تسعة مجهول
مدينة إسبرطة
الرئيسية » اسطورة » مدينة إسبرطة : كيف تأهل الأطفال ليكونوا محاربيها الأشداء ؟

مدينة إسبرطة : كيف تأهل الأطفال ليكونوا محاربيها الأشداء ؟

بالتأكيد سمعت عن مدينة إسبرطة وعن محاربيها الأشداء، لكن هذه الشدة والقوة لم تأتِ من فراغ، نستعرض تاريخ المدينة في تأهيل المحاربين.

مدينة إسبرطة، تلك المدينة اليونانية القديمة التي اشتهرت ببسالة أبطالها العسكريين الذين تصدوا لأقوى هجمات الفرس ب300 رجل فقط، أعتقد أنك تذكرت فيلم 300 الشهير الآن ونعم هو مستوحى من قصة حقيقية عن بسالة أبطال تلك المدينة. ولكن لكل شيء ثمن في هذه الحياة ولأجعل تكوين مثل هؤلاء الشجعان يتطلب الأمر تدريب منذ الصغر، والتدريب القاسي المعتمد في مدينة إسبرطة هو سر تلك الشجاعة العجيبة، وفي هذا المقال سأوضح لك مدى قسوة تأهيل المحاربين الصغار في مدينة إسبرطة، والوجه القبيح لمواطني المدينة من رجال وسيدات. ولو كنت من أصحاب القلوب الضعيفة فلا تقرأ هذا المقال.

مدينة إسبرطة وطريقة تخريج المقاتلين الأشداء

لا مكان للأطفال الضعيفة في مدينة إسبرطة

حين يولد طفل جديد في مدينة إسبرطة يجب على الأب حمله إلى شيوخ المدينة قبل أن تحمله أمه حتى، ويتم هناك فحصه جيداً على يد الشيوخ من حيث وجود أي نوع من التشوهات أو الضعف في أي عضو، ويتم غسله بالنبيذ لأن ذلك كان اختبار الصرع عندهم. أن لم يجدوا شيء أرجعوه لأمه فيكون له الحق بالمواطنة الإسبارطية وله نصيب بالأرض وسيصبح محارباً كالجميع هناك. أما إن وجدوا عيب ولو صغير فيكون نصيبه إلقاءه بحفرة في الأرض تسمى “Apothetae” ليموت جوعاً بدون رحمة. فلا مكان للضعفاء ولا ترغب المدينة بأي طفل مشوه أو ناقص وفاقد القدرة. لذلك وجدت تقديرات العلماء أن نصف أطفال المدينة ماتوا من الإهمال أو القتل إذا كان الأب رحيماً كفاية ليقتل ابنه سريعاً قبل رميه في الحفرة، إذ إن لا اعتراض على قرارات الشيوخ الصارمة التي لا تسمح برؤية حتى ما يبدو كضعف ولو صغير بالطفل، والتربية العسكرية للرجال والنساء لا تسمح لهم بالاعتراض على قرار الشيوخ.

المدرسة والتأهيل البدني للأطفال

لا تأخذ الأمهات الوقت لتعليم أبناءهم والاهتمام بهم فمن سن السابعة ويجب على الطفل الذهاب إلى المدرسة، ومدرسة مدينة إسبرطة لم تكن كأي مدرسة، فلم يكن على المعلم أو المراقب الحفاظ على سلامة وأمن الأطفال وحبهم لبعض بل عليه أن يثير الأطفال لتحدي بعضهم ويكون التحدي بالشجار والضرب. وكان المعلم يحمل معه السوط أينما ذهب وأي خطأ ولو بسيط يعاقب الطفل بالضرب المبرح ولا يتوقف الضرب عند هذا الحد فلو علم الأب أن طفله ضرب بالمدرسة فعليه بضربه مرة أخرى وإلا يكون أباً مهملاً ويفسد طفله. والتأهيل البدني للطفل هو الأهم من التعليم الدراسي فيجب أن يتعلم كل فنون القتال بكل أنواع الأسلحة ثم يتخصص فيما بعد في نوع واحد فقط حين يصير في سن الثالثة عشر. وكان الأطفال عراة وحفاة حتى سن العشرين وفي سن التاسعة عشر يذهبون فتيان وفتيات إلى الجبل عراة وهناك يمارسون ما يودون مع بعضهم بغرض غلب الشهوة وليس قمعها ليصير الشاب والفتاة أبطال لا يهزمهم شيء حتى شهوتهم. وتلك المدرسة لم تكن سوى ثكنات عسكرية فلا توجد راحة ولا ظروف معيشية جديدة وأغلبها في أعلى الجبال الوعرة مع الوحوش أو الثلوج المتساقطة.

