تسعة مجهول
مدينة هواسيونج
الرئيسية » جريمة » مدينة هواسيونج : تعرف على مدينة الجرائم الغامضة

مدينة هواسيونج : تعرف على مدينة الجرائم الغامضة

اكتسبت مدينة هواسيونج شهرة في أواخر القرن الماضي بعد حدوث عدة جرائم غريبة فيها، ما الذي حدث في مدينة هواسيونج ؟ وكيف اكتسبت هذه الشهرة الكبيرة؟

شهدت مدينة هواسيونج المعروفة باسم مدينة الجرائم عدة حوادث قتل في أواخر القرن الماضي، وكان من الممكن جدًا أن يتم اعتبار الأمر وكأنه مجرد حوادث قتل عادية، لكن، ما جعل ما حدث خالدًا ومتبوعًا بأكثر من علامة تعجب هو عدم العثور على مُرتكب تلك الجرائم حتى الآن، مع العلم أنه قد مضى أكثر من ثلاثة عقود، وأنه قد تم الاشتباه في ثُلث سكان المدينة دون العثور على القاتل بينهم، لذلك كان لابد من التطرق لتلك الحقبة ومعرفة ما حدث في هذه المدينة وقتها، وهل فعلًا ظل القاتل مجهولًا؟ أم أنه لم يكن ثمة قاتل من الأساس كما أُشيع من البعض؟ هذا ما سنحاول معرفته في السطور التالية.

مدينة هواسيونج مدينة الجرائم الغريبة

مدينة هواسيونج قبل الجرائم

الأمر الغريب حقًا في سلسلة الجرائم تلك هو أنها وقعت في مدينة هواسيونج القابعة في سوون الكورية الجنوبية، والمعروف عن سوون وجميع مُدنها أنها بلاد آمنة وهادئة، جاذبة للسياح بمعالمها الخلابة وطبيعتها المستقرة، حتى حوادث السرقة لم تكن تحدث هناك، وقد قيل من قبيل المبالغة أن أقسام الشرطة ظلت عدة عقود لا تستقبل أي قضايا من أي نوع، وكان إذا ما حدثت خصومة بين شخصين يتم اللجوء إلى كبار القرية للحكم فيها، وكانت عدة ما تنتهي سريعًا، لكن، فجأة وبلا أية مُقدمات، اجتاحت مدينة هواسيونج عاصفة من جرائم القتل.

بداية الجرائم الغامضة

على مدى سبع سنواتٍ عجاف، اجتاحت مدينة هواسيونج هوجة قتل غير عادية، قيل عنها وقتها أنها الأولى من حيث الشراسة والهمجية في البلاد، وقيل بعد انتهائها أنها لا يُمكن أن تتكرر بأي شكل، فقد كان الأمر صعبًا حقًا، أصعب حتى من أن يتم التحدث عنه كما يزعم الكوريون.

بدأت الجرائم في عام 1984، هناك نساء تختفي، وجثث يتم العثور عليها في اليوم التالي وقد تم تشويه معالمها، لا أحد يمكنه الربط بين الاختفاء والقتل، لأن ذلك يعني أن ثمة قاتل مُتسلسل في المدينة، وبالفعل كانت هذه الحقيقة، حيث لم تعد الفتاة التي تجاوزت الثالثة عشر أو المرأة التي تجاوزت السبعين يأمنون على أنفسهم، فالقتلى أعمارهم تتراوح بين هاذين العمرين، وبالطبع دب الرعب في مدينة هواسيونج، هناك قاتل طليق حتى الآن، لذا الجميع يسأل سؤالًا واحدًا، أين شرطة المدينة؟

شرطة مدينة هواسيونج العاجزة

كانت جرائم القتل أمرًا جديدًا وغريبًا على مدينة هواسيونج كما أسلفنا، لكن الأغرب كان ردة فعل الشرطة، والتي عجزت عجزًا تامًا عن إيجاد مرتكب جرائم القتل والاغتصاب تلك، حتى أن مدينة هواسيونج الطيبة قد خرجت في مظاهرات تُندد بهذا العجز وتُطالب بالقبض على القاتل أو استقالة الشرطة بأكملها وتفويض حماية البلاد للشعب، كان الحدث كبيرًا، وكانت جرائم القتل تزداد، الجميع خائف على نفسه وذويه، والشرطة مازالت كما هي، عاجزة.

شعرت شرطة مدينة هواسيونج أخيرًا أن هذا القاتل يُسبب لها الكثير من الإزعاج، لذلك بدأ في التحرك الحقيقي صبيحة أحد أيام عام 1989، حيث انتشر أفراد الشرطة في المدينة وبشكل مُكثف، وشنت حملات للقبض على المشتبهين، وبلا أي مبالغة، تم القبض على أكثر من عشرين ألف شخص، بينهم، في نظر شرطة مدينة هواسيونج، سفاح المدينة، لكن، مع الوقت والتحريات، تم الإفراج عنهم جميعًا وعاد الأمر مُعلقًا مرة أخرى، وهذا يعني أنه ما زال القاتل طليقًا، ومجرد التفكير في الأمر جعل نساء مدينة هواسيونج تنتفض بنفسها بحثًا عن القاتل.

