تسعة مجهول
بابلو إسكوبار
الرئيسية » جريمة » بابلو إسكوبار : أشهر مهربي المخدرات في العالم

بابلو إسكوبار : أشهر مهربي المخدرات في العالم

بابلو إسكوبار الكولومبي واحدة من أشهر مهربي المخدرات في العالم، ويعتبر أسطورة في الوقت الحالي بسبب عمليات التهريب التي كان يديرها لحسابه ويشرف عليها.

بابلو إسكوبار الكولومبي واحدة من أشهر مهربي المخدرات في العالم، ويعتبر أسطورة في الوقت الحالي بسبب عمليات التهريب التي كان يديرها لحسابه ويشرف عليها. تاريخ الجريمة وصانعيه لن ينتهي أبدًا، فقد بدأ مع بدء التاريخ وحين كُتب اجتماع النقيضين على البشرية فالضوء يُعرف بالظلام، والجمال يُعرف بالقبح وكذلك الخير فما كنا لنعرفه إلا لو عرفنا الشر والجريمة، وفي عالمنا فالشر والجريمة نهجٌ ينتهجه البعض في حياته كغايةٍ أو كسبيلٍ للوصل إلى غايتهم الأكثر شرًا وفسادًا، بعض البشر تدفعهم ظروف الحياة لاعتناق الجريمة مرةً تلو الأخرى حتى يصبحوا من روادها وربما أعلامها رغم أن ذلك لا يمكن أن يعد عذرًا للفظائع التي ترتكبها أياديهم الآثمة، لكن ما ذكرناهم إلا إبرازًا لنقيضهم وغيرهم وهم الذين يوجدون بالشر في داخلهم ويختارون بأنفسهم طريق الجريمة غير عابئين بكون طريقهم للقمة التي يرجونها مبللٌ بدماء وجثث ضحاياهم التي قد تصل أعدادهم للملايين أحيانًا، هنا نعرض حياة واحدٍ منهم منذ بداية اختياره طريقه حتى النهاية المهلكة التي أودت بحياته، لكن خلال سنوات عمره الأربعة وأربعين كان سببًا في إدمان وموت الآلاف وربما الملايين ولم يكن عابئًا بذلك، بل إنه مات بيدين ملطختين بدماء كل من عارضه ووقف ضده محاولًا إيقافه عند حده، بابلو إسكوبار .. أحد مفاتيح عبور الكوكايين للولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ لم يحلم به أحدٌ من كل المدمنين الذين كان سببًا في أخذهم الطريق السريع للموت بلا ذرةٍ واحدةٍ من تأنيب الضمير.

بابلو إسكوبار : نشأته وحياته

بداية حياته ونشأته

كانت بداية حياته ونشأته عاديةً وتقليديةً جدًا وهادئة، فقد ولد لأحد فلاحي كولومبيا وأمه كانت معلمةً ابتدائيةً بسيطة، عاش في الريف وعشقه حتى آخر قطرةٍ في دمه وكان شديد الارتباط ببلاده وأرضه رغم أن أعماله اتخذت مسارًا يناقض ذلك تمامًا، كان واحدًا من أولئك الأذكياء الطموحين وللعجب أن أغلب المجرمين والسفاحين الكبار هم أذكياءٌ وأصحاب طموحٌ أقل ما يقال عنه أنه كان مدمرًا، ولكن ذلك أمرٌ طبيعي فهؤلاء المجرمون لو فقدوا الذكاء في خطوةٍ واحدةٍ فقط من خطواتهم وتحركاتهم لانتهت سيرتهم تمامًا وسقطوا للجزء المظلم المجهول من التاريخ بدون أن يسمع عنهم أحد، لكنهم كانوا بذكائهم وقدرتهم العالية على النظر للأمور من منظورٌ مختلف قادرين على السير عكس التيار ومحاربة المجتمع بأكمله بجريمتهم وتخليد ذكراهم عبر التاريخ بلا فرقٍ بين إن كانوا صالحين أو أشرار، فالتاريخ لا يحكم على أحد وإنما هو يخلد الذين ارتكبوا ما استحقوا به أن تذكرهم الأجيال من بعدهم حبًا أو رهبة لا فرق، وهذا ما كان عليه بابلو إسكوبار الصغير الذي كان دخل أسرته البسيطة المتواضعة أقل من طموحاته وأحلامه وما يريد، ولسوء الحظ لم يكن ذكائه يجد له مكانًا في المدرسة وبين المناهج التعليمية فهجر التعليم، حتى أنه يُقال أن ابنه قال ذات مرة أن والده لم يكن يجيد الحساب ولم يكن على درايةٍ بكامل ثروته بدقة.

الاتجاه للجريمة

كان عدم رضاه المادي بدايته للاتجاه للسرقة واحترافها مع الوقت وزيادة إمكانياته في القيام بها حتى وصل لسرقة السيارات وكان متميزًا فيها، لكن السرقة برغم ما تعطيه من أموالٍ لم تبدُ له مرضيةً وقتها لم تكن شافيةً لتعطشه للشر والجريمة ولم تكن آخر طموحاته فاتجه لرتبةً أعلى في الجريمة والدخل من السرقة وكانت أن أصبح قاتلًا مأجورًا اعتمد عليه كُثرٍ في تصفية أعدائهم ومنافسيهم وصار يحصل على دخله من هنا ومن هناك، من السرقة حينًا ومن القتل أحيانًا أخرى، ذاع صيته وانتشر شره وعُرف بذكائه ونظرته الحادة التي ترى الأمور بغير أعين بقية الناس فيجد حلولًا ومخارج قد يغفل جيشٌ من المفكرين عن رؤيته في بعض الأحيان، وكانت دمويته حادةً كالسيف تجز كل ما يقف في طريقه بلا رحمة، كل تلك العوامل جعلته في خلال عدة سنواتٍ يترقى أعتى مراتب الشر ويبدأ طريقه للقمة، عندها وجد طريقًا أفضل وأسهل وأسرع في جني الأموال بل إن ما كان يجنيه من القتل بالأجرة والسرقة صار ملاليمًا قليلة بجانب تجارة المخدرات وبخاصةٍ الكوكايين عبر تهريبها وتوفيرها لطلّابها، ولم يكن صاحب هدفٍ وتطلعاتٍ محليةٍ أو في حدودٍ ضيقة وإنما كانت بدايته خير دليلٍ على طموحه الكبير، تأسيس امبراطوريةٍ عالميةٍ لتجارة المخدرات والكوكايين.

ملك الكوكايين

بدأ بابلو إسكوبار سيرته المهنية التي قادته للتخليد في التاريخ كأحد أكبر وأشهر مهربي المخدرات عبر العصور كلها بدفعةٍ أولى من الكوكايين قام بتهريبها عبر طائرةٍ من كولومبيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كانت النظرية التي بدأ أعماله بالاعتماد عليها هي كون الولايات المتحدة أكبر دول العالم استهلاكًا وطلبًا للمخدرات والكوكايين بوجهٍ خاص، كما أن الكوكايين في ذلك الوقت كان مهنة الأثرياء وما قل عنه قلت التجارة فيه وقل العائد منه، واستنادًا على ذلك كانت الولايات المتحدة أولى وجهات دفعاته المهربة من الكوكايين والتي وصل الكيلو جرام الواحد منها في ذلك الوقت عدة عشراتٍ من ألوف الدولارات، وكما هو متوقع فقد جمع بابلو إسكوبار ثروةً صغيرةً تقدر بعدة ملايين بعد عدة رحلاتٍ فحسب كانت هي سبيله لثروته الكبرى، كان أسلوب تهريبه للكوكايين لداخل الولايات المتحدة متميزًا وذكيًا ما جعل الأمر سهلًا ويسيرًا عليه هو وعصابته الشهيرة عصابات مديين التي كانت متخصصةً في تهريب المخدرات وتجارتها وكبرت معه وعلى يده، بدأت بعد ذلك أعماله في التوسع وبدأ بالتعاقد والتعاون مع أشهر وأكبر مهربي المخدرات في كولومبيا وكانت فلوريدا وجزر الباهامس محطتهم وورقتهم الرابحة التي يلجؤون إليها لتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة بعيدًا عن أعين السلطات الأمريكية وسطوتها، بل وصل بهم الأمر بسبب ازدهار أعمالهم وقيام عمليات شحنٍ وتهريبٍ يومية بمليارات الدولارات لشراء جزرٍ خاصةٍ كاملة تابعة لهم لجعلها محطات هبوطٍ لطائراتهم المهربة وبوابة دخولٍ لأميركا، وكان طبيعيًا مع الدخل اليومي المقدر بالملايين الذي يحصل عليه بابلو وعصابته من الكوكايين أن يقوموا بالتورط في تبييض الأموال للحفاظ على ثرواتهم وتنميتها والعمل على ازدهارها.

