تسعة مجهول
ويلي فرانسيس
الرئيسية » غرائب » ويلي فرانسيس : الأمريكي الأسود والناجي الوحيد من الكرسي الكهربائي

ويلي فرانسيس : الأمريكي الأسود والناجي الوحيد من الكرسي الكهربائي

ويلي فرانسيس أمريكي أسود كان يعيش في النصف الأول من القرن العشرين، وقد تم اتهامه في جريمة قتل اضطر على إثرها المثول لكرسي الإعدام، لكنه لم يمت!

من المعروف أن حالة أصحاب البشرة السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية قديمًا كانت حالة مُزرية بحق، حيث كان هؤلاء المساكين يتعرضون لشتى أنواع الظلم، وكمثال حي على ذلك نجد الأمريكي الأسود من أصل أفريقي ويلي فرانسيس، والذي كان يعيش في ولاية لويزيانا، وقد اتُهم ويلي ظلمًا بقتل الصيدلي الذي كان ويلي يعمل كمساعد له، وبالرغم من حكومة تلك الولاية تأخذ وقتًا طويلًا بالتحقيق في مثل هذه الجرائم إلا أن ويلي مُنح سريعًا عقوبة الإعدام عن طريق الكرسي الكهربائي، والحقيقة أن كل ما سبق ذكره ليس مهمًا بدرجة كبيرة، فهذا أمر وارد، لكن ما نُريد حقًا التركيز عليه هو ما حدث لذلك الأسود المُستضعف عند تنفيذ حكم الإعدام عليه، فهو يُعتبر الشخص الوحيد الذي قام حيًا مرة أخرى بعد الجلوس على ذلك الكرسي، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على ويلي فرانسيس وحياته والجريمة التي اتُهم بارتكابها، وأخيرًا كيفية نجاته من الموت على الكرسي الكهربائي.

من هو ويلي فرانسيس؟

عندما نتحدث عن سكان الولايات المتحدة الأمريكية فمن المفترض أن تُثار صورة في الأذهان لذلك الشخص الأنيق الوسيم الثري صاحب الحقوق، لكن الحقيقة أن سياسة أمريكا الافتتاحية جعلت هذه البلاد قاطبة لأي شخص من كل حدبٍ وصوب، ومن ضمن هؤلاء الذين كانت الولايات المتحدة تحتضنهم الإفريقيين، أو الذين لهم أصل أفريقي، وهم كما نعرفهم سود البشرة وغريبي الملامح، ومن سوء حظ بطلنا ويلي فرانسيس أنه عاش في هذه البلاد في وقت كان أقل وصف لما يحدث مع الإفريقيين هو الاضطهاد والعنصرية.

ولد ويلي لأب أفريقي في عام 1920 بولاية لويزيانا، ذلك الأب في الأصل كان موجودًا على هذه الأرض قبل سبعة أعوام من ولادة ويلي، ولهذا كان من السهل جدًا الحصول على الجنسية الأمريكية، لكن، ما لم يكن سهلًا أبدًا هو التعايش مع المجتمع الذي يمتاز أكثر من تسعين بالمئة منه بالبشرة البيضاء، أو الجنس الراقي كما يُطلقون على أنفسهم، وطبعًا قد تعتقدون أن هذا افتراء على السياسة الأمريكية قديمًا، لكن القصة التي سنتناولها لويلي سوف تُذبذب تلك الصورة بالتأكيد.

حياة ويلي فرانسيس

حياة الفتى الأسود لم تكن تجري أبدًا بالكيفية التي يتمناها أي شخص يعيش في بلاد العم سام، فوالده كان مجرد سائق لبعض الأثرياء، وابن السائق من الصعب جدًا أن يحصل على فرصة عمل، لكنه قد يفعل مع بعض المحاولات، لكن ابن السائق الأسود في هذا التوقيت كان من المستحيل له الحدوث على فرصة التعليم هذه، وبالمناسبة، في هذا الوقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمنع زواج الشخص الأبيض من الأسود، عمومًا، قضى ويلي طفولته في العمل كمساعد في أحد ورش الميكانيكا التابعة للزنوج، فلو كان صاحبها أبيض لوجد ويلي نفس الصعوبة بالتأكيد.

تقدم الوقت، خاضت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية وانفتحت أكثر على العالم، كما أن الجميع بدأ يُدين لها بالفضل في إنهاء الحرب بأسرع وقت، ولهذا كان من الطبيعي أن تتغير الأمور، ويُصبح الإفريقيين قادرين على الانصهار داخل المجتمع، وحتى لو كانت فرصة التعليم قد انفلتت من بطلنا ويلي فإن فرصة العمل باتت قائمة وممكنة بعد تلك التغيرات التي حدثت في تعامل الدولة مع الزنوج، ولهذا وجد ويلي فرصة العمل المحترمة التي كان يحلم بها.

