تسعة شخصيات

أرثر ميلر رمز المسرح الأمريكي الذي أدان سياسات أمريكا

أرثر ميلر رمز المسرح الأمريكي الذي أدان سياسات أمريكا

أرثر ميلر .. من هذا ؟ : كل ما ذكر عن أرثر ميلر- في النهاية- لا يعبر سوى عن وجه واحد من الأوجه العديدة لحياة أرثر ميلر، فقد كان فناناً مبدعاً ومناضلاً قوياً

أرثر ميلر هو اسم يعرفه كل محب لفن الأدب وفن السينما، فالموهبة التي حظي بها واستغلها في إنتاج أعماله الفنية، لا تجعل منه جزءاً هاماً من التاريخ الفني، إنما تجعله أحد صُناع ذلك التاريخ، فعدد كبير من الأعمال السينمائية الكلاسيكية التي لا تزال محتفظة بمكانتها حتى اليوم، كانت نصوصها مذيلة بتوقيع ميلر، وهذا بخلاف الروايات العديدة التي قدمت كعروض للمسرح أو نشرت كروايات مطبوعة.

أرثر ميلر .. من هذا ؟

كل ما ذكر عن أرثر ميلر -في النهاية- لا يعبر سوى عن وجه واحد من الأوجه العديدة لحياة أرثر ميلر، فبقدر ما كان فناناً مبدعاً كان مناضلاً قوياً، له العديد من الآراء والمواقف السياسية الجريئة، والتي سببت له المتاعب في بعض الأحيان.. ما قصة ذلك الراجل الذي كان له العديد من الاهتمامات وبرع فيهم جميعاً؟

مولده وأسرته :

قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بسنوات قليلة هاجر اليهودي أيسدور ميلر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستقر هناك بمدينة نيويورك وتزوج بها، وأنجب أطفاله جوان وكريمت و أرثر ميلر ..نشأ ميلر في كنف أسرة يهودية ميسورة الحال، فوالده كان مصمماً للأزياء ويملك متجراً لبيع الملابس، ولكن مع بلوغ أرثر ميلر لسن الرابعة عشر تقريباً، وخلال فترة الكساد العظيم التي كانت من نتائج الحرب العالمية، تأثرت تجارة والدته وتدمر محله وبارعت سلعه، فتبدلت أحوال الأسرة وتحولت من أسرة ميسورة إلى أسرة تعاني من الفقر الشديد، فأدرك ميلر في صباه ما يعني منه العالم من مشكلات اقتصادية واجتماعية، بل إنه عايشها بنفسه، فعبّر عنها في وقت لاحق من خلال كتاباته ونصوصه المسرحية.

تعليمه :

أول عرض مسرحي حضره أرثر ميلر كان في عام 1923م، ومنذ اللحظة الأول تعلق به وازداد به شغفاً، ولكنه كان شغف غير موجه فلم يكن في ذلك الوقت طامحاً لأن يكون كاتباً مسرحياً، ولذا فإن دراسته لم تتأثر بموهبته التي لم يكتشفها في نفسه بعد، وتلقى تعليمه الأساسي في مقاطعة هارلم، ثم التحق بمدرسة أبراهام لينكولن الثانوية في بروكلين، ولكن محصلته النهائية من الدراجات أقل من أن تؤهله للالتحاق بالجامعة، لكن كان مصراً وقام بتقديم أكثر من طلب إلى إدارة جامعة ميتشجان، إلى أن تم قبوله ضمن صفوفها وفي بادئ الأمر تخصص في دراسة الصحافة والإعلام، لكنه بعد وقت قصير قرر الانتقال من ذلك القسم التعليمي والتحصص في دراسة الأدب الإنجليزي.

زواجه وابنائه :

المرأة الأولى في حياة أرثر ميلر هي ماري جريس سلاتري، والتي جمعتهما علاقة زمالة تحولت مع الوقت إلى قصة حب كللت بالزواج في أغسطس لعام 1940م، وأنجب ميلر من ماري ابنيه روبرت وجان ميلر، ولكن بحلول عام 1956م ولأسباب غير معلنة اضطربت العلاقة بينهما، فقرر كل من الطرفين الانفصال عن الآخر، وفي العام نفسه فوجئ العالم بنبأ زواج أرثر ميلر من نجمة هوليود الأشهر آنذاك مارلين مونرو، وهو ما سنتطرق له بشئ من التفصيل لاحقاً.

أما المرأة الثالثة في حياة الكاتب المسرحي البارز فهي المصورة الفوتوغرافية إينج موراث، والتي جمعته به صدفة حين تم تكليفها من قبل وكالة ماجنوم لتصوير عمليات الإعداد لفيلم “سيئو الحظ”، وبالطبع كان آثر ميلر حاضراً بمراحل الإعداد، فتعرف عليها ووقع في حبها، وفي بدايات عام 1962م أعلن ميلر زواجه منها، والذي دام حتى وفاتها في 2002م، وقد أنجب له إينج ولده دانيال ميلر وابنته ريبيكا ميلر، وهي زوجة نجم هوليود الشهير دانيال داي لويس.

