تسعة شخصيات

نبوية موسى .. المتمردة على الواقع والثائرة على المجتمع

نبوية موسى .. المتمردة على الواقع والثائرة على المجتمع

سيرة حياة نبوية موسى : هي واحدة ممن امتلكوا الشجاعة للتمرد على الثوابت والخروج عن المألوف لتحقيق آمالهم.. لنتعرف لماذا أقدمت على ذلك؟، وماذا كانت دوافعها؟

نبوية موسى هي كاتبة وأديبة ومفكرة، وهي من أهم المصلحات ودعاة التنوير في أوائل القرن العشرين، وتعد نبوية موسى أول مصرية تحصل على درجة البكالوريا العلمية، وكذلك هي أول امرأة تشغل وظيفة ناظر مدرسة، وقد حملت نبوية على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق المرأة بصفة عامة، وحقها في الحصول على فرصة التعليم على وجه الخصوص، وقد نجحت في تحقيق أهدافها بنسبة كبيرة، للحد الذي مكن معه القول بأن كل فتاة مصرية متعلمة في وقتنا الحالي، تدين بالفضل -بشكل أو بآخر- إلى هذه السيدة.

نبوية موسى .. من هذا ؟

نبوية موسى هي واحدة ممن امتلكوا الشجاعة للتمرد على الثوابت والخروج عن المألوف لتحقيق آمالهم.. لماذا أقدمت على ذلك؟، وماذا كانت دوافعها؟ وما الأثر الذي أحدثتها؟.. كلها أسئلة لا يجاب عنها إلا باستعراض السيرة الذاتية لـ نبوية موسى

الميلاد والأسرة :

في محافظة الشرقية المصرية وتحديداً في قرية الحكما بمركز الزقازيق ولدت نبوية موسى ،وكان ذلك في السابع عشر من ديسمبر لعام 1886م، وهي تنتمي لأسرة ميسورة الحال، فوالدها كان ضابطاً بالجيش المصري برتبة يوزباشي، وكان يمتلك بضعة فدادين بمحافظة الشرقية، يزرعهم لصالحه بضعة مواسم ويؤجرهم لصغار المزارعين في مواسم أخرى، ولكنه سافر إلى السودان قبل ميلاد نبوية بشهرين، وهناك انقطعت أخباره فنشأت بذلك نبوية موسى يتيمة الأب، الذي عوضها الله عز وجل عنه بشقيقها محمد الذي كان يكبرها بعشر سنوات، وبعد غياب الأب انتقلت الأسرة بالكامل إلى العاصمة القاهرة، وكان مصدر دخلها هو معاش الأب وقيمة إيجار الأطيان الزراعية.

التعليم الذاتي :

رحلة نبوية موسى مع التعليم بدأت من المنزل، وتشير العديد من الروايات إنها من سعت إلى تعليم نفسها بنفسها، بالتأكيد تلقت مساعدات خارجية متمثلة في شقيقها، الذي علمها مبادئ القراءة والحساب، وكانت هي تستغرق ساعات طويلة في محاكاة النصوص المكتوبة، كي تتقن القراءة بشكل تام، وفي ذات الوقت كانت تحاكي تلك النصوص لتنمي مهاراتها الكتابية.

التعليم الأكاديمي :

لم تقنع نبوية موسى بما تعلمته من مبادئ، وكانت لديها رغبة في تعلم المزيد، وعليه قررت وهي في سن الثالثة عشر الالتحاق بمدرسة السنية للبنات، على الرغم من أن خطوتها هذه لم تلق دعماً أو قبولاً من أسرتها، واستمرت نبوية في التنقل بين المراحل التعليمية، حتى حصلت في النهاية على دبلوم المعلمات، وشغلت وظيفة معلمة لمدة سنتين، عادت بعدهم لاستكمال مشوارها الدراسي، فنالت درجة البكالوريا، وهي شهادة مرموقة توازي الشهادات الجامعية في زمننا المعاصر، وكانت نبوية هي أول فتاة تحصل على هذه الشهادة في مصر، وهو ما أهلها لشغل وظيفة ناظر مدرسة، لتكون بذلك أيضاً أول سيدة تشغل مثل ذلك المنصب.

الفعل لا القول :

اعترفت نبوية موسى في العديد من كتاباتها بتأثرها الشديد بأفكار قاسم أمين، باعتباره من أوائل من دعوا إلى ضرورة تحرير المرأة، ورد حقوقها التي سلبها المجتمع إياها بعاداته وتقاليده، وأفكاره التي تحمل التفرقة بين ابناء الوطن على أساس النوع، ولكنها في الوقت ذاته قالت بإنها رفضت أن تنتهج نهجه، فقد كانت تؤمن بإن لديها القدرة على القيام ما عجز عنه قاسم أمين، ألا وهو عدم الاكتفاء بتدوين أفكارها والدعوة إليها، إنما ستقوم بتطبيق هذه المفاهيم والأفكار على نفسها، وبهذا تكون قد روجت لأفكارها بالفعل لا بالقول فقط، فتكون دعوتها بذلك أشد تأثيراً على المجتمع وأكثر تحميساً بالنسبة لنساء وطنها، إذ إنهن سيجدن فيها نموذجاً حي يحتذى بها، وواقع يمكن الاسترشاد به وليس مجموعة آراء ونظريات مدونة على صفحات الكتب فحسب.

رفضها فكرة الزواج :

عدم زواج نبوية موسى وتأسيسها لأسرة لم يكن أمراً قدرياً، إنما كان قراراً قد اتخذته في طفولتها وأصرت عليه في شبابها، وكانت دوماً تخبر المحيطين بها بإن فكرة زواجها ليست مطروحة من الأساس، ثم انطلقت من دائرة معارفها الضيقة إلى الدائرة الأوسع وهي المجتمع، فأعلنت رفضها لفكرة الزواج من خلال العديد من كتاباتها، والسر في ذلك هو إن نبوية موسى كانت ترى إن الزواج في المجتمع الشرقي، هو بمثابة استعباد للمرأة على يد الرجل، حتى إنها كانت تقول إن حين يحدثها أحد ما في فكرة الزواج كانت تشعر وكأنه قد وجه لها سبة، وبالبحث عن دافعها إلى رفض فكرة الزواج بذلك الشكل الصارم والمطلق، سنجد إنها قد روت في إحدى كتاباتها حادثة قد تكون هي دافعها نحو ذلك، إذ شاهدت نبوية وهي بداية شبابها مشاجرة بين رجل وامرأة، تبينت فيما بعد إنهما زوجان، وإن الرجل الهمجي قد أنهال على زوجته بالضرب ونعتها بأبشع الألفاظ، وكان من بينها ما يشير إلى إنها في نظره ليست سوى أداة للمتعة والإنجاب، ويبدو إن ذلك المشهد ظل راسخاً في ذاكرة نبوية موسى ،وهو ما دفعها لاتخاذ قرارها بعدم الزواج خشية أن تتعرض للمهانة التي تعرضت لها تلك السيدة.

إنجازها وأثرها :

الإنجاز الحقيقي الذي حقققته نبوية موسى من خلال رحلة نضالها طويلة المدى، هو إنها جعلت تعليم البنات في مصر أمراً طبيعياً وضرورياً، ففي السابق لم تكن الأسر المصرية تولي اهتماماً بتعليم الإناث، وإن حدث وألحقوهن بالمدارس فالنسبة الغالبة منهن لا يستكملن تعليمهن، ولكن نبوية موسى جعلت قضية تعليم المرأة أهم قضاياها، إذ كانت ترى إن ذلك هو السبيل الوحيد لخلق جيل واع من الإناث، يدرك ما عليه من واجبات وكذلك يعرف ما له من حقوق.

تخليد ذكرى نبوية موسى :

الشعب المصري والعربي بصفة عامة والنساء على وجه الخصوص، تفانوا في إظهار الامتنان لشخص نبوية موسى ،وقاموا بذلك بعددة طرق وبأشكال مختلفة، من بينها:

  • إطلاق اسم نبوية موسى على العديد من الشوارع، كما أطلق على عدد كبير من المدارس وخاصة المدارس المخصصة لتعليم الإناث.
  • تم تضمين المناهج التعليمية المصرية للمراحل المختلفة دروساً عن نبوية موسى لتكون مثالاً يحتذى به.

على الجانب الآخر تم تناول سيرة نبوية موسى ورحلتها النضالية من أجل حقوق المرأة من خلال العديد من الدراسات، وورد ذكرها في العديد من الكتب الموسوعية، الراصدة للشخصيات الأكثر تأثيراً في التاريخ المصري والعربي، ومن أمثلة ذلك:

  • رجال ونساء من مصر للكاتب لمعي المطيلعي.
  • رسائل الذاكرة.
  • نبوية موسى ودورها في الحياة المصرية للكاتب محمد أبو الإسعاد.

الوفاة :

تعرضت نبوية موسى وهي في عمر الستين تقريباً لوعكة صحية شديدة، اختلف المؤرخون في تحديد نوع المرض بدقة، ولكن الأمر المثبت لدينا، هو إنها قد توفيت متأثرة به، وكان ذلك في الثلاثين من شهر إبريل 1951م، وقد شُيع جثمانها إلى مثواها الأخيرة بالقاهرة، في جنازة مهيبة حرص على حضورها العديد من الشخصيات البارزة بالمجتمع المصري آنذاك، وعدد كبير من النساء اللواتي حصلن على قدر وافر من التعليم والحقوق بفضل جهودها.

إرث نبوية موسى واستمرار النضال :

نضال نبوية موسى من أجل حقوق المرأة وتحقيق مبدأ المساواة، لم ينتهى بموتها وربما هي بنفسها كانت قد خططت لذلك، فقد دعت إلى تأسيس العديد من الجمعيات النسوية، كما شاركت في تأسيس عدد آخر من الجمعيات ذات نفس الطبيعة، وهذا كله بخلاف إسهاماتها الفعالة في تأسيس الاتحاد النسائي المصري، والذي تم وضع حجر الأساس له في إبريل عام 1931م وتم افتتاحه رسمياً بالعام التالي مباشرة، ولا يزال هذا الاتحاد يعمل حتى يومنا هذا على تمكين المرأة من حقوقها، والعمل على تصحيح أوضاعها داخل المجتمعات الشرقية بصفة عامة.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق