وعمر ونجية ومقبولة وأحمد، لكن جميعهم توفوا في عمر صغير بسبب سوء الرعاية الصحية ولم تبق منهم سوى أخته مقبولة، التي عُرفت بإنها الشقيقة الوحيدة لأتاتورك أو بمعنى أصح الشقيقة الوحيدة التي شهدت تدرجة في المناصب وعاصرت رئاسته لدولة تركيا، كما كان له أخ واحد غير شقيق من جهة أمه يدعى حسين.

الدراسة :

توفي والد مصطفى كمال أتاتورك وهو في عمر الثماني أعوام وكان لذلك أثر سلبي بالغ على حياة الأسرة، خاصة من الناحية المادية حتى أنهم اضطروا إلى الانتقال إلى منزل متواضع ليتمكنوا من سداد تكاليف الإقامة به، لكن الأم حرصت على أن يتم طفلها مصطفى مسيرته الدراسية ويكملها للنهاية أيا كانت العقبات، خاصة إنه خلال سنواته الدراسية الأولى أظهر توفقاً ملحوظاً. التحق مصطفى كمال أتاتورك في البداية بالمدرسة الرشدية المدنية حيث تلقى بها تعليمه الإلزامي، وقد أبدى في تلك رغبته في الالتحاق بالسلك العسكري إلا إن والدته عارضت الفكرة بشدة، لكنه في النهاية تمكن من إقناعها بذلك وفي 1893م التحق بالفعل بمدرسة الرشدية العسكرية، وبالمرحلة الثانوية انضم إلى المدرسة الرهبانية الثانوية.

مسيرته العسكرية :

عقب تخرج مصطفى كمال أتاتورك تم إرساله إلى الجيش الخامس في مدينة دمشق، حيث احتك هناك لأول مرة بالعمل العسكري وخاض أول معاركه التي تمثلت في ردع الثورات السورية المتمردة على الحكم العثماني، وقد اكتسب اتاتورك خبرة واسعة بالمجالين العسكري والسياسي خلال الفترة التي قضاها بالأراضي السورية.

حظي مصطفى كمال أتاتورك خلال سنواته الأولى بالعمل العسكري بإشادة كل قائد عمل تحت إداراته، ذلك لما أظهره من كفاءة وشجاعة وقدرة على التعلم واكتساب الخبرات بصورة سريعة، ومن ثم كان من الطبيعي أن يتنقل ما بين العديد من المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية، كما نال العديد من الترقيات الاستثنائية وتدرج بالمناصب المختلفة.

الوطن والحرية :

تغيرت مفايهم مصطفى كمال أتاتورك بدرجة كبيرة خلال الفترة التي قضاها في دمشق، وبدأ ينظر إلى السلطان العثماني باعتباره المستبد المغتصب لأرض بلاده. التقى فيما بعد كمال أتاتورك بمجموعة من النشاط الذين يشاركونه نفس الرأي والموقف السياسي وكان أبرزهما الضابط لطفي مفيد والطبيب العسكري مصطفى جنتكين، وتم اختيار عنوان الوطنية والحرية ليكون اسماً للجمعية السرية التي أقاموها معاً بهدف النضال ضد استبداد السلطان العثماني وتوعية الشعوب بمساوئ حكمه.

لكن أخذ المؤرخون على تنظيم أتاتورك إنه لم يكن فعالاً بدرجة كبيرة ولم يُعرف لها نشاط سياسي واضح، بعكس جمعيات سرية أخرى مثل تنظيم الاتحاد والترقي الذي ظهر في نفس الفترة، التنظيمين كانا لهما نفس الأفكار ويتبعان ذات المبادئ ودليل ذلك هو إن مصطفى كمال أتاتورك قد انضم فيما بعد إلى الاتحاد والترقي.

