تسعة مجهول
ظاهرة قتل الأطفال بالجزائر
الرئيسية » جريمة » ظاهرة قتل الأطفال بالجزائر: زهور صغيرة قُطفت على يد وحوش

ظاهرة قتل الأطفال بالجزائر: زهور صغيرة قُطفت على يد وحوش

ظاهرة قتل الأطفال بالجزائر ظاهرة غريبة تدل على أن الوحش الموجود داخل كل إنسان منا لا عزيز له، فكما يقتل النساء والضعفاء لا يستحي كذلك من قتل الأطفال!

منذ زمنٍ بعيد درج الناس على ظاهرة غريبة تُسمى ظاهرة قتل الأطفال، فقد كان العالم في الماضي عالم موحش يعج بالوحوش، لكن تلك الوحوش كانت تحكمها قوانين وقواعد، فلم يكن مسموحًا أبدًا بالاقتراب من العجزة والنساء والأطفال، إلا أنه مع الوقت بدأت الوحوش تستوحش أكثر وأكثر حتى أصبح الدم كله مُباح، فبعدما شهد التاريخ على حوادث استباحة النساء وقتلهن كانت الصاعقة عندما أصبح الأطفال كذلك مُستباحين للقتل، والغريب في حوادث قتل الأطفال، أو الأمر الذي يُثير اندهاش البعض، أن الأطفال لا يكونون عداوات مع أحد، ولا يعرفون الخطأ من الصواب أصلًا حتى يتم محاسبتهم، بل ولكم أن تتخيلوا أن الأطفال في زمننا هذا قد يُقتلون لمجرد ممارسة حقهم الطبيعي والمشروع في اللعب، لا تزالون مستنكرين للأمر؟ إليكم إذًا في السطور الآتية أبرز حوادث قتل الأطفال التي وقعت بالجزائر على يد أشخاص منزوعي القلب، فهل أنتم مستعدون لخوض تلك الرحلة المُدمرة للأعصاب؟

شيماء يوسفي، ضحية الوحش

ظاهرة قتل الأطفال في الجزائر ظاهرة قديمة ولها جذور طويلة، لكن إذا أردنا أن نبدأ بالحادثة الأكثر بشاعة على الإطلاق فحادثة مقتل الطفلة شيماء يوسفي تُعتبر الحادثة الأبرز والأكثر وحشية وبشاعة كما ذكرنا، فهي قد وقعت لطفلة لا تتجاوز الثمانية أعوام، كان ذلك في شهر ديسمبر الواقع في عام 2012، وكانت شيماء وقتها لا تعرف شيء سوى اللعب في الأزقة والشوارع، لكن ما حدث أنها في يوم من الأيام انتظرت أبيها من العمل فجاءها الموت على صورة رجل قاس بلا مشاعر أو قلب، وكان اسمه حمزة، لكن حمزة هذا لا يهمنا، ما يعنينا فقط هو التعرف على ما حدث لطفلتنا.

اختفت شيماء، وظلت فترة طويلة على هذا الاختفاء حتى ظهرت جثتها في حالةٍ يُرثى لها، كانت مقتولة بعد اغتصاب، وإن أصعب شيء قد تفعله بحياتك في يوم من الأيام أن تتولى مسئولية إخبار أب أو أم بموت طفلتهما بعد اغتصاب، ولهذا تم إخفاء الخبر في البداية وأُشيع أنها جريمة قتل عادية، ثم بعد ذلك، وعقب القبض على القاتل حمزة الملعون تم تقديمه للمحاكمة وإعلان القصة الأصلية خلف موت شيماء.

ياسين بو شلوح، جثة بعد طول اختفاء

في شهر مايو القابع في عام 2007 اختفى طفل صغير لم يتجاوز الأربعة أعوام، كان اسمه ياسين بو شلوح، والحقيقة أن سن الأربعة أعوام لا يجعلك تُفكر أبدًا في أي شيء سوى الاختطاف عندما يغيب عن الأنظار لأكثر من دقيقة، فهو في النهاية مجرد طفل، ملاذه الوحيد عائلته، ولو كان أكبر من ذلك بثلاثة أعوام مثلًا لقلنا أنه يلعب مع أصدقاءه، لكن ذلك السن ليس له أصدقاء من الأساس، عمومًا، طال الغياب حتى وصل إلى خمسين يوم، ولأن عائلة ياسين كانت محبوبة لم يتوانى أحد عن تقديم المُساعدة بكل ما يملكه من قوة، سواء كانت الشرطة أو حتى الناس العاديين، كل هذا وياسين لا أثر له، لكن، هل سيستمر الاختفاء للأبد؟

بعد خمسين يوم بالتمام والكمال تم العثور على جثة الطفل المسكين ياسين في مستعمرة، وتحديدًا بئر ماء موجود بهذه المستعمرة، وطبعًا التفسير المنطقي الوحيد لهذه الحادثة أن الطفل قد سقط وهو يلعب فمات غريقًا، لكن العقل يقول كذلك أن طفل في الرابعة من عمره لن تأخذه قدمه إلى الوصول لذلك المكان، ولن يأخذه عقله إلى السقوط في البئر، لكن الشرطة لم تجد أي أدلة على وجود شبهة جناية، فاكتفت بسجن صاحب المستنقع لمدة عامين بتهمة الإهمال، وطبعًا الخاسر الوحيد كان الطفل المسكين ياسين وعائلته التي انفطر قلبها عليه.

سندس قسوم، المقتولة بذنب أمها

ما زلنا في الجزائر، ولا تزال ظاهرة قتل الأطفال قائمة كما هي، ففي عام 2012، وفي شهر ديسمبر الذي قُتلت فيه شيماء بطلة قصتنا الأولى، اختفت كذلك سندس قسوم الطفلة ذو الستة أعوام، كان اختفاءً مُحيرًا، فلم يكن يسبقه أي أمر غير طبيعي، كما أن عائلة قسوم لم يكن لها أي أعداء من أي نوع، وهذا ما أثار جنون الذين عملوا بهذه القضية، حيث أنه من شبه المستحيل أن تختفي الطفلة من أمام أنظار ذويها لأكثر من دقيقة، فما الذي حدث إذًا؟ وأين ذهبت الفتاة المسكينة سندس؟ هذه أسئلة لم يُجب عليها سوى العثور على جثة الطفلة بعد أيام من اختفائها، المفاجأة الحقيقية كانت في المكان الذي تم العثور به على الجثة، وهو منزل سندس نفسه.

كانت سندس قسوم تعيش في منزل عائلة به أشقاء أبيها وزوجاتهم، وفي أحد الأيام عندما كانت زوجة أحد أشقاء الأب تُخرج المُصلية من أجل أداء الصلاة تشممت أنفها رائحة كريهة لم تكن معتادة عليها، وعندما تتبعت مصدر الرائحة وجدت أنه نابع من مكان تتواجد به جثة الطفلة المختفية، وبعد صدمةٍ طويلة جاءت الشرطة ورفعت البصمات لتكتشف أنها بصمات أحد زوجات شقيق والد سندس، وأنها قد فعلت ذلك انتقامًا من أمها بسبب حقدها عليها وغيرتها الشديدة منها، وفي النهاية حصلت تلك الشيطانة على حكم بالإعدام لم يتم تنفيذه حتى الآن.

هارون وإبراهيم، اغتيال البراءة

بمقياس الشهرة فإن ظاهرة قتل الأطفال قد لقت أكبر صدىً لها في عام 2013 عندما تم قتل الطفلين الصغيرين هارون وإبراهيم، واللذان لم يكونا قد بلغا السنوات العشر بعد، لكن شيطانهما الذي قررا قتلهما كان قد تجاوز العمر الذي يسمح بارتكاب جريمة وحشية مثل هذه، وهو العمر اليائس الذي يضيع فيه الشخص ويتغلب عليه الشيطان فيُقرر أنه لا شيء في هذه الحياة يستحق أن تعيش سويًا، وأنه لابد من الانتقام من ذلك العالم عن طريق أكثر الجرائم وحشية على الإطلاق، وهي جريمة القتل، لكن، هل اكتفى هؤلاء الشياطين بالقتل فقط؟

كان إبراهيم وصديقه هارون يلعبان مثل كل الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن العاشرة، وفجأة لم يشعر الأهالي بوجودهم وبدا جليًا أن شيء ما قد حدث لهم، لكن، لو كنا في ظروفٍ عادية لظن الجميع أنهما قد ضلا الطريق أو على أكثر الظن قد تم اختطافهما لطلب الفدية ومساومة الأهالي، لكن نحن الآن في الجزائر، هذا يعني أن حوادث قتل الأطفال ربما لم تتوقف، وأن الطفلين المُختفيين ربما لم يختفيا، وإنما قُتلا، هذا بالطبع ما فكرت به الشرطة وهذا ما لم يرغب الأهالي في تصديقه، أو بمعنى أدق، إدخاله في الرؤوس.

