تسعة شخصيات

ممدوح عبد العليم .. الكومي الذي أجاد كل أشكال الدراما

ممدوح عبد العليم .. الكومي الذي أجاد كل أشكال الدراما

سيرة حياة ممدوح عبد العليم : هو أحد أنجح المواهب التمثيلية في سماء الفن بعقد التسعينات، وحقق شعبية وجماهيرية تفوق شعبية غيره. فمن هو ممدوح عبد العليم؟

ممدوح عبد العليم هو أحد أبرز الممثلين في تاريخ الدراما التلفزيونية المصرية، سطع نجمه في أوائل التسعينات ومنذ ذلك الحين لم يخب وهجه.. ممدوح عبد العليم من الممثلين القلائل الذين أجادوا تقديم مختلف أنواع الدراما، كما كان يحرص على تقديم الأعمال المتميزة والجادة، التي تترسخ في أذهان المشاهدين وتترك أثراً في نفوسهم، ومنها أفلام البرئ وكتيبة الإعدام والحب في طابا ومسلسلات الضوء الشارد وليالي الحلمية وخالتي صفية والدير والكومي وجمهورية زفتى والكومي، وبذلك صنع تاريخ فني حافل بالأعمال المميزة، التي خلقت مكانته وضمنت له البقاء في ذاكرة الجمهور أبد الأبدين.

ممدوح عبد العليم .. من هذا ؟

ممدوح عبد العليم هو أحد أنجح المواهب التمثيلية التي سطعت في سماء الفن بعقد التسعينات، وهو دليل حي على إن مكانة الفنان تصنعها قيمة أعماله وليس عددها، فعبد العليم -مقارنة بغيره- قدم أعمالاً قليلة من حيث العدد، ومن خلالها حقق شعبية وجماهيرية تفوق شعبية من قدموا أضعاف من قدمه من أعمال، فالعبرة -في النهاية- بما يعلق بذاكرة المشاهدين.

الميلاد :

في العاشر من يونيو عام 1956م وُلِد الفنان المصري ممدوح عبد العليم ،وكان ذلك في مركز أشمون التابع لمحافظة المنوفية المصرية، والتوقيت الذي وُلِد به فرض عليه النضج في وقت مبكر عن المفترض، وذلك ليس استثناءً بل إنه كان حال كافة ابناء جيله تقريباً، فقد ولد عبد العليم بعد ثلاثة أعوام تقريباً من قيام ثورة يوليو 1952م، التي غيرّت مجرى التاريخ المصري بتحويلها من نظام الحكم الملكي إلى النظام الجمهوري، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك ما يشغل عوام الشعب أكثر من القضايا السياسية، وحين فطن لما يجرى حوله كان ذلك في فترة متخمة بالأحداث الهامة والمصيرية، معاهدات وصدامات وتهديدات وتحالفات وانقسامات وطموحات كبيرة وآمال معلقة، وفي النهاية انهار كل شىء في عام 1967م حين وقعت النكسة، فجمع الناس حلم العبور واسترداد الأرض الأرض المغتصبة من بني صهيون، وهذا كله ساهم في تشكيل وعي وشخصية جيل كامل من ابناء الشعب المصري ومنهم ممدوح عبد العليم ،الذين كانت اهتمامتهم أعظم من اللهو والمرح وأحلامهم أكبر من الحصول على لعبة أو قطعة حلوى.

الهواية والدراسة :

كان قلب ممدوح عبد العليم منذ طفولته يميل إلى الفن، فقد كان شديد الشغف به، وخلال سنوات دراسته لم يتوانى عن الالتحاق بالأنشطة الفنية المدرسية، ولكن في ذات الوقت كانت السياسة مسيطرة على عقله، ولم يكن بمقدوره التخلي عن هذا أو أذاك، فقرر في النهاية أن يجعل من الأولى هواية يسخر لها كل أوقات فراغه، والثانية تكون هي دراسته الأكاديمية، وبالفعل شارك في العديد من الأعمال الفنية المسرحية والتلفزيونية، ولكنه بعد إتمامه دراسته الثانوية قرر الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وحصل منها على درجة البكالوريوس.

التوفيق بين السياسة والفن :

في فترة الصبا والشباب كان من اليسير على ممدوح عبد العليم أن يحدث توازناً بين اهتماماته الفنية والسياسية، فقد كان يمارس الأولى بصفته هاو ومنخرط في الثانية كونه دارس لها، ولكن بعد تخرجه صار من العسير أن يتم التوفيق بين الاثنين، وكان عليه تحديد واختيار الطريق الذي سيسلكه ويحقق طموحه من خلاله، وفي النهاية رأى إن الحل الأمثل هو أن يقدم رسالته ويعرض أفكاره السياسية من خلال أعماله الفنية، فكان يختار الأعمال التي يشارك بها بعناية فائقة، ويحرص على أن يكون الكم الأكبر منها يحمل رسائل هامة ويناقش قضايا شائكة، ولعل هذا ما دفعه إلى التعاون مع عدد من كبار الكتاب والمخرجين المصريين، المعروف عنهم تقديمهم لدراما جادة وراقية، ومنهم الكاتب الكبير وحيد حامد ورائد الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة والكاتب الكبير محمد صفاء عامر، ومن المخرجين تعاون مع العمالقة شريف عرفة وإسماعيل عبد الحافظ وغيرهم.