السرقة والنهب هو أمر تعليمي مع أطفال مدينة إسبرطة

في تلك الثكنات العسكرية كما ذكرنا لم تتوفر لهم الحياة الكريمة أبداً فهم عراة وحفاة وحصص الطعام لهم قليلة والضرب المبرح هو العقاب الدائم، والمنفذ الوحيد المسموح هو السرقة والنهب من المدينة نفسها، فيسمح للأطفال بسرقة الطعام والشراب والملابس من أسواق المدينة ومزارعها وإذا أمسك الطفل متلبساً فالعقاب كالعادة هو الضرب أما من يفر بفعلتها بعد التخفي المحكم فهو بذلك ذكي والخبث مطلوب وقد أطعم نفسه بطريقة مناسبة ويشجعه المراقب أو المعلم على استكمال الأمر وكأنه درس تعليمي مفيد للطفل.

الاحتفال السنوي لتجويع الأطفال

كانت مدينة إسبرطة تمارس بعض العادات الدينية الغريبة ولكن أغربها على الإطلاق هو الاحتفال السنوي بالإله أرتميس، وقبل الاحتفال يتم تجويع الأطفال بالمدرسة لمدة أيام كثيرة ثم يوضع الجبن على مذبح ذلك الإله بكمية لا تكتفي كل الأطفال، ويتركون الأطفال يتصارعون في معركة جياع كبيرة ولهم الحق باستخدام أي نوع من الأسلحة ضد بعضهم. وليس هذا فقط بل كان كبار السن يحملون الأسواط وسط الحلبة يضربون الأطفال فلا مجال إلا للمحاربة أو الموت، فلا وجود للضعفاء كما ذكرنا. وتلك المهزلة تعتبر مصدر للسخرية بالنسبة للمتفرجين بما في ذلك والد ووالدة كل طفل، ويجلسون على مصاطب المسرح يتفرجون ويضحكون على عذاب أطفالهم وذلك نوع من العادات الدينية وجزء من تأهيل الأطفال في ذات الوقت. والطفل الذي يستحوذ على أكبر عدد من الجبن بالنهاية يكون هو بطل المهرجان.

الطعام جماعي في مدينة إسبرطة

هنا في مدينة سبرطة لا يأكل الناس في بيتهم مع أسرتهم، إذ لا توجد أسرة من الأساس، بل يكون الطعام جماعياً في خيمة كبيرة. واحداً من المؤرخين جلس معهم ليأكل ما يأكلون وتعليقه الوحيد كان “أنا الآن أعرف لماذا لا يخشى الإسبرطيون الموت.” لأن الوجبة الأساسية من اللحم المقدمة تسمى “المرق الأسود” وهو عبارة عن لحم غزلان مطبوخ مع دم الغزلان والملح والخل. وذلك الطبق هو الأساسي ويأخذون منه كميات قليلة ولا يسمح لهم بإضافة كمية أخرى سوى لو كنت أنت الصياد، وحين يصيد الفرد فريسة وجب عليه مشاركتها مع الجميع والقليل منها فقط لبيته وهذه الطريقة الوحيدة التي يستطيع أحد معها أن يأكل في بيته. ومن يأكلون بتلك الخيمة هم من أنهوا التدريب العسكري وفترة الجيش أي من يبلغون أكبر من ثلاثين عام ولهم حق المواطنة والجلوس بين مواطنين المدينة، لأن ما قبل ذلك هو محارب بالجيش ولا يجب أن يدخل المدينة إلا في الخباء ليجتمع مع امرأته التي قد لا يكون رآها من قبل.

