تسعة مجهول
الخانقون
الرئيسية » جريمة » الخانقون : قتلة استحسنوا القتل وأهلكوا ما يربو على مليون شخص

الخانقون : قتلة استحسنوا القتل وأهلكوا ما يربو على مليون شخص

هل مر على مسامعك اسم الخانقون ؟ على الأرجح لا، لكن هذه الجماعة العنيفة الدموية تستحق القراءة عنها، تعرف كيف قتل الخانقون ما يربو على مليون نسمة هنا.

الخانقون ، أو كما يُطلق عليهم من قِبل البعض قتلة المليون شخص، أولئك الذين عاثوا في الأرض فسادًا قبل حوالي قرنين من الزمن، وجعلوا من القتل عادة، بل وعادة حسنة، يُشجعون بعضهم عليها ويجعلونها مقياسًا للرجل الجيد عندهم، فمن يقتل أكثر يُصبح أفضل، هذه شريعة الخانقين وقواعدهم التي أرعبت العالم بأكمله لفتراتٍ طويلة، حتى جاء الاحتلال البريطاني إلى الهند وتمكن من القضاء عليهم، لكن قبل كل شيء، دعونا نتعرف أولًا على الخانقين، لماذا أصبحوا كذلك وكيف تمكنوا من قتل أكثر من مليون شخص بهذه السهولة، والأهم من ذلك، كيف تم القضاء عليهم للأبد.

الخانقون أو القتلة بالفطرة

من هم الخانقون؟

لا يوجد وصف مُحدد للخانقين، فهم تقريبًا يتكونون من جميع الأديان والأشخاص، فمنهم السيخي والهندوسي والمسلم، وآخرين غيرهم، إلا أنهم يشتركون جميعًا في كونهم قتلة وسفاحين، عاشوا في الهند بداية القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن العشرين، ولم يكن لهم أي عمل آخر سوى القتل، حتى قيل إن ضحاياهم قد تجاوزوا المليون شخص، لكن الأمر الذي ظل موضِع جدل لدي الكثيرين كان أسباب وجودهم والتي اختلفت باختلاف قائليها.

أسباب وجود الخانقون

اختلفت أسباب وجود الخانقين من شخصٍ إلى آخر، فمنهم من أرجع الأمر إلى الوازع الديني الأسطوري، والقائل بأن هناك ربة هندوسية كانت تُدعى كالي، هذه الربة في بداية الكون قامت بقتل وحش ضخم كبير كان يقوم بالتهام كل المخلوقات بما فيهم البشر، لكن الربة كالي، كما تزعم الأسطورة، عرفت أن هذا الوحش لديه القدرة على إعادة إحياء نفسه من جديد، وذلك من خلال قطرات الدم التي تتساقط منه، لذلك أعطت لتابعيها حبل كبير أصفر، وأمرتهم أن يخنقوه بهذا الحبل كي لا يذرف دمًا ويعود للحياة من جديد، وبالفعل مات الوحش نهائيًا، لكن أتباع كالي ظلوا مُحتفظين بالحبل وأخذوا يخنقون كل من لا ينتمي إليهم، وبالطبع كل ذلك مجرد أسطورة، لأنه لو كان حقيقة لما انضم إليهم أتباع الديانات الأخرى، وعلى رأسهم المسلمين.

السبب الأقرب للحقيقة فيما يتعلق بظهور الخانقون هو طمعهم في أموال ضحاياهم، والقيام بخنقهم من أجل سرقتهم، والدليل على ذلك أن معظم، إن لم يكن كل، ضحاياهم كانوا من المسافرين والموجودين في القوافل التجارية.

بداية الخانقون

بدأ الخانقون في الانتشار مطلع القرن السادس عشر في جميع أرجاء الهند، وقد يظن البعض، بما فيهم حكام الهند، أن الخانقين ما هم إلا مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق، يُمكن القضاء عليهم في أي وقت وبعدة طرق مختلفة، لكن هذا لم يحدث في الحقيقة، وإنما استطاع الخانقون إحكام قبضتهم على الدولة بأكملها وأدخلوها في حالةٍ من الفوضى والدمار، حتى صار الرجل يصير في الشارع وخلفه شخص أو اثنين للحراسة على الأقل.

برع الخانقون في التخفي والإخفاء، فقد كان من السهل جدًا عليهم أن يقوموا بقتل ضحاياهم ثم يتخلصوا من جثثهم، دون أن يتركوا أي أثر لها أو طريقٍ يصلح لاقتفائهم عمومًا، فقد كانوا يأخذون وقتًا كبيرًا للتخطيط لجرائهم ولم يكونوا أبدًا مُجرد قطاع طرق عشوائيين همجيين.

الطريق إلى الضحايا

جريمة الخانقون كانت تأخذ وقتًا ليس بالقليل للتخطيط، بينما لا تأخذ أي وقت في التنفيذ، فكانوا إذا أردوا مثلًا السطو على قافلةٍ ما قاموا بتتبع أفراد القافلة ومراقبتهم، للتعرف على الموعد المناسب وجمع التفاصيل اللازمة، وكان الأمر يصل إلى زرع أشخاص منهم وسط القافلة كي يكونوا بمثابة عيونٍ لهم.

بعد جمع المعلومات عن طريق تلك الأعين تبدأ المرحلة الثانية من عمل الخانقين، حيث تقوم باقي المجموعات بمهاجمة القوافل التي تم تحديدها مسبقًا، ويبدأ الانقضاض غالبًا في مناطق يعرفونها جيدا ويحفظون مداخلها ومخارجها، وتسمى هذه المناطق بيلي، وفيها يحدث عملية الالتقاء بين الخانقين المُندسين داخل القافلة والخانقين المتربصين بها، ويحدث الالتحام بعد الإشارة الداخلية التي قد تكون إشغال النيران وتصعيد دخانها أو دق الطبول، وقد كانت هذه الطبول تُستخدم أيضًا في التشويش وتشتيت الانتباه، حيث يشرع الخانقون المندسون في القافلة بالرقص كنوعٍ من الإلهاء لحين اقتحام الخانقون المتربصون، وكان الأمر ينجح دائمًا ويتم التهام القافلة بمن فيها سرقة محتوياتهم.

تنفيذ عمليات الخنق

عند الاقتحام، وعن طريق الخرقة الصفراء التي تُسمى رمال، يبدأ الخانقون المتربصون والمندسون في خنق ضحاياهم وقتلهم، وكان الأمر يتم عادةً بصورةٍ جماعية، حيث يقوم شخص أو اثنين بتقييد الضحية وإحكام قبضتهم عليهم، في حين يقوم الثالث بخنقها، في الوقت الذي يقوم فريق آخر بعملية التطويق كي لا يتمكن أحد المسافرين من الهرب.

وكما أسلفنا، تُنفذ عملية القتل تلك على أنغام الموسيقى والطبل، وذلك حتى لا يلتفت آخر القافلة إلا ما يجري في أولها أو العكس، والخلاصة أن الخانقين كان يجعلون جرائمهم تسير كأفضل ما يكون، وربما كان هذا السبب الرئيسي لاستمرارهم لفترة كبيرة من الوقت، امتدت لتصل إلى أربعة قرون أو يزيد.

العُرف عند الخانقين

مثل كل الجماعات والقبائل، كان للخانقين عدة أعراف وأحكام، منها على سبيل المثال أنه لا يجوز قتل بعض الفئات، كالمغنيين والنجارين والراقصين والمسيحيين وغيرهم الكثير مما أوصت الربة كالي بعدم قتلهم أو الاقتراب منهم، لكن كما قلنا من قبل، ليس الوازع الديني وحده هو من يحكم الخانقين، والدليل على ذلك أنهم لم يلتزموا بهذه الأعراف والشرائع، فلا ضير من قتل المغنيين والراقصين والمسيحين أن كانوا يملكون الأموال والمتاع، وهو ما يسعى إليه الخانقين ويجعلونه أولوية عندهم.

أما ما يتعلق بقتل النساء، والذي كان مُحرمًا أيضًا، فقد كان العمل به قائمًا لفتراتٍ طويلة من حياة الخانقين، لكن مع مرور الوقت، وخوف البعض من أن تشي النساء بهم إذا تم تركهن، تم مخالفة هذا العرف أيضًا وأصبح قتل النساء أمر عادي، وبذلك لم يكن يتبقى في القافلة التي يتم مداهمتها سوى الأطفال، وهؤلاء كان يتم أخذهم وتربيتهم على القتل مع أولادهم الأصليين، حتى يتحولوا فيما بعض إلى خانقين مثلهم.

من أعراف الخانقين أيضًا أنهم لا يجعلون حُرمة لنسائهم، فهم مثلهم مثل الرجال يتم استخدامهم في عمليات القتل، حتى ولو كان ذلك بالإغراء فقط، حيث كانت الواحدة منهم تُلقي بشباكها على أحد المُسافرين الذين ينوون قتلهم، وحين يطمئن لها الضحية تقوم بخنقه وسرقة متاعه، لذلك صنف التاريخ الخانقين على أنهم جماعة كاملة، وليس مجرد لصوص أو قطاع طرق، وكان من الممكن جدًا أن يظلوا إلى الآن، لولا الاحتلال البريطاني للهند.

نهاية الخانقين

بالرغم من أن الحكومات الهندية ظللت تلاحق الخانقين لأكثر من ثلاثة قرون إلا أنه لم تستطع القضاء عليهم، لكن اللورد وليام ساليمان تمكن من القضاء عليهم بسهولة خلال عشر سنوات، وذلك بأن قام بتكوين قافلة وهمية مُدججة بالحرس والأسلحة، وفور هجوم الخانقون عليهم قاموا بإمطارهم بوابلٍ من الرصاص ليسقط أغلبهم قتلى بينهم يتم أسر البقية وينتهي الخانقون للأبد، كان ذلك في عام 1940، حيث كان كل شخص من الخانقين حسب اعترافاتهم قد قتل ما يزيد عن ألف شخص.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية + 15 =