الإمبراطور يتوحش

على يد بابلو إسكوبار وعصابات مديين أصبحت الولايات المتحدة تواجه خطرًا حقيقيًا من تجارة المخدرات وأعداد المدمنين الصاعدة لوجود الموفر لهم، وبدأت الأمور في التعقد فبعد أن كانت السلطات الأمريكية تواجه عصاباتٍ صغيرة من تجار المخدرات الذين تستطيع إيقاف بعضهم عند حدهم، صارت الآن تواجه عصابةً كبيرةً ومجرمًا متوحشًا استغل كل السبل والطرق للوصول لعرشه كملك الكوكايين عبر العالم وهو يحارب ويصر على الاحتفاظ بمكانته تلك، فأصبح بابلو إسكوبار من عرشه المرصع بالمخدرات هناك في كولومبيا التي رفض مغادرتها وأصر على حكم عالم المخدرات من موقعه فيها يسيطر على السوق السوداء للمخدرات في أميركا كلها، وحول تجارة المخدرات من جهود عصاباتٍ صغيرةٍ فردية لمنظمةٍ وامبراطوريةٍ متوحشة تمد أذرعها عبر القارة كلها وتتحول إلى مافيا المخدرات، وبطبيعة الحال ومع كل ما حققه بابلو إسكوبار أصبح أشهر من نارٍ على علم خاصةً في عالم الجريمة وملوك المخدرات الذين تهدد امبراطوريته عروشهم فبرز له العديد من المنافسين والأعداء، وكانت السلطات الأمريكية تحاول التغاضي عن الامبراطورية المتنامية الأرجاء يومًا بعد يوم في بعض الأحيان، لكن جاء اليوم الذي بدأت بالتدخل فيه رسميًا وعرفت الخطر الحقيقي المحدق به والواجب عليها إيقافه عند حده قبل أن يلتهم القارة كلها، كان ذلك يوم الحرب التي قامت بين رجال عصابات بابلو المسيطرة في أميركا وعصاباتٍ أخرى كان لها يومًا السيطرة على تجارة المخدرات في ميامي والتي تعرضت أرباحها وتجارتها للتهديد والخطر بسبب ازدهار أعمال بابلو وعاصبة مديين، كانت المواجهة حادةً ودامية راح ضحيتها ما يزيد عن المائة فرد ولا داعي لذكر الفائز في تلك المواجهة، حينها قررت السلطات الأمريكية أن بابلو إسكوبار بحاجةٍ لمن يكبح جماحه.

الوجه الذي رآه العالم حينها من بابلو سكوبار

في الوقت الذي كان عالم الجريمة والسلطات على علمٍ بحقيقة بابلو إسكوبار فلم يكن العالم يرى إلا وجهًا آخر رائعًا ولامعًا له ولم يخطر على بال أحدٍ خاصةً من الفقراء والبسطاء أن يشكك فيه، برز بابلو للعالم على هيئة رجل أعمالٍ نظيف بل في الواقع كواحدٍ من أغنى رجال الأعمال في ذلك الوقت في العالم، كان يدعي أن أمواله جاءت بعرق جبينه وتعبه وكده واجتهاده وأن ثروته هي ثمرة العمل الجاد الذي تكبده طوال حياته، ولم يكتفٍ بذلك قط بل بدأت أعماله الخيرية اللامعقولة بالتوسع والانتشار خاصةً في أنحاء كولومبيا بلده الأصلي الذي أحبه كثيرًا وأنفق جزءًا غير يسيرٍ من ثروته في خدمته وخدمة أولاد بلده، كانت أعماله الخيرية على كل لسان وكسبت له محبة الجماهير الغفيرة من الفقراء والمحتاجين الذين طالتهم يد العطاء التي مدها إليهم، فبنى البيوت والكنائس والمدارس والمستشفيات وساعد الفقراء والمحتاجين وقدم خدماتٍ كثيرةٍ لبلاده وخاصةً لفرق كرة القدم وهي الرياضة التي عشقها منذ الصغر، وكان يبذل المال غاليًا لشراء كل المواهب التي يجدها والحرص على ضمها للمكان المناسب لها، وغير ذلك فقدم خدمةً أكبر لأبناء بلده أن كان يساهم بأعماله وحاجته للعمالة بالقضاء على البطالة فقام بتجنيد الكثيرين منهم إما لحمل السلاح وإما للتجارة.

بداية سلاسل الاعتقال

كان من الطبيعي بشخصٍ مثل بابلو وصل للمكانة والثروة التي حلم بها وحصل على دعم الشعب والفقراء وحب الناس أن يتجه بأنظاره للسياسة ويحلم بخوض عالمها والترقي فيه، لربما كان يحلم بأن يحكم العالم أيضًا كما حكم عالم الكوكايين، وكانت تلك الخطوة بابًا من أبواب الجحيم التي فتحها على نفسه وعلى كثيرٍ من ضحاياه، فعندما بدأ بابلو إسكوبار الخوض في عالم السياسة على هيئة رجل الأعمال الناجح النظيف بدأت تتجه إليه أنظار الصحافة والمعارضة والمنافسين السياسيين له، برغم ذلك فقد ترشح لمجلس النواب وفاز بمقعدٍ لنفسه وأصبح نائبًا رسميًا وعضوًا للبرلمان، لكن كل تلك العيون المراقبة ما لبثت أن وصلت لحقيقة ثروته وأمواله التي حصل عليها من تجارة الكوكايين وكشفت القناع الزائف عن الوجه الحقيقة لذلك المجرم، ما أفقده كثيرًا من شعبيته لكن برغم ذلك لا نستطيع الادعاء بأن بابلو فقد كل محبيه والداعمين له، فالبعض كانت يد عطائه قد طالتهم بما زاد عن قدرتهم على رفضها ورفضه، وفي أحد الأعوام ِأطلق المدعي العام حملةً ضخمةً عنيفةً للقضاء على تلك التجارة والعصابة ونتج عنها خساراتٌ ماليةٌ جسيمةٌ لبابلو وعصابته وهو شيءٌ جعل من المدعي العام رقم واحد على قائمة الاغتيالات، كان بابلو عنيفًا وقاسيًا لا يعرف الرحمة أبدًا وكان معروفًا بقوته وجبروته في التخلص من كل من يقف في طريقه أو يسبب له الضيق أو الإزعاج أو يحاول اعتراض طريقه، كان لديه خياران لا ثالث لهما أحدهما الرشوة فكان يشتري ذمم الرجال واشترى ذمم الآلاف من رجال الشرطة والسياسيين ورجال الجيش ولم يكن يتوان عن بذل الملايين لشراء ولائهم التام له، لكن من كان يرفض الرشوة فهو يزج بنفسه في قائمة الاغتيالات التي أخذت تكبر يومًا بعد يوم وطالت الآلاف من الرجال من كل الأنواع، والمناصب، حتى أن قائمة اغتيالاته مرصعةٌ بأسماء ثلاثة مرشحين للرئاسة اغتيلوا على أيدي رجاله بأمرٍ منه.

مطلوبٌ دوليًا

صار استهلاك الولايات المتحدة الأمريكية للكوكايين وأعداد المدمنين في تزايدٌ مرعب وحققت أرقامًا أعلى وأكبر من أي وقتٍ مضى عبر تاريخها وصارت تتصدر العالم باكتساح في التجارة والاستهلاك معًا، ومع تصاعد تلك الأزمات والعجز الواضح من السلطات السيطرة على ذلك الوضع الجنوني صار بابلو إسكوبار مطلوبًا رسميًا من السلطات الكولومبية والأمريكية معًا، فأصبحتا حكومتين ودولتين ضد رجلٍ واحدٍ وامبراطوريته السوداء، بدأت الحرب تزداد حدةً وشراسةً بين الحكومتين وبابلو وصار أعداد الضحايا في ازدياد وبدأت كولومبيا تحقق أعلى معدلات الجريمة بين دول العالم وطالت قائمة الاغتيالات كل رجال الحكومة والقضاة والمحامين والصحفيين وكل من عارض بابلو حتى إن كان طفلًا صغيرًا يتم القضاء عليه، حتى أن وزير العدل نفسه لم يكن أكبر ولا أبعد من تلك القائمة فراح ضحيتها، صحيحٌ أن بابلو كان يعمد لإظهار جانبٍ متعاطفٍ للفقراء ولشعبه لكن حين يأتي الأمر لتهديد مصلحته الخاصة فلم يتردد لحظةً واحدةً في تفجير طائرةٍ عليها مئات الركاب الأبرياء بغرض قتل عدة أفرادٍ لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة صعدوا على متن تلك الطائرة! كانت أفعاله تصيب السلطات بالجنون فتدفعهم لتكثيف الجهود للبحث عنه ومحاولة السيطرة عليه هو وعصابته ما أفقده الكثير من الأموال عبر إخفاقاتٍ كثيرة تكبدها نتيجة حملاتٍ من السلطات عارضت رحلات تهريب، ما جعله يصاب بالجنون بدوره ويزداد دمويةً وشراسةً ويعلن حمام دمٍّ مفتوحٍ وقوده كل معارضيه لا يستثني منهم أحدًا، كانت تلك الفترة المتأججة بنيران تلك الحرب واحدًا من أسباب تغير سياسات الحكم وتاريخ كولومبيا كله، وبلغ حجم جرمه وجبروته أن الأصوات التي تصاعدت قبلًا مطالبةً بإيقافه عند حده والقبض عليه هو وعصابته بلغ بها الفزع والرعب من الجرائم التي حدثت أن بدأت تطالب بالهدنة وبأن تحاول الحكومتان أن تصلا للتسوية والاتفاق مع بابلو وامبراطوريته لوقف حمام الدم، فكان بابلو من قوته جعل من نفسه بأنظار العالم ندًا لحكومتين بكل رجالهما عجزتا عن كبح جماحه.

لكن لكل جوادٍ كبوة

برغم كل تلك الأهوال والفظائع التي ارتكبها والقوة التي اشتهر بها إلا أن السلطات الأمريكية كانت تبذل قصار جهدها في القضاء على أطراف امبراطوريته فوقع الكثير من رجاله في يد الحكومة وتم القبض عليهم وخسر بابلو بخسارتهم سيطرته على تلك المناطق، غير أن حربه للبقاء وتحدي الحكومات والقضاء على المعارضين كانت سببًا كبيرًا في تراجع تجارته وخسارتها بعض الشيء مع الوقت، وظل الأمر بين شدٍ وجذب حتى وقع ليال فريلي أكبر رجال بابلو والذي كان أكبر المسئولين عن عمليات التهريب لأميركا في قبضة السلطات، كان أحد رجال فريلي خائنًا له وعلى تواصلٍ مع الشرطة حتى حانت اللحظة فتم القبض عليه وكان فريلي وما اعترف به سببًا في بداية انهيار البنية التحتية لامبراطورية بابلو إسكوبار في الولايات المتحدة الأمريكية، فاعترافات فريلي بدأت تسوق بكبار رجال بابلو إلى السجن وتكشف عن أماكن الكوكايين وتسبب في خسارة بابلو إسكوبار ملايين الدولارات، وتم استخدامه عبر الحكومة للتواصل مع مهربي المخدرات الآخرين والإيقاع بهم فكان فخًا رابحًا للحكومة، كانت خسارة بابلو إسكوبار وعصابته كبيرة فهو لم يفقد المال والكوكايين فحسب وإنما فقد الرجال والسلطة والسيطرة وأصبح هو وكبار رجال عصابته من المطلوبين للعدالة وواجب القبض عليهم وهو ما بدأ فعلًا، عندها لم يجد بابلو أمامه سوى التفاوض مع الحكومة الكولومبية وأخذ العهد منها بأنها في حالة القبض عليه لن تقوم بتسليمه للحكومة الأمريكية، كان نفوذ بابلو واسعًا ورجاله في كل مكان حتى الحكومة نفسها ما جعل الحكومة توافق على شروطه وتخضع لها، بل إن الكثر طرافةً أن بابلو إسكوبار طلب من الحكومة الكولومبية أن يقوم ببناء سجنه الخاص بنفسه وهو ما تم له فعلًا، فكان سجنه الخاص لم يحمل من صفات السجون شيئًا سوى الاسم فحسب أما البقية فكان أشبه بالمنتجع الذي قضى فيه وقت راحةٍ واستجمام وكان يجتمع برجاله يوميًا ويتواصل معهم ويخرج في بعض الأحيان لقضاء الأمسيات في الحانات مع أصدقائه واستمر في إدارة امبراطوريته من داخل سجنه المزعوم تمامًا كما كان خارجه.