الحياة تبدأ في الابتسام

كانت مهنة الصيدلة أحد أكثر المهن احترامًا في هذا الوقت، فقد كان الطب بكافة أفرعه شيء يدعو للتبجيل، خاصةً مع الطفرة الطبية التي زاملت بزوغ فجر الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا يكون من الطبيعي افتخار ويلي بعمله كمساعد صيدلي في صيدلية كبيرة تقع في وسط ولاية لويزيانا، بل كان الطبيب صاحب الصيدلية شهير كذلك، وهنا يُمكننا بعد رصد ذلك الوضع أن الحياة أخيرًا قد بدأت في الابتسام للفتى صاحب الأصول الإفريقية، فليس من السهل أن تكون مساعد صيدلية وأنت أسود لا تتخطى الرابعة والعشرين من عمرك، وطبعًا نحن نتحدث عن الأجواء في عام 1944 وليس الآن، فالرئيس الأول لهذه البلاد قبل سنواتٍ قليلة كان أسود البشر من أصلٍ أفريقي، عمومًا، نعد مرةً أخرى إلى بطلنا وقصته، حيث الحياة التي بدأت تبتسم كما ذكرنا، لكن، هل استمرت الأمور هكذا طوال الوقت؟

مقتل صاحب الصيدلية

كان ويلي يأخذ نوبته في العمل بتمام السادسة مساءً، وفي ليلة من ليالي أغسطس الواقع في عام 1945 ذهب ويلي كالعادة لأخذ نوبته والسماح بانصراف الصيدلي صاحب الصيدلية، لكن، عندما ذهب ويلي كان الطبيب الشاب مكومًا على الأرض جثة هامدة، وقبل أن يقوم ويلي بأي ردة فعل تجاه هذا الوضع كانت الدنيا بأكملها قد انقلبت عليه، حيث دخل عميل إلى الصيدلية من أجل شراء الأدوية فوجد ويلي واقفًا بجوار جثة الصيدلي، وهنا لم يكن أمامه شيء سوى الصراخ وجلب الشرطة، وبالفعل، خمس دقائق فقط وكانت الصيدلية تعج برجال الشرطة والمُتفرجين.

بالطبع تم احتجاز ويلي داخل الصيدلية، ففي البداية لم يُصدق رجال الشرطة أنه يعمل بها وحسبوه لص، لكن الناس المترددين على الصيدلية أكدوا أنهم قد شاهدوه أكثر من مرة بداخلها، لكن، الكارثة الحقيقة التي كانت تنتظر الأفريقي المسكين لم تكن قد حدثت بعض، أو على الأقل لم تحدث سوى بعد رفع البصمات.

ويلي المتهم الوحيد

جهات التحقيق كإجراء احترازي قامت بإلقاء القبض على ويلي، لم تكن تشتبه به بدرجة كبيرة كقاتل، لكن عندما تم رفع البصمات في مسرح الجريمة لم يكن ثمة أي شيء يتعلق بشخص آخر بخلاف ويلي، المسكين لم يكن يعرف شيء عن أي شيء، وكان يجهل أن مسرح الجريمة لا يُمكن العبث حتى لا تتشابك البصمات، عمومًا وعلى الرغم من بكاء ويلي وقسمه أكثر من مرة بأنه لم يفعل شيء للطبيب قامت جهات التحقيق بتوجيه التهمة له، بل وقدمته للمحكمة على أنه المشتبه الوحيد به، بمعنى أدق، ليس هناك خيار آخر غيره.

الناس في كل مكان قريب من الصيدلية قالوا إنهم لم يسمعوا في يوم من الأيام عن خلاف بين الصيدلي وعامله، بل كانوا على توافق تام، وهذا ما أثار اندهاشهم لأن ذلك الأمر لم يكن معتادًا بين شخص أبيض وآخر أسود، الأكثر دهشة كما يدعون أن ويلي كان لا يمتلك في هذا العالم سوى ذلك الصيدلي، فهو كل ما له في الحياة بعد والديه اللذين ماتا قبل توليه العمل، ولهذا لم يكن من المنطقي أبدًا أن يتهور ويقوم بقتله، لماذا وكيف وما هي الفائدة؟ الجميع طرح تلك الأسئلة عدا جهات التحقيق التي سارعت بالاتهام الغاشم.

ويلي إلى النهاية

طريق ويلي فرانسيس إلى نهاية حياته مر بالمحكم الأمريكية، والتي لم تفكر سوى أسبوع واحد لمنحه حكمًا بالإعدام عن طريق الكرسي الكهربائي، ففي حالةٍ أخرى، وبمتهمٍ آخر، قد يأخذ الأمر وقتًا يطول لسنوات، وبعد إقرار الحكم لا يُنفذ سريعًا كذلك، لكن ما حدث مع ويلي فرانسيس أنه قد نال حكمًا بالإعدام في عام 1945 وتم التجهز لتنفيذ الحكم بعد أيام قليلة، وطبعًا نحن نعرف ما الذي دفع الجميع للتسريع بتنفيذ ذلك الحكم الغاشم، ببساطة، لأن المحكوم عليه أسود اللون.