جدل حول زواجه بمارلين مونرو :

زيجتي أرثر ميلر السابق الإشارة إليهما مرا بسلام، فحلوهما ومرهما كان بعيداً عن ومضات الكاميرات وأقلام الصحافة، أما زيجته الثانية والتي كانت من مارلين مونرو فقد خاض الجميع في تفاصيلها، والسبب في ذلك ليس أن الزيجة تجمع ما بين أبرز كاتب مسرحي وأشهر ممثلة سينما في تلك الفترة، بل إن البعض قال بإن تلك الزيجة كانت بقصد المرواغة، وأن أرثر ميلر حرص على الارتباط  بالنجمة الشهيرة ليفلت من ملاحقات مكتب التحقيقات الفيدرالي، والذي كان يلاحقه بسبب نشاطه السياسي وتوجهاته اليسارية.. دام زواج ميلر من مارلين مونرو خلال الفترة ما بين عامي 1956م و1961م، والمقربين من الطرفين يرون إن استمرار زواجهما لتلك الفترة هو معجزة بكل المقاييس، فالزوجين لم يتوافقا أبداً حتى أن مونرو لم تكن حتى من المعجبات بكتابات أرثر ميلر ،ولم تكن تجد خجلاً في مصارحته  بذلك.

موقفه من سياسة الولايات المتحدة :

كان أرثر ميلر أمريكي الجنسية تقدمي التوجه يساري الاعتقاد، وهو ما جعله يناهض مختلف أشكال القمع في كل بقاع العالم، وكان يعلن دوماً عن إدانته للسياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بصفة عامة، وعلى وجه الخصوص سياساتها المتعلقة بمبادئ حقوق الإنسان، وكان ناشط سياسي فعال مدافع دوماً عن حرية الرأي وحرية التعبير، وبسبب نشاطه هذا وجهت له العديد من الاتهامات من قبل لجنة التحقيقات المتعلقة بالأنشطة المعادية لأمريكا، وكانت مواقفه من السياسات الأمريكية سبباً في إحالته للمحاكمة في عام 1956م.

موقفه من الصهيونية وإسرائيل :

في البداية كان أرثر ميلر متذبذباً ما بين تأييد وإدانة الكيان الصهيوني، فعلى الرغم من إنه لم يكن يهودياً متديناً إلا إن فكرة إقامة وطن يهودي كانت مغرية بالنسبة له، لكن ما شاهده من أساليب قمعية ومذابح غوغائية يمارسها الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني، جعل ميلر يحسم قراره، وأعلن إن ما يمارس ضد الفلسطينين فالضفة الغربية مغاير لكل ما ورد في التوراة، ودعا إلى ضرورة إقامة دولة فلسطينية وأن يعم السلام الجميع يهوداً ومسلمين، ولكن في النهاية لا يمكننا القول بأن ميلر كان معادياً لإقامة دولة إسرائيل بالكامل، إنما كان يعادي ممارساتها وأساليبها فقط لا غير.

إنجازه المهني :

رغم إن أرثر ميلر له باع طويل في مجال العمل السياسي، إلا إن ذلك لا ينفي حقيقة إنه كاتب في المقام الأول، وقد قام خلال حياته بتقديم عشرات النصوص للمسرح والسينما، أغلبها تم قديمه بنسخ عديدة حول العالم وبلغات مختلفة، وتمكن من تخليد اسمه في تاريخ الفن بأحرف من نور، خاصة وإن أعماله جميعها كانت تتماز بعمق الفكرة، وناقش من خلالها العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية.

الجوائز الفنية :

توجهات أرثر ميلر الفكرية والسياسية أبعدته نوعاً ما عن الجوائز، لكن هذا لا يمنع إنه قد نال البعض منها خلال مشواره الفني، ومن أبرز تلك الجوائز التي حاز عليها التالي:

  • جائزة توني عام 1947م لأفضل مسرحية عن نص “كلهم أبنائي”.
  • جائزة بوليتزر وجائزة نقاد الدراما في عام 1949م، وكلاهما عن نص واحد هو “موت بائع جائل”.
  • جائزة الثقافة العالمية اليابانية في عام 2001م.

وفاته :

قضي أرثر ميلر فترة من حياته منشغلاً في تدوين سيرته الذاتية، والتي ضمنها كتاب أسماه منعطفات زمنية، وقد تدهورت صحة ميلر خلال أعوامه الأخيرة، فعانى من أمراض القلب والرئتين، وكانت الطامة الكبرى حين اكتشف إصابته بمرض السرطان، وفي مساء العاشر من فبراير لعام 2005م، وبعد احتفاله بالذكرى السادسة والخمسين للعرض الأول لأشهر أعماله “موت بائع جائل”، فارق الحياة بعد سهرة قضاها بصحبة عائلته -كانت بمثابة جلسة وداع- عن عمر يناهز 89 عاماً، نتيجة تعرضه للإصابة بالسكتة الدماغية، وكان ذلك في منزله في مقاطعة روكسبوري بولاية كونيتيكت ودُفن بها.

سيرة حياة

أضف تعليق