تسعة شخصيات

مايكل فاراداي .. مبتكر الموتور الذي علم نفسه بنفسه

مايكل فاراداي .. مبتكر الموتور الذي علم نفسه بنفسه

مايكل فاراداي .. من هذا : بالرغم من وفاته قيل 150 سنة، لكن الأثر الذي أحدثه في حياتنا لا يزال مستمراً، فمن يكون وكيف كان طريقه نحو هذا الإنجاز العلمي؟

مايكل فاراداي للآسف لا يحظى بشهرة علماء مثل أديسون أو جرهام بل، على الرغم من إن إسهاماته العلمية لا تقل عن إسهاماتهم أهمية، فجميعنا ندين لهذا العالم العظيم بالفضل، طالما أننا نتمتع ونستفيد من التطور التكنولوجي والصناعي الذي يشهده عصرنا، فإن كل شئ في حياتنا بات يرتكز في تشغيله على موتور يولد له الطاقة، ويكفي القول بأن أول موتور كهربي عرفته البشرية كان يحمل توقيع مايكل فاراداي

مايكل فاراداي .. من هذا :

رحل مايكل فاراداي قبل قرن ونصف من الزمان تقريباً، لكن الأثر الذي أحدثه في حياتنا لا يزال مستمراً، فمن يكون هذا الرجل؟ وكيف كان طريقه نحو هذا الإنجاز العلمي؟

الميلاد والمعاناة :

في الثاني والعشرون من شهر سبتمبر لعام 1791م وُلِد مايكل فاراداي ،وذلك في مقاطعة نيوونيجتون بنس في إنجلترا، ونشأ في ظل أسرة تعاني من الفقر وصعوبة المعيشة، فقد كان والده عاملاً فقيراً ومايكل هو الابن الرابع له، وهو ما أدى إلى جعل نشأة فاراداي تتسم بالقسوة والصعوبة، ففي حين كان أقرانه يقضون ساعاتهم في اللهو، كان هو يخرج إلى العمل ليعين عائلته الفقيرة على صعوبات المعيشة، وكان عمله الأول هو صبي في أحد محلات تجليد الكتب، والذي التحق به وهو في الرابعة عشر من عمره تقريباً.

التعليم الذاتي :

في الطفولة لم يحظ مايكل فاراداي بفرصة جيدة للتعليم، وذلك لأن التعثر المادي لعائلته حال دون استمراره بالمدرسة الابتدائية، بل إنه عوضاً عن ذلك تم إلحاقه بالعمل بإحدى محلات تجليد الكتب، مما اتاح لفارادي فرصة تعليم نفسه بنفسه، فلم يستطع السيطرة على نهمه إلى العلم والمعرفة، ومن ضمن الكتب التي وقعت بيده خلال فترة عمله كتاب “تحسين العقل” للكاتب إسحاق وات، ومن ثم بدأ في تطبيق ما جاء به من قواعد ونظريات، فرأي في نفسه شغفاً للعلم وبصفة خاصة علوم الكهرباء، ومن ثم عرف الطريق الذي عليه أن يسلكه لتحقيق ذاته.

تأثير همفري دافي في حياته :

حين بلغ مايكل فاراداي عمر العشرين كان شغفه بالعلم والمعرفة قد بلغ ذروته، وكان دائم التردد على قاعات المحاضرات والندوات العلمية، وخاصة تلك التي يحاضر فيها الكيميائي همفري دافي، وكان حريص على تدوين كل معلومة ينطق بها هذا الرجل، وبعد حضوره عشرات المحاضرات كان مقدار معرفته بعلم الكيمياء لا يقل عمن درسوها أكاديمياً بالفعل، ومن ثم جمع كل ما ورد في محاضرات همفري في كتاب من ثلاثمائة صفحة، بعد أن قام بتلخيصها وفهرستها، وقام بإرسال هذا الكتاب إلى همفري الذي أعجب به وبصاحبه، فأرسل في طلبه وقام بتعيينه مساعداً له في المؤسسة الملكية للعلوم، فتتلمذ على يديه وعرف منه ما كان ينقصه، ومن هنا بدأت رحلة مايكل فاراداي الحقيقية مع البحث العلمي.

تأثير سارة برنارد :

مايكل فراداي كان شخص عبقري بالمعنى الأصلي للكلمة، والعبقرية مثل النبات كي تنمو لابد أن تروى بالاستقرار في الحياة الشخصية، وهنا ينبغي أن نذكر اسم السيدة سارة برنارد، الحب الأول والأوحد في حياة عالمنا العبقري مايكل فراداي ،وهي قصة حب من طراز فريد ونادر، فمن الصعب أن تجد امرأة يمكنها التأقلم مع عبقرية فراداي وسماته الشخصية، وخاصة بالنظر إلى انشغاله الدائم بالبحث العلمي، ولكن السيدة سارة برنارد تمكنت من إحداث التوازن بين حياتي فراداي العلمية والشخصية، وقد كان زواجهما في الثاني من شهر يونيو لعام 1821م، ودام هذا الزواج حتى وفاة طرفيه رغم إنهما لم ينجبا، وكان مايكل فراداي دائم الذكر لاسم سارة أمام الجميع، وكان دوماً ما يصفها بإنها مصدر السعادة في حياته، وإنه دوماً ما تدفعه إلى الأمام وإن في كل الأحوال لها الفضل في جزء مما حققه.