خدعة النساء

عندما شعرت نساء مدينة هواسيونج أن الأمر لم يعد بمقدور الشرطة قررت أن تتولى هي إمساك القاتل، فقامت مجموعة منهن بالسير ليلًا في المنطقة التي كانت تحدث فيها عمليات الاختطاف ومن ثَّم القتل، وكانت أزواجهن بالقرب من المكان في انتظار الإشارة، وبالفعل جاء القاتل وقامت إحداهن باستدراجه ثم استطاعت الإفلات من قبضته واستدعاء الرجال القريبين من المكان، لكن القاتل بكل أسف استطاع الهرب قبل وصول الرجال، ثم لم يظهر بعدها في مدينة هواسيونج للأبد، مُكتفيًا بما ارتكبه من جرائم، كان ذلك في إحدى ليالي شتاء عام 1991، حيث تم وضع الشرطة بين الاكتفاء بما حدث أو البحث عن القاتل للثأر للضحايا.

قاتل مدينة هواسيونج

استطاعت المرأة التي استدرجت القاتل التعرف على بعض أوصافه، فقد أكدت على أنه كان يبدو كشاب عشريني، طويل القامة وداكن البشرة، كما تم أيضًا بمساعدتها رسم صورة تقريبية، لكن، رغم كل ذلك، لم يتم العثور عليه حتى يومنا هذا.

كان القاتل ينتهج نهجًا واحدًا في كاف جرائمه، وهو استدراج النساء ثم أخذهم إلى منطقة نائية واغتصابهم وقتلهم، وقد كان يقوم بتكميمهم عن طريق ملابسهم، كما كان أيضًا يعقد أيديهن بربطة غريبة مميزة، وفي إحدى المرات قاومته إحدى الضحايا حتى جعلته ينزف دمًا من رقبته، وقد وُجد هذا الدم في مسرح الجريمة بالفعل لكن لم يتم مطابقته مع أي شخص تم الاشتباه به والقبض عليه، ليُكتب للقاتل أن يكون مجهولًا إلى يومنا هذا.

آثار جرائم مدينة هواسيونج

بالرغم من توقف سلسلة القتل إلا أن الحكومة الكورية أعادت النظر من جديد في شرطتها التي عجزت عن الإمساك بقاتل قام بذبح نساء إحدى مدنها، وللاستمرار في التحقيق حتى الآن تم إسقاط ما يُسمى بقانون التقادم، وهذا يعني أن الجرائم التي يمر عليها مدة طويلة ستظل قيد التحقيق، وقد كانت المدة قبل هذه الجريمة معروفة ومحددة بخمسة عشر عام، لكنها أصبحت غير مُحددة الآن، وفي الواقع، لقد جاء هذا الأمر بُناءً على طالب أهالي الضحايا، فهي لم يمر عليها وقت طويل، والقاتل إن كان حيًا حتى الآن فإن عُمره لن يتجاوز الخمسين بأية حال.

مدينة هواسيونج على الشاشات

كالعادة، يتم تخليد الحوادث البارزة في التاريخ على شكل أفلام ومسلسلات وروايات، وقد حدث كل هذا ما سلسلة جرائم مدينة هواسيونج، فبالرغم من أنه لم يمر عليها أكثر من ثلاثة عقود إلا أنها قد ألهمت الكثير من الكتب وكانت منبع لكثير من الأفلام والروايات والمسلسلات، وهذا برهان آخر على طبيعة الشعب الكوري الطيبة، والتي انتفضت واستنكرت جريمة كهذه مع أنها تحدث بشكل شبه متكرر في دول أخرى أكثر تقدمًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت مهدًا لنصف سفاحي ومجرمي العالم خلال قرنين فقط من تأسيسها.

سلسلة جرائم مدينة هواسيونج تمت معالجتها عن طريق فيلمين من إنتاج الخمس سنوات الأخيرة في القرن المنصرم، حيث كانت الحادثة الأصلية وقتها لم يمر عليها أكثر من خمسة أعوام، ثم بعد ذلك في عام 2003 تم إنتاج مسلسل تليفزيوني كامل يتناول الأحداث بشكل أكثر عمقًا دون أن يتعرض للقاتل، والذي كان مجهولًا أصلًا، لكن ذلك الأمر لم ينطبق على مسلسل آخر تم إنتاجه في عام 2014، حيث كان القاتل، والذي من المفترض أنه مجهول، هو بطل المسلسل، بل وتم تصويره على أنه اضطر لذلك بسبب بعض العقد النفسية والمشاكل الأسرية، لكن في النهاية تبقى الحادثة نفسها دون أي تجسيد شاهد فترة عصيبة من تاريخ مدينة هواسيونج، مدينة الجرائم العشرة.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

17 + ستة =