تسعة مجهول
كاليغولا
الرئيسية » غرائب » كاليغولا : الإمبراطور الروماني الذي كتب آية في الجنون

كاليغولا : الإمبراطور الروماني الذي كتب آية في الجنون

كاليغولا إمبراطور روماني مجنون عاش في بداية التاريخ الميلاد وقضى الشعب تحت حكمه أسوأ فترة مُمكنة، ثم جاء من بعده ابن شقيقه نيرون الذي أكمل طريق الجنون.

ربما جميعنا يعرف أن أغلب الأباطرة الرومانيين كانوا يتمتعون بشيء من الجنون، والحقيقة أننا إذا ما أردنا مثالًا لا جدال فيه على هذا الأمر فإن الإمبراطور كاليغولا سوف يكون حاضرًا وبقوة على رأس قائمة المجانين هذه، والجنون هنا ليس مقصودًا به أن تُكلم نفسك أو تُصدر حركات جنونية، بل أن تقتل شعبك فقط لمجرد كون بعضهم أصلع وخالي من الشهر، أو أن تُسخر الملايين كي يجلبوا لك القمر من السماء، وهكذا الكثير من الأفعال الذي قام بها كاليغولا على الرغم من أنه قبل تولي الحكم كان شديد الحكمة والوداعة، وبالتأكيد كان كل ذلك مجرد تظاهر حتى يكسب حب الناس وثقتهم ثم بعد ذلك يتولى حكمهم ويذيقهم أصناف العذاب المختلفة، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على الإمبراطور الروماني المجنون كاليغولا وكيف تحول من إمبراطور عادي إلى آية في الجنون، فهل أنتم مستعدون لذلك؟

من هو كاليغولا؟

في البداية يجب علينا أن نعرف بأن الاسم الشائع كاليغولا ليس الاسم الحقيقي للشخص موضع حديثنا، فاسمه الحقيقي جايوس يوليوس، ثم بعد ذلك حصل على لقب كاليغولا وأصبح معروفًا به، والواقع أن عادة الحكم قديمًا أنهم كانوا يُعطون أنفسهم أسماء وألقاب كي يتميزوا عن البقية من العامة، فمن الوارد جدًا أن يكون هناك الكثيرون ممن يحملون اسم جايوس، لكن من الصعب أن يكون هناك كاليغولا آخر، عمومًا، مهما كان الاسم فإن في النهاية يقود إلى شخص واحد مجنون له أفعال واحدة وثابتة في التاريخ، تغيير الاسم في الحقيقة ليس تحايلًا على التاريخ أو هروبًا من مساوئ مُرتكبة.

جاء ميلاد كاليغولا بعد ميلاد السيد المسيح باثنا عشر عام، وتحديدًا 12 ميلاديًا، وذلك بمدينة راقية في روما تُدعى انتيوم، ولم يعش هذه الإمبراطور الغريب أكثر من ثلاثين عام بعد تاريخ ميلاده، وسوف تتكفل المساوئ التي سنذكرها له في السطور الآتية في تفسير أسباب إقدام أحد الحراس على قتله وهو لم يجاوز الثلاثين من عمره، لكن دعونا لا نستبق الأحداث ونأخذ السلم خطوة وراء أخرى لنعرف كيف نشأ ذلك الرجل وكيف أصبح على ما مات عليه من جنون.

نشأة كاليغولا العظيمة

كانت كاليغولا فردًا بالأصل في أسرة عسكرية، لذلك كان من الطبيعي أن يتربى على السيف والمبارزة طوال الوقت، إضافةً إلى إتقانه لبعض العلوم وتقربه المزعوم من الناس، والحقيقة أن والدته هي من كان تفعل ذلك، فقد كانت تعده لأن يُصبح شيئًا كبير بعد وفاته عمه، أو قتله حسبما تقول بعض الروايات التاريخية، عمومًا، تربية كاليغولا كان تربية ملوك وأمراء، بالرغم من كونه ليس في الأساس فردًا من الأسرة الحاكمة التي كانت تسكن القصر، وهذا ليس جبرًا عنه وإنما برغبة والدته، والتي أرادته أن يكون كذلك كيلا يكرهه الرعية مثلما يفعلون مع سكان القصر الملكي، كانت داهية بحق، ولم تتردد للحظة واحدة في فعل أي شيء من شأنه أن يُقرب طفلها الوحيد من كرسي الحكم، حتى جاءت الفرصة المُنتظرة في عام 37 ميلاديًا، وتحديدًا عندما كان عمره خمسة وعشرين عامًا.

كاليغولا يصل إلى الحكم

كما ذكرنا، عندما مات عم كاليغولا لم يكن ثمة شخص مناسب من وجهة نظر الشعب أكثر من كاليغولا، فقد كان وقتها قائدًا مرموقًا في الجيش وأيضًا محبوب بين الناس بسبب مساعدته لهم وإقدامه دائمًا على تنفيذ مصالحهم حتى وهو مجرد قائد في الجيش، وطبعًا كان يستغل في ذلك علاقته بالأسرة الملكية، والتي كانت، بالإضافة إلى حب الناس وثقتهم، أشبه بالتوصيلة السريعة إلى كرسي الإمبراطورية الرومانية، وبالفعل ارتقى كاليغولا على العرش وبدأ حكمه وسط حالة كبيرة من الاستقرار والرخاء، وهنا تيقن الشعب أنه سوف يعيش حياة مستقرة أخيرًا دون وجود حاكم جائر يستغل رعيته ويُنكل بهم، المساكين كانوا لا يعرفون أن كاليغولا لم يبدأ للتو في نزع رداء التظاهر الذي يرتديه منذ طفولته وحتى توليه للحكم.

صور من جنون كاليغولا

عندما نذكر في المقدمة بأننا سوف نتحدث عن أكثر الأباطرة الرومانيين جنونًا فإن البعض قد يتخيل أننا نُبالغ في وصفنا هذا، وأن الأمر لا يتعدى كونه ملك جائر ظلم بعض رعاياه مثلما يحدث في كل مكان وزمان، لكن الحقيقة أننا سوف نضطر الآن إلى إزالة تلك الغشاوة من فوق أُعينكم ونُريكم بعض صور جنون ذلك الرجل لتعرفوا بأنفسكم هل استحق وصف الجنون أم لا، ولتكن البداية مع صورة مجنونة كانت بتعيينه لجواده عضوًا فعالًا في مجلس الشيوخ!

الحيوان عضوًا في المجلس

من الأحداث النادرة التي لم يذكر التاريخ أي شبيه لها أن كاليغولا ذات مرة ذهب إلى اجتمع مجلس الشيوخ المعتاد وتكاسل عن النزول من فوق جواده حتى دخل به داخل المجلس، كان الأمر جنونيًا بحق، وكان من الطبيعي أن يعترض أحد أعضاء المجلس على هذا الفعل الغير عقلاني، لكن الغير طبيعي بالمرة كان ردة فعل كاليغولا على اعتراض العضو، حيث غضب غضبًا جديدًا وقال للعضو بالمجلس أن هذا الحصان أكثر أهميةً منه بالنسبة له، ثم في نوبة جنون قام بعزل العضو وعين الجواد بدلًا منه في المجلس، ولكم أن تتخيلوا أن حصانًا عاديًا كان يحضر الاجتماعات التي تُقرر شئون البلاد وله كلمة مسموعة بأمر من الإمبراطور، فكان إذا صهل أثناء مناقشة أحد القرارات يتم اعتبار ذلك الصهيل إيذانًا منه بالموافقة، وبهذا يتم تطبيق القرار مباشرةً دون أي تردد!

عشاء من التبن الفاخر

في حدث مرتبط كثيرًا بالحدث الجنوني السابق أردا كاليغولا أن يُقيم مأدبة يتم فيها رسميًا إعلان تعيين الجواد في مجلس الشيوخ، ولأن الناس كان يخافون من كلمة لا في واجه ذلك المجنون لم يتردد أحد في الاعتذار عن العشاء، ففي النهاية هي وجبة طعام ملكية فاخرة لن تضرهم في شيء، لكن الصاعقة الحقيقية أن المأدبة المُقامة كانت مكون من التبن فقط، ومع نظرات كاليغولا المترقبة للناس لم يستطع أحد الاعتراض وأخذوا يأكلون التبن مُدعين استمتاعهم بالطعم الجيد له، عدا أن شخص واحد كان يمتلك بعض الجرأة فقام بالاعتراض على الأمر بلهجة شديدة، فكان عقابه من وجهة نظر الإمبراطور المجنون أن يتم عزله من منصبه في مجلس الشيوخ وتعيين شخص يرى أنه أكفأ منه ويستحق ذلك المقعد، وصدقوا أو لا تصدقوا، لقد كان ذلك الشخص الكفؤ من وجهة نظره هو جواد آخر، لدرجة أن البعض قد أطلق على المجلس لقب مجلس الأحصنة.