الاختبار الشفهي في مدينة إسبرطة

في هذا الاختبار الذي يقدم بعد العشاء كان على المشرف تحت التدريب أي الأصغر رتبة من المعلم، أن يجلس مع المتدربين الأطفال ويسألهم أسئلة يكون معظمها تتكلم عن السياسة والمدينة ونظام إدارتها، وعلى الإجابة أن تكون ذكية ويعطي الطفل أسباب مقنعة وفعالة وإلا فالعقاب بالوقوف على الإبهام يكون من نصيبه. ولم يكن الأمر سهلاً حتى على ذلك المشرف لأنه يرجع ويعطي تقارير كامله للمعلمين الكبار وإذا رأى المعلم أنه كان متساهلاً أو صارماً زيادة عن الحد فكان يضرب هو الأخر، وتلك النقطة حسب كلام المؤرخ بلوتارخ الذي أمضى فترة هناك. فلا يوجد نقاش مع فكرة العقاب بالضرب المبرح هذا هو المنطق السائد.

لا تعليم أخر سوى فنون الحرب

لم تهتم مدينة إسبرطة بتعليم أبناءها أي نوع أخر من العلوم أو الفنون غير فن الحرب، بل كان الأمر محرماً تماماً، ولو أراد الطفل أن يصبح مزارعاً أو رجل تجارة فهذا أبعد من الخيال. الطفل محارب ولا شيء أخر لأنهم رأوا أن التعليم الفلسفي والعلمي سيضعف من تركيز الأطفال على الحرب والقتال. ولم يعرفوا الحساب وأغلبهم لا يعرفون القراءة ولا تعلموا عن الحياة والزراعة والطب والسياسة الحكيمة ولا أي شيء هم محاربون ليس إلا يستمعون إلى القائد العسكري دون جدال. لذلك لن تجد في أثار إسبرطة ومن تاريخهم ما يزيد عن الحرب والدماء فلا توجد حضارة بلا تعليم، وأغلب الأعمال البسيطة إما يتعلمها الفرد بنفسه بعد انتهاء فترة جيشه ودخوله المدينة أو يمارسها العبيد والغرباء وليس المواطنين الأصليين.

الجلد في الاحتفال السنوي

قد تعتقد أن كل الماضي مجنون وأعمال غير أدمية ولكن هذا الاحتفال لا يوجد له نظير في الدموية. ويسمى ذلك الاحتفال السنوي باسم “Diamastigosis” ولا يوجد له معنى في العربية فلا كلمة تليق بوصف عادات هذا الاحتفال. ويقوم المسئولين فيه بجلب طفل أو اثنين وجلدهم علناً أمام الحشود حتى لا يستطيعون الوقوف على أقدامهم بعد، والأغرب أن الأمر لا يتم كراهية بل طوعاً من الأطفال، إذ إن ذلك يجلب الفخر والشرف للطفل لأنه بذلك يظهر أن شعب إسبرطة قادرين على الوقوف أمام الأعداء وتحمل ما لا يتحمله غيرهم. وذلك التعذيب كان يجلب جماهير غفيرة حتى إن بحلول عام 300 قبل الميلاد كانت الإمبراطورة الرومانية قد انجذبت لتلك العروض وتأتي من روما وتقطع تذاكر بأموال كثيرة للمشاهدة في المسرح المجهز لهذا الاحتفال. صدقني عزيزي القارئ لن تجد مثل تلك الوحشية في مدن العالم كلها إلا في مدينة إسبرطة.

