تسعة مجهول
طائفة الأميش
الرئيسية » غرائب » طائفة الأميش : لغز أمريكي كبير حير العالم وما يزال يحيره

طائفة الأميش : لغز أمريكي كبير حير العالم وما يزال يحيره

طائفة الأميش هي طائفة من سكان أمريكا الأصليون، يعتزلون السياسة والمجتمع إلى حد كبير، نتعرف على حياة وأسرار طائفة الأميش في السطور المقبلة.

تُعد طائفة الأميش واحدة من المعجزات الخالدة في هذا العالم، ومع أنه من الغريب جدًا أن تُصبح مجموعة من الأشخاص مقصدًا للسياح وجاذبًا لهم فضلًا عن الكثير من الأماكن السياحية، إلا أن هذا حدث ويتكرر باستمرار مع سكان طائفة الأميش، والذين يعيشون منذ أكثر من ثلاثة قرون في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر البلاد تقدمًا، ورغم ذلك ما زالوا مُحتفظين بكل ما كانوا عليه في السابق، ولم يُزحزحهم هذا التقدم الهائل أو يأخذهم في فلكه، بل بقوا على نفس الحالة التي جاءوا عليها قبل ثلاثمائة عامٍ إلى الآن، فمن هم سكان طائفة الأميش، ولم يُعدوا لغز كبير ومُحير للعالم، هذا بالضبط ما سنعرفه من خلال السطور التالية.

طائفة الأميش وعلاقتهم بأمريكا الحديثة

من هم؟

ببساطة، سكان طائفة الأميش هم سكان أمريكا الاصليون، الذين حلّوا بها قبل ثلاثة قرونٍ، وتحديدًا في عام 1666، ووضعوا حجر الأساس لها، حيث كانوا من الطبقة المتدنية في أوروبا، وأردوا بهجرتهم إلى أمريكا الشمالية تكوين وضع خاص بهم، والفرار من قبضة الساد هناك، والذين كانوا يعتبرونهم عبيدًا لهم.

يُعتبر الراهب آمان جكوب القس الذي وضع حجر الأساس لهذه الطائفة، فهو الذي كان يرى أن الفساد الذي انتشر هذا الوقت في أوروبا أهم أسبابه تدخل الكنيسة وسلطة البابا المطلقة، لذلك قرر ترك كل ذلك والذهاب إلى مكانٍ يضمن فيه تطبيق تعاليم الديني المسيحي بحذافيرها، ولم يرى مكانًا أفضل من القارة الأمريكية يصلح لذلك، حيث كانت لا تزال مجرد مستعمرات بريطانية وفرنسية خاوية، فقرر المكوث بها حتى ينصلح الحال في أوروبا، ولم يكن يعلم أنه سيبقى هناك للأبد، سيبقى حتى يخرج من أتباعه من يسيدون العالم بأكمله، سيبقى حتى تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية.

تطور طائفة الأميش

بمرور الوقت رأى بعض الأميشيين أن الالتزام المُطلق بتعاليم الراهب آمان جكوب لم يعد أمرًا منطقيًا، وأنه لابد من مواكبة التطور الذي كان يشهده العالم في هذا الوقت، والذي كان متمثلًا في ظهور بعض الأجهزة الحديثة واختراع الكهرباء ومعرفة الإنسان لذاك السلاح الذي يُمكنه قتل إنسان آخر عن بُعد.

انطلق بعد الأمشيين لمواكبة هذا التطور الذي كان يضرب العالم بأكمله، أما البعض الآخر فلم يتزحزح من موضعه وقرر الالتزام الكامل بتعاليم الراهب آمان جكوب، وكان نتيجة هذا الانقسام أن ظهرت مُعجزتين باقيتين حتى الآن، أما المعجزة الأولى فهي دولة الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت للعالم فجأة واعتلته كواحدة من القوى العظمى بها والأكثر تطورًا على الإطلاق، والمعجزة الثانية كانت طائفة الأميش التي يمكن القول أن الزمان لم يتحرك بهم إلى الآن وأنهم لا يزالوا في القرن السادس عشر، ولا يزالوا حتى الآن يجهلون أشياء كثيرة-عفى عليها الزمن بالنسبة للكثيرين، كالكهرباء والهاتف، ليتكون نتاج ذلك نوعين من الأميش، هما الأميش الخالدة، والأميش الحديثة.

طائفة الأميش الحديثة

طائفة الأميش الحديثة هي الولايات المتحدة الأمريكية بصورتها الحالية، أو الجزء الذي قرر الانفصال عن طائفة الأميش القديمة قبل ثلاثة قرون، وهؤلاء الآن أصبحوا مواطنين في دولة تُعد من أكثر دول العالم تقدمًا وازدهارًا، فهم بالأساس مصدر كل تطور أو ابتكار جديد يظهر العالم، بل أن كل الاختراعات والأجهزة الحديثة التي يستخدمها العالم الآن هم بالأصل إما مخترعيها أو من مهدوا الطريق وتبنوا من اخترعوها.

طائفة الأميش الخالدة

وهذا النوع تحديدًا هو الذي حيرّ العالم بعادته وتقاليده الغريبة، والتي أهمها مثلًا أن الملابس والأطعمة والأشربة، وكل الأشياء التي كانوا يفعلونها قبل 300 عام مازالت قائمة حتى الآن، فلا يوجد عندهم مثلًا أي نوع من أنواع الخمور الحديثة أو الأطعمة الشائعة في أمريكا الآن، كذلك فإن ملابسهم مازالت جلدية مبرقشه، ورؤوسهم ما زالت تحتفظ بالقبعات القديمة التي كان الشمال الأمريكي كله يرتديها قديمًا.

طائفة الأميش والتقدم

أما فيما يتعلق بالأجهزة الحديثة فلا وجود لها في الأميش على الإطلاق، فمن المستحيل مثلًا أن تجد في بيت من بيوتهم ثلاجة أو غسالة أو تلفاز، أو أي جهاز من الأجهزة التي تتواجد في أفقر البيوت بأقل الدول النامية في العالم، ناهيك عن الكهرباء التي لازالوا يجهلونها حتى الآن، والعربات التي لا يتصورون أن العالم قد وصل إليها بعد، وأنه ثمة وسيلة أخرى للمواصلات بخلاف عربة الكارو التي يجرها حصانين.

والواقع أنهم يعتقدون كثيرًا بأن تلك الأجهزة وهذا التقدم كانا السبب الرئيسي في إفساد الانسان الحديث وكانت سببًا في الكثير من الحروب، وعلى ذكر الحروب والقتل، يجب القول إنه لم تثبت جريمة قتل واحد في الأميش منذ أكثر من قرنين، وبالطبع لا ينضم أي مواطن أميشي إلى الجيش الأمريكي، فالشعب المسالم الذي لا يتعدى على غيره لا يمكنه أبدًا الانضمام إلى الجيش وقتل الآخرين، مهما كانت المبررات والأسباب.

طائفة الأميش والتعليم

فيما يتعلق بالتعليم فالأميشيون أيضًا لم يستعينوا بالمدارس الأمريكية لتعليم أبناءهم، بل انعزلوا عنهم في ذلك الأمر وقرروا تعليم أطفالهم في الكنائس على يد مدرسين أميشيين خالصين، لم يتلوثوا-كما يعتقدون-بالتعليم الأمريكي الفاسد، وفي تلك المدارس الكنسية يتم تدريس كل العلوم من طبٍ وهندسة وفلك، لكن ذلك أيضًا في إطارٍ الالتزام بمبدأهم المعهود، وهو عدم التأثر بالتقدم الخارجي الذي يعيش فيه العالم.

طائفة الأميش والانتخابات

الانتخابات الأمريكية عند طائفة الأميش لا تُمثل حدثًا على الإطلاق، فهم لا يُشاركون فيها لا بالانتخاب أو الترشح، ويعتبرون أنفسهم دولة منفصلة انفصالًا تامًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، بل عن العالم بأكمل، هذا بالإضافة إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تضغط عليهم فيما يتعلق بهذا الأمر وتركتهم على سجيتهم.

التخيير الأميشي

يتم تخيير الشاب الأميشي فور بلوغه الثمانية عشر عام، والتخيير يكون بين الاستمرار ضمن طائفة الأميش والرضى تام بما يقولونه وما يأمرون به، أو الانضمام إلى المجتمع الأمريكي المتحضر والتخلي عن كل ما مبادئ الأميش، وللغرابة، فإن أربعة شباب من كل خمسة يخوضون مرحلة التخيير يعودون مرة أخرى إلى حياة الأميش، وهذا إن دل فيدل على أن الأميشيين يعيشون حياة أكثر أمنًا ورفاهية، تجعل من عاشوها غير قادرين على التخلي عنها.

أسباب بقاء الأميش

أن تبقى طائفة الأميش إلى الآن فهذه معجزة كبيرة، لابد وأن عدة عوامل قد تضافرت لحدوثها، والأميشيون نفسهم يقولون إن الانغلاق وعدم الاحتكاك بالعالم الخارجي هو السبب الرئيسي لبقائهم حتى الآن، فهم لا يستخدمون التكنولوجيا الحديثة فقط، بل أنهم أيضًا لا يعرفون بها، أو بمعنى أدق، لا يُحاولون التعرف عليها.

الأميشيون أيضًا تحكمهم الأخلاق والمبادئ، ولم يتجهوا طوال تاريخهم للأحكام والقوانين، فالأخلاق والمبادئ ثابتة، بينما تتغير القوانين بتغير الأشخاص، ولهذا السبب نجد الأميشيون موجودون إلى الآن، كما أن هناك سبب آخر لبقاء الأميشيون وهو تساهل على الحكومات معهم، فهم لا يدفعون الضرائب ولا يلتزمون بما يلتزم به باقي أفراد المجتمع الأمريكي، وبالطبع أي شخص يتمنى أن يكون حرًا، غير مُكبل بأي قيود، خاصةً وإذا كانت هذه القيود هي الضرائب، لكل ذلك، وغيره، بقيت الأميش إلى الآن، وستبقى للأبد.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

1 × 3 =