قوات التحرير :

جاءت فرصة مصطفى كمال أتاتورك حين اندلعت الحرب المعروفة باسم حرب الاستقلال أو حرب تحرير الأناضول المحتل، وقد أبلى أتاتورك خلالها بلاءً حسناً فزادت شعبيته، وفي عام 1919م أظهر موقفه من السلطان العثماني حين رفض أوامره بالعودة إلى أسطنبول المحتلة من قبل البريطانيين، وانشق عنه وكون مجموعة من القوات العسكرية اطلق عليها اسم قوات التحرير. خاض أتاتورك مع قوات التحرير العديد من المعارك وتوالت انتصارته وبحلول 1922م كان قد حقق لبلاده الاستقلال وطرد القوات المحتلة من على أرضها.

بفضل الانتصارات المتتالية التي حققتها قوات التحريك تعاظمت شعبية مصطفى كمال أتاتورك في الوطن العربي بالكامل، خاصة إنه كان يعتمد على مجموعة من رجال الدين يصفون حربه بالجهاد ويدعون الناس للانضمام إليه، كذلك جذبت انتصاراته القوى الأوروبية وكان حديث وسائل الإعلام بها.

الاستقلال وتولي الرئاسة :

بدأت مسيرة مصطفى كمال أتاتورك نحو اعتلاء السلطة بتكوينه لما سمي بالمجلس الوطني العظيم في أنقرة، والذي ضم مجموعة كبيرة من ممثلي القوة الشعبية وكان يعد بمثابة حكومة موازية تنازع الخليفة العثماني على سلطته، وفي عام 1922م وفور طرد قوات الاحتلال أصدر أتاتورك من خلال هذا المجلس ما اسماه إعلان النصر وتحرير الأراضي التركية والذي أعلن من خلاله انقضاء زمن السلطنة، وفي 1923م حصل على شرعية دولية بحكمه لدولة تركيا بتوقيعه على معاهدة لوزان، وبعد شهور قليلة تم إعلان قيام الجمهورية.

تأثيره وإنجازه :

يصف المؤرخون مصطفى كمال أتاتورك بإنه مؤسس دولة تركيا الحديثة، وهو وصف شامل جامع بالغ الدقة وليس فيه شىء من المبالغة، فقد تمكن أتاتورك في إحداث طفرة على مختلف الأصعدة في الدولة التركية، وخلال 15 عاماً فقد كان قد حولها إلى دولة مدنية قوية وحديثة، وعمل على الربط بينها وبين الدول الأوروبية المتقدمة.

أتاتورك بين الدين والسياسة :

المأخذ الوحيد الذي يمكن حمله على سياسة مصطفى كمال أتاتورك هو تعمده تهميش دور الدين، فهو لم يكتف بفصل الدين عن الدولة وتبني أفكار علمانية، بل إنه كان يسعى إلى تخلي تركيا عن الهوية الإسلامية التي ترتبط بها تاريخياً باعتبارها هي السبب الرئيسي لتدهور البلاد وتردي أوضاعها حسب زعمه.

ألقابه وأسبابها :

مصطفى كمال أتاتورك هو في الحقيقة ليس اسماً ثلاثياً بل هو اسم واحد ولقبين!.. فالاسم الحقيقي لمؤسس تركيا الحديثة هو مصطفى علي افندي، أما اسم (كمال) فقد ألصق به من خلال معلم الرياضيات مصطفى افندي لما توسمه فيه من ذكاءً ونضج جعلا منه في نظره رمزاً للكمال البشري. أما (أتاتورك) فهي كلمة تركية تعني أبو الأتراك وهو لقب منحه البرلمان التركي إياه بعد وفاته تكريماً له وتقديراً لما بذله من مجهودات للارتقاء بتركيا خلال فترة حكمه.

الوفاة :

ساءت الحالة الصحية لـ مصطفى كمال أتاتورك ابتداءً من 1937م واكشف الأطباء إصابته بتشمع الكبد، فشل الأطباء الأتراك في إحراز أي تقدم فتم الاستعانة بأصحاب الخبرات من أطباء أوروبا، لكن الحالة الصحية لأتاتورك كانت قد تدهورت بالفعل فلم يفلح معها أي علاج، وفي العاشر من نوفمبر 1938م توفي بقصر دولما باهتشا باسطنبول، وتم دفنه في أنقره داخل ضريح ضخم يعد أحد أبرز معالم العاصمة التركية أنقرة.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق