تسعة مجهول
الراهبات البوذيات
الرئيسية » غرائب » الراهبات البوذيات : كيف تتخيل الراهبة البوذية نفسها رجلاً ؟!

الراهبات البوذيات : كيف تتخيل الراهبة البوذية نفسها رجلاً ؟!

هناك اعتقاد سائد بين راهبات الطائفة البوذية بأنه سيتحولن في يوم من الأيام إلى رجال! ما سر اعتقاد الراهبات البوذيات هذا؟ وهل هو حقيقي فعلاً؟

الراهبات البوذيات هن خادمات المعابد البوذية، مثلهن مثل الراهبات المسيحيات وغيرهن، في معظم الأديان بالعالم تكون المرأة أقل من مستوى الرجل ويحاول المجتمع وأديانه أن يثبتوا هذا للمرأة ويحفرون الأمر في رأسها، حتى تكبر وتتبنى تلك الفكرة بنفسها وتورثها إلى الأجيال التالية خاضعة بذلك للرجال دون مقاومة وليس هناك مفر. أما عند الراهبات البوذيات فقد يكون هناك حل، ألا وهو التحول إلى رجل. يؤمن البوذيين أن الروح لا تموت بل تنتقل من جسد إلى أخر بعد الموت وتظل هكذا إلى الأبد، ولكي تقترب من الروحانيات أو الروح الأم كما يطلقون عليها أو مرحلة النيرفانا، عليك أن تكون راهب في دير بوذي وتخدم بخشوع وطاعة وتمارس الصلوات وما إلى ذلك. وفرصة الراهبات البوذيات أن تصحبن رجلاً بعد الموت تكون كبيرة إن خضعت وخدمت في دير بوذي، لتعود إلى الحياة رجلاً ومن ثم تخوض نفس الرحلة لتصبح راهب وتصل إلى الروحيات العليا. تعرف أكثر عن الراهبات البوذيات وتقاليدهن في هذه السطور.

الراهبات البوذيات وفكرة التحول إلى رجل

بداية يوم الراهبات البوذيات

تستيقظ الراهبات البوذيات يومياً في الساعة الرابعة فجراً ليذهبن جميعاً إلى المطبخ ويحضرن كمية كبيرة جداً من الأرز المطبوخ مع بعض الخضروات المشكلة وبعض البهارات. ومن ثم بعد ثلاثة ساعات من العمل المتواصل بدون إفطار يأتي الرجال الكهنة من الدير القريب ليأكلوا ويملؤوا بطونهم ولهم الحق في طلب المزيد دائماً وبكل التحدث أبداً مع الراهبات. بعد ذلك يأتي دور الراهبات البوذيات في الأكل من باقيا الأرز وغالباً ما يحصلون على كمية قليلة والأقل طبخاً ولا يحق لهم طلب المزيد إلا مرة واحدة فقط بالأسبوع. في الحقيقة إنهن يعتقدن أن هذا يزيد فرصة حصولهم على كارما (الحسنة في البوذية) لأن إعطاء الطعام إلى الكاهن بدلاً من أنفسهن هو الأمر الأفضل وكأن الكاهن بذلك هو من يمن عليهن بالبركة عند أكلهم من عندهم وليس العكس. وهذا أيضاً ما يفعله الفلاحين والمجتمع لأنهم يفضلون العطايا إلى الكهنة فقط وليس للراهبات.

ما هي الكارما؟

الكارما تمثل الحسنة في الإسلام وعلي البوذي أن يجمع أكبر قدر من الكارما في ميزانه بالأعمال الحسنة والخضوع والطاعة. وفي حياة البوذي خمسة وصايا مهمة وأهمها عدم قتل النفس وإزهاق الأرواح. أما في حياة الراهب أو الراهبة فتوجد عشرة وصايا. عند الموت ومحاسبة الروح سيتم حساب أعداد الكارما التي حصل عليها ومن هنا سيتحدد إلى أي جسد ومكانة سيذهب إليها، وكلما كانت حسناته أكثر كلما كان الجسد الأخر أفضل في المكانة الاجتماعية وفي الغنى وكل هذه الأمور. ومن ثم بالنسبة إلى الكهنة حين يصلون إلى ذلك الصفاء والروحيات العالية من قضائهم لعدة مرات بأجساد مختلفة حياة شريفة، لن يحتاجون إلى إعادة البعث مرة أخرى أو ما يطلقون عليه “سامسارا”. وهنا يصل إلى النيرفانا وهي حالة روحية لا يوجد معها تعب ولا أنين ولا غضب وهي الجوهر الأصلي للإنسان، وبذلك ينضم إلى روح الخالق.