نهايته

صحيحٌ أن ماله اشترى بعض الذمم إلا أنه لم يسيطر على الحكومة تمامًا ففي نهاية المطاف ارتفع صوت العدالة وتم رفض سجنه المزعوم وتقرر نقله إلى سجنٍ عسكريٍّ لا يتمتع فيه بأي مميزاتٍ عن بقية السجناء، عندها قرر بابلو الفرار واختار أن يصبح مطاردًا ومطلوبًا على ذل السجن، وكان طبيعيًا أن تبدأ مملكته في الانحدار في ظل انشغاله بمحاولة الفرار والحفاظ على حياته وحريته فكانت تلك فرصةً ثمينةً لمنافسيه وأعدائه لتصدر عرش تجارة الكوكايين واستعادة مكانتهم التي كان بابلو إسكوبار قد سلبهم إياها، برغم قدرته على الهرب من عدة مداهماتٍ بشكلٍ أثار الشك والغيظ والعجب إلا أن الخطأ حدث وحانت النهاية، ففي إحدى مداهمات الشرطة له بعد أكثر من عامٍ كاملٍ من الهرب والمطاردة كان أبطأ من المعتاد في التخفي والهروب فداهمته الشرطة لكنه لم يقبل بتسليم نفسه فتبادل إطلاق النار معهم وسقط صريعًا مدرجًا بدمائه بعد أن أصابته عدة رصاصاتٍ قاتلة كانت فصل الختام في حياته التي تحولت إلى كابوسٍ دامٍ أرق مضجع الكثيرين وملأ لياليهم بالكوابيس، كانت جنازته واحدةً من أعاجيب حياته فقد حضرها جمعٌ غفير نصفهم كان حزينًا يبكي عليه وعلى أعمال الخير الكثيرة التي قام بها والمساعدات التي قدمها والتغييرات التي سببتها أمواله الكثيرة التي وهبها للخير بغض النظر عن نيته في وهبها في حياة هؤلاء الأشخاص فرثوه وودعوه إلى مثواه الأخير، بينما النصف الآخر جاء ينظر لجثمانه بشماتةٍ وسعادة وهم يشعرون أن العدالة تحققت وأن الآلاف من أهلهم وأبنائهم وذويهم الذين طالتهم قائمة اغتيالات بابلو إسكوبار وعصابته قد استردوا حقهم اليوم من ذلك السفاح المجرم.

حياته الخاصة

كان بابلو إسكوبار إنسانًا شديد التناقض من داخله وفي حياته كلها فبرغم من أنه نشأ في بيئةٍ صالحةٍ وتربى على التعاليم الكاثوليكية لأبوين بسيطين فقد خرج من بيتهما أكبر مجرمٍ في وقته، لكن التناقض الأكبر كان أن يخرج من بيته ولدٌ صالحٌ كان إن تحدث عن والده جعلنا نظنه يتكلم عن شخصٍ آخر، فقال سباستيان وهو الاسم المستعار الذي أخذه الابن بعد أن هجرت الأسرة مكان جرائم بابلو بعد موته مخلفةً ثروته كلها خلفها لأنهم علموا أنها أتت بطرقٍ غير شرعية وفضلوا البدء من الصفر على أخذها أن أباه كان شخصًا حنونًا ومهتمًا ببيته وأسرته كثيرًا، وأنه برغم كل أفعاله كان يحث ابنه على الاجتهاد والدراسة وتحقيق حلمه في أن يصبح مهندسًا مرموقًا وهو ما حققه سباستيان فعلًا، وكان دائمًا ما يحذر ابنه من أن ينتهج نفس طريقه في الجريمة ويطلب منه الابتعاد عنه وألا يفكر في ذلك الطريق أبدًا، حتى أنه برغم أنه كان سببًا في موت آلاف الأبناء من الإدمان يعاقب رجاله عقوباتٍ قد تصل للموت نفسه إن شرب أحدهم سيجارةً أمام ابنه الصغير!

انتهت أسطورة بابلو إسكوبار لكن ذكره وحياته تظل حتى اليوم في أذهان الكثيرين ونقطة تغيرٍ وتحولٍ في تاريخ كولومبيا كله ستظل تذكره لأجيالٍ حتى تصبح قادرةً على نسيانه وتجاوزه.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

19 − ستة =