العبيد في مدينة إسبرطة

إن كانت فكرة العبد وبيعه في حد ذاتها تدمير لحقوق الإنسان بسبب التعامل معهم بالقسوة وبدون أدمية، فالعبيد في مدينة إسبرطة كانوا خراف للذبح وتدريب الأطفال على الحرب الحقيقية. فما التدريب الذي يجعل من الطفل قاتل محترف بدون رحمة غير قتل بشر حقيقين يرون أنهم أقل منهم. وكان العبيد (خاصة القادمين من منطقة فلسطين وما حولها) يسمون “هيلوتس” وفي وقت ما من كل عام أو على حسب نظرة المعلمين وجب على المتدرب القيام بطقوس تسمى “كريبتيا”، حيث تقدم للمتدربين أنواع مختلفة من الخناجر والأسلحة ويسمح لهم بالتخفي في طرقات المدينة وقتل العبيد العاملين في مختلف أنواع الأعمال الذين لا يحملون شيئاً للدفاع عن أنفسهم، وكلما استطاع الفرد الواحد قتل عدد أكبر كلما كان هو البطل على باقي الفتيان. وتلك الطقوس تهدف إلى شيئين الأول هو تعليم الأطفال اللارحمة واللاشفقة وتدريبهم على حياة الحرب الميدانية الحقيقية، والثاني هو بث الرعب في قلوب العبيد وجعلهم يدركون مكانتهم الحقيقية المتدنية في المجتمع فهم أقل من الحيوانات.

شاهد القبر هو فخر لا يحصل عليه سوى المحارب

إذا مات شيخ من شيوخ المدينة فإنه يدفن في أي مكان ولا يحمل قبره أي شاهد يحمل اسمه أو ماذا فعل، والطريقة الوحيدة لتخليد الذكرى بشاهد للقبر هي بموت الشخص في الحرب وهو يحارب من أجل بلاده، فيكتب اسمه ويكتب تحته “في الحرب”. بالنسبة إلى السيدات والتي لا تشارك بالحروب من الأساس، فالطريقة الوحيدة للحصول على شاهد قبر هي الموت أثناء الولادة، لأن تلك هي معركتهن الخاصة فهن يخرجن للمدينة الرجال والمحاربين الأشداء. غير ذلك لا يتم تذكر الموتى بأي طريقة مهما كانوا.

النساء والفتيات في مدينة إسبرطة

لا تتوقع أن الأمور السابقة خاصة بالرجال فقط، بل إنها تجري على الفتيات أيضاً ولكن بشكل أخر. فمن سن السابعة كذلك يكونوا عراة وحفاة ويتعلمون بعض أنواع القتال والشجار مع الأولاد في مثل عمرهن. والهدف من التدريب أن يصيروا نساء شجعان يتحملن أعباء الحمل والولادة ولا مكان للمرأة العاقر بالمجتمع. وذلك هو الشرف الوحيد الذي يحصلوا عليه ولا حقوق أخرى فهي لا تربي إنما تلد فقط ولا تشارك بالمجتمع السياسي، وقد لا ترى زوجها أبداً إلا بعد انتهاء فترة جيشه (إذا لم يمت) فالزواج يحدث في غرفة مظلمة قبل ذلك. وفي الصغر حتى سن التاسعة عشر يكون الأمر محللاً مع الكل في الجبل مع باقي الفتيان. ومن ضمن العبارات التي تقولها المرأة لزوجها أو ابنها الخارج إلى الحرب “عد إليَ بطلاً أو محملاً على درعك” أي يجب أن يعود منتصر أو ميت فلا مجال للهزيمة. فالأمومة والحنان والاهتمام بالجمال والأنوثة لا يوجد لهم مكان بين نساء مدينة إسبرطة.

الخلاصة أن مدينة إسبرطة لم تكن أدمية أبداً فيما يخص الأفكار البسيطة تجاه الأطفال، وكل ما يهمهم هو الحرب والحياة العسكرية لا أكثر.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

أربعة × خمسة =