ولكن لتصل إلى ذلك يجب أن تكون رجلاً لا امرأة لأنه المستوى الاجتماعي الأفضل، فإن رجعت الروح لتصير امرأة فذلك انحدار في مستواها بسبب أخطاءها في الحياة الماضية وامتلاكها عدد قليل من الكارما، بمعنى أنه لو خان رجلاً امرأته فعندها قد يكون هناك فرصة كبيرة ليتحول إلى امرأة في الحياة الأخرى. أما لو عاد وكان رجلاً سيكون بذلك قد أحسن التصرف في الحياة الماضية ليستحق ذلك. ولدى كل امرأة أمل في أن تصبح رجلاً ما إذا أصبحت راهبة بوذية صالحة. هذا الكلام صارم وثابت في طائفة “الزيرفادا”، وهي طائفة بوذية متشددة جداً وكأنها إرهابية فيما يختص بأمور الدين البوذي.

الراهبات البوذيات في الأديرة

من أهم البلدان التي تمارس البوذية وتمارس تلك العادات بطريقة كبيرة وجادة هي تايلند وبورما ولانكا وسري. وفي بورما تعيش ألاف النساء اللاتي اعتدن الوضع وهذا التميز الواضح والصريح، فيحاولن التكيف معه أو محاولة تغيره في أوقات أخرى. إنهن يقصون شعرهن بأكمله مثل الرجال ويرتدون ملابس قطنية خشنة بلون الوردي. ويلتحقون بأقرب دير من الأديرة الكثيرة المنتشرة بالقرب من ماندلاي المدينة الملكية. والسياح يأتون من حول العالم ليشاهدوا هذه الطقوس والأفكار المتشبثة في عقل هذه النسوة حول علو مستوى الرجل عنهن وأنهن الأقل فيفكرون في تغير أنفسهن إلى رجل. السبب الرئيسي في ذهاب الفتيات إلى الأديرة لا يكون فقط الاقتناع بالديانة ورغبتهم في التحول إلى كاهن، بل أيضاً بسبب تشجيع الأهل المتواصل للفتاة بأن تذهب إلى الدير لأنهم في الحقيقة لا يملكون المال لرعايتها بشكل سليم خاصة لكثرة أعداد البنات المولودة في كل عائلة، أو لأن المستوى الاجتماعي والاقتصادي في المكان لا يسمح بذلك.

أما في الدير فقد يكون لها فرصة في الحصول على طعام وشراب وحياة صعبة ولكنها في الأخير مجرد حياة أفضل من اللاشيء. وهناك في الدير تنمي الراهبات البوذيات علاقات قوية من الصداقة وتحصل كل واحدة على معنى أو هدف لهذه الحياة البائسة التي تعيش فيها، والهدية ستحصل عليها في الحياة الأخرى عندما تصبح رجلاً. ووقتها الاعتراف بسمو الرجل والكهنة عنهن لا يزعجهن بل إنهن يسعين لتلك المكانة بأي وسيلة في الحياة الأخرى، إذ لا توجد وسيلة في هذه الحياة بالنسبة لهن. واحدة من أمثلة الراهبات البوذيات على صدق وتصديق المعتقدات بالنسبة لهن تتمثل في داوا ناناساري وهي رئيسة دير Samaiddhodaya في البورما. وهي رئيسة الدير وعمرها جاوز التسعة والتسعين عاماً، وهي تقول إنها لا تندم أبداً على اليوم الذي دخلت فيه الدير وهي في السادسة عشر من عمرها وكل الفتيات يعتبرن بالنسبة لها أخوات وبنات وهي الأم، وهي الآن متحمسة لتموت وتصبح رجلاً كاهناً من جديد.

منذ متى على هذا الحال؟

في البورما وحدها يوجد أكثر من ثلاثمئة ألف كاهن وثلاثين ألف كاهنة أو راهبة. ولا يحق للرجل أن يأخذ لقب كاهن إلا حين يتم تعميده وهو شاب بعد دخوله إلى المعبد وهو صغير وإظهار رغبته الصادقة. أما الراهبات البوذيات فلا يحق لهن التعميد مهما طال العمر بهن وصدقت رغبتهم، فيطلقون عليهن “الشريفة” وكأن كونها امرأة لا تليق للحصول على منزلة الكهنوت. لم يكن الحال هكذا يوماً وعلى الأقل كانت الراهبات البوذيات تحصل على حق التعميد. فالبوذية ظهرت قبل 500 سنة من الميلاد في الهند، ولكنها دخلت بورما قبل 200 سنة قبل الميلاد فقط، وتمكنت من نفسية شعبها الفقير الذي كان الفقر يغذي وجود الدين بداخله. ومن ثم عام 1287 اجتاح المغول أراضي بورما كما فعلوا بسائر أسيا، فانهار أثناء ذلك كل المعتقدات الأصيلة وبقيت المعتقدات الغريبة وتمكنت من الشعب عن قلة مكانة المرأة وعدم استحقاقها للاحترام أو قربها من الإله كما الرجل.

حالياً توجد بعض النساء الراهبات البوذيات النشيطات اجتماعياً وبجنابهم قلة من الكهنة الحكماء، الذين يسعون لاسترجاع مكانة المرأة الاجتماعية خاصة في الوسط الديني. ويقولون إن بوذا نفسه كان يدعو إلى المساواة بين الجميع، كما إنه فرح حين عرف أن المولود بنتاً وليست صبي قائلاً إنها خيراً وستحي حياة شريفة. وبالطبع من يريد أن يظل أعمى سيفعل ولو كانت الأدلة تصرخ أمام وجهه لتثبت نفسها، فيحاول أخريين تحريف وإعادة تفسير كلام بوذا ليناسب ما يرغبون به بأن تظل المرأة مقموعة في المجتمع ويحصلون هم على الاهتمام والسمو وحدهم. ولأن بوذا لم يترك كتاباً خلفه فيسهل الأمر على المحرفين، لأن كل وصاياه وتعليمه كتبها أتباعه من بعده ولم يكتبها بنفسه.

وفي الديانة البوذية مذهبان: ثيرفادا وماهيانا، ويفترض أن ينقسم المجتمع حسب الديانة البوذية إلى أربعة أقسام: الكهنة ثم الراهبات البوذيات، ثم البوذيين والبوذيات العادين. وهذه التقسيمة تجعل من يعدون للتساوي أكثر قوة في مطلبهم، لأن بوذا بنفسه هو مؤسس الرهبنة النسائية. أما موقف الحكومة والعسكر الذي يمشي بالنظام الديكتاتوري في بورما فهو يقف في صف الجهة المطالبة لحقوق المرأة، ليس حباً في العدل بالطبع ولكن لأنهم يريدون استغلال الدين في السيطرة على الشعب والمجتمع وقمعه بالكامل. لأن مسألة الراهبات البوذيات هي مسألة جدلية تعمي الأذهان عن حقائق واقعية أخرى كثيرة، كما يقف البوذي الصالح مع الحكومة لعودة الديانة البوذية الأصلية كما يروجون لها، ضامنين بذلك شعب رجعي لا يفكر سوى في أمور دينية ويترك القضايا القومية للحكومة دون سؤال. ولكن الكهنة تكره العسكريين لأن أهم وصية في البوذية هي عدم القتل لذلك يحرمون عليهم دخول المعابد والحصول على الكارما.

امتيازات أخرى للكهنة وتحرم منها الراهبات البوذيات

في الحقيقة الأمر بأكمله يحط من مكانة المرأة بشكل واضح حتى عندما يقرر الصبي الالتحاق بالدير. فيتم صنع ملابس كما الأمراء له خصيصاً ليشابه ما كان يلبسه بوذا وهو أميراً، ويتم الاحتفال به في الشوارع كلها في صوت التهليل والمباركات، وفي الأخير يحق له الحياة في الدير لفترة وجيزة فقط وليس طوال العمر. أما الفتيات الملتحقات بالدير فسيتم ثقب أذنهن وكأنهن فتيات أميرات صغار، وهذا أقصى ما يمكن عمله ولا يوجد أي احتفال. ومن ثم تذهب إلى الدير لقضاء باقي حياتها أو جزء منها إن استطاعت أن تترك الدير، ولكن كل هذا لا يعطيهن أي مكانة اجتماعية بأي شكل من الأشكال.

وفي أثناء الانضمام إلى الدير ستكون هناك فرصة لزيارة كل الأماكن التي زارها بوذا وأصبحت مقدسة وتحمل تماثيل عملاقة لبوذا، وهي واجهة الحجاج البوذيين لأداء الصلوات والتضرعات. ومن أهم تلك الأماكن هي “الصخرة الذهبية” الموجودة في Kyaiktiyo وهي تمثل الكعبة للبوذيين، ويحجون لها بالآلاف لمحاولة لمسها والتبرك منها. وهي صخرة كبيرة تقع على حافة الجبل في توازن غريب، وعلى حسب الأساطير فما يمسكها عن السقوط هي شعرة من شعر بوذا نفسه. وهي محط الحجاج والسياح أيضاً، ويلتف حولها البخور لتملئ المكان كله. ورغم كل تلك الهيبة والقدسية والأهمية لأي بوذي، توجد لافتة عريضة تمنع النساء حتى الراهبات البوذيات من الاقتراب ولمس الصخرة، وذلك حرمان واضح وصريح لأبسط حقوق المرأة الدينية، لأن حتى الرجال السياح من غير البوذيين لهم الحق في لمس الصخرة وليس للنساء. وعلى الرغم من ذلك ستجد أن الراهبات البوذيات لا يمانعن، وهذا يوضح لك كيف تربوا على تصديق سمو الرجل عنهن بطريقة صعبة، وكأن أدمغتهن قد غسلت بأفكار المجتمع من الصغر. وهن يؤمن أن هذه الحياة ليست المناسبة لهن، والحياة الأخرى سيكنون أفضل حالاً إذا استمروا في الأعمال الحسنة والطاعة.

الخلاصة عزيزي القارئ أن بهذا العالم الفسيح توجد معتقدات غريبة جداً وأغلبها يقلل من قدر النساء، ومع الأسف تجد النساء خاضعات، وهذا يظهر قسوة وتجبر الرجال بدون وجه حق. فاحمد الله على ما تحمل أنت من معتقدات سامية.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

1 تعليق

عشرين − سبعة =