صراع مع إله البحر

من الأمور المجنونة التي قام بها كاليغولا خلال فترة حكمه أنه ذات مرة قرر التصارع مع البحر بالطريق مدهشة، فقام بإرسال أسطول إلى شواطئ عدة بلاد من أجل غزوها وفي كل مرة كان يوقف الجيش ويأمره بالتوقف والذهاب إلى مكان آخر يُحدده، وقد فعل ذلك أكثر من مرة ثم في النهاية أمر الجيش بالعودة مرة أخرى إلى إيطاليا، وهناك أخبر مجلس الشيوخ أنه لم يخض حربًا مع أحد، وإنما ما فعله كان يقصد به محاربة البحر، وقد تعتبر عزيزي القارئ أن هذا مجرد جنون ومداعبة، لكن ذلك الجنون قد تسبب في مقتل ثلث ذلك الأسطول بسبب التنقل لمسافات كبيرة في أوقات قصيرة دون وجود ما يكفي من التجهيزات لمثل هذه المواقف.

إغلاق منافذ الطعام والشراب

الصورة الآتية سوف تبين لكم حقًا كيف كانت حياة ذلك الملك المجنون كاليغولا، فقد صادف في عهده أن كل شيء بدا وكأنه يمر بخير، فلم يكن ثمة جوع أو مرض خطير يُهدد حياة الشعب أو أي شيء آخر من شأنه أن يُعكر الصفو، لكن الملك المجنون لم يكن يرغب في ذلك الهدوء، فهو يعرف جيدًا أن التاريخ لن يذكره إلا إذا كان ظالمًا ومنكلًا بشعبه، ولكم أن تتخيلوا أنه من أجل ذلك الغرض قام بإغلاق كل منافذ الطعام والشراب وجوع الناس كي يجلس ليستمتع بهم وهم يموتون، وقد قال وقتها جملته الشهيرة بأن الطاعون إذا لم يأتي فسوف يأتي هو ليحل بدلًا عنه، وقد فعل.

الأصلع يستحق الموت

الجنون عن كاليغولا لا ينتهي، بل لن نُبالغ إذ نقول إن مئات الكُتب لن توفي ذلك الرجل حقه، لكننا مُطالبون فقط بذكر بعض الصور البارزة من ذلك الجنون، ومنها مثلًا أن كان يقتل أي شخص أصلع يلتقي به، حيث كان يرى أن ذلك الأمر يدل على الضعف، ومن وجهة نظره لا يجب أن يشعر أحد في مملكته بالضعف لأنه سيُشير إلى ضعف المملكة كذلك، لكن الجنون لم يتوقف عند ذلك، بل إنه قد أصدر قانونًا يُجرم الصلع، فأصبح أي شخص أصلع مُهدد بالموت في أي لحظة، وكم هو حظ عثر أن تولد بعيب الصلع في مملكة يحكمها شخص مجنون يُدعى كاليغولا.

القمر ملكًا لي

امتلك الحاكم المجنون كل شيء تقريبًا، حتى الناس في المملكة كانوا لا يمتلكون حياتهم بالقدر الذي كان يملكه هو، حيث بإمكانه في أي لحظة قتل أي شخص وبأي سبب، حتى لو لم يكن هناك سبب سيموت أيضًا، وفي نشوة الامتلاك تلك أراد كاليغولا أن يمتلك شيء صعب الامتلاك بعض الشيء، وهو القمر، حيث أمر حراسه بأن يُنزلوه ويجعلونه في قصر المملكة، لكن هذا الأمر طبعًا بدا مُستحيل، أو غير قابل للتفكير أصلًا، هذا بالنسبة للعقلاء، أما كاليغولا فقط أمر الجيش كله بالعمل على تلك المهمة، وعندما باءت كل المحاولات بالفشل ظل يبكي كالطفل المجنون، فقد كان يُثيره أن يكون في هذه المملكة شيء يُرى بالعين ولا يُمكن امتلاكه، حتى ولو كان شمسًا أو قمر.

داء التظاهر بالموت يكتب النهاية

كان كاليغولا يُحب التظاهر كثيرًا بمرضه واقترابه من الموت، كان يستمتع بذلك لأنه كان يرى فيه اختبارًا لخوف الناس منه، وبالفعل كانوا يلقون بالنذور التي تكون النشوة الكبرى عندما يُنهي كاليغولا اللعبة ويجعل هؤلاء المساكين يُنفذون نذورهم، تلك النذور التي كانت تصل أحيانًا إلى قتل الشخص لنفسه، عمومًا، في مرة من المرات تظاهر الحاكم المجنون بالموت فقام اثنين من حراسه بخنقه حتى الموت وجعلوا التظاهر صحيحًا، وقد كان دافعهم في ذلك أنه قد قام بإهانتهم، لتُكتب بذلك نهاية أكثر الحكام جنونًا في تاريخ البشرية، والذي يُعتقد أنه لم يعوض بعد ذلك سوى بالنازي المجنون كذلك هتلر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

خمسة × أربعة =