ظهور الجثث وسقوط الشياطين

كان اختفاء الطفلين هارون وإبراهيم في السادس من مارس القابع في عام 2013، بعد ثلاثة أيام، وتحديدًا في التاسع من مارس القابع في نفس العام، وصلت إلى الشرطة أخبار العثور على جثتين بأحد مقالب القمامة، وبالفعل اصطحبت الشرطة ذوي الأطفال من أجل معاينة الجثث والتعرف على هوية أصحابها، وقد كانت الكارثة المتوقعة عندما تم الكشف عن رجوع الجثث إلى الطفلين المُختفين قبل ثلاثة أيام، وهنا كان ثمة سؤال واحد يدور في أذهان الجميع، ما الذي حدث؟

بحثت الشرطة في المنطقة عن المشتبه به، وخلال البحث تبين أنه ثمة شابين معروفين بالسمعة السيئة، لذلك لم تتوانى الشرطة عن مراقبتهما وتسليط الضوء على كافة تحركاتهما حتى سقطا في الفخ وتم إلقاء القبض عليهما وهو يحاولان التخلص من ملابس الأطفال، وبالمواجهة اعترفا أنهما قد قاما باغتصاب الطفلين ثم تركاهما، لكن الخوف من إفشاء الأمر جعلهما يقومان بقتلهما والتخلص من جثتيهما بالطريقة التي اكتُشف بها الأمر، عمومًا، كان الحكم على المجرمين هو الإعدام، بالرغم من أن عقوبة الإعدام في الأصل متوقفة منذ فترة بالجزائر، لكن هل سيُعيد الحكم الأطفال مجددًا؟

نهال سي محتد، ضحية بعمر الوردة

في عام 2016 وقعت حادثة جديدة تؤكد على أن ظاهرة قتل الأطفال في الجزائر لم تتوقف حتى وقتٍ قريب، حيث أن الفتاة الصغيرة صاحبة الأربعة أعوام نهال سي محتد قد قدمت من قرية إلى أخرى من أجل حضور عرس مع عائلتها، وطبعًا أنتم تعرفون أن الأعراس تكون مُشبعة بالأغراب الذين ربما لا يُعرف بعضهم، وعلى ما يبدو أن الطفلة الجميلة نهال كانت ضحية لأحد هؤلاء، حيث اختفت في منتصف العرس وفشلت جميع محاولات البحث عنها من قِبل الأهالي، وهنا كان لابد من تدخل الشرطة وتوسيع دائرة البحث.

كانت الشرطة تُعطي احتمالية أكثر لموت الفتاة، لكنها لم تُرد إقلاق الأهالي بهذا الصدد، وإنما فضلت البحث وكأن الأمور ستجري على نحوٍ جيد، لكن بكل أسف تم العثور على جمجمة لطفلة صغيرة ومُتعلقات يُتوقع أنها تتبع نهال، بيد أن الجميع لم يُرد التصديق في البداية، لذلك تم إحالة تلك المتعلقات مع الجمجمة المحترقة إلى الطب الشرعي، وهناك حلت الصاعقة المتوقعة، تلك الأشياء تتبع الطفلة المختفية، نهال ماتت.

ملاحقة الشيطان

بالتأكيد من فعل ذلك في طفلة بعمر الوردة لا يُمكن أن يوصف بالإنسان، بل هو شيطان ملعون لا يستحق أن يأخذ نفسًا آخر من الحياة، لكن صدقوا أو لا تصدقوا، لم تستطع الشرطة حتى الآن التوصل إلى القاتل ولا تعرف أصلًا ما هي الجريمة وكيف تمت، وهل ماتت نهال موتًا مُريحًا أم أنها قبل ذلك قد تعرضت للاغتصاب المُذل، عمومًا، مع الوقت بدأت الكثير من الشائعات تتردد حول ملاحقة الشيطان والقبض عليه، لكن كل هذا لم يتم تأكيده حتى الآن ليبقى دم المسكينة نهال ساخنًا ومُتعطشًا للثأر.

ظاهرة قتل الأطفال في الجزائر

في الحقيقة أثار انتشار تلك الظاهرة في المجتمع الجزائري غضب وسخط الجميع، فقد تم تسجيل أكثر من تسعمائة حالة قتل، ذكرنا فيما مضى جزء قليل منها، وطبعًا هناك حالات لم تخرج إلى النور ولم يسمع بها الناس، إما بسبب التعتيم وإما بسبب الخوف من الفضيحة، فطبعًا لن يخرج الأب والأم ليقولا إن طفلتهما قد اغتصبت وقتلت، هذا أمر بالنسبة لهم يُمثل فضيحة مدوية، وأيضًا الحكومة الجزائرية في بعض الأحيان لا تُريد أن تُصدر للعالم صورة الحكومة الضعيفة التي لا تتمكن حتى من حماية أطفالها، لكن السبب الأول والمباشر في حدوث مثل تلك الحوادث المروعة أن القانون الجزائري قد ألغى عقوبة الإعدام قبل وقتٍ طويل، وبالتالي يكون المُجرم شبه مُتيقن من أنه مهما يرتكب من جرائم فلن تتم معاقبته، وهذا سبب كفيل بانتشار حوادث أكثر من هذه بكثير.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

1 × 5 =