لقاء مساء الجمعة :

مايكل فاراداي الإنسان لم يكن يقل روعة عن مايكل العالم الفذ، فهو شخص لم تعرف عنه الأنانية أو الغرور، الذي عادة ما يصيب أشخاص أقل منه قدراً ومكانة، بل إنه كان يرى إنه حامل رسالة سامية وعليه تبليغها، ورسالته كانت التنوير ونشر العلم، ولهذا ورغم انشغاله الشديد بأبحاثه ودراساته والمناصب التي تولاها، حرص على تخصيص مساء يوم الجمعة للعمل التطوعي، فكان يعقد ندوات مجانية لتعليم كل راغب في العلم والفقراء بصفة خاصة، وقد أطلق على هذه الندوات اسم “لقاء يوم الجمعة”، ويقال إنه طوال الفترة التي عمل بها بالبحث العلمي، لم ينقطع عن عقد هذه الندوات ولو لمرة واحدة.

نجاح هذه الفكرة حفز مايكل فاراداي لتطويرها، فقرر إقامة لقاءات علمية أخرى تمتاز بالبساطة الشديدة، وذلك لأن المستهدف منها هو الطفل، فكان يقيمها في فترات الإجازات الصيفية، وبالفعل نجحت هذه الفكرة هي الأخرى وانجذب الأطفال إلى فارادي، فكانوا يستمتعون جداً بمحاضراته، إذ أنه كان يقدم له أعمق المعاني وأعقد النظريات بأسلوب سهل وبسيط.

الموتور الكهربي :

من الظلم البين أن نوجز ونختصر إنجازات مايكل فاراداي العلمية في ابتكاره أول موتور كهربي، ولكن من الظلم أيضاً ألا نعتبره أهم إنجازاته، والسر في هذا التصنيف هو إن مدى التأثير الذي أحدثه هذا الابتكار، فإن الثورة الصناعية والتكنولوجية التي نحياها اليوم، الفضل الأول فيها يعود إلى رجل واحد هو عالمنا الفذ مايكل فاراداي ،ويشاركه هذا الفيزيائي هانز كريستين ورستد الذي اكتشف ظاهرة الكهرومغنطيسية، والتي استفاد فارادي من نظرياته واستغلها في تنفيذ أول موتور أحادي القطب تعرفه البشرية.

الجدال حول أول موتور :

البعض يذهب إلى أن الموتور الأول كان من تنفيذ البريطاني هيول ولستون، ولكن هذا القول مردود عليه بأن ولستون هو صاحب التجربة الأولى، بينما مايكل فاراداي هو صاحب أول تجربة ناجحة، خرجت من حيز التصميم الورقي والنظرية الافتراضية، إلى حيز التطبيق والتنفيذ العملي، وهو ما يجعله دون منازع العالم صاحب أول موتور في التاريخ الإنساني.

الوفاة :

حين بلغ مايكل فراداي مرحلة الشيخوخة لم يكن نهمه للعلم قد توقف، ولكن قدراته الجسمانية وحالته الصحية لم يمكناه من المواصلة، ورغم إن مفارقة البحث العلمي كان أمر صعب عليه، إلا إنه استسلم للأمر الواقع بقناعة تامة، ورضي بتمضية السنوات المتبقية من عمره في سلام وهدوء، خاصة وإن بعض المصادر تؤكد إنه قد عاني خلال هذه المرحلة من تردي حالته النفسية، وهي حالة نادرة تنتج عن شدة الإرهاق العقلي.. مكث في منزله الواقع في ساحة هامبتون، وتوفي بداخله في الخامس والعشرون من أغسطس لعام 1867م، أي قبل إتمامه لعامه السادس والسبعون بشهر واحد تقريباً، وقد قام بنعيه العديد من المشاهير في مجالي السياسة والعلم، وتم تشييع جثمانه إلى مدافن هاد جات الإنجليزية.

تكريم مايكل فاراداي :

عاش مايكل فاراداي أغلب حياته في الظل، فحتى مع النجاحات المتتالية التي حققها والنتائج العلمية المبهرة التي توصل لها، لم يطمح أو يطمع في حياة الأضواء، وقد رفض أكثر من وسام تم ترشيحه لنيله أبرزهم وسام الفروسية، وكذلك رفض تولي منصب رئيس الجمعية الملكية بلندن، خشية أن يتغطى عمله الإداري على كينونته الحقيقية كباحث، ولكن رجل في قامة فراداي ما كان من الممكن ألا يتم تكريمه، حتى ولو كان هذا ضد رغبته، وبعد رحيله تم تخليد اسمه وذكراه بطرق عِدة منها:

  • تم إقامة تمثال لفارادي في ساحة معهد الهندسة والتكنولوجيا بلندن.
  • أقيم نصب تذكاري له في نيوونيجتون بنس وهي مسقط رأسه.
  • تم إطلاق اسم مايكل فاراداي أيضاً على حديقة بمنطقة وولورث بلندن، هذا بجانب العديد من الشوارع الحاملة لاسمه بمختلف المدن البريطانية.
  • كذلك تم إطلاق اسمه على العديد من القاعات بمختلف الجامعات.

سيرة حياة

أضف تعليق