كان المجتمع الأمريكي، وبشكل خاص الحكومة المسئولة عنه في هذا الوقت، يتمنون أن يتم تصنيف الإفريقيين على أنهم حيوانات لا يُمكن العيش معهم كتبرير للعنصرية ضدهم، وقد كانت جرائم مثل هذه كفيلة بتنفيذ تلك الرغبة الملعونة، تخيلوا أن شخصًا أسود قد قتل رجلًا أبيض كان يعطف عليه ويحتضنه ويقدم له عملًا مرموقًا، ما هي الصورة التي سيتم تصديرها؟ عمومًا، كيلا نُطيل عليكم، دعونا نوفر كلامنا للحديث عن المعجزة التي وقعت في لحظة تنفيذ الحكم بويلي.

حُكم يرفض التنفيذ

في الثالث من مايو القابع في عام 1946 تم تجهيز ويلي من أجل اقتياده إلى مكان تنفيذ الحكم، كانت التجهيزات بسيطة جدًا، فكل ما حدث أنهم أطعموا الفتى المسكين وجبة أخيرة ثم وضعوا الغمامة على عينه وسحبوه إلى مكان موته بالطريقة التي تم تحديدها، والتي كانت بالمُناسبة الإعدام بالكرسي الكهربائي، وهي طريقة تم تجريبها كثيرًا في الولايات المُتحدة الأمريكية، حيث أنها تُعطي موتًا مؤلمًا وفي نفس الوقت سريعًا، وهذه هي العدالة من وجهة نظر ذلك المجتمع.

تم توصيل الكهرباء بالكرسي ووضع ويلي عليه ثم سحب الزر الذي كان من شأنه أن يُحول الرجل إلى شحنة من الكهرباء الخالصة، لكن هذا للغرابة لم يحدث، بل تفاجأ الجميع بعد دقائق بصراخ قادم من غرفة الإعدام التي من المفترض تواجد شخص ميت بها، بيد أنه لم يكن ميتًا بعد، وإنما ظل يصرخ قائلًا أخرجوني أنا لم أمت، وطبعًا بعد معاناة مع الدهشة من قِبل جميع الحضور تذكر بعضهم أخيرًا أن عليهم إخراج الرجل الذي لم يمت للتو، ولو على سبيل الفضول ومعرفة ما حدث حقًا على كرسي الكهرباء المُرعب.

الدهشة تملأ المكان

كانت الدهشة بالتأكيد حاضرة ومُسيطرة على الجميع، وخاصةً أولئك الذين كان من حظهم حضور تلك المحاولة مباشرةً، لكن تلك الدهشة استمرت فقط حتى وصول الأمر إلى المحكمة، والتي تعجبت بدورها لكون هذه المرة هي الأولى التي يحدث فيها إخفاق للكرسي الكهربائي، الأدهى أن الشخص الجالس عليه خرج كما هو ولم يُصبه أي أذى، وطبعًا كل هذه النقاط كانت أسباب للدهشة والتفكير في معجزة على سبيل المثال.

أثارت تلك الواقعة الشك في نفوس الناس وتغيرت نظرتهم إلى ويلي فرانسيس من مُذنب لا جدال إلى شخص يستحق محاولة أخرى، وفعلًا أُعيدت المحاكمة، لكن مرة أخرى جاء الحكم بإعدام ويلي، ذلك الحكم الذي تم تنفيذه بعد عام بالتمام والكمال، وكأن تلك الواقعة وقعت لكي يتأخر موت الرجل لعام كامل، بعده تم تنفيذ الحكم بسلاسة هذه المرة ومات ويلي تاركًا خلفه لغزًا كبيرًا يتعلق بقتل الطبيب والطريقة التي نجا به من الموت في المرة الأولى.

ما الذي حدث؟

فيما يتعلق بالفشل الأول في تنفيذ حكم الإعدام فالبعض يقول إنه لم يكن هناك أي تدخل إلهي بالأمر، فكل ما حدث أن الأسلاك التي توصل الكهرباء إلى الكرسي قد تعطلت فجأة وعادت فجأة كذلك إلى العمل، وكان ذلك العطل والعمل المفاجئ السبب الرئيسي في تلك المشكلة، والتي لم تتكرر مرة أخرى حتى الآن ليكون ويلي فرانسيس هو الشخص الوحيد الذي نجا من الموت على كرسي الكهرباء.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

4 + أربعة =