موهبة مميزة :

إنجاز ممدوح عبد العليم الفني يتمثل في موهبته التمثيلية الفريدة والفذة، والتي مكنته من تجسيد مختلف الشخصيات وتقديم ألوان متباينة من الدراما، فقد قدمت أعمالاً كوميدية وتراجيدية وتاريخية، وقد أجاد تقديم كافة أنواع الدراما بنفس الدرجة، فمن يمكنه أن ينسى رامي قشوع أو رفيع العزايزي أو طارق بن زياد؟!.. ومن يمكنه أن يتصور إن كل هؤلاء جُسده من قبل ذات الممثل؟، الذي أقنعنا بإنه الكاتب الريفي الساذج، وكذا أقنعنا بإنه الصعيدي المتعصب كبير عائلة العزازية، وصدقناه في تجسيده لشخصية القائد العربي طارق بن زياد.

الجوائز والتكريمات :

امتلك ممدوح عبد العليم موهة تمثيلية فريدة ومميزة، مكنته من تجسيد مختلف الشخصيات وتقديم أنواع مختلفة من الدراما، وكان من الطبيعي والمنطقي أن ينال نصيب من الجوائز، تقديراً لموهبته المتميزة، وما قدمه من أعمال فنية هامة بعضها يعد من العلامات الهامة في تاريخ السينما المصرية، ومن أمثلة الجوائز التي نالها وأهمها:

  • جائزة أفضل وجه جديد عن دوره بفيلم قهوة المواردي.
  • جائزة أفضل ممثل من مهرجان الإسكندرية السينمائي عن فيلم الخادمة.
  • جائزة أفضل ممثل شاب عن دوره في فيلم العذراء والشعر الأبيض.

بخلاف عدد كبير من الجوائز والتكريمات التي نالها عن مشاركته بالمسلسلات التلفزيونية، والتي لعب في أغلبها دور البطولة.

حياته الخاصة :

تزوج ممدوح عبد العليم في بداية حياته من السيدة نبيلة كرم، ولكن لم يُقدر لزواجهما النجاح فقررا الانفصال، وفي وقت لاحق تلقى اتصالاً هاتفياً من إعلامية واعدة –آنذاك- تدعى شافكي المنيري، تدعوه لتسجيل حوار معه ضمن حلقات برنامج تلفزيوني تعمل عليه، ولبى عبد العليم دعوتها، ومنذ اللقاء الأول شعر بانجذابه إليها ونشأت بينهما قصة حب كللت بالزواج، وعاش الزوجين معاً حياة هادئة مستقرة تقاسما فيها كل شىء، وكان عبد العليم حين يذكر شافكي بأي لقاء تلفزيوني فإنه يتحدث عنها بكثير من الحب والامتنان، ورُزِق منها بابنتهما الوحيدة هنا، واستمر زواجهما حتى وفاته في الشهر الأول من عام 2016م.

الوفاة :

في الخامس من يناير لعام 2016م صُدم محبي النجم ممدوح عبد العليم بنبأ وفاته المفاجئة، فقد كان النجم الكبير قد توجه كعادته عصر ذلك اليوم إلى صالة الجيم بأحد الأندية، وأثناء ممارسته للتمرينات الرياضية تعرض لأزمة قلبية مفاجئة، نقل على إثرها إلى مستشفى الأنجلو بالقاهرة، وحاول الأطباء إسعافه إلا إنه فارق الحياة عن عمر يناهز 60 عاماً، وتم تشييع جثمان عبد العليم باليوم التالي لوفاته في جنازة مهيبة حاشدة، حضرها عدد كبير من الشخصيات العامة، وجمعت بين ثلاث أجيال من الفنانيين هم أساتذة وزملاء وتلاميذ النجم الراحل، الذي كان يحظى بسمعة طيبة ومكانة رفيعة في نفوس كل من قُدِر له التعامل معه، فقد شهد له الجميع بالتواضع وحسن الخلق والرقي في التعامل.

لا علي البدري بلا ممدوح عبد العليم :

كان ممدوح عبد العليم يستعد للمشاركة في الجزء السادس من مسلسل ليالي الحلمية، الذي كتبه أيمن بهجت قمر وعمرو محمود ياسين استكمالاً لآخر أجزاء رائعة الراحل أسامة أنور عكاشة، وكان من المقرر أن يعود عبد العليم إلى تجسيد شخصية علي البدري بهذا الجزء، وبعد وفاته رفض القائمون على العمل استبداله بأي ممثل آخر، وذلك لإن الجمهور لن يتقبل مشاهدة علي البدري إلا من خلال ممدوح عبد العليم ،واضطروا إلى تعديل أحداث المسلسل وحذف مشاهده منها، معلنين إن علي البدري غاب عن الشاشة في ذات اللحظة التي غاب فيها عبد العليم عن الحياة، وإن كان هذا يدل على شىء فإنما يدل على براعة الراحل ومكانته في قلوب المشاهدين.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق